شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أغرس فكرة الشنط صديقة البيئة"... حقائب قماشية ملوّنة بديلة من أكياس البلاستيك في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 5 مايو 202210:53 ص

بين ماكينات الخياطة والأقمشة الملونة، وجدت حنان رشوان ضالتها في الحفاظ على ما تبقى من البيئة من شبح الأكياس البلاستيكية الذي يلتهمها كل يوم، بإنتاج حقائب صديقة للبيئة مصنوعة من القماش، وتحويلها إلى لوحة فنّية متنقلة ذات تصميمات عصرية لجذب العملاء.

رشوان، والتي تعمل مراجِعة حسابات لدى إحدى الشركات المتعددة الجنسيات، تقول في حديثها إلى رصيف22، إن ملاحظاتها للتغيرات المناخية دفعتها إلى القراءة والبحث عن أسباب تلوث البيئة، وجاء في مقدمة القائمة استخدامات الأكياس البلاستيكية، فضلاً عن إلقائها في الشوارع وتطايرها في أوقات العواصف الترابية.

تُعد مصر من أكبر الدول المساهمة في أزمة النفايات البلاستيكية.

وتضيف السيدة التي تفاجأت بانتشار رقعة التلوث البيئي في أثناء انتقالها للعيش في القاهرة بعد إقامتها في مدن جنوب سيناء لأكثر من 14 عاماً بحكم عملها: "كانت أيضاً لدي فكرة عن تأثير البلاستيك على الشعاب المرجانية، ففكرت في صنع حقائب قماشية بديلة من الأكياس، وما شجعني على إطلاق مشروعي أن دول العالم الثالث وخصوصاً مصر متأخرة في تنفيذ هذه الخطوة".

وكشفت نتائج تقرير حديث أصدره مشروع حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة، عن ارتفاع نسب تلوث الهواء في مصر، خاصة في مدن القاهرة الكبرى، مما يؤثر سلباً على أوضاع مواطنيها الصحية والتقليل من متوسط أعمارهم بمقدار عامين.

وقال التقرير: "بلغت حالات الوفاة المبكرة بسبب تلوث الهواء في مصر 90،559 حالةً في عام 2019، كما تسبب في وفاة أكثر من 12% من إجمالي الأعداد في عام 2017".

وفي آذار/ مارس الماضي، توقع الصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، في تقريره، أنه بحلول عام 2050 ستصبح النفايات البلاستيكية في محيطات العالم أكثر من الأسماك، مشيراً إلى أن مصر تُعدّ من أكبر الدول المساهمة في تلك الأزمة ضمن جميع دول البحر الأبيض المتوسط بنسبة بلغت 42.5%.

وفي هذا السياق، يشير عمرو هيبة، عضو الأمانة العامة للاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، خلال تصريحات لرصيف22، بأن "مصر تحتل المركز العاشر عالمياً في إنتاج النفايات البلاستيكية بنحو 5.46 مليون طن من البلاستيك سنوياً، كما تتصدر المركز الأول عربياً أيضاً وفقاً للعديد من الدراسات".

ويوضح معاون وزير البيئة السابق، أن المخلفات البلاستيكية تتسبب في إحداث مشكلات خطيرة في البيئة، منها ارتفاع درجات حرارة الهواء السطحي على الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق بعض المدن، وكذلك التأثير على الموارد المائية للمحاصيل الزراعية.

الناس يتبعون مبدأ أن الأكياس البلاستيكية متوفرة مجاناً، يعني عوضاً عن دفع 25 أو 30 جنيهاً ثمن حقيبة، والمبدأ الثاني أنهم لطالما استخدموا هم وأهاليهم الأكياس البلاستيكية، ولم يحصل لهم أي ضرر

ولادة شنط "ناش"

كانت حنان رشوان، تحلم بإنشاء علامة تجارية للأزياء تحمل اسمها واسم عائلتها، وبالفعل تمكنت من الحصول على عدد من الدورات التدريبية في تصميم الملابس، لكنها قررت إدخال بعض التعديلات على فكرتها، بسبب زيادة معدلات التلوث البيئي، بالتوازي مع عدم امتلاكها وقتاً كافياً للتفرغ التام لعالم الأزياء.

في نهاية عام 2019، عزمت رشوان على اتخاذ أولى خطواتها، بشراء أقمشة من القطن المصري المُحلّى بالتصميمات الجذابة، مع حرصها على اختيار أنواع الأقمشة وألوانها بنفسها ما يمثّل لها متعةً خاصةً، كما دشّنت صفحةً تجاريةً على موقع فيسبوك أطلقت عليها اسم "ناش Nash"، لترمز إلى بعض حروف اسمها واسم عائلتها.

تتابع في سرد عملية تنفيذ المنتج، قائلةً: "أحرص على اختيار المقاسات المناسبة، لأن الفكرة الأساسية هي صناعة شنط قماشية بديلة من الكيس البلاستيكي، وأصنع النموذج الأساسي وأقصّه ليكون بمثابة عيّنة للعاملين معي كي ينفذوا على أساسها".

وتؤكد رشوان أن منتجاتها تتميز بتصميمها الجذاب وتنوع المقاسات، بالإضافة إلى أن أسعارها في متناول الجميع، إذ تتراوح ما بين 25 و85 جنيهاً مصرياً (1.5-4.5 دولارات)، كما تُناسب استخدامات عديدة كالسوق والعمل والتنزه، وذلك على عكس ما في الأسواق من سوء جودة وغلاء أسعار ومقاسات ثابتة، على حد تعبيرها.

وتشارك صاحبة المبادرة بحقائبها الصديقة للبيئة في المهرجانات التسويقية، وهي خطوة لم تكن سهلةً عليها. تقول: "ذهبت إلى أول فعالية في الفيوم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وكنت قلقةً من عدم تقبّل الناس للفكرة، وخصوصاً أن المهرجان كله عن الأعمال اليدوية وفيه مبدعون كثر، لكن ما حصل كان مخالفاً لتوقعاتي، فالناس أحبوا الفكرة وفهموها واشتروا، بل أخذوا يقترحون عليّ أشكالاً للحقائب".

تفاعل الجمهور مع مبادرة "ناش"، دفع حنان إلى الشعور بمسؤولية أكبر تجاه البيئة، وتجاه توعية الجمهور حول أخطار الأكياس البلاستيكية، فتعاونت مع إحدى الشركات الخاصة بتدوير زيت الطعام المستعمل، ووزعت حقائب قماشيةً مجانيةً لتعريف الجمهور بحملتها، بالإضافة إلى وضع الأوراق التوعوية داخل الحقائب.

وتتابع رشوان قائلةً: "لكن اكتشفت أن نسبةً كبيرةً من المصريين لا يقرأون تلك الأوراق، فبدأت أستغل فرصة التعامل المباشر مع الناس خلال مناسبات معيّنة للكلام معهم، وهناك شريحة بالفعل استجابت، وهناك شريحة أخرى كان الحل أن أجذبها بألوان الحقائب والسعر المناسب الذي يمكن أن تدفعه لاستخدامها من دون تفكير".

وتعبّر رشوان عن سعادتها خلال فترة بداية مشروعها: "ولادة براند باسمي واسم عائلتي وأيضاً قيامي بأمر أحبه، من اختيار القماش والألوان، والحفاظ على البيئة، كل ذلك يعني لي أمراً جميلاً".

الناس أحبوا الفكرة وفهموها واشتروا، بل أخذوا يقترحون عليّ أشكالاً للحقائب.

كوفيد و"ناش"

وسط تلك البدايات المبشرة لصاحبة مبادرة "ناش"، حلت جائحة كورونا في مصر، مما اضطرها إلى التوقف تماماً بسبب رفض مندوبي الشحن التعامل مع الزبائن، خوفاً من انتقال العدوى التي كانت تنتشر خلال تلك الفترة.

لكن تجدد الأمل مرةً أخرى في نهاية عام 2020، وعادت رشوان بحقائبها ولديها خطة مطوّرة، لإدخال فئات جديدة إلى جمهورها الذي تستهدفه، وتطوير تصميمها الحالي ليناسب مختلف الفئات الاستهلاكية.

وتوضح قائلةً: "بدأت بالتحرك من جديد، ووضعت نفسي مكان أي شخص ينزل للتسوق، فصممت حجماً كبيراً يناسب السوق. كنت أجربه وأعطيه لأخوتي وأصدقائي للتجربة، وهم بدورهم يعطونني ملاحظاتهم، مثلاً حول تقصير يد الحقيبة أو تطويلها، وتصغيرها أو تكبيرها، وكنت أطلب منهم غسلها في الغسالة للتأكد من ثبات الألوان، كي أبقى مطمئنةً".

وانطلاقاً من إيمانها بحق الأطفال في معرفة أضرار البلاستيك، ورغبتها في غرس فكرة الحقائب الصديقة للبيئة في الجيل القادم، أنتجت رشوان حقائب للأطفال بألوان زاهية وشخصيات كرتونية مُحببة إليهم. "رغبت في تشجيعهم على استخدامها، وأعطيت كل طفل هديةً مع الحقيبة".

ومع توفير الحقائب الصديقة للبيئة بتكلفة مناسبة لمختلف الفئات، تواجه مبادرة "ناش" مشكلة ارتفاع أسعار شركات الشحن، والتي تصل تكلفتها إلى أكثر من سعر الشنطة نفسها كما تقول حنان، مما أدى إلى تراجع مبيعاتها، لكن سرعان ما تمكنت من التغلب على تلك المشكلة واختارت شركة توصيل أسعارها مناسبة، لتقوم بتوصيل المنتجات على مستوى الجمهورية.

أكثر صحة وتوفيراً

ترى رشوان أن هناك نسبةً كبيرةً من المستهلكين للأكياس البلاستيكية في المجتمع المصري، ما زالوا غير قادرين على الاستغناء عنها واستبدالها بأخرى من القماش، لأسباب تتعلق بالتكلفة، خاصةً أنها تتوافر في بعض الحالات مجاناً عند شراء الأغراض.

وتقول: "الناس يتبعون مبدأ أن الأكياس البلاستيكية متوفرة مجاناً، يعني عوضاً عن دفع 25 أو 30 جنيهاً ثمن حقيبة، والمبدأ الثاني أنهم لطالما استخدموا هم وأهاليهم الأكياس البلاستيكية، ولم يحصل لهم أي ضرر".

وضعت نفسي مكان أي شخص ينزل للتسوق، فصممت حجماً كبيراً يناسب السوق. كنت أجربه وأعطيه لأخوتي وأصدقائي للتجربة، وهم بدورهم يعطونني ملاحظاتهم، وكنت أطلب منهم غسلها في الغسالة للتأكد من ثبات الألوان

لكن دائماً ما يأتي تأكيدها بأن الحقائب القماشية أرخص في السعر، وتوضح ذلك بالقول: "الفرد يستهلك ثلاثة أكياس في اليوم الواحد، متوسط سعر الواحد نصف جنيه مصري، ما يعني صرف 45 شهرياً، و540 في السنة. في المقابل يمكن أن نشتري حقيبتين قماشيتين بستين جنيهاً في السنة وليس الشهر، ونحافظ في الوقت ذاته على صحتنا وعلى البيئة".

وتضيف صاحبة المبادرة: "أما عن استخدام أهالينا الأكياس البلاستيكية من دون ضرر، فلا تصعب ملاحظة انتشار أمراض كالسكر والسرطان، وحالات العقم، وعدم وجود استقرار في الجو، والكثير من الأمور حولنا التي تبين أننا في كارثة حقيقية".

وتطمح رشوان لتدشين حملات توعوية بأضرار البلاستيك بالتعاون مع عدد من الشركات والمدارس والنوادي، واختتمت حديثها بأملها بتعميم استخدام الحقائب القماشية في الأغراض اليومية، بالإضافة إلى تصنيف مصر خاليةً من التلوث على مستوى العالم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image