شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قيس سعيد يستقبل زعيم بوليساريو... غضب في الرباط واستدعاء للسفراء للتشاور

قيس سعيد يستقبل زعيم بوليساريو... غضب في الرباط واستدعاء للسفراء للتشاور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 27 أغسطس 202204:41 م

دخلت العلاقات المغربية التونسية مرحلةً متأزّمةً إثر استقبال قيس سعيّد، زعيم "جبهة البوليساريو"، إبراهيم غالي، استقبالاً رسمياً في العاصمة تونس خلال مشاركته في قمة طوكيو للتنمية في إفريقيا "تيكاد 8".

هي الخطوة الأولى من نوعها بالنسبة إلى تونس، التي تحيد عن سياستها التاريخية في الملف والمتمثلة في "الحياد" بين أطراف نزاع "الصحراء الغربية"، ما جعل إرهاصات القطيعة تلوح في الأفق، بعد ردّ المغرب السريع بسحب سفيره لدى تونس للتشاور، وإصدار بيان لوزارة الخارجية يرفض هذا السلوك وينتقد بشكل خاصّ الرئيس التونسي.

الرباط ترفض "المنطقة الرمادية"

تأتي ملامح الأزمة هذه، بعد أيام على ذكرى "ثورة الملك والشعب"، التي ألقى خلالها العاهل المغربي محمد السادس، خطاباً في 20 آب/ أغسطس الجاري، أكد فيه أنّ "القضية الوطنية الأولى للمملكة المغربية"، أي قضية الصحراء، هي محدّد حاسم في علاقات المغرب مع الخارج والمنطقة، ودعا مختلف الدول إلى "توضيح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل" تجاه الملف.

على هامش الاستقبال الذي تم في تونس العاصمة، في 26 آب/ أغسطس 2022، قالت وزارة الشؤون الخارجية المغربية، إنه "بعد أن عملت تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة للمملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن تصرفها في إطار "تيكاد" (منتدى التّعاون الياباني الإفريقي) يؤكد هذا النهج بوضوح".

البيان قال أيضاً إنّ "تونس عملت على معاكسة رأي اليابان بخرق مسار التحضير للمنتدى والقواعد الموضوعة لذلك، وقررت بشكل أحادي دعوة الكيان الانفصالي"، مردفاً أن "الاستقبال الذي خصصه رئيس تونس لقائد الانفصاليين هو فعل خطير غير مسبوق؛ يؤذي كثيراً مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية".

دخلت تونس والمغرب أزمة دبلوماسية، استدعى الطرفان فيهما سفراءهما للتشاور، بعد استقبال الرئيس التونسي لزعيم جبهة بوليساريو، في خروج عن تقاليد تونس الدبلوماسية المعروفة بـ"الحياد" في ملف "الصحراء الغربية"

مباشرةً بعد تداول الخبر، عملت أحزاب مغربية، من مختلف الاتجاهات السياسية، على إدانة استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد لإبراهيم غالي، في مطار قرطاج الدولي في العاصمة التونسية.

حزب "التجمع الوطني للأحرار"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، قال إنّ استقبال سعيّد لزعيم الحركة الانفصالية يشكّل فعلاً عدائيًّا غير مسبوق، موجهاً ضد المغرب ووحدته الترابية"، والذي "يؤكد بالملموس مسلسل التهور الذي أدخل فيه قيس سعيّد، للأسف، الشقيقة تونس عبر اتخاد قرارات مجانية مفرطة في العداء للدول الصديقة لن تفيد الشعب التونسي في شيء".

الحزب، قال في بيان له، إن "النظام التونسي، عبر هذه الخطوة المتهورة وغير محسوبة العواقب، يصطفّ اليوم مع أعداء المملكة، وداعمي الميول الانفصالية في المنطقة، ما من شأنه أن يزيد من هوّة الخلافات الإقليمية بشكل خطير، ويؤثر على استقرار المنطقة التي تتوق شعوبها إلى تحقيق الاستقرار وتكريس الديمقراطية".

القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، نشر نصّاً نقله الموقع الرسمي للحزب وجّه انتقادات إلى سعيّد وقال إن استقباله لغالي، "يتجاوز شعبوية وحماقة رئيس يمضي ببلده بخطوات سريعة نحو الهاوية (...) هو قرار من يقف وراء رئيس منقلب على الشرعية الديمقراطية".

الحزب القائد للحكومة المغربية قال إن "النظام التونسي، عبر هذه الخطوة المتهورة وغير محسوبة العواقب، يصطفّ اليوم مع أعداء المملكة، وداعمي الميول الانفصالية في المنطقة، ما من شأنه أن يزيد من هوّة الخلافات الإقليمية بشكل خطير"

من جهة أخرى، عدّ حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المعارض، ما أقدم عليه سعيّد "خرقاً سافراً ومقيتاً لروح ومقتضيات العلاقات الثنائية والإقليمية من جهة، والتزامات الدول الأطراف في هذه القمة التي تفترض اقتصار المشاركة على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما تم إقرار ذلك في القمم السبع السابقة، وآخرها المنظمة في يوكوهاما اليابانية".

الحزب "اليساريّ" ذهب إلى حدّ وصف استقبال غالي بأنه "طعنة في ظهر المغرب، الذي ما فتئ حريصاً على استقرار تونس وأمنها، وكان الداعم الأول لها حين كانت تمرّ بظرفيّة قاسية، بفعل استهدافها من الإرهاب الإسلامويّ في وقت كانت تمر فيه من مرحلة البحث عن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، بعد ثورة الياسمين".

يقصد بيان الحزب زيارة الملك محمد السّادس إلى تونس العاصمة عام 2014، والتي تجوّل خلالها في شوارع المدينة بحراسة أمنية مخفّفة والتقى بالسكان، بعد أعمال إرهابية استهدفت البلاد، ورأى فيها البعض دعماً لتونس وقطاعها السياحي.

طعنة في الظهر؟

يرى المحلل السياسي المغربي نوفل بوعمري، أنّ "تونس منذ مدة اتخذت سلسلة مواقف غير مفهومة تجاه المغرب، منها أنّها أوقفت كل أشكال التعاون معه، وكان المغرب يعيد ذلك إلى المرحلة الانتقالية التي تعيشها، لكننا اليوم أمام استفزاز كبير وواضح للمغرب الرسمي والشعبي، وهو استفزاز لا يخدم مستقبل العلاقة بين البلدين على الصعيد الرسمي؛ سيما أنها خطوة غير محسوبة العواقب وتدخل ضمن التحركات التي يصنّفها المغرب في خانة التحركات المعادية".

أضاف بوعمري، في تصريح لرصيف22، أنّ استقبال زعيم جبهة بوليساريو، المدعومة من الجزائر، "بشكل رسمي من طرف قيس سعيّد، هو استقبال لتنظيم انفصالي، مسلح، وإرهابي، هكذا يتصوره المغرب. والرئيس التونسي يضع نفسه ضمن دائرة هذا التنظيم ويخندق نفسه وبلده مع تنظيم امتداداته، كانت دائماً معاديةً للسلام في المنطقة".

لكن المثير هنا وفق بوعمري، أنّ "بلاغ الخارجية التونسية كشف عن المخفي في الموقف التونسي الرسمي، فالبلاغ وصف تنظيم البوليساريو بالجمهورية العربية الصحراوية، وهذا بعيد كلياً عن الأعراف التقليدية والدبلوماسية للدولة التونسية، إلاّ أننا، هنا، يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل هناك اعتراف سرّي بهذا الكيان الوهمي، غير الدولتي، حتى يصفه بلاغ رسمي تونسي بـ"الجمهورية"؟! أم أن الأمر يتعلق بإظهار المواقف الحقيقيّة لقيس سعيّد تجاه هذا التنظيم المليشياوي؟".

اتخذ المغرب موقفه الدبلوماسي، وبعد بلاغ الخارجية التونسي يبدو أنه ستكون هناك مواقف دبلوماسية أخرى ستتجه نحو القطيعة، حسب بوعمري. وستكون لذلك نتائج عكسية، إذ يبدو أنّ الرئاسة التونسية لا تصرّف موقفاً ديبلوماسياً فحسب، بل هو استفزاز للشعور الوطني المغربي وللشعب المغربي كأمّة تعدّ قضية الصّحراء مسألة وجود وكرامة.

في تونس: "هذا قرار سياديّ."

ردّت تونس بدورها، بسحب سفيرها للتشاور، بعد بيان الخارجية المغربية. وشددت الخارجية التونسية، في بيان لها، على أن تونس لها الحق في "سيادة قرارها الوطني"، وأضاف البيان أنها "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاًّ سلمياً يرتضيه الجميع"، موضحةً أن "الاتحاد الإفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركاً رئيسياً في تنظيم ندوة طوكيو الدولية، قام بتعميم مذكّرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد 8، في تونس".

أكدت وزارة الخارجية أن تونس "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاًّ سلمياً يرتضيه الجميع"

الخارجية التونسية برّرت استقبال إبراهيم غالي، بأنه وُجّهت إلى الجبهة دعوة مباشرة من رئيس المفوضية الإفريقية وقالت إن جبهة بوليساريو سبق أن شاركت في دورات 2016 و2019 من قمة تيكاد.

في الرّباط، تردُّ مصادر مطلعة على الملف أن الدورتين السابقتين من تيكاد لم تشهدا تمثيلاً واسعاً لوفد الجبهة، كما لم يتم استقبال رئيسها فيهما استقبالاً رسميّاً يُخصَّص لقيادات الدول، وهذا ما حدث في تونس العاصمة.

وأكدت الخارجية في بيان، على أن تونس "حريصة على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، ورافضة رفضاً قاطعاً ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم البلاد باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية وقد قررت استدعاء سفيرها في المغرب حالاً للتشاور".

فعّاليات تونسية: "القرار تدمير لمؤسسات الدولة"

الجدل الذي رافق انطلاق "تيكاد" في تونس، أثار العديد من ردود الأفعال المتباينة، وقد رأى الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، في تدوينة له، أن الرئيس سعيّد "بعد تدميره لمؤسسات الدولة التونسية وتعطيله لمسار الانتقال الديمقراطي واغتصابه لكلّ السلطات، يتجه الآن نحو تدمير علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة والإضرار بمصالحنا الدبلوماسية والاقتصادية التي تربطنا بها"، كما رأى أن ما حدث هو "أول خرق لدستور قيس سعيّد من طرف قيس سعيّد نفسه، لأن الفصل السّابع من الدستور ينص على أن الجمهوريّة التونسية جزء من المغرب العربي الكبير، وتعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة".

تساءل الشواشي في تدوينة لاحقة: "ماذا تفعل 'جبهة بوليساريو' في قمة اقتصادية استثمارية تجمع الدول الإفريقية باليابان، خاصةً أن هذه الأخيرة لا تعترف بالبوليساريو؟".

"اللعب على التناقضات في المنطقة وتوجّهه نحو استرضاء جهات واستعداء جهات أخرى فقط من أجل استجداء الرضا والدعم لمشروعه الداخلي السلطوي الفوضوي، ستجلب لتونس المزيد من المصاعب وسيدفع الشعب مرّةً أخرى فاتورة عبث المنظومة الحاكمة"

من جهته، قال منسق مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك، في تدوينة له: "وصلنا إلى مرحلة التلاعب الغشيم بالتوازنات الإقليمية والزجّ بتونس في لهيب الصراعات وتهديد ما تبقّى من استقرار البلاد. عدم الكفاءة في قراءة المشهد الجيوستراتيجي وإدارة السّياسة الخارجية من جهة وسعي الانقلاب إلى اللعب على التناقضات في المنطقة وتوجّهه نحو استرضاء جهات واستعداء جهات أخرى فقط من أجل استجداء الرضا والدعم لمشروعه الداخلي السلطوي الفوضوي، ستجلب لتونس المزيد من المصاعب وسيدفع الشعب مرّةً أخرى فاتورة عبث المنظومة الحاكمة باستقراره وبمصالحه الوطنية العليا من أجل تحقيق مصلحتها الشخصية في التسلّط ووضع اليد على البلاد وفتح الطريق أمام مجاميع الموالاة المتكالبة على السلطة للسطو على مقدّرات الشعب من دون مشاغبة".

أما رئيس حزب المجد عبد الوهاب هاني، فقد رأى أن "استقبال رئيس الجمهورية لزعيم حبهة بوليساريو، انحراف خطير وحياد غير مسبوق عن ثوابت الدبلوماسية التونسية وغباء دبلوماسي للوزير عثمان للتدابير الاستثنائية للشؤون الخارجية وانتحار سياسي للرئيس قيس سعيّد سيعرّض المصالح العليا لتونس ومصداقيتها بين الدول لصعوبات كبيرة".

أضاف هاني في تدوينة له: "لم يستقبل الرئيس سعيّد رؤساء دول أفارقة أشقاء شرفوا بلادنا بحضورهم ندوة تيكاد اليابانية الدولية للتنمية في إفريقيا، بل أوفد الرئيس رئيسة حكومة الرّئيس لاستقبالهم، من دون تحية العلم ولا عزف للنشيد الوطني ولا استعراض لتشكيلات من الجيش والأمن، فكانت مواكب حزبنة بلا طعم ولا رائحة. لكنه قرر استقبال زعيم جبهة بوليساريو شخصياً وبحفاوة كبيرة، في حين كان يمكن إيفاد أحد أعضاء الحكومة".

قال المحلل السياسي والإعلامي محمد كريشان، في تدوينة له: "سقطة تاريخية فادحة في تعامل الدولة التونسية مع قضية الصحراء. كان تقليداً راسخاً لعقود حرصُ تونس على عدم التورط في هذه القضية بأي شكل من الأشكال. إلى أن جاءت خطوة قيس سعيّد لتنسف كل ذلك... تماماً كما نسف كل مقومات الديمقراطية وكل هيبة لدولة تحترم نفسها. الله المستعان".

يرى الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، أن الخطوة التشريفية التي قامت بها تونس غلط فادح لأن تونس ليست البلد المضيف وكان يفترض أن تركّز فقط على الإطار المادي لالتئام هذه التظاهرة، مضيفاً أن الطرفين المستضيفين هما الاتحاد الإفريقي واليابان.

ورأى العبيدي، في حديثه إلى رصيف22، أن الاستقبال في المطار يدخل في إطار ارتباك الدبلوماسية التونسية وسياستنا الخارجية إذ أصبحنا نلهث وراء الأحداث ولا نستبقها عادّاً أن رئيس الجمهورية محاطٌ بأشخاص غير مهنيين أو فاقدي الجرأة لإسداء النصيحة الهادفة.

وقال العبيدي: "يُفترض أن تظل تونس على الحياد خصوصاً في مسألة الصحراء الغربية لتضمن لنفسها أن تلعب بين الطرفين المغربي والجزائري دور الوساطة وإصلاح ذات البين عند اقتضاء الحاجة، لكن بهذه الطريقة أفسدت علاقاتنا مع المغرب"، مشيراً إلى أن الإشكال ليس في مشاركة وفد بوليساريو، بل في استقباله، ولو لم تتم عملية الاستقبال لما حدث الإشكال، وفق ما يقول.

التوجه الذي انتهجه الرئيس التونسي يُعدّ، بحسب البعض، تقرّباً من الوقف الجزائري الذي يعيش أزمةً دبلوماسيةً وقطع علاقاته الدبلوماسية مع المغرب، وقد يكون نتيجة "صفقة" غير معلنة. فيما يتخوف البعض من أن يؤثر التوتر الدبلوماسي على العلاقات الاقتصادية بين الرباط وتونس، خاصةً أن المملكة شريك اقتصادي، تجمعه اتفاقية تبادل تجاري حرّ مع تونس، يتحقق فيها الامتياز للاقتصاد التونسي، بحكم أن صادرات تونس إلى المغرب تتجاوز بكثير وارداته منه. فعلى سبيل المثال، صدّرت تونس إلى المغرب عام 2017، ما يناهز 437.3 مليون دولار من السلع في حين استوردت منه 248.5 مليون دولار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard