استدعى الرئيس التونسي قيس سعيّد لاءاتٍ ثلاثاً شبيهةً بـ"لاءات الخرطوم" الشهيرة التي جاءت بعد هزيمة 1967: "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض''، للرد على خصومه من المعارضة.
قال سعيّد، الذي يمضي قدماً في المسار الذي رسمه، بالرغم من اتّساع دائرة الغاضبين داخلياً، والضغوط الخارجية، إنه "لا اعتراف ولا حوار ولا صلح إلا مع الوطنيين"، موضحاً: "لن نتحاور مع من يريد ضرب الدولة، فلا حوار إلا مع الصادقين الشرفاء ولا اعتراف إلا بالوطنيين"، حسب تعبيره.
جاءت تصريحات سعيّد، خلال مأدبة إفطار أقامها في قصر قرطاج، بحضور عائلات شهداء عمليات إرهابية من القوات المسلحة العسكرية والأمنية وعائلات جرحاها، وعدد من شهداء الثورة وجرحاها، في خطوة جاءت مباشرةً بعد الإعلان عن تأسيس جبهة "الخلاص الوطني"، بقيادة السياسي المعارض أحمد نجيب الشابي، وبدعم من خمسة أحزاب سياسية أبرزها حركة النهضة الإسلامية.
بدا سعيّد وكأنه يرد على هذا التحرك، إذ قال: "أي إنقاذ يتحدثون عنه؟ تونس تريد أن تنقذ نفسها منهم. قد تولوا السلطة لسنوات طويلة وكانوا يرقصون سنة 2013 مندّدين بمن يتحالفون معهم اليوم".
الغموض يلفّ الحوار
بكلماته التي أدلى بها ليلة الأربعاء، يكون الرئيس قيس سعيّد قد اقترب أكثر من تبديد الآمال بإطلاق حوار وطني شامل كما كانت تسعى تنظيمات سياسية ونقابية في البلاد.
دفع ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد، إلى تلقف تلك الإشارات والرد عليها في بيان، أمس الخميس 28 نيسان/ أبريل، من خلال القول إنه لن "يترك فرصة التغيير الأخيرة تتبخر".
راوحت النقابة التونسية، التي كانت قد قدّمت مبادرةً إلى الرئيس سعيّد في 2020، للإشراف على حوار وطني يتناول الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بين التصعيد ومهادنة الرئيس التونسي من دون التخلي عن دعم إجراءاته التي اتخذها في 25 تموز/ يوليو 2021.
وقال الاتحاد، أمس الخميس، إنه لن يبقى "مكتوف الأيدي، فغياب الإرادة السياسية في تطبيق مبدأ التشاركية، وانعدام الرؤية الشاملة، والتمسك بالرأي الشخصي، تعيق حدوث التغيير أو الإنقاذ والإصلاح في البلاد".
"لا اعتراف ولا حوار ولا صلح إلا مع الوطنيين". الرئيس سعيّد يشهر لاءاته الثلاث في وجه المعارضة وانتقادات غربية لسياسته
تتباين آراء الطبقة السياسية المنقسمة على نفسها أصلاً في شأن تحركات الرئيس سعيّد، ورفضه الحوار بين داعميه الذين لا يزالون متفائلين إزاء إمكانية إطلاقه، وبين خصومه الذين يواصلون التعبئة ضده.
وقال الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض، عصام الشابي، إن "سعيّد لن يطلق الحوار، وتحركاته، خاصةً الأخيرة المتعلقة بهيئة الانتخابات وإعادة تشكيلها، تكشف مخططاته. وهو ما جعل نظامه يعيش في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة".
تابع الشابي، في تصريح لرصيف22: "الحل الوحيد اليوم لتونس هو توحيد صفّ المعارضين للانقلاب وكلمتهم، لإنقاذ البلاد من هذه الحالة التي تردّت إليها".
لكن رئيس حزب التحالف من أجل تونس، سرحان الناصري، المؤيد بقوة للرئيس سعيّد، قال إن الحوار سيُطلَق، متوقعاً أن يتم ذلك بعد عيد الفطر، خاصةً بعد تلميح رئيس الجمهورية حول طارئ سيحدث خلال هذه المناسبة الدينية.
عميد المحامين السابق وعضو المكتب التنفيذي لحركة مشروع تونس، العميد فاضل محفوظ، قال في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن "خطاب رئيس الجمهورية ليل الأربعاء غير موفَّق ويذكّرنا بنكسة 1967"
وأردف الناصري، في حديث إلى رصيف22، إلى أن "المعلومة التي أملكها هي أن الحوار سينطلق مع الأحزاب الداعمة لمسار الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، حتى وإن اختلفوا في بعض الأشياء. هناك أحزاب مساندة لهذا المسار، لكنها تتحدث حتى عن مقاطعة الانتخابات، وهناك مؤاخذات لدى بعض الأطراف لكن الأهم هو أن يتم الحوار للخروج من الأزمة وضمان نجاح هذا المسار".
وتتسع دائرة الرافضين لتحركات الرئيس سعيّد، إذ انضمت إلى هؤلاء مديرة ديوانه الرئاسي السابقة المقيمة خارج تونس، نادية عكاشة، وحركة الشعب (ناصرية قومية)، التي أيّدت بقوة تحركه في 25 تموز/ يوليو، لكنها أضحت توجّه إليه انتقاداتٍ حادةً بين الحين والآخر.
وقال الناصري: "رئيس الجمهورية ماضٍ نحو الحوار مع الوطنيين الصادقين. لم تتبخر الآمال بالحوار وننتظر يوم العيد. سيكون هناك خطاب وقد يطلق الحوار بمناسبته".
لكن عميد المحامين السابق وعضو المكتب التنفيذي لحركة مشروع تونس، العميد فاضل محفوظ، قال في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن "خطاب رئيس الجمهورية ليل الأربعاء غير موفَّق ويذكّرنا بنكسة 1967".
وشدد محفوظ على أن "مثل هذه الخطب العصماء لا تؤدي إلى شيء ويجب التفاوض للخروج من الأزمة والعودة إلى ميثاق جمهوري".
ضغوط أمريكية وأوروبية
التطورات الداخلية في تونس، والمرتبطة بإعلان الرئيس سعيّد عن لاءاته الثلاث، تتزامن مع تزاحم مواقف خارجية من شأنها زيادة الضغط عليه لا سيما أنها جاءت من قبل شركاء تونس التقليديين: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
أمس الخميس، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن "تونس تحتاج إلى معالجة المخاوف بشأن الديمقراطية إذا كانت تريد دعماً اقتصادياً دولياً هي في أمَسِّ الحاجة إليه".
أعرب بلينكن في كلمة أمام الكونغرس عن قلقه بشأن استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطة، وقال إن تونس بحاجة "على الأقل" إلى المضي قدماً في الانتخابات البرلمانية الموعودة في نهاية العام.
وقال بلينكن للجنة الاعتمادات في مجلس النواب: "أعتقد أن أهم شيء عليهم القيام به هو تأهيل أنفسهم تماماً للحصول على دعم من المؤسسات المالية الدولية".
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن "تونس تحتاج إلى معالجة المخاوف بشأن الديمقراطية إذا كانت تريد دعماً اقتصادياً دولياً هي في أمَسِّ الحاجة إليه"
وسارعت تونس، مساء أمس الخميس، إلى الرد على هذه التصريحات بالإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس سعيّد إلى موسكو، إذ قال السفير التونسي هناك، طارق بن سالم، إن البعثة الدبلوماسية التونسية في روسيا تقوم بالإعداد لزيارة للرئيس سعيّد ستكون في أقرب الآجال".
تعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي بوبكر الصغير، إن "الوضع في تونس أصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات بالنظر إلى الخارج وعلاقات تونس مع الأشقاء والأصدقاء الخارجيين".
وأضاف الصغير، في حديث إلى رصيف22، إن "رئيس الجمهورية بدوره قال إنه لن يتراجع عما قرره وفكّر فيه وأسّس له من مرحلة جديدة في تونس بكل ملامحها التي أعلنها قبل فترة، ولن يقبل بأي شكل من أشكال الضغط سواء الداخلية أو الخارجية، حسب اعتقادي، لأن الأمور حُسمت، فهو ماضٍ نحو تنفيذ ما أعلنه".
بالتوازي مع ذلك، يواصل أنصار الرئيس سعيّد التعبئة ليوم الثامن من أيار/ مايو المقبل، الذي سيشهد مظاهرات لأنصاره، بينما تواصل المعارضة تحركاتها المكثفة في محاولة لتوحيد صفوفها، لكنها تبدو عاجزةً عن الوصول إلى ذلك، خاصةً وأن "الدستوري الحر" مثلاً الذي يتصدر استطلاعات الرأي، وتُعدّ زعيمته عبير موسي طرفاً بارزاً في المعادلة السياسية، يرفض الانخراط مع المعارضة التي تضم النهضة وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على أطراف سياسية أخرى.
وقال الصغير إن "رئيس الجمهورية يتجاهل الضغوط الداخلية والخارجية، وتونس تنتظرها. أيامٌ قد تزداد فيها الأمور تعقيداً، وخاصةً بالنظر إلى البيانات الصادرة داخلياً وخارجياً خاصةً بيان اتحاد الشغل الذي تضمن لهجةً تصعيديةً تجاه رئيس الدولة وأنكر عليه أن يمتلك الحقيقة وحده، والاتحاد مصرّ على التشاركية لمعالجة الأوضاع".
ختم المحلل السياسي بالقول إن "الأمور بلغت حداً من الصعوبة والتعقيد، ما يدعو فعلاً إلى الخوف. ما نأمله هو أن يتم الاحتكام إلى صوت العقل عند من يملك القرار. يجب أن تتغلب لغة الحوار وخاصةً عند من لم ينخرط في أجندات أجنبية مثل اتحاد الشغل، لبدء حوار يكون رسالةً إيجابيةً إلى الأطراف الخارجية".
وكان الرئيس سعيّد قد أعلن في 25 تموز/ يوليو الماضي، عن إجراءات جمّد بمقتضاها أعمال البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة الإسلامية، واختصاصاته، وأطاح بالحكومة المدعومة منهم قبل أن يحل المجلس النيابي في نهاية آذار/ مارس الماضي.
وسارعت النهضة إلى وصف هذه الخطوات بالانقلاب، ودعت إلى التصدي لها، فيما قال الرئيس سعيّد إنها تصحيح لمسار الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، ووعد بإصلاحات سياسية ودستورية ستُعرَض على استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...