أثار نصب تذكاري للمحامي والسياسي التونسي الراحل شكري بلعيد غضباً واسعاً إثر تدشينه في مدينة صفاقس الأحد 7 آب/ أغسطس الجاري، وسط انتقادات شديدة لملامح وجه التمثال الذي قيل إنه لا يُشبه صاحبه، وتعجبٍ من اختيار "عاصمة الجنوب التونسي" مقراً له.
بسبب أفكاره ومبادئه، اغتيل بلعيد في السادس من شباط/ فبراير عام 2013، بأربع رصاصات (واحدة بالرأس، وواحدة بالرقبة، واثنتان بالصدر) خلال مغادرته منزله في مرحلة كان المناخ العام في تونس مشحوناً بالصراعات، مع إرادة جليّة لأسلمة المجتمع.
تحوّل رمزاً الرجلُ، الذي مثّل اغتياله أول حادثة اغتيال لرجل سياسة تشهدها تونس منذ اغتيال المناضل صالح بن يوسف عام 1961 بألمانيا، وترتبت عليه صدمة قوية للشارع التونسي الذي خرج مندداً بالاغتيال والعنف. علماً أن بلعيد عارض نظامي بورقيبة وبن علي، وكان عضواً في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التونسية (2010/ 2011).
موتٌ ثانٍ؟
وعبّر الكثير من التونسيين النشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من التمثال الذي دشّنه الاتحاد العام التونسي للشغل في حضور أمينه العام نور الدين الطبوبي ونحته الفنان سمير بن قويعة. وقال المنتقدون إن التمثال "لا يُشبه الشهيد بلعيد"، متسائلين: "هل نسيتم ملامحه؟".
بلغ الأمر أن وصف معلقون التمثال بأنه "موت ثانٍ" و"اغتيال آخر" لبلعيد لما فيه من "رداءة واستخفاف بمشاعر الناس" لا سيّما أن ملامح التمثال بدت للكثيرين أقرب للشبه بالقيادي في حركة النهضة عبد الكريم الهاروني.
وفيما لم تصل التحقيقات إلى قاتل بلعيد بعد، إلا أن هيئة الدفاع عنه تحدثت مطلع حزيران/ يونيو الفائت عن معطياتٍ تُشير إلى "تورط حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي في التنسيق لتنفيذ عمليات اغتيال سياسية" بينها جريمة اغتيال بلعيد.
"حتماً إنه ليس شكري بلعيد، بل هو مقاربة فنية لشخصيته"... جدل واسع وسخرية حول نصب تذكاري لـ #شكري_بلعيد بسبب ملامحه البعيدة الشبه بالأصل و"التحية الهتلرية"، وتساؤلات عن الهدف من وضعه في مدينة #صفاقس بالذات
وعلى حسابه في فيسبوك، قال الإعلامي التونسي سمير الوافي: "دفعوا 80 مليون (نحو 25 مليون دولار أمريكي) من المال العام مقابل تمثال يجسد ويكرم الشهيد شكري بلعيد، فكانت النتيجة ملامح عبد الكريم الهاروني!". وأردف: "مسكين شكري بلعيد ضيّعوا حقيقة اغتياله، وحق دمه، وحق التاريخ، ولم يفلحوا حتى في تكريمه".
وتجدر الإشارة إلى أن مصادر متطابقة أوضحت أن تكلفة التمثال 80 ألف (وليس مليوناً) دينار تونسي، أي ما يقارب 25 ألف دولار أمريكي.
واعتبرت ليلى أن ما يتعرض له بلعيد "محزن"، مضيفةً "الشهيد شكري بلعيد مات مرتين… مرة كي يغتالوه ومرة كي يصنعوا له هالتمثال".
وجهة نظر فنية
في الأثناء، رأت قلة من المعلقين أن أهمية التمثال في رمزيته لا قيمته الفنية. وكان الطبوبي خلال تدشينه قد صرح بأن "النصب يخلّد ذكرى استشهاد شكري بلعيد وأفكاره التقدمية الدّاعية إلى إقامة دولة مدنية وديمقراطية".
وقال الشاعر وناقد الفن التشكيلي نزار شقرون: "حتماً إنه ليس شكري بلعيد، بل هو مقاربة فنية لشخصية شكري بلعيد دون ريب، فالجدل الحاصل حول مدى ‘مطابقة‘ التمثال لشخصية الشهيد بلعيد، يعيد إلينا جدلاً قديماً حول علاقة المرجع بالمنحوتة، ويؤكد من جديد أننا ما زلنا نبحث في ‘الصورة‘ بجميع تمثلاتها عن المشابهة التامة مع الواقع".
وشدد شقرون على أن "البحث عن ‘المطابقة‘ ترجمة لغياب الفكر الجمالي لدى المشاهد"، مردفاً بأن الجدل الحاصل حول تمثال بعيد "يعبّر عن حالة صحية في طرح أسئلة العلاقة بين الفن والواقع".
وأضاف: "لذلك، فالمشاهد بحسب وعيه الجمالي سينظر إلى التمثال، البعض سيعتبره ‘مسخاً‘ لبلعيد ‘الأصل‘ وبعضهم سيرى فيه استنساخاً لأشخاص آخرين ملهمين، مفكرين وقيادات سياسية، وبعضهم سيرى فيه صورة شخص ينتمي إلى أسرته، وبعضهم سيرى فيه مجرد قراءة شخصية للنحات لشخصية المنحوت/ الغائب، وهكذا سيقع الاختلاف في موضوع خلافي في الفن ذاته، وهذا الاختلاف يقيس حتماً درجة حضور أو غياب الثقافة الفنية في مجتمعنا".
وختم الناقد بالقول إن "تمثال شكري بلعيد في صفاقس يثير نقاشاً عميقاً لا يمكن حصره في دائرة (التمثال/ الوثن) أو دائرة ‘خيانة‘ النحات للأصل، إنه يعني أساساً تقييم منظورنا الجمالي للعالم ، ومعرفة مستوى وعينا بالعمل الفني، وانتظاراتنا الجمالية والثقافية منه".
الإعلامي التونسي سمير الوافي: مسكين #شكري_بلعيد ضيّعوا حقيقة اغتياله، وحق دمه، وحق التاريخ، ولم يفلحوا حتى في تكريمه
"شنوّا علاقته بصفاقس؟"
في غضون ذلك، كانت هناك اعتراضات هيكلية على اختيار مدينة صفاقس لنصب التمثال لا سيّما أن بلعيد ولد في ولاية تونس واغتيل في ولاية أريانة.
واستغل أفراد محسوبون على حركة النهضة الفرصة وسخروا من التمثال. منهم عدنان بوعصيدة الذي كتب أن التمثال "يشبه كل شيء إلا شكري بلعيد… على أي شكري يتحدثون؟". وزاد: "الغريب ما علاقة شكري بلعيد بالتحية الهتلرية وهل جماعة الاتحاد عملوا صنبة (صنماً) لشكري بلعيد في صفاقس وقرأوا الفاتحة عليها… يعني جابوا دين جديد؟".
وتساءل: "شنوّا علاقة شكري بلعيد بصفاقس. هل هذه الصنبة هي من ستجد حلولاً لمشاكل الزبلة (القمامة) والماء المقصوص (شُح المياه) وحركة المرور والتلوث بولاية صفاقس".
وكتب منصف زيد: "هل أصبحت صفاقس مدينة الأوثان بعد أن كانت عاصمة الجنوب والاقتصاد والتنمية والعلم؟ صنم آخر يحل في عقول الصفاقسية".
وتعجّب علي: "أيهما أحق أن نضع له تمثالاً في صفاقس بالذات… شكري بلعيد أم محمد الزواري؟!"، في إشارة إلى المهندس التونسي والعضو في "كتائب الشهيد عز الدين قاسم"، الجناح العسكري لحركة حماس، والذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في صفاقس عام 2016.
لكن الباحث التونسي حسان القبي رد على هذه الاعتراضات عبر حسابه في تويتر إذ قال: "إقامة نصب تذكاري للشهيد شكري بلعيد في مدينة صفاقس، مسقط رأسي ومدينتي، التي أعرفها جيداً والتي لطالما كانت خزاناً لجماعة الإخوان، هو انتصار لتونس الحداثة ضد المشروع الرجعي والظلامي لحركة الإخوان الإرهابية…".
تطوع لترميمه
تفاعلاً مع الغضب من ملامح التمثال، تطوّع النحات التونسي سالم الشعباني لـ"لإعادة تشكيل ملامح الشهيد شكري بلعيد الحقيقية على تمثاله بصفاقس"، قائلاً إن "تشكيل المجسم فنيّاً جيد واحترافي، والخلل الوحيد هو في ملامح الوجه التي لا تشبه شكري".
وأكد الشعباني أن "عملية الترميم سهلة تتطلب معدات بسيطة لا تكلف أكثر من 1000 دينار". وختم: "شرطي الوحيد هو إزالة المجسم من القاعدة لعدم قدرتي في هذه السن على التسلق. لا أطلب مقابلاً غير الإقامة ليومين فقط" في المدينة.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.