شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
سلمان رشدي والحلاج... بين الفقه والتصوّف، الشريعة والفن، الأمة والدولة

سلمان رشدي والحلاج... بين الفقه والتصوّف، الشريعة والفن، الأمة والدولة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تنطوي مقارنة سلمان رشدي (ولد في 1947)، الكاتب والروائي الهندي- البريطاني فالأميركي، بالحسين بن منصور الحلاج (244هـ/ 858م- 309/922)، المتصوّف المسلم والفارسي- العربي، على مبالغة لا شك فيها، وقد تكون من وحي التسرّع. واشتراكهما في صدور فتويين بقتلهما، انتهت الأولى إلى صلب الحلاج وقتله ببغداد، وكادت الثانية أن تنتهي إلى قتل رشدي، عامل بعيد وضعيف، وينبغي ألا يجمع بينهما على نحو ما تصنع المقارنة العادية.

والتذرّع إلى المقارنة بتعرّض كلاهما لقمع حرية الرأي في الدين وفي نشر الدعوة، في عصرين مختلفين، يقرِّب بين أمور وأحوال ومعانٍ، شديدة التباعد والتباين، من جهة، ويجرّد مسألة مثل حرية الرأي من ملابسات ظهورها وتبلورها وأطوار دلالاتها، ويحيلها فكرة قائمة في نفسها أو مومياء منذورة للخلود، من جهة أخرى. ويؤدي هذا إلى "عبادة" الفكرة وتصنيمها، وإلى نفي جواز الخلاف عليها، وكثرة الآراء فيها، على خلاف ما افترضته وتفترضه ربما صياغاتها المتفرّقة.

والحكم بالتكفير في الروائي المعاصر، وبالزندقة (بعد الرجوع عن التكفير) في المتصوف الحارثي (ولاءً) و"العباسي"، باسم الإسلام وشريعته وفقهه، ينبغي ألا يوحد الرأي في المسألتين. فالتكفير صدر عن فقيه ومفتٍ فرد. وولايته السياسية على "جمهورية إسلامية"، باسم عدالة دينية وعلمية فقهية، لا ينجم عنها، على رأي أقران كثر للولي الفقيه الرسمي، فرض ديني وعبادي مُلزم.

والمفتي، في هذه الحال، لم يفتِ برأي غير مقيد أو نظري في عمل رشدي، بل أفتى بإجراء نافذ. ورتب على نفاذه مرتباً، أي أجراً وجائزة. والقاضي يملك، دون المفتي، القوة على الإجراء والنفاذ، والتصرف المقيد فيهما. وهو يتمتع بالقوة والتصرّف لأنه جزء من هيئة أو جهاز وأبنية، متماسكة ومنظمة، مع الهيئات والأجهزة الأخرى، على تسلسل دوائر وصلاحيات وموارد. ومجموع الهيئات والأجهزة هو "هيئة" الدولة.

المرشد والدولة

وفتوى الوليّ الفقيه، أو المرشد الإمامي الإثني عشري (الشيعي) الإيراني، لم تصدر عن القضاء، الشيعي الإيراني كذلك. وجمعُ المرشد عملين، عمل المفتي العالم وعمل السلطان أو ولي الأمر (السياسي)، في شخصه، لا يحل الدولة التي يتربع على رأس سلطاتها وأجهزتها من صفتها الوطنية، الإقليمية (أرضاً وحدوداً) والقومية أو الشعبية (قوماً أو شعباً و"مواطنين").

وعلى هذا، فحكم القاضي يلزم دولته الوطنية. ويُقيَّد الإلزام بالإقليم الجغرافي والمواطنة السياسية. وإذا احتاج القاضي، أكان قاضيَ شرع أم قاضياً مدنياً، إلى التعاون مع سلطات وطنية أخرى في إنفاذ أمر أو في توسيع تحقيق، وجب عليه التنسيق بين أمره والأمر الوطني الآخر، وتوسيط الدولتين، ومخاطبة الواحدة الأخرى من "الطرق القانونية" أو بها. وإلا عُدّ تطاول اليد الوطنية إلى عقر دار الدولة الأخرى... تطاولاً على سيادتها وولايتها.

والفتوى، في الروائي الأميركي وفي شؤون أخرى، حين تجمع رأي العلم الديني المتجرّد من قيد الدولة الوطنية إلى نفاذ الإجراء العملي والجهازي تحت جناح الدولة، إنما تُعمل في العلاقات السياسية والاجتماعية، الوطنية والدولية، وفي المعايير الأخلاقية أو أحكام العمل، اشتباهاً أو التباساً قد يكون مدمّراً. فبينما يصدر المؤمن المُفتَى عن اعتقاد ويقين، يصدر المواطن عن مسؤولية وتبعة، على تمييز بين العالم والسياسي يعود إلى ماكس فيبر (1864- 1920).

وإعمال اليقين محل المسؤولية يجر إلى عبث عشوائي على غرار اغتيال مترجم "الآيات الشيطانية" الياباني (في 1991)، والاعتداء على المترجمين، الإيطالي والنروجي (في 1993). والأشد فداحة، جره إلى مقتل 37 تركياً في فندق أحرقه إسلاميون محليون (1993) حسبوا أن بين الحضور عزيز نيسين، مترجم الكتاب إلى التركية. وحال انتخاب محمد خاتمي رئيساً، سكتت الجمهورية عن الفتوى. وعلّق السكوت المراوغ، شأن معظم مواقف خاتمي ومعه هاشمي رفسنجاني وترجّحهما بين الأضداد الإيرانية، الحال التي انتهت إليها الفتوى، وعلاقة الدولة بها. ولكن الأرجح على الظن أنها بقيت مثالاً احتذت عليه عمليات الإسلاميين السنة الإرهابية، والقاتلة، في 2006 (الصور الكاريكاتورية النروجية)، وفي 2015 ("شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة)، واليوم في نيويورك. وانفرد علي خامنئي، المرشد الثاني، بالتذكير بالفتوى في العامين 2017 و2019.

الآلام

وعلى خلاف سليمان رشدي، طبعاً (!)، كان حسين بن منصور رعية للخليفتين العباسيّين، المعتضد والمقتدر، ومسلماً لا شك في إسلامه. فتطوّع للقتال والمرابطة في ثغور تركستان الصينية والهندية، وحج إلى مكة ثلاث مرات، وأقام بها سنة كاملة في حجّه الثاني، وسنتين في حجّه الثالث والأخير.

ويزعم كاتب سيرته "الكبيرة" والوصي على تراثه، لوي (س) ماسينيون الفرنسي (1883- 1962)، وصاحب الموسوعة الحلاجية "آلام الحسين بن منصور الحلاج، شهيد الإسلام الصوفي المصلوب ببغداد في 26 آذار/ مارس 922، دراسة في التاريخ الديني، 1973، دار غاليمار، باريس، الطبعة الأخيرة في 4 أجزاء بعد طبعات 1914 و1922 و1962 التمهيدية"، و"آلام" على منوال "آلام السيد المسيح" في عناوين الأشرطة السينمائية المعاصرة والمسرحيات القروسطية في أفنية الكاتدرائيات أو على مسارح مدارس الرهبانات المشرقية، يزعم ماسينيون أن 30 جيلاً من أسانيد الرواة والمحدثين تصل بين الحلاج، منذ قتله إلى لحظة صدور كتابه.

"تنطوي مقارنة سلمان رشدي (ولد في 1947)، الكاتب والروائي الهندي- البريطاني فالأميركي، بالحسين بن منصور الحلاج (244هـ/ 858م- 309/922)، المتصوّف المسلم والفارسي- العربي، على مبالغة لا شك فيها، وقد تكون من وحي التسرّع..."

وهو يعني بالأسانيد تراوي بعض المسلمين أخباره وأقواله وأشعاره من طرق التديّن الشعبي، والعبادات، وخطب آخر الزمان، ورواية الكرامات التي يُنسب إليه صنعها. ولم يحل قتله بحكم قضائي، وليس بفتوى، دون تناقل علماء (الحديث والأدب والملل) آثاره، مثل البلخي والمقدسي والديلمي، بين 932م و990، أي في ثلثي القرن اللذين أعقبا موته. وذلك على رغم حظر نسخ أثر من آثاره، بين 922 و1258، وقصر الإشارة إليه في مقتطفات الصوفيين بـ"حسين".

وعُرف بعض أنصار الحلاج ومريديه بـ"الصحابة الحلاجية". وحين أعلن قتله ثار بعض أهالي الجوزجان، الولاية القريبة من تُستر، مسقط الحلاج ومحل ولادته ونشأته. ويشهد المسعودي، المؤرخ المعاصر والشيعي الهوى، أن يومَ قَتْلِ الصوفي التستري ببغداد كان "مهيباً". وهذه قرائن على "أنساب" الحلاج الإسلامية ووشائجه وروابطه بالمسلمين وجماعاتهم ومجتمعاتهم وثقافاتهم.

"أصلح"

والمسألة التي تقدّمت المآخذ أو المطاعن على الحلاج، وأدت إلى مثوله أمام "نظر المظالم"، وهو قضاء استثنائي من صنف مجلس القضاء الأعلى، على خلاف "نظر القضاء" (على قول ماسينيون، مرجع هذا السياق)، هي الحج. ففي ختام حجه الثالث وعمرته الطويلة، على ما مر، نَقَمَ الحاج، الحسين بن منصور، على قوى خفية، وصفَها بالشقاق والابتداع، واستبدال الشعيرة الإسلامية الكبيرة، وهي إطار التلبية، وتجديد الخلة (من الخليل إبراهيم) بين الخالق ومخلوقه وطلب الغفران، بـ"منتزه وسطاء البلاطالار والتجارة والمال والشعر".

وتركت هذه القوى- وهم من كبار ملتزمي الجباية، ومخزّني الطحين، والمضاربين على سعره وتسويقه، وأصحاب القرى والقطائع والمناجم والتجارات البعيدة (وكبار هذه الجماعات معظمهم من الشيعة الإمامية الذين مهّدوا الطريق إلى استيلاء البويهيين على بغداد)، ووكلاء الأوقاف ونظّارها، والكتاب- الأرض الحرام نهباً للإلحاد والطمع و"خبثاء الفقراء" من القرامطة. وملأ هؤلاء الأرض الحرام بصلوات الارتزاق والأعمال الخبيثة، على خلاف قلة من المتوحّدين المعتزلين، والصائمين المضحّين، والهاتفين إلى الله أن "أصلح" الإسلام وارْسِهْ على العدل، على ما وُعد إبراهيم. وتدعو القلة إلى ولاية الأبدال، وهم الأولياء المقرّبون، "الغرباء" الذين لا تخلو الأرض منهم، ويعطفون على القلوب الكسيرة و"المحلوجة"، ويجبرون كسرها ويحيلونه عزاء. فهم معين شفاء لا ينضب. ولا يُراعى في اصطفائهم نسب غير النسب الصدّيقي. الإيماني والقلبي، على عكس مقالة الشيعة الإمامية.

وتوّج خطبه في الأسواق والمساجد، وكلها دعت في الأعوام الأخيرة التي سبقت حبسه وأعقبت حجّه إلى قتله، كفارةً عن المسلمين وذنوبهم واستعجالاً لليوم الآخر والساعة "القريب" (الآية 17 من سورة الشورى)، بإباحته مشاعر الحج خارج مكة. وسوَّغ النقل إلى بغداد بـ"نعمة النزول" القرآني على القلوب. وجهر طلبه الفقر المطلق والعدم والعجز والموت والدينونة استباقاً للحساب، وعِلماً "للساعة" (سورة الزخرف، الآية 61). وصادف حجه الثالث والحاسم، وإقامته بين الحل والحرم، حيث يبعث المهدي بحسب الآثار، عامي الهجرة 290- 291.

أزمة المشروعية

وكان الشيعة، العبيديون الفاطميون، يرجئون استيلاءهم على مصر إلى هذه السنة التي يرونها، في حساب نبوءات "كتاب الجفر" (المنسوب إلى علي بن أبي طالب)، مؤاتية ومناسبة. وكانت ثورة الزَّنْج- وهم من العبيد الرقيق والعمال في أراضٍ بضاحية البصرة يُستخرج منها النطرون، أمَّروا عليهم علوياً زيدياً (من نسل علي بن أبي طالب ثم من نسل زيد بن علي، زين العابدين بن الحسين رأس الزيدية) مزعوماً- هزمت في عام 270هـ، والبصرة مهد التصوّف منذ حسن البصري.

وخلفت ثورة الزَّنْج، شأن الحركة القرمطية، التي ينسبها ماسينيون إلى البدو و"سواقطهم" (الطبري) على تخوم المدن وأريافها القريبة، والحركة الإسماعيلية مثلها، آثاراً عميقة في جموع مسلمين تعتمل فيهم خلافات سياسية "قومية" ومذهبية وكلامية كثيرة. وضَعُفَ في الأثناء ولاء معظمهم لآل العباس، واستقلت بعض أكبر ولاياتهم عن مركز الخلافة. وتغذي ظروف مثل هذه، تتسم بأزمة مشروعية عامة، في الناس الذين يلابسونها وتلابس حياتهم، نزعات خلاصية، وانتظاراتٍ أخروية، طوباوية وثورية داهمة. فيرون علامات قيام الساعة الوشيك في الحوادث الضئيلة والعظيمة على حد واحد، ويستعجلون التخفّف من أثقال الدنيا ووطأتها.

"الحكم بالتكفير في سلمان رشدي، وبالزندقة (بعد الرجوع عن التكفير) في الحلاج، باسم الإسلام وشريعته وفقهه، ينبغي ألا يوحد الرأي في المسألتين. فالتكفير صدر عن فقيه ومفتٍ فرد..."

ولو كان الحلاج رئيساً على فرقة مسلمة، أو شيخاً على ملة من الملل المتنازعة، لقضى إجراء إداري أو عسكري في أمره، ولقتلته فتوى مأذونة أحالها فقيه مستعجل على قاضٍ متواطئ، ولف ذكره النسيان. وكاد الحلاج أن يلقى هذا المصير، مرة أولى حين حجّه الحج الثاني، وصحبه 400 حاج لبسوا مثله المرقعة، لباس الفتوة وأهل الصوف. ومرة ثانية حين عودته من حجّه الثالث، في 291هـ. ودعا تحلّق بعض العامة، من الكتبة الصُّغْدِيين (أحد أقوام البلاد الإيرانية) والموالي النسطوريين والمزدكيين وأهل المناسج، حول الحلاج، في حجَّيه وبعدهما، مقدم الفقهاء الظاهريين، من أهل الحديث وخصوم التأويل الشافعي والمعتزلي والحنبلي والإمامي، ابن داود، إلى الدس على الصوفي عند الخليفة المعتضد.

ولم يبلغ الفقيه الظاهري- وهو صاحب كتاب في الحب وفي مصطلحه العربي الشعري حمله على الجنون، سبق كتاب ابن حزم، الظاهري الآخر "طوق الحمامة" وآذن به- غرضه. وحال بين ابن داود وبين استجابة الخليفة طلبه قتل الصوفي "العاشق" والقائل بـ"وحدة الشهود"، رأي أحد كبار الفقهاء الشافعيين في بغداد، ابن سريج (ت. 306هـ/ 918م)، في المسألة. فهذا أبطل دعوى الفقهاء في إبداء رأي فقهي في معتقدات الصوفية، وأفتى باستقلال التصوّف من الفقه، وبـ"التوقف" في تناول السرائر. وقد يصح، اليوم، استرجاع هذا الفصل في باب الفن الروائيّ وغيره.

"توقف" القضاء

وترتب على فتوى ابن سريج الشافعي- وهي من نتائج خلاف الشافعية والظاهرية على جواز التأويل عموماً، وجزء من حركة فكرية وثقافية كثيرة المصادر والروافد جعلت بغداد حاضرة العالم، على قول مؤرخ الحلاج ومريده الفرنسي- أثر عملي بارز. فرغم جسامة التهمة التي وُجّهت إلى الحلاج، اقتصر قصاصه، في وقت أول، على التعزير. وأدى إبطال الفتوى فيه، وفي تصوّفه، إلى إحالته إلى القضاء وموجباته الإجرائية والشكلية.

والعمل بهذه الإجراءات أوجب حبسه، طوال ثماني سنوات تامة، في 301هـ- 308، في قصر الخليفة، وفي رعاية "السيدة" أم موسى، والدة الخليفة، وحمايتها من الوزير ابن الفرات، الشيعي المتحامل على الحلاج. وعزّزت الهيئة القضائية، وهي مركَّب من قضاة وفقهاء وقراء (القرآن) وشهود عدول وكتّاب، دور الإجماع في صدور الحكم ومضمونه وإنفاذه. وعلى هذا، بلغ عدد التواقيع على حكم القاضي أبي عمر الحمادي بالقتل في الحسين بن منصور، 84 توقيعاً. وتحفّظ أحد الشهود، وامتنع فقيهان شافعيان، بعد وفاة ابن سريج، من التوقيع ولم يعارضا الحكم. ونظرت المحكمة في انتقاص المدعى عليه من صلاة الجمعة والحج والجهاد.

ويعزى إخفاق ابن داود في دعواه إلى تولي القاضي النظر في فتويين تنقض الواحدة الأخرى (على خلاف "الرأي والرأي الآخر" المعاصر، وخلوصه دائماً إلى تغلب "الرأي" الواحد). وعلى هذا، علّقت المحاكمة الأولى ثلاثة أعوام. واستؤنفت بعد وفاة ابن سريج. ولم تنته الهيئة إلى إجماع سلبي إلا من طريق تقلب الموازين بين الكتل السياسية المتنازعة.

وكانت المحاكمة فصلاً بارزاً من فصول السعي السنّي في توحيد السلطة القائمة، أو سلطة الأمر الواقع، والسلطة الشرعية. فلا تشكو السلطة القائمة هشاشة الخلافة العباسية، وتفضيل المعتزلة الحنفيين، ومثلهم الظاهريون وأنصار الطبري (المفسر والمؤرخ)، إماماً من آل علي، بينما انصرف الحنابلة والشافعية إلى بلورة فكرة الإجماع، تلافياً لاطراح "المجتمع"، أو الأمة، من الإمامة، وإخراجها من السياسة والأمر

وحين يتكلم أبو سمبل، في "الآيات الشيطانية"- وهو كبير أهل جاهلية، على ما يسمي سلمان رشدي بلده، وزوج هند و"الشيطان" الذي بعث مهوند على التلفظ بالحرفين الغريبين- في مهوند، يقول: ما يثقل عليّ منه هو أنه "واحد، واحد، واحد" أما أنا فاثنان أو ثلاثة أو خمسة عشر. وحين يصف راوي "الآيات الشيطانية" رؤية الملاك للعالم، يقول: لا يرى السطوح والجهات بل يرى ماهيات، وهذه هي حد الوحدة التي تنفي منها الأفراد والأشخاص والجواهر، وتنفي الحب في الجنون والتأويل في البدعة.

قد لا يكون ما يشترك فيه سلمان أنيس رشدي والحسين بن منصور الحلاج، ولا شك في بُعد الشقة بين "ولاية" لندن وبين بغداد الكوسموبوليتية أواخر القرن الثالث للهجرة ومطلع القرن الرابع، وبين أزمة المشروعية العالمية في "الإمبراطورية"، على ما يسمي مثقفون ماركسيون السلطان الأميركي وحده، وبين أزمتها في خلافة بني العباس. ولكن هل ينكر وقوع الفتوى الخمينية ونظر المظالم الظاهري على مفترقين تاريخيين متشابهين؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image