بعد ولايتين حكوميتين سابقتين في المغرب لحزب إسلامي، هو حزب العدالة والتنمية، ومسار من التواصل "الزائد" أحياناً والشد والجذب، واستغلال جميع الوسائل التكنولوجية والوسائط من أجل إيصال عمل الحكومة السابقة إلى عموم المواطنين وإيصال رسائلها والرد على تساؤلات المواطنين، ولو بالوعود والتبريرات غير المقنعة أحياناً، عاش المغاربة خلال السنة الماضية مع الحكومة الجديدة التي يترأسها حزب التجمع الوطني للأحرار، وما زلنا نعيش نوعاً غريباً من التواصل: الغياب التام وصيام الوزراء عن الكلام، إلى حد أن العديد من المهتمين بالشأن السياسي في المغرب يجمعون على وصف الحكومة الحالية بـ"الحكومة الصامتة"، فما السبب؟
ندوات من دون تواصل
بعد تجربة حكومية تميزت بمنهجية "الإفراط" في التواصل والتعاطي مع العمل السياسي، وشخصية كاريزمية لرئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، يعيش المغاربة مع حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، منهجية "الصمت المطبق" في كل القضايا وعلى جميع الأصعدة، خاصةً تلك التي تمسّ مباشرة المواطنين وجيوبهم.
أمام هول المصائب وكثرة الزيادات في المواد الغذائية، وارتفاع أسعار المحروقات، لم تكلّف الحكومة نفسها ولا حتى وزراءها عناء توضيح هذه الأمور بشكل منطقي للمواطنين، الذين انتخبوهم أصلاً لهذه الغاية عبر وسائل الإعلام الحكومية أو الخاصة الناطقة باللغة العربية، في حين لم تعد تبريرات الأزمة العالمية والجفاف الذي يعاني منه المغرب، تقنع كل المواطنين، لأنه في الوقت الذي يتراجع فيه سعر برميل النفط في الأسواق العالمية، يرتفع ثمنه في المغرب، وهو ما رأى فيه العديد من المتخصصين الاقتصاديين نوعاً من العبث، وضرباً للقدرة الشرائية للمواطنين، وقضاءً على الطبقة المتوسطة في المجتمع، والتي لطالما دعا الملك محمد السادس في خطبه إلى ضرورة الحفاظ عليها، لأنها تُعدّ "صمّام أمان للمجتمع"، وفق قول العاهل المغربي.
صمت رئيس الحكومة ينطبق على غالبية وزرائه، وهم التكنوقراط، الذين يتقنون لغات أجنبيةً لكن يعجزون عن الحديث بالعربية الفصحى، وليست لهم التجربة السياسية الكافية، التي تمنح القدرة على التواصل مع الإعلاميين، والتوجه إلى المواطن العادي بلغة يفهمها.
الاستثناء الوحيد للندوات الصحافية، يظل تلك التي تنعقد عقب المجلس الحكومي كل خميس. فهي وإن كان يُشهد لها بالانتظام، فإنها تظل "ندوات باهتةً لا تواصل فيها"، ولا إجابة عن الأسئلة "الحارقة"، بشهادة العديد من الإعلاميين، لأنها ندوات تغيب عنها المعلومات المطلوبة والأخبار التي يمكن أن تصنع عملاً مهنياً واحترافياً.
"الحكومة الصامتة" مردها إلى أن بروفايلات الوزراء تكنوقراطية لم تتمرّس على العمل السياسي، ووجدوا أنفسهم أمام ملفات ذات طبيعة اجتماعية او اقتصادية بتداعيات سياسية
حتى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالعلاقة مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، والذي من المفروض أن تكون لديه قدرة على التواصل والإقناع والدفاع عن البرامج الحكومية، فهو برأي الكثير من الإعلاميين عبر تدويناتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، غير قادر على إقناع الصحافيين ولا حتى مدّهم بالكثير من المعطيات أو التوضيحات اللازمة، إذ غالباً ما يتجنّب الإجابة عن أسئلة الصحافيين التي تخرج عن الطابع "الرسمي".
أما وزراء الحكومة، فقليلون منهم من نظموا ندوات صحافية، إذ بالإضافة إلى افتقار كثيرين منهم إلى الخبرة والحنكة السياسيتين وحتى اللغة فغالبيتهم "فرنكفونيون"، فإنهم يحتمون بالصمت وبالفائض الزائد من "الغرور"، ما يدفع الإعلاميين المهنيين إلى العزوف عن حضور تلك الندوات لأنه لا فائدة تُرجى من ورائها، وما يتوصلون إليه بفضل مجهوداتهم وعملهم الميداني والمهني من أخبار أفضل بكثير مما يقدَّم لهم خلالها.
سياسة الصمت
في هذا الإطار، يصف الدكتور عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة الحسن الأول، في تصريح لرصيف22، تواصل حكومة عزيز أخنوش مع الناس بالضعف لاعتبارين: "الأول أننا أمام بروفايلات وزارية تكنوقراطية لم تتمرّس على العمل السياسي، وجدت نفسها أمام ملفات ذات طبيعة اجتماعية او اقتصادية بتداعيات سياسية تحتاج إلى الدفاع عن القرارات، وهو ما أثر على صورة الحكومة وفعالية تواصلها. والاعتبار الثاني أن الوضع الاقتصادي وتحدّيات الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين يفرضان الدفاع عن قرارات قد تبدو غير شعبية لكن في مصلحة الدولة، بالإضافة إلى أنّ تضارب المصالح يفرغ أي محاولة تواصل من محتواها في ظل وجود هذه الوضعية".
يوضح اليونسي، أن جنوح بعض الوزراء في الحكومة إلى سياسة الصمت والتواري إلى الخلف، سببهما الأساسي هو "ضعف المنجز في ظل تعاظم الطلب الاجتماعي ووجود آمال لدى شريحة واسعة من السكان صوتت لأحزاب الأغلبية".
غياب الشعبية
من جهته، يرى الباحث المغربي إدريس الكنبوري، أن غياب التواصل لدى الحكومة المغربية يعكس غياب الانسجام والتماسك بين الأحزاب الثلاثة المشكلة لها؛ إذ يبدو أنها تفتقد إلى خطاب سياسي واضح أو عرض سياسي متفق عليه يمكن التقدم به إلى الرأي العام، وهذا تجلّى بوضوح في الحملة الإلكترونية التي استهدفت رئيس الحكومة أخنوش وطالبت برحيله من دون أن يكون هناك أي موقف أو تضامن من طرف الحزبين الآخرين اللذين يشكلان الحكومة، ضد الحملة؛ مما يدل على وجود حالة من التفكك داخل الحكومة.
رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي تعرّض لحملة واسعة قبل بضع سنوات، استهدفت مقاطعة منتوجات شركاته، يشعر بأنه بلا شعبية، وأن أي خطاب يمكن أن يتقدم به إلى المواطنين لن يكون مقنعاً
يقول الكنبوري، في تصريح لرصيف22: "غياب التواصل الحكومي في تقديري يعود إلى أنّ الحزب الذي يقود الحكومة، وعلى رأسه أخنوش، كان مهتماً قبل الانتخابات بإسقاط حزب العدالة والتنمية أكثر من اهتمامه بما بعد الانتخابات؛ الأمر الذي جعله يقدّم برنامجاً انتخابياً مغالياً في الوعود لجذب الناخبين؛ وعند وصوله إلى الحكومة واجه الواقع، هذا إلى جانب أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي تعرّض لحملة واسعة قبل بضع سنوات، استهدفت مقاطعة منتوجات شركاته، يشعر بأنه بلا شعبية، وأن أي خطاب يمكن أن يتقدم به إلى المواطنين لن يكون مقنعاً".
إلى جانب هذا كله، يقول الكنبوري إن رئيس الحكومة "ليست لديه أية خلفية سياسية وليست لديه تجربة في التواصل السياسي؛ فهو رجل أعمال كبير مهمته إعطاء التعليمات، ولا يفهم في التواصل الأفقي، بل يتقن التواصل العمودي الذي يطبع العلاقة بين رجال الأعمال ومعاونيهم، فبروفايل أخنوش لا يناسب رجل السياسة، بل رجل الأعمال".
هذه المؤاخذة على رئيس الحكومة تشمل العديد من وزرائه، إذ يمكن وصف الحكومة بـ"الحكومة المقاولة"، التي تؤمن بأنه ليس من الضروري تبرير القرارات بقدر تطبيقها، وهو ما تجد فيه المعارضة مأخذاً على الحكومة، وتنتقده باستمرار.
الفاعل النقابي والجمعوي، محمد عصام، المنتسب إلى حزب العدالة والتنمية المعارض، كتب في موقع الحزب الإلكتروني مقالاً بعنوان "الحكومة الصامتة"، جاء فيه أنه بالرغم من الحملات التي استهدفت المغرب وبالرغم من الأزمات والحملة الرقمية التي يشهدها المغرب منذ شهرين، المندّدة بغلاء أسعار المحروقات والمطالبة برحيل رئيس الحكومة، "لا أحد سمع لهذا الأخير تصريحاً واحداً أو موقفاً معلناً، وكأنه يرأس حكومة "جزيرة الوقواق" وليس حكومة المغرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع