تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
بشكل مشابه لمجتمع الـ underground الذي أنشأه مجتمع الميم-عين من أصحاب البشرة السوداء في نيويورك، في ستينيات القرن الماضي، لمواجهة التمييز والوصم، أوجد مجتمع الميم-عين في سوريا مساحته الخاصة، بعيداً عن أحكام المجتمع وقوانين الدولة التي تجرمه.
يتحدث هذا المقال عن ثلاث فترات زمنية متتالية، لكن فيها تحولات كبيرة في حياة الليل والسهر التي عاشها ويعيشها أفراد مجتمع الميم-عين في سوريا.
تنافس على الحفلات
قبل الحرب، وتحديداً خلال الفترة الممتدة ما بين2005 و2010، كان المثليون في سوريا يقيمون حفلاتهم بأنفسهم.
تحدث أنس لرصيف22 عن التنافس المحتدم الذي كان يحدث بين متعهدي تلك الحفلات: "كانت الحفلات تقام في مناطق المليحة وصحنايا في مزارع خاصة، كان هناك تنافس بين متعهدي تلك الحفلات لجهة من تكون حفلته الأكثر عدداً، ومن تستقطب الشباب الأجمل".
وأضاف الشاب الثلاثيني: "من أشهر منظمي تلك الحفلات، تينا مشاع ولولو خرسي، وهي من الأسماء الفنية التي يستخدمها هؤلاء الأشخاص في الوسط"، كاشفاً أن التنافس الكبير بينهما وصل لحدّ إقامة حفلتين في مزرعتين متجاورتين ليتفاخر كل منهما بأعداد المشاركين.
مع اندلاع الحرب في سوريا، أصبحت العديد من المزارع التي كانت تقام فيها الحفلات تقع في مناطق اشتباكات، عدا عن التشديد الأمني تجاه التجمعات المختلفة، لكن إرادة الحياة جعلت أفراد مجتمع الميم-عين يبحثون عن حلول أخرى لإحياء حفلاتهم الخاصة، وعليه، ظهر مصطلح "حفلات الجو"
وبحسب أنس، فقد أدت الطفرة السياحية التي شهدتها سوريا في فترة ما بين 2008 و2009 الى غياب التشديد من قبل الأجهزة الأمنية: "كان عدد من أفراد الأمن يحضرون الحفلات، كما أنَّ بعض الحفلات كانت تُغطى من قبل أشخاص لديهم نفوذ في الدولة".
وعن عدد الملاهي في تلك الفترة، قال أنس: "لم يكن هناك انتشار كبير للملاهي الليلية بعد، كان هناك ملهى الـ backdoor في منطقة المزرعة، ذهبت إلى هناك مرة واحدة مع صديقي اللبناني، وتفاجأت أن العديد من السياح من الخليج العربي والعراق ولبنان حاضرون".
وتابع حديثه بالقول: "أذكر أنها المرة الأولى التي رأيت فيها فتيات عابرات للنوع الاجتماعي، والمقاهي التي كان يرتادها أفراد مجتمع الميم-عين كانت معروفة وشائعة، منها مقهى الحجاز والكرنك في ساحة المرجة ومقاهي عديدة في جرمانا".
مع اندلاع الحرب في سوريا، أصبحت العديد من المزارع التي كانت تقام فيها الحفلات تقع في مناطق اشتباكات، عدا عن التشديد الأمني تجاه التجمعات المختلفة، لكن إرادة الحياة جعلت أفراد مجتمع الميم-عين يبحثون عن حلول أخرى لإحياء حفلاتهم الخاصة، وعليه، ظهر مصطلح "حفلات الجو".
يرتبط الملهى الليلي الـ XS في ساحة المحافظة، الـ Red bar في باب توما، والـ what’s up في جرمانا، بالإضافة لـ حانات في منطقة الروضة وشارع الشعلان الذي كان مكان تجمع للمثليين/ات، بذاكرة أفراد الميم-عين السوري الذين كانوا يترددون على هذه الحفلات خلال فترة الحرب.
الاحتفال وسط الحرب
تحدث عامر (اسم مستعار) وهو أحد منظمي حفلات للمثليين/ات بين عامي 2012 و2015، لرصيف22، عن تجربته في تنظيم تلك الحفلات: "كنّا نحاول اختيار أيام في منتصف الاسبوع لإقامة حفلات، وملاه ليلية ذات إقبال ضعيف، حتى إن كان صاحب الحانة غير متسامح مع مجتمع الميم-عين، فلن يمانع بذلك، لكن كان هناك العديد من الإجراءات، كدعوة أشخاص لديهم العديد من المعارف في وسط مجتمع الميم-عين، ليقوموا بدورهم بإخبار أصدقائهم، وعند اكتمال العدد المتوقع، أقوم بحجز الصالة، في الغالب تكون الحفلات بأسعار مرتفعة عن حفلات الأماكن الأخرى، حيث يتحجّج أصحاب النوادي أنهم يخاطرون بذلك".
أكمل عامر الحديث عن محاولات ضمان أمان الحفلات: "للتمويه في حال تعرضنا لأي مداهمة أمنية، كنّا نحاول دعوة صديقات لنا متقبلات للمثلية، طبعاً كان التصوير ممنوعاً داخل الحفلة، لذلك نمنع الهواتف المحمولة في القاعة، والخطوة الأهم من كل ذلك أنّي كنت أقف مع الحراس على الباب، لأتأكد من أنه لن يتم دخول أفراد من خارج مجتمع الميم-عين إلى الحفلة، وإن أتى أشخاص نشك فيهم، نقوم بالاعتذار منهم بحجة أنها حفلة عيد ميلاد خاصة".
وبعد أن طالت سنوات الحرب في سوريا، ظهر مشهد مختلف عما عاشه سابقاً مجتمع الميم-عين في دمشق، فازدادت، في الفترة بين 2015 و2016، البارات والحانات في منطقة باب شرقي في دمشق، حتى أنَّه بمجرد دخول المرء للشارع المستقيم، يجد الشابات والشباب على جانبي الطريق، جالسين/ات على الصخور القديمة الموزعة على جانبيه، يعزفون/ن الموسيقى ويشربون/ن البيرة، جيل جديد من السوريين/ات يرتاد حانات وحدائق تلك المنطقة، فظهر ما يدعى بالحانات الصديقة لمجتمع الميم-عين.
رزان، وهي فتاة مثلية في العشرينيات من عمرها، تحدثت لرصيف22 عن المشهد في دمشق القديمة: "يرتبط مجتمع الميم-عين السوري وحانات باب شرقي بعلاقة عاطفية ومكانية، الكثير من الذكريات نشأت بين طاولات وجدران تلك الحانات".
وأضافت: "هي ليست أماكن للسهر فقط، ولكن النقاشات الاجتماعية والاقتصادية دائماً ما يكون لها مكان في تجمعاتنا، هي حقاً متنفس لنا وخارج جدرانها هناك مجتمع آخر مختلف، شباب وشابات من مختلف التوجهات الجنسية والجندرية والمناطق والأفكار المختلفة يجتمعون سوياً، وحلمي أن تصل هذه التجربة لكل المجتمع في سوريا".
بحسب رزان، فإن بعض هذه الحانات ليست آمنة بشكل دائم: "لا يخلو الأمر من بعض حملات التفتيش التي تقوم بها الشرطة بين الحين والآخر، بحجة البحث عن الحشيش والمخدرات، وقعت عدة حوادث في حديقة القشلة، حيث يتم اقتحام عدد من الحفلات المتأخرة، فسيارة الأمن موجودة هناك دوماً، لذلك من الضروري الانتباه لمحتويات هواتفنا، وعدم الاحتكاك معهم بصرياً، تجنباً لأي مضايقات".
من جهتها، ترى جيمي (اسم مستعار) وهي فتاة عابرة للنوع الاجتماعي، بِحفلات التنكر المكان العام الوحيد الذي تستطيع الظهور فيه على طبيعتها كامرأة: "أنا وصديقاتي من عابرات النوع الاجتماعي، نستغل حفلات الهالوين والبربارة في كل عام لنرتدي الملابس بالطريقة التي نحب".
وأضافت لرصيف22: "أستطيع القول إن الجميع يتنكر في الهالويين باستثنائنا نحن العابرات، نكون على طبيعتنا، نضع مساحيق التجميل الصارخة، نرتدي الفساتين والكعوب العالية، دون الخوف من نظرات الاستنكار من الأشخاص المحيطين، على العكس، دائماً ما نتلقى الإطراء على الملابس التي نرتديها".
"هي ليست أماكن للسهر فقط، ولكن النقاشات الاجتماعية والاقتصادية دائماً ما يكون لها مكان في تجمعاتنا، هي حقاً متنفس لنا وخارج جدرانها هناك مجتمع آخر مختلف، شباب وشابات من مختلف التوجهات الجنسية والجندرية والمناطق والأفكار المختلفة يجتمعون سوياً"
بدوره، وجد يزن (اسم مستعار) أن تواجد مساحات متسامحة مع أفراد الميم-عين، خطوة هامة للاندماج في المجتمع.
وفي حديثه لرصيف22، قال: "حانات باب شرقي أصبحت متنفساً لنا، يمكن الآن رؤية شابين يرقصان سوياً ولن يكون ذلك موضع أي نظرات مستغربة، في السابق لم يكن مسموحاً للشباب أن يدخلوا بدون صحبة فتيات للنوادي والحانات، لكن الآن أصحاب تلك النوادي هم أشخاص متقبلون وحتى بعضهم من مجتمع الميم-عين، لا يتم النظر للشخص كمثلي أم لا، الجميع يأتي للفرح، وهذا لم يكن موجوداً قبل الحرب".
وكشف يزن (30 عاماً) أنه في السابق، كانت حفلات مجتمع الميم-عين منفصلة، أما "الآن فقد بتنا نشكل صداقات مع أشخاص من مختلف التوجهات الجنسية والجندرية... إنَّ تلك الحانات هي underground لكنها تجمع الجميع"، على حدّ قوله.
اليوم ومع تزايد التضييق تجاه المجتمع المدني في سوريا، هل أفراد مجتمع الميم-عين في سوريا على موعد مع حقبة جديدة من التضييق الأمني عليهم، بعد أن وجدوا نافذة أمل يتنفسون من خلاها؟
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com