خلال إحيائه الذكرى الـ22 لوفاة الرئيس التونسي السابق، الحبيب بورقيبة، يوم 6 نيسان/ أبريل 2022، أعلن الرئيس قيس سعيّد في تصريح صحافي أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي من ستشرف على المواعيد الانتخابية المقبلة، من استفتاء شعبي يوم 25 تموز/ يوليو 2022، وانتخابات تشريعية يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، ولكن "ليس بتركيبتها الحالية".
سعيّد كان قد انتقد بشدة في تصريحات سابقة له، الهيئة، مشككاً في استقلاليتها، قائلاً: "ولكن لا بد هنا أن أؤكد أن الهيئة العليا أو التي توصف بأنها عليا، يجب أن تكون مستقلةً بالفعل".
وتابع خلال لقائه رئيس محكمة المحاسبات، نجيب القطاري، يوم 30 أيلول/ سبتمبر 2021: "سمعت في الأيام الأخيرة موقفاً حول جملة من التدابير التي اتخذتها والتي لا دخل للهيئة المستقلة أو التي يدّعي البعض أنها مستقلة، في مثل هذه المسائل".
وذهب مراقبون إلى القول إن سعيّد قصد من وراء حديثه عن "تدخل الهيئة"، الردّ على تصريحات إعلامية لرئيسها نبيل بفون، والتي أعرب فيها عن "صدمة الهيئة بعد إعلان رئيس الجمهورية تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي".
هيئة مستقلة
أُحدثت الهيئة وفق القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012، المؤرخ في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2012، وهي هيئة عمومية مستقلة ودائمة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي وتتولى القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الانتخابات والاستفتاءات وإدارتها والإشراف عليها.
وتتكون الهيئة من مجلس يتمتع بسلطة تقريرية، ومن جهاز تنفيذي، ويتكون مجلسها من تسعة أعضاء يتم انتخابهم من قبل المجلس التشريعي (البرلمان)، وفق اختصاصات محددة (القضاء الإداري، والقضاء العدلي، والمحاماة، وأساتذة جامعيين...)، حسب ما نص عليه الفصل 6 من القانون المتعلق بالهيئة.
لم يمرّ حديث رئيس الجمهورية قيس سعيّد، عن إمكانية تغيير تركيبة الهيئة مرور الكرام، نظراً لأهمية هذه الهيئة الدستورية كمكسب ثوري
ويتم تجديد ثلث تركيبة هيئة الانتخابات كل سنتين، ويمارس الأعضاء المنتهية فترة عضويتهم مهامهم إلى حين تسليمها إلى الأعضاء الجدد المنتخبين.
وفي كانون الثاني/ يناير 2020، انتهت مهام رئيس الهيئة وعضوَين آخرين إذ فشل البرلمان المحلول في تجديد تركيبة الهيئة في ظل غياب التوافق حول أسماء أعضائها، إذ يُنتَخب الأعضاء الجدد بأغلبية الثلثين (145 صوتاً على الأقل)، ويُنتَخب رئيس الهيئة الجديد بالأغلبية المطلقة (109 أصوات) من بين الأعضاء المنتخبين.
ولم يمرّ حديث رئيس الجمهورية قيس سعيّد، عن إمكانية تغيير تركيبة الهيئة مرور الكرام، نظراً لأهمية هذه الهيئة الدستورية كمكسب ثوري، بعد أن كانت وزارة الداخلية هي التي تشرف على مختلف المحطات الانتخابية التي تشهدها البلاد قبل الثورة، فهل سيؤثّر قرار سعيّد على استقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟
"الثابت لدينا والأهم بالنسبة إلينا، أن هيئة الانتخابات هي التي ستشرف على المواعيد الانتخابية المقبلة كمؤسسة دستورية بإقرار من رئيس الجمهورية، فالمؤسسة أهم عندنا من الأشخاص"، يعلّق الرئيس السابق للهيئة والعضو الحالي فيها، محمد تليلي منصري.
"في إطار الإصلاح"
ويقول لرصيف22، إن قرار الرئيس يفتح على احتمالات كثيرة: "سيغيّر الأعضاء الذين انتهت مهامهم فحسب، أو سيجدد عضوية من قدّما استقالتهما، وهما حسناء بن سليمان عن سلك القضاء الإداري، وأنيس جربوعي عن الأساتذة الجامعيين، أو سيغيّر التركيبة الكاملة لمجلس الهيئة أو سيغير في اختصاصات بعض الأعضاء ويلغي اختصاصات البعض الآخر؟".
ويشدد منصري، على أن إعلان قيس سعيّد عن تغيير تركيبة الهيئة لا يعني إقراره بعدم استقلاليتها، بل "يأتي في إطار الإصلاح وهو ما أكده مجلس الهيئة في مناسبات عدة حول أن قانون الهيئة يتطلب إصلاحاً وتدخلاً تشريعياً لتنقيحه، خاصةً لتحديد مجال تدخل الإدارة التنفيذية لرئاسة الهيئة، وتكوين العملية في إطار الإصلاح".
تلويح قيس سعيد بأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستشرف على المحطات الانتخابية القادمة لن تكون بتشكيلتها الحالية نفسها، يؤكد وجود أزمة ثقة في الهيئة الحالية
كما يؤكد أن استقلالية هيئة الانتخابات، "أمر مفروغ منه لأنها هي من تشرف ومنذ 2011 على كل المواعيد الانتخابية التي شهدتها تونس، وتم قبول نتائجها من المنظمات الوطنية والدولية وجميع المرشحين والأحزاب".
ورداً على القائلين بأن الهيئة "مخترقة من قبل بعض الأحزاب"، يرى محمد تليلي منصري، أنه من السهل ادّعاء هذا الأمر، قائلاً: "ولكن نحن لا نعمل بمفردنا، وإنما تحت رقابة مجتمع مدني محلي ومراقبين محليين وملاحظين دوليين ومرشحين، وخاصةً تحت رقابة القضاء الإداري والعدلي والنتائج تكون عبر الفرز اليدوي وبحضور جميع الأطراف المعنية بما فيها وسائل الإعلام".
ويضيف أن الانتخابات الرئاسية 2019، ترشح فيها إلى جانب رئيس الجمهورية قيس سعيّد، رؤساء حكومات سابقون ووزير الدفاع ورجال أعمال نافذون ومعارضون لديهم تاريخ نضالي كبير ونائب أول رئيس للبرلمان المحلول، ونجح سعيّد بـ73% من الأصوات، "فلا نستطيع الحديث هنا عن عدم استقلالية الهيئة".
حالة استثنائية
وعن الضمانات التي ستضمن استقلالية الأعضاء الجدد في حال عيّنهم مباشرةً قيس سعيّد، يقول عضو الهيئة إنهم كانوا "يتمنون لو أن عملية إصلاح الهيئة بصورة عامة لا تكون في وضع استثنائي للدولة والمؤسسات وإنما في حالتها العادية".
ويتابع: "ولكن نحن في حالة استثنائية منحت رئيس الجمهورية الصلاحيات التشريعية الخاصة بالبرلمان المحلول بمقتضى المراسيم فليس هناك ما يمنعه من إصدار مراسيم تتعلق بتركيبة هيئة الانتخابات".
ويضيف أن طريقة تغيير التركيبة ما زال غير معروف ما إذا كانت ستتم بالتعيين المباشر من رئيس الجمهورية، وهذا "يطرح إشكالاً لأن العملية تتطلب معايير انتخاب محددةً وهي أهم نقطة لضمان استقلالية هذه الهيئة الدستورية".
استقلالية هيئة الانتخابات، "أمر مفروغ منه لأنها هي من تشرف ومنذ 2011 على كل المواعيد الانتخابية التي شهدتها تونس، وتم قبول نتائجها من المنظمات الوطنية والدولية وجميع المرشحين والأحزاب"
واقترح اللجوء إلى أهل الاختصاص في الهياكل المهنية التي ينتمي إليها الأعضاء الجدد الذين سيتم اقتراحهم، "فيقع مثلاً ترشيح عضو القضاء الإداري وانتخابه من قبل سلك القضاء الإداري، ثم في ما بعد يتم اقتراح الأسماء على رئيس الجمهورية".
وضعية قانونية
بدورها، ترى رئيسة الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات، ليلى الشرايبي، أن وضعية الهيئة قانونية لأن القانون المنظم لها يقضي بأن تواصل عملها إلى حين انتخاب أعضاء جدد، "ونحن في ظروف استثنائية والفصل 80 الذي اعتمده رئيس الجمهورية هو دستور داخل الدستور، ما يعني أن له كامل الصلاحيات لتغيير أعضاء الهيئة وله الحرية في ذلك".
وتشير في تصريحها لرصيف22، إلى غياب مؤسسة يرجع إليها بالنظر إلى تجديد أعضاء هيئة الانتخابات، "علماً أن الهيئة أعلمت سابقاً البرلمان المحلول وطالبته بضرورة تجديد ثلث تركيبتها وسد الفراغات ولكنه لم يتحرك لأكثر من سنة، فالخطأ من البرلمان ونحن الآن في وضعية استثنائية".
وتتحدث ليلى الشرايبي، عن وجود "نوع من التخوف في حال وقع تغيير تركيبة هيئة الانتخابات، وعلينا اتخاذ احتياطاتنا كمجتمع مدني ونحن نتابع الأمر ونقدّم آراءنا على ضوء الأحداث التي ستقع"، حسب تعبيرها.
في المقابل، ترى الباحثة في الاتصال السياسي، سمية بالرجب، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد عازم على تغيير ملامح المشهد السياسي في تونس برمته، كما تقول لرصيف22.
أزمة ثقة
كما ترى أن تلويحه بأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستشرف على المحطات الانتخابية القادمة لن تكون بتشكيلتها الحالية نفسها، يؤكد وجود أزمة ثقة في الهيئة الحالية، وأن النتائج المرجوة من الاستحقاقات الانتخابية القادمة لن تكون على الشكل الذي يرجوه الرئيس إذا أبقى على تركيبة الهيئة الحالية، لما لذلك من اعتبارات سياسية وأيديولوجية.
وتضيف بالرجب أن الفترة الاستثنائية الحالية قد تمنح سعيّد كل الحق في تغيير الهيئة وتعيين أشخاص آخرين، "فبعد حل البرلمان أصبح الحل والعقد في يد الرئيس بشكل مطلق".
وتعتقد الباحثة في الاتصال السياسي، أنه "لن تكون هناك ضمانات لا لحياد الأعضاء المعيّنين الجدد، ولا للتوافق حول اختيارهم لإدارة المشهد الانتخابي القادم، ما يعني أن رئيس الجمهورية وحده من سيبتّ في الأمر، ولن يطلب رأي أحد، وأن الغموض سيكون سيّد الموقف"، تختم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...