يستخدم الشباب المصري آدم فواز "الميكروباص" يومياً في الوصول إلى مقر عمله الواقع في إحدى بنايات كورنيش المعادي بمحافظة القاهرة، ويقول لرصيف22 إنه كثيراً ما يضعه حظه البائس مع سائق يشغل القرآن بصوت عالٍ جداً داخل السيارة، خصوصاً في شهر رمضان الذي يقول فواز عنه إنه أكثر شهر يخرج فيه المصريون تديّنهم "المغشوش" إلى العلن، حتى لو أدى ذلك إلى إزعاج الناس.
يحكي فواز أنه كان عائداً من عمله قبل نحو أسبوع، وكان متعباً جداً بفعل الصيام، ويشعر بصداع شديد، فطلب من السائق أن يخفض قليلاً صوت القرآن، لكن السائق رفض طلبه قائلاً "لو مش عاجبك القرآن انزل من العربية". يضيف فواز أنه شرح للسائق أنه متعب جداً ومصاب بالصداع، فسأله السائق عن اسمه. فهم فواز أن السائق يريد أن يعرف اذا كان مسيحياً أم لا بشكل غير مباشر، فقال له "اطمن يا سيدي أنا مسلم زيك (مثلك) واسمي آدم، لكني متعب من الصيام".
ما حدث مع الشاب المصري في هذا اليوم تكرر مع آخرين في وسائل النقل الجماعي، خصوصاً في سيارات الميكروباص التي يعتبرها السائقون عالمهم الخاص، ففي الأيام العادية يشغل معظمهم أغاني مهرجانات وفي شهر رمضان يشغل بعضهم القرآن أو الدروس الدينية.
"المشكلة هي أن تشغيل السائق للقرآن لا يمنعه من إهانة الناس، كما لا يمنعه من البصق في الشارع، وتوجيه شتائم مخجلة لسائقين آخرين حين يتعارك معهم في الشوارع. لا يعني تشغيل السائق للقرآن أننا في حضرة سائق متدين، بل يعني أننا في حضرة سائق لا يهمه أن يؤذي الناس" يقول فواز لرصيف22.
"ليس عندي مشكلة مع القرآن ولكن"
بالنسبة إلى يحيي السيد فإن ركوب ميكروباص مع سائق لديه جهاز كاسيت لهو الجحيم بعينه، يقول إن مكبرات الصوت تكون موزعة في جميع أنحاء السيارة، وفي أي مقعد يجلس فيه الراكب يكون الصوت قريباً منه جداً، ويكمل في حواره مع رصيف22 أنه اشترى سماعات لهاتفه المحمول خصيصاً كي يضعها على أذنيه في وسائل المواصلات لتقلل الإزعاج الذي يسببه جهاز الكاسيت الخاص بالسائق، الذي لا يهتم بحال الركاب.
"ليس عندي مشكلة مع القرآن لو كان بصوت قارئ أحبه، ولو كانت درجة الصوت معقولة، مشكلتي الوحيدة هي أن بعض السائقين يعشقون الصوت العالي جداً، وكأن لديهم أزمة مع الصوت المنخفض"، يقول السيد. ويكمل: "حين أطلب من السائق خفض الصوت لا يقبل، ويتعامل معي كأني أهين القرآن، والغريب أن بعض الركاب يتفقون معه في ذلك لدرجة أنني في إحدى المرات طلبت من السائق أن يخفض صوت القرآن فقال راكب يبدو أنه سلفي للسائق: أترك القرآن يا أسطى. ونظر إلي نظرة اشمئزاز وكأنني أهنت الإسلام".
"مش عاجبك انزلي اركبي تاكسي"
"من وجهة نظر الكثيرين في الشوارع المصرية، فإن مشكلتي هي أنني فتاة، ومسيحية أيضاً". تقول ماريا لرصيف22، وتضيف أنها في كل مرة تركب مع سائق يشغل القرآن بصوت عالٍ لا تعترض، وتتقبل الأمر الواقع، فهي تعلم أن كونها فتاة مسيحية سيعرضها الاعتراض على الصوت العالي لمشاكل عديدة في وسائل المواصلات.
"المرة الوحيدة التي قررت فيها الاعتراض كانت حين اتصل بي زوجي ليخبرني بأمر مهم عبر الهاتف، وطلبت من السائق أن يخفض صوت القرآن لأسمع زوجي جيداً، فنظر السائق إلى مرآة السيارة، ولاحظ أني غير محجبة، فقال بصوت عالٍ "لو مش عاجبك يا هانم انزلي اركبي تاكسي"، ورفض أن يخفض صوت القرآن".
تتذكر ماريا أن أحد الركاب تضامن معها، وقال للسائق إنها تريد أن ترد على مكالمة مهمة، وإن التدين الحقيقي هو أن يعامل الناس باحترام، ويتحدث معهم بأسلوب جيد، ورغم أن السائق رفض أن يخفض صوت القرآن، فإن موقف هذا الراكب الذي لا تعرفه ماريا جعلها تشعر بسعادة.
"من وجهة نظر الكثيرين، فإن مشكلتي هي أنني فتاة، ومسيحية أيضاً”، تقول ماريا لرصيف22، وتضيف أنها في كل مرة تركب مع سائق يشغل القرآن بصوت عالٍ لا تعترض، وتتقبل الأمر الواقع، فهي تعلم أن كونها فتاة مسيحية سيعرضها الاعتراض على الصوت العالي لمشاكل عديدة.
مصريون يتحدثون مع رصيف22 عن قصصهم مع أصوات المقرئين العالية في المواصلات العامة.. ماذا قالوا؟ وهل رفع أصوات المقرئين في الحافلات مِن الإسلام؟
حسب إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق، فإن الضوضاء "فعل شائن يصدر ممن لا يعرف حقيقة الإسلام". عن أصوات المقرئين العالية في وسائل النقل في مصر.
هل رفع أصوات المقرئين من الإسلام؟
بحسب إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق، فإن رفع صوت القرآن في وسائل المواصلات ليس من الإسلام في شيء، قائلاً إن الضوضاء فعل شائن يصدر ممن لا يعرف حقيقة الإسلام، وأنه حزن من اتباع غير المسلمين في الدول الأوروبية آداب الهدوء على عكس البلاد الإسلامية.
وتابع هدهد في إحدى حلقات برنامج لقاء خاص الذي تعرضه فضائية إكسترا نيوز المصرية أنه بقدر ما يتسع الأذى بقدر ما تكثر الآثام، مشيراً إلى حديث النبي محمد: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، مؤكداً أنه حتى أصوات القرآن يجب ألا تُرفع بشكل مبالغ فيه في وسائل المواصلات.
وأكد هدهد أن رفع أصوات القرآن في المواصلات العامة يعد تشتيتاً للركاب، وأذى للناس، بالإضافة إلى رفع أصوات الأغاني، التي تغيرت ألحانها إلى الصخب، قائلاً: "أيام زمان كنا نسمع أم كلثوم وعبد الحليم، كانت أغانيهما رقيقة تخاطب المشاعر والوجدان"، مؤكداً أن أغاني هذه الفترة تسبب إزعاجاً للناس في وسائل المواصلات.
وتواصل رصيف22 مع الخط الساخن لدار الإفتاء المصرية، التي قالت إن تلاوة القرآن الكريم مطلوبة شرعاً في رمضان وغير رمضان، لكنها أضافت أن تشغيل بعض السائقين للقرآن الكريم بصوت عالٍ في المواصلات العامة أمر لا يتناسب مع حرمة تلاوته، لأن هذا الأمر قد يسبب إزعاجاً للناس، وأضافت الإفتاء أنه في وسائل المواصلات تختلط القراءة بضجيج الأصوات ولا يتحقق الإنصات والتدبر، ويمكن لمن يريد قراءة القرآن أن يفعل ذلك في سره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...