هذا التقرير أُنتج ضمن مشروع "المدافعات عن حقوق المرأة"، بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.
"تعودت أن أستخدم سيارتي الخاصة لنقل الشعارات التي نرفعها في المسيرات والاحتجاجات، ويبدو أن عناصر الأمن والبلدية قد انتبهوا إلى ذلك، وهو أمر متوقع، لهذا كانت النتيجة أن أجد في إحدى المرات عنصري أمن وهما في صدد تهشيم شبّاك السيارة، بحثاً عن أي أوراق أو شعارات داخلها، ولدى وقوفي أمامهما انصرفا من دون أن ينطقا بأي كلمة".
هكذا بدأت أيلاء حديثها، وهي في الثلاثينات من عمرها، لرصيف22، عن جانبٍ من الانتهاكات الكثيرة التي تطالها لمجرد أنها ناشطة في مجتمع الميم-عين في تونس، البلد الذي ما زال يعدّ الانتماء إلى هذه الفئة وصمة "عار"، ويجرّمه في القانون. أجهزته الأمنية تهرسل (مصطلح تونسي يعني تضيّق على) كل الأصوات الناشطة المعروفة والداعمة بمواقفها لحقوق وحريات التعددية الجنسية والجندرية داخل البلاد.
تتابع أيلاء حديثها: "في مناسبة أخرى، اشتريت سريعاً قارورة ماء وعدت إلى سيارتي لأجد أعوان البلدية يتأهبون لرفعها. أخبرتهم بأنني صاحبة السيارة، فإذا بهم يقولون: نعم، نعرف... أنت فتاة المظاهرات. سنأخذ سيارتك وأرِنا ماذا أنت فاعلة؟ وتكررت هذه الحادثة كثيراً، وباتوا يلاحقونني أينما ركنت سيارتي، بعد أن تعرفوا على رقمها، فاضطررت إلى بيعها".
"قد وصل الأمر إلى تهديدات بالقتل تلقتها الناشطات من قبل الجمهور المتفاعل مع منشورات النقابات الأمنية وبعضها صادرة عن عناصر أمنية بهويات مزيفة"
عنف ممنهج داخل الفضاء الإلكتروني وخارجه
لم تتوقف الانتهاكات التي لحقت بأيلاء وزميلاتها من الناشطات من قبل أجهزة الأمن عند هذه الحوادث، ففضلاً عن الاعتداءات والتعنيف الذي مورس عليهنّ بسبب إعلانهنّ عبر الشعارات دفاعهنّ عن حقوق مجتمع الميم-عين، في مختلف المسيرات ذات المطالب الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي شاركن فيها في الشوارع، عمدت هذه النقابات الأمنية إلى نشر صورهنّ على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، للسخرية منهنّ وشتمهنّ والتشهير بهنّ، كما تروي محدثتنا. علماً أن أفراد مجتمع الميم-عين والناشطات/ ين المدافعان/ ين عن هذه الفئة أصبحوا/ ن، بعد ثورة 2011، وخاصةً في السنوات الأخيرة، يشاركن/ ون بقوة في كل المسيرات التي تنظَّم ضد سياسة الحكومات معلنات/ ين عبر الشعارات انتماءاتهن/ م الجندرية، ما جعلهم أهدافاً سهلةً للأمنيين.
وتضيف أيلاء: "قد وصل الأمر إلى تهديدات بالقتل تلقتها الناشطات من قبل الجمهور المتفاعل مع منشورات النقابات الأمنية وبعضها صادرة عن عناصر أمنية بهويات مزيفة. وقد تقدمت بشكاية وقمت بكل الإجراءات القانونية اللازمة واستعنت بمحامية ولكن لم أجد أي تجاوب من السلطات المعنية بالرغم من أن الأمر يتعلق بحياتي وسلامتي الجسدية".
"المجتمع بدوره يمارس أشكالاً مختلفةً من المضايقات ضد الناشطات في مجتمع الميم-عين، كالسخرية والنبذ واتهامهنّ صراحةً بأنهنّ سبب المصائب التي تحلّ على الأرض، كفيروس كورونا والحرائق"
وتتابع أيلاء: "المجتمع بدوره يمارس أشكالاً مختلفةً من المضايقات ضد الناشطات في مجتمع الميم-عين، كالسخرية والنبذ واتهامهنّ صراحةً بأنهنّ سبب المصائب التي تحلّ على الأرض، كفيروس كورونا والحرائق. ولهذا يتعرضنّ لمضايقات شتى في الأماكن التي يرتدنها، كالمقاهي والمطاعم والبارات، كأن يتم إبلاغ الشرطة بمجرد دخولهنّ إلى أحد هذه الفضاءات العامة وتحضر سريعاً وتقوم بتفحص وثائقهنّ الرسمية في حركة هدفها استفزازهنّ وإهانتهنّ".
وتروي أيلاء أيضاً، أن الانتهاكات المسلطة على أفراد مجتمع الميم-عين التي تعاينها وتكرس نشاطها للحد منها، ترعبها وتظل في مناسبات عديدة عالقةً بذهنها.
وتتابع حديثها: "في إحدى المرات، بينما كنت وصديقي العابر جندرياً مارين في الشارع، وإذ بعنصر أمني يطلب بطاقة هوية صديقي، ونظراً إلى عدم تطابق الجندر الموجود على البطاقة والجندر الذي يقف أمامه، قام بالتحرش به وضربه بعنف شديد في أماكن عدة من جسده بواسطة حذائه الخشن جداً حتى بات لا يستطيع التنفس، الأمر الذي تطلّب نقله إلى المستشفى. رافقته إلى هناك وفوجئت برفض الطبيب قطعياً معاينته ومداواته بمجرد معرفته بأنه عابر جندرياً. هذه الحادثة كانت مخيفةً جداً، لأنها جعلتني أعاين كيف أن أبناء مجتمع الميم-عين من دون استثناء، بما في ذلك الناشطات، قد نحرَم من أحد أبسط حقوقنا، وهو الحق في الصحة والحياة، وأشعر بأننا في سجن مفتوح طالما أننا محاصرون من المجتمع بكل فئاته وبالقانون الذي يتيح سجننا والتضييق علينا وتعذيبنا".
بالاستناد إلى المادة 230 من المجلة الجزائية (قانون العقوبات)، يعاقَب على السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بعقوبة السجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
تجريم المثلية قانونياً
مخاوف أيلاء لها ما يبررها، فبالاستناد إلى المادة 230 من المجلة الجزائية (قانون العقوبات)، يعاقَب على السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بعقوبة السجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
وينص الفصل 230 من المجلة، على أن "اللواط (المثلية الجنسية الذكرية)، والمساحقة (المثلية الجنسية الأنثوية)، إذا لم يكونا داخلين في أي صورة من الصور المقررة في الفصول المتقدمة، يعاقَب مرتكبهما بالسجن مدة ثلاثة أعوام". بمعنى إذا مارس شخصان بالغان "اللواط" أو "المساحقة" برضاهما في مكان خاص، تسلَّط عليهما عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات. علماً أن تاريخ هذا القانون يعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، إذ تم وضعه سنة 1913.
ويتعارض تجريم المثلية الجنسية في تونس، مع الحق في الخصوصية وعدم التمييز الذي يفترض أنه منصوص عليه في دستور تونس لعام 2014 ودستور 2022 الذي تم تمريره بعد استفتاء الـ25 من تموز/ يوليو الماضي. إذ يضمن الدستور التونسي بصريح العبارة، عدم انتهاك الحياة الخاصة للمواطنين من دون استثناء ومن دون تمييز، وذلك بموجب المادة 24 من دستور 2014، إذ تلتزم الدولة بحماية "الحياة الخاصة وحرمة المسكن"، وبموجب الفصل 30 من دستور 2022، "تحمي الدولة الحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية"، بينما تنص المادة 21 من دستور 2014 على أن "جميع المواطنين، ذكوراً وإناثاً، متساوون في الحقوق والواجبات، وهم متساوون أمام القانون من غير تمييز"، كما ينص دستور 2022 في الفصل الـ23، حرفياً.
كما تتم إحالة أفراد مجتمع الميم-عين بناءً على نصوص عدة أخرى من المجلة الجزائية التي تعود إلى سنة 1913، وبشكل خاص الفصول 226 و226 مكرر منها، وهي نصوص ذات معنى فضفاض ولا يوجد فيها تعريف قانوني واضح لمصطلحات على غرار "الأخلاق الحميدة" و"الآداب العامة" التي يختلف مفهومها من شخص إلى آخر داخل المجتمع عينه.
لعب المجتمع المدني التونسي وخاصةً منظمات الدفاع عن حقوق الأقليات الجنسية، مثل "موجودين"، و"دمج"، دوراً كبيراً في حماية ودعم مجتمع الميم-عين، إذ تقوم بتوفير الدعم القانوني والنفسي والطبي والرقمي منذ سنوات عدة
التفنن في تخويفهنّ
أصالة مدوخي (في العشرينات من عمرها)، ناشطة في مجتمع الميم-عين في جمعية دمج للعدالة والمساواة، تواجه بدورها ضروباً عدة من الانتهاكات بسبب نشاطها، ففضلاً عن التهديد بالقتل والرسائل الإلكترونية المهينة التي تتلقاها من النقابات الأمنية أو من أفراد في المجتمع، حسب تعبيرها، تجد نفسها عرضةً لفصول أخرى من الانتهاكات الأمنية التي تطال مكان عملها ومقر سكنها.
تقول أصالة لرصيف22: "تعرض مكتب دمج في محافظة صفاقس (جنوبب) حيث مقرنا، للخلع مرتين ولبعثرة كل محتوياته على يد أعوان الأمن وتحديداً التابعين للنقابات الأمنية. عندما وصلنا إلى المكان وجدنا الباب مفتوحاً، والمكتب في حالة فوضى، فالوثائق مبعثرة وتم العبث بها والأثاث القليل كذلك الأمر من دون سرقة أي شيء. وهذه العمليات يقومون بها أساساً لترهيبنا وتخويفنا ولتمرير رسالة مفادها: نحن هنا وعيوننا تحاصركم وفي مقدورنا أن نستهدفكم متى وكيفما شئنا. ولم يتوقف الأمر عند المكتب إذ تمت مهاجمة منزلي أيضاً والعبث به وبمكتبي، فضلاً عن ملاحقة سيارة شرطة لي في مناسبات عدة وتوقفها أمام باب منزلي لساعات طويلة وبمجرد خروجي تنطلق ورائي مجدداً".
حاولت أصالة تجاهل هذه الممارسات لإدراكها أنها تصدر عن جهة تريد إرهابها ودفعها للتراجع، ولكن مع الملاحقة المتكررة لها وهي في الشارع أو المنزل أو العمل، شعرت بأنها محاصرة وبأنها عرضة للاستهداف من الشرطة في أي لحظة وفي أي مكان وأرعبها الأمر كثيراً في بعض الأحيان، كما حدثتنا، بل جعلتها هذه الانتهاكات تتساءل: "ما الذي قد يفعله مجتمع الميم-عين حتى يستنفر وزارةً كاملةً ويجعل عناصر من النقابات الأمنية تتفرغ لهرسلتنا وتعذيبنا؟ هل أن هؤلاء يستبطنون رهاب المثلية وكرههم لمجتمع الميم-عين حصراً، أو أنه عنف مهيكل ومنظم؟".
بالرغم من أهمية هذه الخطوات وبالرغم من جهود هذه المنظمات، إلا أن سلسلة الانتهاكات التي تطال أفراد مجتمع الميم-عين لا تتضاءل، بل ترتفع وتيرتها في كل مرة
الدعم البديل عن الدولة
يلعب المجتمع المدني التونسي وخاصةً منظمات الدفاع عن حقوق الأقليات الجنسية، مثل "موجودين"، و"دمج"، دوراً كبيراً في حماية ودعم مجتمع الميم-عين، إذ تقوم بتوفير الدعم القانوني والنفسي والطبي والرقمي منذ سنوات عدة. وساهم ظهور هذه الجمعيات والمنظمات في تشجيع نسبة مهمة من أفراد مجتمع الميم-عين على كسر حاجز الصمت والخوف والمبادرة إلى مواجهة المجتمع والسلطة والمطالبة بحقوقهم/ ن ورفض الانتهاكات المسلطة ضدهم/ ن والخروج بوجوه مكشوفة في المسيرات للدفاع عن حقوقهم/ ن.
لكن، وبالرغم من أهمية هذه الخطوات وبالرغم من جهود هذه المنظمات، إلا أن سلسلة الانتهاكات التي تطال أفراد مجتمع الميم-عين لا تتضاءل، بل ترتفع وتيرتها في كل مرة. إذ رصدت جمعية "دمج"، على حسابها عبر فيسبوك في شهر حزيران/ يونيو 2022، ارتفاع وتيرة الحملات البوليسية ضد مجتمع الميم-عين في الشوارع والفضاءات العامة والخاصة من طرف فرق الوحدات المختصة للوقاية الاجتماعية التابعة للشرطة العدلية ومراكز الأمن، ووثقت 14 إحالةً على أساس الفصل 230 وأكثر من 45 إيقافاً ومحاكمةً على أساس الفصل 125 و226 مكرر والفصل 231 خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2022 فقط.
وفي تقرير منظمة العفو الدولية حول تونس 2021/2022، تم التأكيد على استمرار القبض على ناشطين/ ات من مجتمع الميم ومحاكمتهم/ ن بموجب قوانين تجرم العلاقات الجنسية بالتراضي بين أفراد من الجنس نفسه، وكذلك "الإخلال بالحياء"، والأفعال التي تُعدّ "اعتداءً على الأخلاق الحميدة والآداب العامة". وازداد تعرّض أولئك الأشخاص لاعتداءات عنيفة، ولمضايقات على أيدي الشرطة خلال عام 2021. كما أكد التقرير تعرض بعض العابرين جنسياً للقبض عليهم بموجب مواد مبهمة في المجلة الجزائية بخصوص "الآداب العامة"، بما في ذلك الفصل 226 مكرر.
"ما الذي قد يفعله مجتمع الميم-عين حتى يستنفر وزارةً كاملةً ويجعل عناصر من النقابات الأمنية تتفرغ لهرسلتنا وتعذيبنا؟ هل أن هؤلاء يستبطنون رهاب المثلية وكرههم لمجتمع الميم-عين حصراً، أو أنه عنف مهيكل ومنظم؟"
مطاطية وتحريف في القوانين
إنصاف بوحفص (في العشرينات من عمرها)، منسقة مشروع "توانسة كيفكم" (تونسيون مثلكم)، الموجّه إلى مجتمع الميم-عين لدى منظمة محامون بلا حدود، ترى أنها محظوظة لأنها لم تتعرض شخصياً للعنف المادي، لكنها تواجه جملةً من التحديات والصعوبات لمجرد أنها ارتأت أن تكون ضمن الأصوات التي تدافع عن حقوق المثليين/ ات.
أولى الصعوبات التي تحدثت عنها بوحفص لرصيف22، قانونية ومتعلقة أساساً بالفصل 230 من مجلة العقوبات الذي يجرم المثلية الجنسية: "نواجه مشكلةً حقيقيةً عند التعامل مع هذا الفصل، إذ لا نعرف ما إذا كان يجرم الممارسة أو يجرم التوجه الجنسي، فهذا التفصيل غير واضح والفقه القضائي ليس متطوراً بما يكفي لرفع هذا اللبس".
وتتابع: "كما أنه في حال أن القانون يجرم التوجه الجنسي، فهذا يعني أننا إزاء مشكلة حقيقية، مفادها كيف يمكن معرفة التوجه الجنسي لأي شخص؟ ولعل هذا تحديداً ما يطرح مسألة الفحص الشرجي الذي يقوم به الأطباء الشرعيون بإذن قضائي، بالرغم من أن هذا الفحص ليس محدداً، لأنه علمياً ليس هناك قطر واحد للفتحة الشرجية بل يختلف من إنسان إلى آخر، وعليه فهو فقط وسيلة من وسائل التعذيب المسلّطة على مجتمع الميم-عين".
وكانت تونس قد تعهدت في العام 2017 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بعدم فرض اللجوء إلى الفحص الشرجي، ولكن يتم الطلب من بعض الأطباء استعماله لإثبات المثلية. كما أن هذه الفحوص تُعدّ شكلاً من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللا إنسانية والمتعارضة مع كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس والتزمت بتطبيق مبادئها. فهي محظورة بموجب "اتفاقية مناهضة التعذيب" (انضمت إليها تونس في 17 أيار/ مايو 2011)، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" (انخرطت فيه تونس من دون احتراز في تشرين الثاني/ نوفمبر 1968)، و"الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" (صادقت عليه تونس في 21 آب/ أغسطس 2007) وغيرهم.
"نقلاً عن المحاميات/ ين اللواتي/ الذين نعتمدهنّ/ هم لمرافقة أفراد مجتمع الميم-عين أمام المحاكم، تبيّن أن أغلب القضاة لا يتمتعون بالحياد والموضوعية في التعامل مع هذه القضايا حيث تعابير الاشمئزاز على وجوههم"
هشاشة الواقع وأولويات اقتصادية مفروضة
أما التحدي الثاني الذي تواجهه بوحفص، حسب تعبيرها، فهو مرتبط بجهل نسبة مهمة من أفراد مجتمع الميم-عين بوجود جمعيات ومنظمات تدافع عنهم/ ن، مقابل عدم كفاية الجهود التي تبذلها الناشطات/ ون للوصول إليهنّ/ هم لتمكينهنّ/ هم من المعلومة القانونية والإعانة العدلية عندما يحتاجونها، لأن العديد من أفراد مجتمع الميم-عين يعيشون في مناطق نائية ليس من السهل الوصول إليها أو يفضّلون عدم الاحتكاك بالناس حتى يتجنّبوا فرضية انكشاف هويتهم/ نّ الجندرية.
وتوضح أصالة: "كما أن هشاشة هذه الفئة اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً تجعلهم غير مؤهلين/ ات أو مستعدين/ ات للاستفادة من الخدمات القانونية أو التمثيل أمام المحكمة، ما يجعل نشاطها أصعب. "في بعض المرات أقترح توفير خدمة قانونية معيّنة لأفراد مجتمع الميم-عين وأطلب قدومهم إلى عين المكان فأجد أنهم يفتقرون/ ن إلى معلوم التنقل، بل هناك من يقول لي بصريح العبارة أرجو أن تعطيني المبلغ الذي تخصصه للاستشارة القانونية لأشتري به أكلاً أو بعض الحاجيات الأساسية وبالنسبة إلى العابرات جندرياً لشراء بعض مواد التجميل حتى يستطعن العمل مقابل التخلي عن الاستشارة أو الخدمة القانونية أمام المحاكم. هذه الهشاشة الاقتصادية تجعل عملنا صعباً في ظل عدم توفير منظمتنا الدعم المادي".
في خضم كل هذه الانتهاكات والصعوبات تحاول ناشطات مجتمع الميم-عين في تونس، التحلي بأكبر قدر من القوة والإصرار من أجل مواصلة رحلة اخترنها طواعيةً وبقناعة تامة ليكن فيها أصواتاً لفئة من المجتمع تعاني ضروباً مختلفةً من الانتهاكات وتقاوم يومياً من أجل العيش بسلام
التحدي القضائي هو الآخر تعدّه بوحفص، أبرز الصعوبات التي تجعل نشاطها صعباً، وتقول: "نقلاً عن المحاميات/ ين اللواتي/ الذين نعتمدهنّ/ هم لمرافقة أفراد مجتمع الميم-عين أمام المحاكم، تبيّن أن أغلب القضاة لا يتمتعون بالحياد والموضوعية في التعامل مع هذه القضايا حيث تعابير الاشمئزاز على وجوههم، وهناك أحكام مسبقة سلبية قبل النطق بالحكم، من إذلال وإهانة لأفراد مجتمع الميم-عين وعدم السماح لهنّ/ هم بالكلام والدفاع عن أنفسهن/ م".
وتتابع موضحةً: "أذكر أن قاضياً طلب من عابرة جندرياً داخل المحكمة أن تلف لفةً ليرى جسدها جيداً ثم طلب منها بسخرية أن ترقص لهم. وبالرغم من محاولات المحاميات/ ين ومحاولاتنا لوقف هذه الانتهاكات إلا أن القضاة المتغولين (النافذين/ المتغطرسين)، بدورهم يمارسون تجاوزاتهم من دون أن يحاسَبوا. أيضاً بسبب الوصم الاجتماعي نجد صعوبةً في إيجاد محامين للدفاع عن أفراد مجتمع الميم-عين في بعض المناطق مثل جنوب البلاد (مناطق محافظة)، والحقوقيات والحقوقيون المؤمنون بعدالة هذه القضية يعتذرون عن تولي هذه القضايا داخل مناطقهم، خوفاً على سمعتهم وخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى عزوف عموم الناس عن التعامل معهم كمحامين".
المحامية التونسية، حياة الجزار، التي تولت الدفاع عن أفراد من مجتمع الميم-عين، أوضحت في تعليقها على الانتهاكات التي تحدث بسبب بعض المواد القانونية وخاصةً الفصل 230، والتي تطال حتى الناشطات الكويريات، أن ضباط الشرطة والقضاة يحرّفون هذا الفصل "بشكل مطاطي لتأويله بما يتجاوز معناه الأصلي. لا يزال هناك بعض الخلاف حول ما إذا كان الفصل 230 يجرّم الجماع الشـرجي علـى وجه التحديد، أو ما إذا كان يشمل التوجه الجنسي المثلي للذكور والإناث على نطاق أوسع. لكن من خلال اعتقال الأفراد على أساس مظهرهم الأنثوي، أو حيازة ملابس نسائية، أو قبول الانخراط في بعض الأفعال الجنسية مع أفراد من الجنس نفسه، تستخدم الشرطة الفصل المادة 230 لمعاقبة كل من تريد معاقبتهم. ونظراً إلى عدم وضوح ما يمنعه الفصل 230 تحديداً، يُستخدم كأداة للتمييز ضد أي شخص يشتبه في أن له هويةً جنسيةً غير معيارية".
وفي خضم كل هذه الانتهاكات والصعوبات تحاول ناشطات مجتمع الميم-عين في تونس، التحلي بأكبر قدر من القوة والإصرار من أجل مواصلة رحلة اخترنها طواعيةً وبقناعة تامة ليكن فيها أصواتاً لفئة من المجتمع تعاني ضروباً مختلفةً من الانتهاكات وتقاوم يومياً من أجل العيش بسلام مع مقومات جندرية مختلفة. ولكن هذا التصميم وهذا الإصرار يتراجعان في بعض الأحيان ومع بعض الناشطات اللواتي لم يكنّ قادرات على تحمل الضغط الكبير المسلّط عليهنّ واخترنّ إما التراجع أو السفر إلى بلدان أجنبية تحميهم من الممارسات اللا إنسانية التي طالتهنّ مطولاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه