شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
التعقّل أو مواجهة العطش... المغرب يعترف بحالة

التعقّل أو مواجهة العطش... المغرب يعترف بحالة "الطوارئ المائية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 30 أغسطس 202205:12 م

في تشرين الأول/ نوفمبر من عام 2021، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً عن جفاف نهر ملويّة، في شمال المغرب، وهو من أطول الأنهار وأغناها مياهاً في البلاد.

مشهد المجرى الجافّ للنهر، الذي تناقلته وسائل الإعلام الدولية، لم يكن استثناءً على الرغم من أنه كان صادماً. لكنه طرح التساؤل حول واقع الثروة المائية للمغرب، التي أصبحت مهدّدةً بالانحسار، لتترك المواطنين أمام خَطر العطش مستقبلاً.

اعتراف رسمي

دعوات المنظمات الحقوقية والمدنية، التي تحذّر منذ سنوات من خطر انحسار الثروة المائية، وجد مؤخراً اعترافاً رسمياً، بإعلان "وزير التجهيز والماء" نزار بركة، أن المَغرب يعيش حالة طوارئ مائية.

الأزمة التي اعترفت بها الحكومة، تنبّأ بها التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات (هيئة رقابية حكومية)، الذي صدر في منتصف أذار/ مارس 2022، الخاصّ بسنتي 2019 و2020.

كشف التقرير أن المملكة توجد ضِمن العشرين دولةً التي تُصنّف عالمياً في وضعية "إجهاد" من حيثُ وفرة الماء.

لم تعُد الأزمةُ مُقتصرةً على البوادي كما كان الأمر في السنوات القليلة الماضية، بل أصبحت المدن الكبرى أيضاً تعرف نزيفاً حادّاً، ما دفع المجالس إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاحتياطية

أضاف التقرير أن "النصيب السنوي للفرد من الموارد المائية، يبلغ نحو 650 متراً مكعباً، وهذه الوضعية تضع المغرب تحت عتبة الندرة المزمنة، والتي قد تتدهور في أفق عام 2050، لتصل إلى عتبة الندرة المطلقة المتمثلة في 500 متر مكعب".

في هذا الشأن، دعا المجلس الأعلى للحسابات إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الضرورية الكفيلة بحماية الملك العمومي المائي، إذ أوصى بالحرص على تحسين فعالية الاستثمارات، وكذا إنجاز دراسة حول الاستهداف الأنجع وعند الاقتضاء مراجعة منظومة سعر الماء والتطهير بشكل تدريجي مع الأخذ بعين الاعتبار الفئات الهشة.

كما اقترح المجلس إنجاز المشاريع المتعلقة بالربط بين الأحواض المائية، والعمل على تزامن إنجاز المنشآت الهيدروفلاحية في محيط السدود الجديدة مع تسريع بناء هذه الأخيرة.

أزمة تزحف على المدن

لم تعُد الأزمةُ مُقتصرةً على البوادي كما كان الأمر في السنوات القليلة الماضية، بل أصبحت المدن الكبرى أيضاً تعرف نزيفاً حادّاً، ما دفع المجالس إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاحتياطية.

وهي أزمةٌ كشفت عنها وزارة التجهيز والماء عبر بيان نشرته في موقعها الرسمي مطلع حزيران/ يوليو من العام الحالي.

جاء في البيان أن البلاد دخلت حالة "الطوارئ المائية"، وأنه "في الوقت الذي تتناقص فيه الموارد المائية يعرف منحى استهلاك المياه بين المستخدمين ارتفاعاً"، داعيةً إلى "التوقف عن ممارسة أي شكل من أشكال تبذير الماء حفاظاً على الموارد المائية".

عاد نزار بركة وزير التجهيز والماء خلال مداخلته ضمن الأسئلة الشفاهية في مجلس المستشارين في 12 تموز/ يوليو، ليؤكد خطر ندرة المياة في المغرب، وأن المملكة في خضم أزمة مائية.

أوضح الوزير أيضاً، أن الجفاف الذي يعيشه المغرب هذه السنة، وما نتج عنه من انخفاض مستوى المياه الجوفية، اضطر بعض الفلاحين إلى بيع أراضيهم.

وأضاف أن "هذا الوضع جاء نتيجة ندرة التساقطات المطرية وانخفاض الموارد المائية السطحية والجوفية والتبخر، ناهيك عن ارتفاع استهلاك الماء".

بحسب المعطيات التي قدّمها الوزير، عرفت التساقطات المطرية خلال السنة الجارية تراجعاً مهولاً؛ إذ تراوحت بين 11 مليمتراً و325 مليمتراً، وهو ما يمثل عجزاً بـ50 في المئة مقارنةً مع السنة الماضية.

معطى آخر كشف عنه الوزير يتمثل في تراجع كمية الثلوج المتساقطة، ذلك أنها كانت تُغطّي مساحةً تناهز 45 ألف كيلومتر مربع، لكنها انخفضت خلال السنة الجارية إلى 5،000 كيلومتر مربع، أي بتراجع تناهز نسبته 89 في المئة.

شهد المغرب خلال السنة الحالية، أيضاً، تسجيل نحو 14 يوماً فقط من هطول الثلوج، في حين كان يعرف 41 يوماً، ما أثر على المخزون المائي بشكل كبير.

المعطيات المقلقة التي قدّمها وزير التجهيز والماء تشير إلى أن نسبة تغطية السدود لا تتجاوز 9.7 في المئة، في حين كانت 46 في المئة السنة الماضية.

ومما كشفه الوزير أيضاً، أن ارتفاع الحرارة أثّر في مخزون المياه، إذ إن البلاد فقدت نحو 800 مليون متر مكعب في ظرف شهرين فقط، بفعل التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة بـ0.9 درجات عن المعدل.

الداء في السياسة المائية

مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الأيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، يرى في تصريح لرصيف22، أن أسباب ندرة المياه في المغرب راجعة في الأساس إلى التغيرات المناخية، وسوء تدبير القطاع، وكذا تأخر أو عدم نجاعة المشاريع المنجزة من أجل تأمين إمدادات المياه، سواء التي للشرب أو للميدان الزراعي.

يضيف بنرامل: "بالرغم من أن السياسة المائية قامت على إحداث مجموعة من الهيئات المتداخلة في مسألة تنظيم قطاع الماء، ظل تدخّلها مبعثاً لانتقادات عدة بسبب غياب التنسيق الكامل في ما بينها وهو ما حاول المشرّع تداركه بواسطة القانون 36.16، وبمجموعة من النصوص التطبيقية".

وذلك بالرغم من مجموعة من المخططات المائية الاستباقية خصوصاً "الإستراتيجية الوطنية للماء" التي تم وضعها سنة 2009، بمثابة خريطة طريق لتدبير الموارد المائية وتحديد أهداف مرقمة في أفق 2030.

ما يزيد الطين بلةً هو عامل الاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية، وارتفاع نسبة هدر المياه التي تبلغ 35 في المئة، وتقلص الطاقة الاستيعابية للسدود بسبب تراكم الأوحال فيها، نتيجة عدم الصيانة

يرى مصطفى بنرامل، في ظل الوضعية الحالية، أنه لا يسعنا اليوم سوى أن نسائل الهيئات السياسية والمنتخبين والمسؤولين القائمين على التخطيط وتنفيذ الإستراتيجيات وخصوصاً المتعلقة بتدبير المياه، لعدم نجاعة وكفاءة الخطط والبرامج في تدارك النقص والندرة والشّح الذي أصبحت تعرفه مجمل جهات المغرب.

أشار الخبير البيئي في حديثه إلى رصيف22، إلى عامل آخر فاقم من الأزمة، ويرتبط بـ"استنزاف الفُرْشة المائية"، لأن ندرة المياه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة استخدام المياه في الري والزراعة والتي تستهلك نحو 80 في المئة من مياه المغرب سنوياً.

ما يزيد الطين بلةً، حسب المتحدث، هو عامل الاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية، وارتفاع نسبة هدر المياه التي تبلغ 35 في المئة، وتقلص الطاقة الاستيعابية للسدود بسبب تراكم الأوحال فيها، نتيجة عدم الصيانة.

هذه هي الوضعية في المجال القروي، أما في المجال الحضري، فإن مذكرة وزير الداخلية لترشيد استغلال المياه، أكدت أن استنزاف المياه يتم بحفر الآبار العشوائية وطريقة تدبير كالتي حصلت على رخصة منها، وكذا استعمال المياه بسقي المسطحات الخضراء، وغسل السيارات والعربات والطرق، كونها من أهم السلوكيات التي تستنزف الفرشة المائية.

زراعات "جائرة"

مُستوى آخر من الاستنزاف، يكشفُ عنه رئيس جمعية البساط الأخضر، مصطفى العيسات، في حديث إلى رصيف22، ويتعلق بالزراعات التي تستهلكُ كميةً كبيرةً من المياه.

يرى العيسات أن قوانين حماية المياه الجوفية التي جاءت في الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، والتي تهدف إلى استثمار المياه الجوفية، كمخزون احتياطي لسنوات الجفاف، يتم التغاضي عنها، في إطار فلاحات وزراعات مستهلكة للماء، وغير ذكية مع المناخ؛ كزراعة البطيخ الأحمر والأفوكادو والبواكر، إذ يجب إعادة النظر في هذا النوع من الزراعات، التي يرى الخُبراء أنها لا تنسجمُ والقدرة المائية للمملكة، خصوصاً أنها تُزرع في مناطق تعرف شحّاً في المياه؛ كالمناطق الجنوبية.

يتعلق المستوى الثاني بالمياه الصالحة للشرب، إذ إن مجموعةً من المدن أصبحت تعرف انقطاعاً في الماء ليلاً، كمنطقة سطات، والدار البيضاء، بالإضافة إلى المناطق الجنوبية التي تعاني بشكل كبير من نقص المياه

يرى العيسات أن المخاطر التي تنتظر المملكة جراء هذه الأزمة، تتعلق بثلاثة مستويات. الأول هو انخفاض المياه الموجهة للزراعة وللسقي، بسبب نقص في حقينة السدود، وكذا استنزاف كبير للمياه الجوفية، وهذا يؤثر سلباً على الكثير من الزراعات، ويؤثر على تواجد المواد الاستهلاكية في الأسواق المغربية، أو الناتج الإجمالي العام للمملكة، ما ينعكس سلباً على الأمن الغذائي المرتبط بالأمن المائي بالضرورة.

يتعلق المستوى الثاني بالمياه الصالحة للشرب، إذ إن مجموعةً من المدن أصبحت تعرف انقطاعاً في الماء ليلاً، كمنطقة سطات، والدار البيضاء، بالإضافة إلى المناطق الجنوبية التي تعاني بشكل كبير من نقص المياه. أما المستوى الثالث فيرتبط بالوحدات الصناعية أو الخدماتية، التي أضحت تتوقف عن أنشطتها بحكم ارتباطها الوثيق بالمياه.

هذه المخاطر تبيّن، بحسب العيسات، مدى التأثير على المجالات الحيوية للمملكة (اقتصادياً، اجتماعياً، وفلاحياً)، وأنها قد تسبب أزمةً غدائيةً للمغرب.

الحل في العقلانية

في ظل هذه الأزمة المائية، اتخذت السلطات المغربية مجموعةً من التدابير الآنية، للحد من تفاقمها في الحياة اليومية. من ضمن الإجراءات الدورية لوزارة الداخلية، أمرت الولاة والعمال ورؤساء المجالس (مسؤولين محليين) باتخاذ إجراءات تهدف إلى التقليل من الاستعمال المفرط للماء الصالح للشُّرب.

ودعت الوزارة إلى منع الاستخراج غير المشروع للمياه من الآبار والينابيع والمجاري المائية وقنوات نقل المياه، بالإضافة إلى منع غسل الشوارع والأماكن العامة بالمياه الصالحة للشرب، وحظر استعمالها في غسيل السيارات والآلات.

يرى بنرامل أنه لا بد من ضرورة الاعتماد على منظومة زارعية حديثة، تُعوّل على تحلية مياه البحر وتقنيات الري الحديثة، وكذا إعادة توجيه الإنتاج الزراعي، نحو منتجات أقل استعمالاً للمياه.

وأضاف إلى ذلك، ضرورة الالتزام بالمخطط الوطني للتزويد بماء الشرب والسقي (2020-2027)، لما لهُ من دور في تزويد المراكز القروية انطلاقاً من منظومات مائية مستدامة، مع تقوية عمليات استكشاف موارد مائية إضافية، خصوصاً عبر إنجاز آبار لاستغلال المياه الجوفية.

ارتباطاً بالاستغلال العشوائي وغير العقلاني للمياه الجوفية، يضيف الخبير أنه لا بد من سنّ تشريعات لمنع حفر الآبار بشكل غير قانوني، مع إيقاف سقي المساحات الخضراء بواسطة ماء الشرب.

وأكد بنرامل أيضاً على ضرورة الإسراع في برنامج ربط المدن والمراكز الحضارية بمحطات معالجة المياه العادمة، أو مياه الأمطار المخزنة في خزانات المدن، والعمل على كفاءة برنامج الغيث، الذي يهدُف إلى الرفع من نسبة الأمطار والثلوج، وفق تقنية تلقيح السحب، عن طريق مواد كيميائية مثل "يودير الفضة"، للسحب الباردة، "وملح كلورير الصوديوم" للسحب الدافئة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard