شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"المهنة استنزفت كل طاقاتي"... تحديات جمّة تواجه الصحافيات الفلسطينيات في سوق العمل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 مايو 202203:41 م

"في العام 2018، ذهبت لأغطّي مسيرةً سلميةً متفقاً عليها فصائلياً للتضامن مع قطاع غزة، لتنفصل فجأةً المسيرة ونكتشف أن بعض مَنْ فيها ويرتدون ملابس مدنيةً، هم في الحقيقة أعضاء من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. صار هؤلاء يفرّقون المسيرة ويضربون الناس، فما كان مني إلا أن أخرج هاتفي لأصور ما يحدث، فتهجموا عليّ بالضرب وسرقوا الهاتف. رفعت قضيةً عليهم فتعرضت للابتزاز، وصارت تصلني تهديدات بنشر صور ومقاطع فيديو شخصية لي مسروقة من هاتفي. بعدها حولوا ما حصل معي إلى حدث سياسي، وكتبوا بياناً رسمياً ليرهبوا الناس من دعمي والدفاع عني". كذا بدأت الصحافية النابلسية لارا كنعان كلامها.

وأضافت لرصيف22: "تركت هذه القصة أثرها الكبير على حياتي وسلامي النفسي، ولا زالت القضية في قاعات المحاكم تتأجل في كل مرة لأسباب واهية. الشعور بأن أحدهم ظلمك ولكنك لم تنصَف وتسترد حقك، يرهق النفس ويؤلمها، ويشعرك بأنك ضعيف وقليل الحيلة".

تعاني الصحافيات الفلسطينيات من صعوبات شتى تجعل ممارستهن عملهن في غاية التعقيد.

وتعاني الصحافيات الفلسطينيات من صعوبات شتى تجعل ممارستهن عملهن في غاية الصعوبة والتعقيد، ولا أكاد أبالغ لو قلت إنها تجعل حياتهن برمتها شاقةً. بعض هذه الصعوبات تتشاركها الصحافيات مع زملائهن الصحافيين بطبيعة الحال، بينما بعضها تحديات تتعلق بكونهن نساءً.

إيجاد وظيفة لائقة

"منذ تخرجي عام 2014 من كلية الإعلام، كنت أبحث عن فرصة عمل مناسبة. حاولت العمل في مؤسسات إعلامية حكومية وإذاعات محلية من دون جدوى، فما كان مني إلا التوجه نحو التدريب والعمل المجتمعي. وبعد سنوات وجدت أنني غير سعيدة لأنني لا أتبع شغفي، فقررت العودة محاولةً العمل في الإعلام، وتوجهت نحو التدريب المجاني في مؤسسات إعلامية عدة، لعلي أكون أول مرشحة للعمل لديهم إذا أصبح لديهم شاغر وظيفي، لكن انتهت فترة تدريبي ولم يوافقوا على فترة ثانية للتدريب ولم يوظفوني". هكذا بدأت ليلى (اسم مستعار) كلامها.

أما الصحافية المقدسية راما يوسف، فأوضحت لرصيف22، بأن "معايير التوظيف في فلسطين غير عادلة، فالصحافيون الأكفاء ومن لديهم إمكانيات لغوية وإعلامية مميزة يجلسون في البيوت أو يعملون بأجر زهيد، فمعايير التوظيف لا تعتمد على الجدارة بل على الواسطة والعلاقات الشخصية، وبعض المهارات الاجتماعية مثل التفخيم بالمدير في كل مناسبة أو الانتماء إلى حزب سياسي أو ‘شلة’ مُعيّنة. ليس هناك مجال لأي خريج إعلام جديد ليثبت نفسه أو ليطور من قدراته أو للمنافسة، فالوظائف في الإعلام في فلسطين أصبحت تورَّث، وكلٌ يورّث منصبه لابنه أو لأحد المقربين".

وبلغت نسبة البطالة بين خريجي الإعلام في فلسطين 56% من كلا الجنسين، و61% من الخريجات في العام 2020. وترى راما أن نسبة البطالة المرتفعة تجعل الكثير من الصحافيات والصحافيين يقبلون برواتب متدنية لا تكفي أجرة المواصلات للذهاب إلى العمل، فقط لكي يعملوا ولا يبتعدوا عن المجال، لعل ذلك يساعدهم في إيجاد فرصة مناسبة لاحقاً.

الصحافية راما يوسف

فصل لأسباب غير مهنية

من جهتها، روت الصحافية آيات عبد الله، لرصيف22، قصتها: "فُصلت من عمل سابق بعد أن رفضت أن أكتب منشوراً على صفحتي الشخصية في فيسبوك حول قضية حصلت على الصعيد الحزبي والسياسي، ولأني تحدثت عما جرى وتساءلت عن سبب فصلي من العمل، رُفعت دعوى قضائية ضدي بتهمة تعريض سلامة الدولة للخطر، وكانت لهذا تبعات على المستوى الشخصي والاجتماعي، فأصبحت مصدر ذعر لعائلتي التي باتت تراقبي في كل تفاصيل الحياة".

أما الصحافية ريما، التي فضّلت استخدام اسم مستعار، كي لا تؤثر مشاركتها في هذا التقرير على عملها الحالي في إحدى القنوات الفضائية، فقالت: "بعد التخرج قُبلت للعمل في وظيفة في إحدى أهم وكالات الأنباء الفلسطينية في مكتبها في مدينة نابلس على أن يكون أول شهر تجربةً، وبعدها أُثبَّت بشكل رسمي. في البداية لم توكل أي مهام صحافية إليّ، بل كان يُطلب مني أن آتي كل يوم إلى المكتب وأنتظر، وجاءت المهمة الأولى أخيراً بعد أسبوع في مكتب المدير. ما أن دخلت حتى حاول التحرش بي جنسياً، رفضت ودفعته عني. هكذا ببساطة فُصلت من أول وظيفة لي قبل أن أبدأ أصلاً، وتم تعويضي بعد ذلك بمبلغ 50 شيكلاً (15 دولاراً)".

كانت راما تُسأل في مقابلات العمل التي أجرتها في السنوات الماضية إذا كانت متزوجةً أو إذا كان لديها أطفال، وشعرت غير مرة بأنها لم تُقبَل في العديد من الوظائف فقط لكونها أماً، وكأن الإدارة تحكم عليها بنظرة مسبقة غير حقيقية بأنها لن تكون متفانيةً في العمل كما الرجال

وحين وجدت ريما وظيفةً في قناة تلفزيونية تعرضت لمضايقات من أحد زملائها الذي كان يلاحقها برسائل إلكترونية غير لائقة، ففضّلت أن تواجهه بشكل مباشر لتخبره بأن رسائله تُعدّ تحرشاً غير مقبول، فاعتذر ربما لخوفه من أن تفضحه مما قد يجعله يخسر عمله.

لكن الأمر لم ينتهِ هنا، فحين أخبرت ريما مديرتها كان رد المديرة بأنها لا تلومه، وأكملت بأن ملابسها تعطي إشارات سلبيةً لمن حولها. "شعرت بالذهول والقرف في الآن ذاته، لأن التحرش جريمة والمتحرش هو المذنب الوحيد، ولأن ملابسي عادية جداً تناسب المجتمع الفلسطيني المحافظ، وأخيراً لأن مديرتي امرأة مثلي، ومن المفترض أنها متعلمة ومثقفة ومتنورة، فكيف تتبنى هذا التفكير المتخلف؟!". وجدير بالذكر أن ريما ليست الصحافية الوحيدة التي تعرضت للتحرش الجنسي من قبل أرباب العمل أو الزملاء الصحافيين، فصحافيات كثيرات في فلسطين مررن بتجارب مشابهة.

أما الصحافية رحاب، التي فضلت استعمال اسم مستعار، فقالت لرصيف22: "فُصلت من عملي الذي كنت أتقاضى فيه ألف شيكل (أقل من 300 دولار)، شهرياً في إحدى الإذاعات في مدينة جنين، لأنني كنت أطالب بمرتبي الضئيل هذا، بينما كان يستغل المدير حاجتنا إلى العمل بأن يدفع نصف المرتب الشهري كل شهرين، بالرغم من أننا كنا نقوم بمهام تتجاوز بكثير ما اتفقنا عليه في بداية العمل"، علماً أن الحد الأدنى للأجور في فلسطين بلغ العام المنصرم 1،880 شيكلاً (550 دولاراً).

الصحافية آيات عبدالله

وحول ذلك تشارك ريما تجربتها: "في بداية عملي في القناة الفضائية كان يُطلب مني تقريران مصوران أسبوعياً لبرنامج واحد مقابل ألف دولار شهرياً، لتصبح بعد ستة أشهر ثلاثة تقارير ثم أربعة، ثم طُلب مني العمل على برنامجين تلفزيونيين لا واحد، أي أن عدد التقارير تضاعف بينما المرتب الشهري بقي كما هو".

وهذا مشابه لتجربة آيات التي كانت قد تركت العمل في إحدى الإذاعات في مدينة رام الله، لأنها كانت تقوم بمهام متعددة استنزفت جميع طاقاتها، فكان عليها أن تكون مراسلةً ومحررةً ومصورةً ومقدمة برامج في آن واحد، ومن ثم طُلب منها تبديل مناوبة العمل لتعمل مساءً، وهو ما لم يكن متاحاً بالنسبة إليها لأنها لا تقطن في رام الله، ومرتبها الشهري كان يقارب الألفي شيكل (أقل من 590 دولاراً)، وهو لا يكفي بدل الإيجار ومتطلبات الحياة اليومية من أكل وشرب ومواصلات وفواتير شهرية.

في البداية لم توكل أي مهام صحافية إليّ، بل كان يُطلب مني أن آتي كل يوم إلى المكتب وأنتظر، وجاءت المهمة الأولى أخيراً بعد أسبوع في مكتب المدير. ما أن دخلت حتى حاول التحرش بي جنسياً، رفضت ودفعته عني

منافسة من غير ذوي الشأن

من جهتها، تحكي الصحافية تسنيم قشوع، عن ظهور "المؤثرين" على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل الكثير من المؤسسات الإعلامية توظف "مشاهير" وسائل التواصل في الإعلام، ولو لم تكن لديهم أية مهارات إعلامية، مع إعطائهم رواتب أعلى بكثير من خرّيجي كليات الإعلام، "لأن كل ما يهم أصحاب القنوات الإعلامية ومدراؤها هو الوصول إلى شريحة أوسع من الجمهور، ولو على حساب جودة المحتوى المهني"، وفق تعبيرها.

وحول ذلك أخبرت ريما رصيف22، بأنه أصبح مطلوباً من الإعلاميين، بالإضافة إلى المحتوى الإعلامي، التسويق والترويج للمواد المنشورة على مواقع التواصل. "يُطلب من كل إعلامي أن يكون لديه 200 ألف متابع على وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل من أجل أن تحترمه القناة التي يعمل فيها، وتقدّره".

الصحافية لارا كنعان

الصحافيات الأمهات

أشارت راما إلى أنها حين أصبحت أمّاً، ازدادت الأعباء التي تُلقى على كاهلها في إنجاز عملها كصحافية ميدانية، فقبل ذلك كان بإمكانها العمل في أي وقت من اليوم وتغطية أية أحداث، لكن اليوم أصبح ذلك صعباً، وباتت في حاجة إلى العمل في أوقات محددة لأن لديها التزامات عائليةً، وهو ما جعل خياراتها في العمل أقل.

وذكرت أيضاً أنها كانت تُسأل في مقابلات العمل التي أجرتها في السنوات الماضية إذا كانت متزوجةً أو إذا كان لديها أطفال، وشعرت غير مرة بأنها لم تُقبَل في العديد من الوظائف فقط لكونها أماً، وكأن الإدارة تحكم عليها بنظرة مسبقة غير حقيقية بأنها لن تكون متفانيةً في العمل كما الرجال.

معظم الصحافيات الفلسطينيات اللواتي قابلهن رصيف22، لإعداد هذا التقرير، أبدين ندمهنّ العميق على دراسة الصحافة والإعلام، والكثير من الصحافيين والصحافيات الآخرين اتجهوا نحو العمل في أعمال لا علاقة لها بهذه المهنة

ونبّهت راما كذلك إلى الفروقات في الأجور بين الرجال والنساء في هذه المهنة، فالرجال أجورهم أعلى، ولديهم الفرص للتطور المهني والتسلسل الهرمي أسرع من النساء، وحين تصبح الصحافية أمّاً، تصبح لديها التزامات أكثر ولا تستطيع العمل لساعات متأخرة مثل الرجل، وهو ما يقلل من فرصها في التطور المهني.

لا كيان يحمي الصحافيات

تلقي راما الضوء أيضاً على الصعوبات التي تواجه الصحافيين، المستقلين منهم الذين يعملون بالقطعة لا بمرتب شهري ثابت على وجه الخصوص، وتنبّه إلى غياب وجود أي جهة تنظم عملهم وتحمي حقوقهم، وإلى الدور "المعدوم" لنقابة الصحافيين في فلسطين. وقد تواصل رصيف22، مع نقابة الصحافيين للوقوف على دورها في حماية حقوق الصحافيين وتنظيم عمل المستقلين منهم، لكن لم تصلنا إجاباتهم حتى ساعة نشر التقرير.

الصحافية تسنيم قشوع

معظم الصحافيات الفلسطينيات اللواتي قابلهن رصيف22، لإعداد هذا التقرير، أبدين ندمهنّ العميق على دراسة الصحافة والإعلام، والكثير من الصحافيين والصحافيات الآخرين اتجهوا نحو العمل في أعمال لا علاقة لها بهذه المهنة، إما لقلة فرص العمل اللائقة، أو لكيلا يضطروا إلى التنازل عن مبادئهم في الحياة، وإما بسبب التزاماتهم المادية التي لا يلبيها العمل في الإعلام في فلسطين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image