سواء اتبعت الأم أساليب التربية الحديثة أو التربية التقليدية أو حتى التربية الخاصة في التعامل مع أبنائها، تبقى لكل أم بصمة خاصة بها تنبع من شخصيتها وقناعاتها وبيئتها وطبيعة ظروف الأسرة وشخصيات الأطفال. ومهما اختلفت تلك البصمة فإن الأم لا تسلم في مجتمعاتنا العربية من الانتقادات.
عادةً ما تتلقى الأم الانتقادات بنسبة أكبر من عائلتها وعائلة الزوج، ولا سيما الجدة. وتمتد تلك التدخلات لتشمل دائرة المعارف والأصدقاء وربما الجيران، وقد تتقبل الأم بعض هذه الانتقادات من باب النصيحة، خاصة إذا تم توجيهها لها بلطف. أما الاتهامات بالتقصير والإهمال أو القسوة أو التدليل المفرط للأبناء، فكلها أمور تزعج أي أم وتسبب لها ألماً نفسياً وتزيد من الضغط النفسي الواقع عليها وتقلل من ثقتها بنفسها كأم. وربما تكون سبباً في عصبية الأم وحتى اكتئابها. وذلك بسبب عدم قدرتها على فرض سلطتها على أطفالها وهم صغار وقلقها من التفكير بالأمر في المستقبل، والخوف من تأثير تعليقات الآخرين على تصرفات أطفالها.
وتزداد تلك الانتقادات والضغوط في حال العيش في بيت عائلة الزوج أو في حال طلاق الأم ورجوعها للعيش مع أطفالها في بيت أهلها. وأحياناً، تصل إلى حد فقدان الأم للسيطرة على تربية أولادها، لتشعر بأن جميع من في البيت يشتركون في تربيتهم على نحو سلبي لا تريده هي.
أما الأغرب والأسوأ فهو أن يفرض المجتمع رأيه في تربية أبنائك كنوع من الوصاية الأخلاقية، وأن يوجّه الغرباء، الذين لا يعرفونكِ ولا يعرفون شيئاً عن أطفالك، الانتقادات لك بسبب طريقة تربيتك لأولادكِ وتعاملكِ معهم
وصاية أخلاقية للمجتمع وغرباء فضوليون
أما الأغرب والأسوأ فهو أن يفرض المجتمع رأيه في تربية أبنائك كنوع من الوصاية الأخلاقية، وأن يوجّه الغرباء، الذين لا يعرفونكِ ولا يعرفون شيئاً عن أطفالك، الانتقادات لك بسبب طريقة تربيتك لأولادكِ وتعاملكِ معهم. فتجدين نفسك مضطرة إما إلى تبرير موقفك والدفاع عن نفسك أو تجاهلهم أو صدهم بوقاحة تتناسب مع وقاحة فضولهم وتدخلهم فيما لا يعنيهم.وتختلف طرق تعاملنا كأمهات مع تدخل الغرباء وتعليقاتهم على تربيتنا لأطفالنا وسلوكياتهم باختلاف المواقف واختلاف شخصياتنا. وكلما كانت ثقة الأم بنفسها مهتزة أو عانى أحد أطفالها من خطب ما كاضطراب سلوكي أو إعاقة ما، فإنها تنخرط في تبرير سلوكياتهم والدفاع عن نفسها وكأنها تقول: "لستُ أماً سيئة".
ابنتي ترفض العناق والقبلات
تقول إحدى الأمهات: "إنّ طفلتي الصغيرة تعشق كلمة لا، ترفض العناق والقبلات من الغرباء، ولكنها تعطيها لنا في المنزل بسخاء ولمن ترتاح وترغب في رؤيتهم وتطمئن في حضورهم". وبسبب ذلك، أواجه أنا أمها تعليقات لاذعة بأنني "بدلعها زيادة عن اللزوم"، و"عيب الناس هتزعل منك"، و"بنتك خوَّافة ومبتحبش الناس". ومؤخراً "دي عنيدة وهتتعبك وتنفذ كل اللي هي عايزاه". كل ذلك لمجرد أنها لم ترغب في إعطاء هذا الـ"عمو" أو تلك الـ"طنط" قبلة أو عناقاً.ورغم الانتقادات التي تواجهها تلك الأم من المجتمع إلاّ أن خبراء التربية يحذرون من إرغام الطفل على عناق أو قبلة أو لمسة لا يرغبها من الغرباء أو حتى من الوالدين. وينصحون بتركه واحترام احتياجاته ورغباته، ليعبر عن نفسه وليفعل ذلك مع الآخرين أيضاً. كما ينصحون بتعليم الطفل كيف يقول "لا" ويمنع الأذى عنه بالرفض، كي لا يخاف الآخرين أو يشعر بأن جسده مستباح.
الانتقادات تثير عصبية الأمهات
وتعتقد بعض لأمهات العرب أن أحد أهم أسباب عصبيتهن على أطفالهن هو ما تواجه الأم من تعليقات وانتقادات من الناس من حولها، سواء كانوا من الأهل والأصدقاء أو من الغرباء."ابنك بياكل كدا ليه؟"، "ابنك شقي ليه؟"، "ابنك مش بيحترمك ليه؟"، "بيوسخ نفسه بالشكل دا إزاى وسايباه؟"، "ابنك متدلع"، " في السن دا وبيلبس البامبرز"، "إزاي عمره 3 سنين ولسة ما يعرفش الألوان ولا الأعداد ولا الحروف". كلها تعليقات تشعر الأم بالضغط النفسي وأنها أم فاشلة مما يجعلها تثور غضباً على الطفل المسكين بغرض تهذيب سلوكه.
تعتقد بعض الأمهات العرب أن أحد أهم أسباب عصبيتهن على أطفالهن هو ما تواجه الأم من تعليقات وانتقادات من الناس من حولها، سواء كانوا من الأهل والأصدقاء أو من الغرباء
لن تُرضي الغرباء الفضوليين أبداً
مهما كانت طريقة تصرفك في تلك المواقف، فاعلمي عزيزتي الأم العربية أنكِ لن تُرضي الغرباء الفضوليين. فإذا ألبستِ طفلك ثياباً خفيفة في طقس خريفي أو ربيعي معتدل فسيتهمونك بالإهمال ويزعمون أنه يشعر بالبرد. وأما إذا ألبسته ثياباً شتوية ثقيلة فسيتهمونك بالقسوة ويقولون إن الطفل يشعر بالحرّ. وإذا قمتِ بشراء الحلوى له فسيقولون لكِ إنكِ تضرين صحته وأسنانه. ولو منعته من تناولها فسيتهمونكِ بالقسوة وحرمانه من طفولته. وإن اشتريتِ له الألعاب الغالية الثمن فستكونين بذلك تفسدينه وتدللينه. وإن رفضتِ شراء لعبة غالية الثمن لأن ظروفك لا تسمح بذلك أو لأنها غير عملية ولا تناسب طفلك فستكونين بذلك تحرمينه وتعاملينه بقسوة لا سيما إن بدأ في وصلة من البكاء أو الصراخ.اعلمي عزيزتي الأم العربية أنكِ لن تُرضي الغرباء الفضوليين
وغالباً ما يستهجن الغرباء في مجتمعنا سلوك الطفل الذي يرفض مصافحتهم ومنحهم القُبلات وينتقدون أبويه اللذان يخشيان عليه من الوقوع ضحية للتحرش الجنسي أو الاختطاف، وينتقدون الأمهات اللواتي يرفضن إعطاء أطفالهن المضادات الحيوية بسبب تأثيراتها السلبية.
وحين نقصد الأماكن العامة ولاسيما مراكز التسوق والمطاعم، يكثر الأطفال من الطلبات. وأحياناً يلجؤون إلى البكاء والإلحاح والصراخ، حتى يخرج الأمر على السيطرة ويصبح الوضع محرجاً. فمثلاً قد نرفض شراء حلوى مضرة أو تسبب الحساسية لطفلنا أو مخالفتها للنظام الغذائي الذي يتبعه، وحين يبدأ بالتوسل أو البكاء يتدخل أحدهم متطوعاً لشرائها للطفل ليظهرنا أمام أطفالنا في مظهر الشرير ويظهر كبطلٍ منقذ.
التجاهل قد لا يكون الحل الأنسب دائماً
وغالباً ما يلجأ بعض الأهل إلى تجاهل صراخ الطفل وإلحاحه في تلك الحالة، إلاّ أن خبراء التربية يعتقدون أن التجاهل قد لا يكون الحل الأنسب دائماً، حيث يفيد فقط في حال فقدان الأبوين للقدرة على التواصل مع الطفل الذي يوشك على أن ينفجر غضباً. فينصح وقتها بأخذ نفس عميق والابتعاد قليلاً، وتجنب أي نقاش أو تواصل معه لمدة قصيرة حتى لا يحدث الأسوأ.وينصح التربويون الأم بأخذ قرار حاسم بقدرتها التامة على السيطرة على الوضع ولو تدريجياً، والتمسك بحظر الممنوعات المفروض على الطفل وعدم التراجع عنها تحت ضغط وإلحاح في الأماكن العامة، وألا تسمح بتدخلات الآخرين لأن التراخي لمرة واحدة يفقد الأم الجولة الحالية وجولات كثيرة في محاولة فرض سيطرتها على الوضع مع الطفل داخل المنزل وخارجه.
وعند التحدث مع طفلك عن خطأه يجب عدم الصراخ مثله ليسمعك، بل الحديث معه بصوت واضح وهادئ وحازم وصارم بينما تنظرين مباشرة إلى عينيه ليشعر بجدية الأمر. وكذلك عندما تطلبين منه تنفيذ أمر ما أو الالتزام بالأدب والهدوء أمام الغرباء.
ويجب أن يكون الحزم سيد الموقف مع الطفل. وإذا كان صغير السن استمري بالتحدث إليه رغم بكائه وأوضحي له أنك تتفهمين مشاعره الحزينة. ولكن، يجب عليه أن يتصرف كالكبار ويتوقف عن البكاء والصراخ ويستمع لكلامك ونصائحك. أما إذا كان الطفل أكبر سناً فيمكنكِ تحذيره من أنكِ ستعدين من واحد إلى ثلاثة وإذا لم يتوقف فسيتلقى العقاب.
وأما إذا كنتما في مكان مغلق فإن الحل الأنسب هو أخذ طفلك إلى مكان جانبي بعيداً عن تجمع الأشخاص لتخفيف الإزعاج الذي يسببه طفلك وتوفير حيز خاص للنقاش معه للسيطرة على مرحلة الغضب لديكما.
لا يمكن مواجهتها إلا بقول لا كبيرة
مهما اختلفت المواقف التي نواجهها نحن الأمهات حيال سلوكيات أطفالنا، فإنه يجب علينا تعلّم كيفية التعامل مع تدخل الأهل والأصدقاء في تربية أبنائنا بحكمة وهدوء. وأن نُفرّق بين كون الأهل يتدخلون في تربية الطفل بقصد تعديل نمط التربية الذي يتّبعه الأب والأمّ، وبين إفسادهم لقواعد التربية دون قصد، عبر تدليل الأطفاليجب علينا تعلّم كيفية التعامل مع تدخل الأهل والأصدقاء في تربية أبنائنا بحكمة وهدوء
عندما يقوم الآباء بتطبيق عقوبةٍ ما عليهم، أو على النقيض من ذلك، حيث يقسون على الأطفال ويعاقبونهم حين يقومون بسلوك لم يعتادوا تلقي العقاب عليه، أو حين يقوم الأهل بانتقاد النمط التربوي الذي يتبعه الأبوان بشكل علني أمام أطفالهما ويحاولون تغييره بشكل مباشر. حينها، يجب أن نكون أكثر حزماً ونرفض تلك التدخلات والانتقادات.
أما التدخلات العابرة في تربية الطفل، التي نواجهها من أشخاص غرباء لا نعرفهم أبداً، أو قد تجمعنا بهم علاقة سطحية، والتي لا يكون هدفها الحفاظ على الطفل أو المساهمة بتربيته بقدر ما يكون هدفها انتقاد أسلوبنا بالتربية والتطفل علينا، فإنه لا يمكن مواجهتها إلا بقول "لا" كبيرة في وجوه أولئك الغرباء أو على الأقل تجاهل هذه التعليقات تماماً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...