شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"مرفوضة لأنني ابنة بالتبني"... المحتضنون في مصر محرومون من فرحة الزواج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الأحد 17 يوليو 202201:31 م

معركة مستمرة مع الرفض أبطالها شباب وفتيات ممن عاشوا أطفالاً محتضنين يعاملهم الجميع بلطف شديد، ولكن حالما ينهون دراستهم ويبدأون في البحث عن فرصة عمل وشركاء للحياة، تظهر تحديات تهددهم بالحرمان من الفرص الطبيعية التي يحصل عليها غيرهم إذا ما تشابهت الظروف والمؤهلات، لمجرد أنهم لم يكبروا في بيوت آبائهم وأمهاتهم البيولوجيين.

"عائلتي تعايرني"

تواجه نورهان خالد، البالغة من العمر 25 عامًا الآن، مشاكل مع الرفض ليس مع المجتمع فقط؛ وإنما مع الأسرة الحاضنة نفسها. فعلى الرغم من أن أسرتها الحالية قامت باحتضانها وهي في عمر ثلاثة أشهر حتى اليوم، إلا أنها تتعرض منهم للسب و"التشكيك في أصلها" عند كل خلاف أو مشادة بينهم، بل إسناد كل تصرف لا يعتقدون أنه صحيح إلى أنه ناتج عن أصلها وجذورها غير السوية.

"لو اتجوزتها عمرك ما هتعرف تدخل أولادك جيش ولا شرطة". كانت هذه هي الحجة التي استندت إليها عائلة خطيب نورهان في محاولة التفرقة بينهما. نجحت المحاولات بعد عام كامل واصلت فيه أسرة خطيبها السعي لإنهاء الخطبة دون كلل، وترك الشاب خطيبته قبل أشهر معدودة من موعد الزفاف.

حالما ينهون دراستهم ويبدأون في البحث عن فرصة عمل وشركاء للحياة، تظهر تحديات تهددهم بالحرمان من الفرص الطبيعية التي يحصل عليها غيرهم إذا ما تشابهت الظروف والمؤهلات، لمجرد أنهم لم يكبروا في بيوت آبائهم وأمهاتهم البيولوجيين

 تقول نورهان إن خطيبها "كان فرصتي الأخيرة مع الحياة"، بعد إقدامها على عدة محاولات للانتحار، كانت جميعها بسبب تعرضها المتكرر للخذلان من المجتمع والأهل المحتضنين.

نورهان واحدة من مجموعة فتيات وفتيان محتضنين في كنف أسر تكفلهم في بيوتها بحسب إحصاء لوزارة التضامن الاجتماعي أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بينما بلغ عدد الأطفال المستفيدين من الاستضافة في مؤسسات الرعاية الاجتماعية 10,800 قاطنين في 516 مؤسسة رعاية.

النصيب ضد المحتضنين

"كل شيء قسمة ونصيب"، سمع محمود علي* هذه الجملة مراراً، كلما تقدم لطلب الزواج من فتاة. تسير الأمور على ما يرام حتى يفصح عن معلومة أنه جرى احتضانه من أسرة كافلة وأن من يصحبانه في طلب الزواج ليسا والديه البيولوجيين.

لم تصارح أي من الأسر محمود بسبب الرفض، "لا يمتلكون الشجاعة لمواجهتي، لكني أرى في أعينهم نظرة مهينة لكوني مجهول النسب، لا ينظرون إلى أخلاقي أو مؤهلاتي، ويعتبرون أن اختيار أبوي البيولوجيين التخلي عني ذنب لي علي أن أدفع ثمنه".

لكن المفاجأة الحقيقية بالنسبة له كانت عندما تقدم لخطبة فتيات تتشابه ظروفهن مع ظروفه، ومحتضنات لدى أسر غير أسرهن البيولوجية، إذ لم يتوقع محمود أن يُرفض مجدداً للسبب نفسه، وعدة مرات.

أنهى الشاب الذي يبلغ من العمر 26 عامًا الآن، دراسته الجامعية، ولديه وظيفة جيدة، وشقة يمتلكها، بالإضافة إلى أن مستواه الاجتماعي جيد، إلا أن كل هذه الأمور لم تشفع له لدمجه في المجتمع، حتى لدى الأسر المحتضنة نفسها.

"كل شيء قسمة ونصيب"، سمع محمود هذه الجملة مراراً، كلما تقدم لطلب الزواج من فتاة. تسير الأمور على ما يرام حتى يفصح عن معلومة أنه جرى احتضانه من أسرة كافلة وأن من يصحبانه في طلب الزواج ليسا والديه البيولوجيين

أصبحت فكرة الحب والارتباط تمثل خوفًا كبيرًا لدى عبدالله مسعد*، إذ فقد الرغبة في المحاولة والسماح لنفسه بالتعلق بفتاة بعد تجربة حُب مؤلمة، ما إن وصل فيها إلى مرحلة الاعتراف بأنه محتضن، حتى اختفى الطرف الآخر من حياته، يقول عبدالله: "حتى إن وافقت الفتاة، فأنا على يقين أن أسرتها لن تقبل".

تلك الحالات وغيرها، انتبهت إليها دراسة أكاديمية حديثة للباحثة فاطمة مجدي، المدرسة المساعدة في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة بنها (مصرية)، وقد نُشرت في الدورية العلمية المعتمدة لجامعة القاهرة "هرمس" في عددها السابع والعشرين (2020- 2021).

خلصت الدراسة إلى أن التكافل الأسري في مصر بشكل عام تأثر سلباً، وانعكس هذا في زيادة معدلات التخلي عن الأطفال لدى كثير من الشباب الحديثي السن، الذين يخوضون علاقات جنسية خارج إطار الزواج في ظل رفض مجتمعي تام لقبول هؤلاء الأطفال

خلصت الدراسة إلى أن التكافل الأسري في مصر بشكل عام تأثر سلباً، وانعكس هذا في زيادة معدلات التخلي عن الأطفال لدى كثير من الشباب الحديثي السن الذين يخوضون علاقات جنسية خارج إطار الزواج في ظل رفض مجتمعي تام لقبول هؤلاء الأطفال وتوفير حياة اجتماعية طبيعية لهم. واظهرت الدراسة استناداً إلى الإحصاءات المتاحة أن عدد الاطفال المجهولي النسب ارتفع في مصر من 10 آلاف و635 في العام 2000 إلى 23 ألفاً و981 في العام 2012، ولم تتح إحصاءات أخرى بعد ذلك العام، إلا أن الرقم ربما تضاعف.

وبحسب بيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، والواردة إحصاءاته في الدراسة نفسها، فإن عدد الاطفال المُتخلى عنهم عند الميلاد من دون الإفصاح عن نسبهم يزداد في المحافظات الحضرية في الشمال ويتراجع عند الأطراف وفي الصعيد، ما يجعل المشكلات والتحديات الاجتماعية التي تواجه هؤلاء الأطفال والشباب والفتيات أكثر حضوراً في القاهرة والجيزة والأسكندرية.

تأهيل مبكر للرفض

ترى شيماء عمر، وهي أم لثلاثة أطفال بيولوجيين وطفلة محتضنة، إنه من المفترض أن يقوم الأهل بإخبار الأطفال بحقيقة نسبهم من عمر عامين إلى ثلاثة، وهو ما قامت به بالفعل مع الطفلة الصغيرة التي تقوم باحتضانها ورعايتها إلى جوار أطفالها الصغار. 

وأوضحت أنها على تواصل دائم مع المعالجين النفسيين، الذين يمدونها بالمعلومات اللازمة حول كيفية تعزيز ثقة طفلتها بنفسها، وكيفية التعامل مع الرفض الذي يمكن أن تتعرض له فيما بعد: "ابنتي تعرف كيف تفخر بنفسها،وأنا إذا تعرضت للرفض من الآخرين، فالمشكلة في أفكارهم هم، وليست فيها. وحرصت مبكراً على تدريبها على الثقة بنفسها وبمحبة اسرتها لها، وأن أؤهلها للتعرض للرفض وكيفية التعامل معه". وترى الام المحتضنة أن التدريب على الثقة بالنفس للطفل المحتضن منذ الصغر "يساعد على التخفيف من الصدمة التاتجة عن الرفض فيما بعد".

أم مُحتَضِنة: أدرب ابنتي منذ حداثة سنها على الثقة بالنفس ومواجهة الرفض والتعامل معه، لأني أعرف ما ستتعرض له مستقبلاً 

الشباب أكثر من الفتيات

تقول مريم الشرقاوي، أخصائية الدعم النفسي وعلاج الصدمات النفسية للأطفال والمراهقين، في مؤسسة الاحتضان بمصر، إن المشكلات التي تواجه المراهقين من المحتضنين هي نفسها المشكلات التي تواجه المراهق العادي، ولكن يزيد عليها محاولة المراهق المحتضن "الوصول إلى هويته التي يشعر دائمًا أنها غير مكتملة"، فبعضهم يلجأ إلى التواصل مع المعالجين النفسيين خاصة إذا لم يكن يعرف حقيقة احتضانه من البداية، واكتشفها مؤخرًا.

تقول الشرقاوي: "الهروب من منزل الأسرة الكافلة والاستقلال هما الفكرة التي تسيطر على المحتضن عندما يعرف حقيقة احتضانه متأخراً، خاصة إذا كان يتعرض للإيذاء النفسي والبدني في الطفولة أو المراهقة". وأضافت: "النسبة الأكبر من الحالات التي تتواصل مع المعالجين النفسيين، ومعي بالتحديد في محاولة الوصول إلى حلول للمشاكل التي لها علاقة بالأهل والمجتمع، تكون من الفتيات، وقليلًا ما يتم التواصل معنا من قبل الشباب".

بدأت مريم الشرقاوي في التواصل مع الأسر المحتضنة في محاولة الوصول إلى حلول لمشاكلهم قبل عامين، من خلال عملها كمعالجة نفسية بمؤسسة الاحتضان في مصر، وتقول: "وصلنا إلى ما يقرب من 25 فتاة سن الـ18 عاماً فيما فوق، ويريدون أن يحصلوا على دعم معنوي ونفسي بوجددهم في مجموعات لها نفس ظروفهم، أما الذكور فغالباً ما تتواصل أسرهم معنا وليس هم بشكل مباشر، وحالياً نقدم مجموعات الدعم لما لا يقل عن عشرة من الشباب، بما فيهم من هم أقل من الـ18 عاماً".

وأضافت أن هناك بعض الحالات التي تتعرض إلى مشاكل أسرية ومن ثم الطرد من المنزل، وهنا تكمن المشكلة الأكبر، ففي حال تعرض الشاب أو الفتاة إلى الطرد بعد سن الـ18 عاماً من منزل أسرته الكافلة، لا يجد مظلة آمنة من المؤسسات الحكومية التي تقدم دعمًا مماثلأً لمن يمرون بنفس الظروف في دور الرعاية، ويعتبرون أن الشاب المحتضن داخل أسرة لا ولاية لهم عليه بعد الثامنة عشرة، وبالتالي يجد الشاب أو الفتاة نفسيهما في الشارع.

الدولة تتخلى كذلك عن الأيتام ومجهولي النسب، خاصة من الذكور، بمجرد وصولهم سن 18 عاماً ويجدون أنفسهم غالباً بلا مأوى

وبحسب الشرقاوي، فإنه "في كثير من الأحيان لا توجد ثمة علاقة قوية بين المحتضن وبين العائلة الممتدة للأسرة المحتضنة، فلا يتمكن من اللجوء إليهم، بالإضافة إلى إنكار الشؤون الإجتماعية (وزارة التضامن) مسؤوليتها عنه، وبالتالي يجد الشاب نفسه بلا مأوى، كما يمكن أن يتعرض إلى هذه الحالة في حال وفاة الأب والأم الكافلين وطلب الورثة لحقهم في منزل الأسرة".

يقول محمد عمر القماري، المستشار القانوني لوزارة التضامن، إنه يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الأسر التي تعرض الأبناء للخطر إذا كانت أعمارهم أقل من 21 سنة، ولكن فيما يخص المحتضنين الذين هم أكبر من ذلك العنر، فإن اللائحة التنفيذية لقانون الطفل تنص في هذا الصدد على حفظ الحالة، ومن ثم يتم التعامل كأي أسرة طبيعية تعرض الأبناء للخطر.

ضرورة تعديل القانون

يقول علي صبري، المحامي الخاص بشؤون الأسرة، إنه عند قيام أسرة باحتضان طفل مجهول النسب، "تتحول مسؤوليته بشكل كامل من الدولة إلى تلك الأسرة، وبالتالي لا ولاية للدولة على الطفل إذا ما تم عمر الـ18 عاماً، ومن ثم فإن الدعم في هذه الحالة يقدم للأطفال الذين لا يزالون تحت رياعتها –الدولة- في دور الرعاية وليس في البيوت".

إلا أن الدولة تتخلى كذلك عن الأيتام ومجهولي النسب، خاصة من الذكور، بمجرد وصولهم سن 18 عاماً ويجدون أنفسهم غالباً بلا مأوى.

وتابع المحامي الخاص بشؤون الأسرة أنه إذا ما تعرض المحتضن إلى الاهانة أو الاضطهاد من الأسرة المحتضنة أو المجتمع وأصبح بلا مأوى، ففي هذه الحالة يحق له رفع دعوى يطالب فيها بتعديل النص التشريعي الخاص بالأطفال المجهولي النسب لكي تتم مساواته في هذه الحالة بمن تمت تربيتهم في دور الرعاية، "ولكن لا يوجد ما ينص على وجود حق للمحتضن داخل أسرة، ولا مساواة بينه وبين الأطفال المتواجدين في دور الرعاية الذين ربما يجدون مظلة آمنة بعد بلوغه الـ18 عاماً".
-------------

(*) اسم مستعار بناء على طلب المصدر 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن في رصيف22، بأن بلادنا لا يمكن أن تصبح بلاداً فيها عدالة ومساواة وكرامة، إن لم نفكر في كل فئة ومجموعة فيها، وأنها تستحق الحياة. لا تكونوا زوّاراً عاديين، وساهموا معنا في مهمتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard