شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"التشدد الديني موجود هنا أيضاً"... قصص من مجتمع الميم-عين العربي في أوروبا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"حينما رأيت فيديو احتفال مجلس الشيوخ، تساءلت كيف يمكن لشخص أن يفرح حقاً بإحباط مشروع قانون قد يحمي أفراداً من المجتمع؟ قد يحمي ابنته، أو ابنه أو ابن جيرانه، أو أي أحد قد يتعرض لإساءة ما لمجرد أنه من الأقلية".

هذا ما يقوله الشاب السوري باسل العش (24 عاماً)، وهو مثلي مقيم في مدينة لاكويلا الإيطالية، تعقيباً على إحباط مجلس الشيوخ الإيطالي، نهاية تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، مشروع قانون كان يهدف إلى اعتبار العنف ضد أفراد مجتمع الميم-عين وذوي الاحتياجات الخاصة وكراهية النساء "جرائم كراهية".

راج آنذاك فيديو احتفالي من داخل مجلس الشيوخ الإيطالي وأثار غضب العديد من المتابعين. وأرجع الأعضاء الذين صوّتوا ضد القانون إلى أنه "يحد من حرية التعبير ويروّج للمثلية الجنسية في المدارس".

يعرب العش، الذي سافر إلى إيطاليا إثر حصوله على منحة لاستكمال دراسته هندسة البرمجيات، عن دهشته من رؤية شخص (ضمن المحتفلين في مجلس الشيوخ) يحمل "هذا الكمّ من الكره"، خاصةً أنه يمثّل الشعب بطريقة ما بوجوده في المجلس النيابي، مشبّهاً إياه ببعض "شيوخ" العالم العربي الذين يفتون بما ينغّص على النساء حياتهنّ من دون وجه حق.

كردّ فعل على إحباط مشروع القانون، خرج البعض إلى الساحات دفاعاً عن مشروع القانون، ومنهم العش الذي يرى أن "هذا لا يكفي، وسنخرج بشكل أكبر". ويضيف: "لم تتغير التعاملات معنا في المساحات العامة عقب إحباط المشروع، ولكن لا يوجد قانون يحمينا إذا تعرضنا لأي أمر مؤذٍ".

التوقعات مقابل الواقع

قد يظن البعض أن أوروبا هي المكان الأمثل لأفراد مجتمع الميم-عين، لكن بالنظر إلى فشل البرلمان الإيطالي في تمرير قانون يحمي هذه الفئة على مدار 10 سنوات، ومناقشة البرلمان البولندي مشروع قانون من شأنه أن يحظر مسيرات الفخر وغيرها من الفعاليات العامة الداعمة لحقوق المثليين، يمكن القول إن الصورة ليست زاهيّة تماماً.

لا يعني هذا أن أوروبا لا تكافح لتحسين أوضاع هؤلاء الأشخاص، أو أنها ليست مكاناً ملائماً تماماً لهم إذ يتمتع أفراد مجتمع الميم-عين بالحماية في الاتحاد الأوروبي بموجب عدة معاهدات ومواثيق حقوقية، من أبرزها معاهدة أمستردام عام 1997 وميثاق الحقوق الأساسية لعام 2000. 

"التشددات الدينية موجودة هنا أيضاً. مثلما في الشرق يتشددون بشأن تعاليم الدين الإسلامي، يتشددون هنا بشأن التعاليم المسيحية، وربما أكثر من الشرق. رب عملي، في المطعم، وهو كاثوليكي متشدد، منذ علمه بأني مثلي ظل يلاحقني ويتصيد أخطائي…"

مع ذلك، أظهر مسح أجرته وكالة حقوق الإنسان الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي (FRA) عام 2019 أن أفراد مجتمع الميم-عين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي يتعرضون للتمييز والمضايقة وخطاب الكراهية والعنف على حساب التمتع الكامل بحقوقهم الأساسية.

ووجد تقرير للجنة المساواة وعدم التمييز في المجلس الأوروبي، نهاية أيلول/ سبتمبر 2021، أن هناك "زيادة ملحوظة في خطاب الكراهية وجرائم الكراهية التي تستهدف أفراد ومنظمات على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسية" بما في ذلك من القادة السياسيين والدينيين.

وبين تشرين الأول/ أكتوبر 2020 وأيلول/ سبتمبر 2021، وثّقت منظمة "Trans Murder Monitoring" مقتل 375 عابر/ة جنسياً في جميع أنحاء العالم بما في ذلك حالات عديدة في أوروبا.

ويعزو البعض عدداً كبيراً هذه الحوادث إلى مواقف اليمين المتطرف والتشدد الديني لا سيّما في أوروبا الشرقية.

في هذا التقرير، سعينا إلى رصد تجربة عدد من أفراد مجتمع الميم العرب، اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، لمعرفة مسار حياتهم هناك، وكيف قد يتأثرون بخطوات كتلك التي أقدم عليها البرلمان الإيطالي.

معاناة مزدوجة

ومن الممكن استدراك أن أفراد مجتمع الميم - عين من اللاجئين/ات والمهاجرين/ات العرب/يات في أوروبا قد تكون معاناتهم/ن أكبر، أو لنقل مزدوجة، تارة بسبب ميولهم/ن الجنسية والجندرية وتارةً أخرى بسبب هويتهم/ن غير الأوروبية. 

 يروي أحمد علاء (اسم مستعار، 37 عاماً)، لاجئ سوري مثلي الجنس يقيم في الدنمارك منذ ست سنوات، أنه كان يعمل في وظيفتين لكسب رزقه، طاهياً في مطعم وعاملاً في محل ملابس، قبل أن يفقد إحداهما بسبب ميوله الجنسية.

ويوضح أنه حرص على إخفاء مثليته في العمل عدة سنوات، لكنه، بعد مصارحته أهله في سوريا بها قبل نحو شهرين، شعر بأنه يستطيع إنهاء تكتمه على ميوله في العمل أيضاً. ولم يكن يتوقع أي رد فعلي سلبي على ذلك. يقول: "للأسف التشدد الديني موجود هنا أيضاً. مثلما في الشرق يتشددون لتعاليم الدين الإسلامي، يتشددون هنا للتعاليم المسيحية، وربما أكثر من الشرق. رب عملي (في المطعم)، وهو كاثوليكي متشدد، منذ علمه بأني مثلي ظل يلاحقني ويتصيد أخطائي. ثم طردني من العمل". ويجزم علاء أن صاحب العمل اضطر إلى اللجوء إلى "حيلة" لطرده لأن القوانين الدنماركية تمنعه من فصله بسبب ميوله أياً كانت.

في عمله الآخر، محل الملابس، تعرض إلى "عنصرية" و"ازدراء" و"إهانات" بسبب هويته الشرق أوسطية. اشتكت عميلة ذات مرة لإدارة المحل الذي يبيع ملابس من ماركات عالمية مثل غوتشي أن "مستوى المحل انخفض" لتشغيله أشخاصاً مثله، بينما بصق عميل آخر في الأرض وهو يتحدث معه.

صدمة حضارية ووِحدة

العابرة جنسياً العراقية جنة عابد (اسم مستعار، 28 عاماً) لجأت إلى السويد قبل ست سنوات. تقول إن أكثر ما آلمها في حياتها بأوروبا هو الصدمة الحضارية الناتجة عن اختلاف الحياة تماماً بين العراق والسويد، والصدمة النفسية جراء الانفصال عن الأهل في سن صغيرة إذ كانت في عمر الـ18 عاماً حين تركت العراق وتنقلت بين عدة محطات قبل أن تصل إلى السويد في رحلة لجوء غير نظامية.

"اشتكت عميلة ذات مرة لإدارة المحل الذي يبيع ملابس من ماركات عالمية مثل غوتشي أن 'مستوى المحل انخفض' لتشغيله أشخاصاً مثله، بينما بصق عميل آخر في الأرض وهو يتحدث معه…"

تؤكد أنها مرّت بـ"حالات نفسية صعبة وشديدة جداً" وأصبحت "مريضة نفسياً"، حسب تعبيرها، واحتاجت علاجاً لفترة طويلة لأن "كل إنسان طبيعي يحتاج لأهله ويشعر أنه ضعيف بدونهم وإن كان قد هرب من رفضهم حالته... يظل يشتاق إليهم". 

في السياق نفسه، يقول العش: "لديّ مشاكل نفسية، لا أعرف إن كانت مرتبطة بالوحدة، لأن مشكلتي مع أهلي بالأساس. أخوض علاجاً نفسياً منذ 11 شهراً… أشعر بغصّة في قلبي لأني سوري، أشعر بأنني لا أستحق ما لدي، أو لا أستمتع بما لديّ. لست سعيداً ولا أشعر بالأمان. ربما هذه عقدة ذنب. لماذا استطعت الخروج بينما لا يزال هناك العديد...". 

ويقول علاء: "القصة ليست مكاناً تتمتع فيه بالحرية فحسب، نحن بشر ولدينا مشاعر ونفتقد أهالينا. ويضيف: 'يعني لو بجنة الله وما معنا أهل أو عم نشوف التعليقات المشيطنة عنا، كيف رح نكون سعداء؟'".

سوء معاملة من بلد اللجوء

سلمى أشرف (27 عاماً)، عابرة جنسياً مصرية لاجئة في هولندا منذ شهر ونصف إثر مغادرتها مصر بسبب هويتها الجنسية والجندرية ونشاطها في مجال حقوق الجندر والهوية الجنسية.

تقول إن تجربتها مع اللجوء كانت مختلفة بعض الشيء لأنها حين سافرت إلى هولندا بقيت 29 يوماً في مخيم لجوء خاص، غالبية الموجودين فيه من ذوي الميول المغايرة جنسياً مقابل أربعة من أفراد مجتمع الميم-عين.

وتضيف أنها ومن معها من أفراد مجتمع الميم-عين "تعرضنا للكثير من التعليقات المسيئة بسبب الشكل والميول والتصرفات، علاوة على النظرات المتفحصة والأسئلة الهوموفوبيك (رهاب المثلية) مثل 'هو أنتم حد عمل حاجة فيكم وأنتم صغيرين عشان تبقوا كده؟'"، وذلك من قبل لاجئين ومهاجرين.

لكن أكثر موقف أزعجها هو حين طلبت أن تبقى في غرفة إقامتها بالمخيم بمفردها كونها "عابرة جنسياً ومش مسلمة"، كان الرد عليها من قبل رجل أمن هولندي ما معناه "إحنا مش في فندق". 

عن شعورها آنذاك، تقول: "مهما كانت المواقف والتعليقات الهوموفوبيك من المهاجرين العرب لم يكن وقعها عليّ مثل تعليق صدر عن شخص مسؤول عن حمايتي. لم أتخيل أن أتعرض في هذا المكان تحديداً لأي نوع من المضايقات. هذا الموقف جعلني أدرك أنه 'في أوروبا الحياة مش وردية كما أتوقع وأتمنى'".

"الحياة ليست وردية في أوروبا لكن هناك ألواناً بالفعل؛ ربما تتلون أحياناً بالأحمر وتتغير إلى الأصفر وهكذا. ستواجهون تقلبات لكنها تقلبات لطيفة"

لم يكن موقف رجل الأمن آخر المواقف المزعجة لسلمى من المسؤولين عن المخيم أو حتى من أشخاص هولنديين. تقول إنها شعرت في مرات عديدة بأنها تتعرض إلى "معاملة جافة" بسبب هويتها الجندرية والجنسية. تقول: "حين أخبرت الضابط في المطار أني عابرة جنسياً، نظر إلى رفاقه وضحكوا. لم يكن مفترضاً أن يحدث ذلك. شعرت بالأسى حينذاك".

نُقلت سلمى من المخيم الخاص إلى "مخيم أكبر مفتوح هو عبارة عن شقق سكنية صغيرة، ميزته الوحيدة أنه يمكنك الخروج منه في أي وقت". لكنها لا تزال تعاني "عدم مراعاة تامة لظروفي أو بمعنى أدق سبب لجوئي". تقول الشابة المصرية إنها أُسكنت في شقة بها ست غرف وكان معها ستة ذكور وعابرة جنسياً وحيدة. "ما أفهمه أن هولندا تراعي احتياجاتي البيولوجية من طعام وشراب وقضاء الحاجة فقط"، تضيف.

تعرضت سلمى أيضاً لإساءة عبر موقع مواعدة من شخص هولندي، قال لها "اللعنة على العابرين جنسياً"، وهو ما تقول إنه سبّب لها "قلقاً من الاندماج في المجتمع الهولندي". لذا، أصبحت تتعامل في نطاق "الضروري فقط والدائرة المقربة جداً".

ويوضح العش أنه تعرض لمضايقات "من كل الجهات" في إيطاليا. في إحدى المرات، اعترضت سيدة إيطالية على جلوسه بالقرب منها في الحافلة رغم تركه مساحة لها. اعتقدت السيدة أنه برازيلي كونه "أسمر اللون"، ما أوحى لها أنه من هناك، وطلبت منه العودة إلى البرازيل.

ويقول إن الشرطة تعامله أحياناً بشيء من الفوقية بسبب لون بشرته، مستدركاً أن رجال الشرطة ليس جميعهم عنصريين. ويلفت إلى أن لديه إقامة عمل وليس لجوء، وأن معاملة اللاجئين تكون أسوأ عادةً.

المهاجرون العرب "أزمة"؟

يشكل وجود جالية كبيرة من المهاجرين/ات واللاجئين/ات العرب/يات في أوروبا "أزمة" لأقرانهم من أفراد مجتمع الميم-عين، وفق ما تذكره بعض مصادرنا. يوضح علاء أن جميع أصدقائه العرب الذين كانوا يعرفونه ويحبونه ويستضيفهم في منزله انصرفوا عنه حين علموا أنه مثلي. يقول إن "نظرة الاحتقار وشعور عدم التقبل والإحساس بالاضطهاد منهم بعد الصداقة الطويل هي أكثر ما آلمني". 

يروي كذلك أنه بذل جهوداً كبيرة لوقف ترحيل لاجئين سوريين من الدنمارك، وتمكن من إيصال القضية إلى الأميرة ماري، أميرة الدنمارك، ورئيس الوزراء، وفي النهاية مُنع -من قبل اللاجئين- من إلقاء كلمة ضمن الفعاليات لارتدائه قميصاً عليه علم "الرينبو". ينوه علاء بأنه كان يرغب في أن يخاطب الدنماركيين من منطلق حقوق المهاجرين من أفراد مجتمع الميم-عين لأنها أولوية هناك.

"سألت حالي: لشو عم ساعد هدول العالم اللي يمكن لو شافوا حدا عم يقتلني رح يضّحكوا ويقولوا بيستاهل لأنو 'شاذ'؟".

ويضيف: "سألت حالي: لشو عم ساعد هدول العالم اللي يمكن لو شافوا حدا عم يقتلني رح يضّحكوا ويقولوا بيستاهل لأنو 'شاذ'؟".

وتخشى سلمى أيضاً التفوه بأي كلمة عربية في هولندا تفادياً لنظرة الوصم والتمييز التي قد تتعرض لها من المهاجرين العرب كعابرة جنسياً ترتدي ملابس امرأة، مشددةً على أنها "حتى الآن، لم أستمتع بحرية الكشف عن ميولي دون خوف".

لا ندم

رغم ما سبق ذكره، اتفق جميع الأشخاص الذين تحدثنا معهم على أن أوروبا توفّر لهم وطناً أكثر احتضاناً ودفئاً من بلدانهم الأصلية في الشرق. وأعربوا عن أمنيتهم بأن تكون هناك ديناميكية أسرع لتوطين اللاجئين/ات والمهاجرين/ات من أفراد مجتمع الميم-عين، ومراعاة ظروفهم/ن النفسية بشكل خاص، وتدريب الأشخاص المسؤولين بالتعامل معهمان بلطف، وفصلهم/ن عن المهاجرين العرب الآخرين غير المؤهلين بعد لتقبل الآخر واحترامه.

وتؤكد سلمى أنها لم تندم ولن تندم على خطوة اللجوء لأن "مهما مررت بمصاعب هنا، فأنا في بلد (هولندا) يحكمه قانون إذا لجأت إليه فسينصفني. ما عانيته في بلدي الأم كان أسوأ. وأثق أن القادم أفضل".

وتختم مخاطبةً أفراد مجتمع الميم-عين العرب الذين ينوون الهجرة إلى أوروبا: "الحياة ليست وردية لكن هناك ألواناً بالفعل، ربما تتلون أحياناً بالأحمر وتتغير إلى الأصفر وهكذا. ستواجهون تقلبات لكنها تقلبات لطيفة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard