أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد، يوم الجمعة 4 نيسان/ أبريل 2022، مرسوماً رئاسياً يخص تنقيح أحكام القانون الأساسي المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يمنحه صلاحية تعيين رئيس الهيئة وعضوين فيها، كما يعطيه صلاحية النظر في مقترح إعفاء عضو من الهيئة، بالقبول أو الرفض.
هيئة الانتخابات كانت من مفاخر الانتقال الديمقراطي، لأن وزارة الداخلية هي التي كانت تشرف على الانتخابات في السابق
وفقاً للمرسوم الرئاسي الذي نُشر في الجريدة الرسمية، فإن مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يتكون من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي على أن يختار رئيس الجمهورية ثلاثة أعضاء من بين أعضاء الهيئات العليا المستقلة السابقة للانتخابات، وثلاثة أعضاء من بين تسعة قضاة مقترحين من مجالس القضاء المالي والعدلي والإداري المؤقتة، وعضواً من بين ثلاثة أعضاء يقترحهم المركز الوطني للإعلامية، علماً أن المجالس القضائية المذكورة تم تعيين أعضائها من قبل رئيس الجمهورية، وأنه تم تغيير رئيس المركز الوطني للإعلامية، بعد قرارات 25 تموز/ يوليو، التي جمدت عمل البرلمان وأقالت الحكومة.
الهيئة غير المستقلة
أثار المرسوم الرئاسي المتعلق بتعديل أحكام قانون هيئة الانتخابات، والذي منح فيه الرئيس التونسي نفسه حق تعيين رئيس وأعضاء هيئة الانتخابات موجة انتقادات واسعة لها علاقة بمصداقية الانتخابات المزمع تنفيذها، ونزاهتها.
وقد عدّ رئيس هيئة الانتخابات، نبيل بفون، أن الهيئة أصبحت هيئة رئيس الجمهورية بامتياز، وأن الرئيس سيكون مرشحاً للانتخابات الرئاسية المفترض تنظيمها سنة 2024، ومعيّناً لهيئة الانتخابات، وتالياً سيكون هو الفريق الذي يلعب على الميدان والحكم والحارس في المرمى المقابل.
وقال بفون في تصريحه لإذاعة محلية: "لقد تم المس بمفهوم استقلالية الهيئة بصفة جوهرية. كيف يمكن لطرف سياسي في السلطة أن يسمي أعضاء هيئة مستقلة بالتعيين؟ ليس لنا اليوم أي إمكانية لمواجهة المسارات. نحن في صدد تكريس المؤقت الدائم بقوة المراسيم".
أثار المرسوم الرئاسي المتعلق بتعديل أحكام قانون هيئة الانتخابات، والذي منح فيه الرئيس التونسي نفسه حق تعيين رئيس وأعضاء هيئة الانتخابات موجة انتقادات واسعة لها علاقة بمصداقية الانتخابات المزمع تنفيذها، ونزاهتها
في تعليقه على المرسوم الرئاسي، قال القاضي أحمد الرحموني، في تدوينة له: "لا أدري إن كنا نستطيع أن نتحدث عن استفتاء أو انتخابات قادمة بعد حل فعلي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وعزل جميع أعضائها. الهيئة الدستورية التي ضمنت في الفترة السابقة نزاهة الانتخابات وشفافيتها، تواجه مصير المجلس الأعلى للقضاء نفسه، وسط صيحات استغاثة أطلقها رئيس ‘الهيئة المنحلة’، وفي سياق تدهور عام لم يشهده تاريخ البلاد في أي مرحلة سابقة!".
أما غازي الشواشي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، فقد كتب: "هيئة الرئيس هيئة لتزوير إرادة الشعب".
بدورها نشرت منظمة "أنا يقظ"، على صفحتها الرسمية في موقع تويتر، تدوينةً جاء فيها: "حصري: الشعار الجديد للهيئة العليا غير المستقلة للانتخابات"، بعد تنقيح قانونها الأساسي وصدوره اليوم في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية).
? حصري: الشعار الجديد للهيئة العليا غير المستقلة للانتخابات بعد تنقيح قانونها الأساسي وصدوره اليوم في الرائد الرسمي.
— I WATCH Organization (@IWatchTN) April 22, 2022
Iɴsᴛᴀɴᴄᴇ Sᴏᴜᴍɪsᴇ Iʟʟᴇ́ɢɪᴛɪᴍᴇ ᴘᴏᴜʀ ʟᴇs Éʟᴇᴄᴛɪᴏɴs pic.twitter.com/8DGS3U5ifn
من جهته، سارع حزب حركة النهضة للتعبير عن رفضه لهذا المرسوم الذي "يعبّر عن الاستخفاف بالشعب التونسي وثورته والإمعان في تفكيك الدولة والاستحواذ على كل السلطات وتخريب المكاسب الديمقراطية".
كما رأت الحركة في بيان لها، أن قيس سعيّد "يواصل الدَّوْس على الدستور الذي يمنع الفصل 70 منه أي تغيير للموادّ الانتخابية بالمراسيم"، مبيّنةً أن "الإجراءات الاستثنائية أنهاها القانون رقم 1 الذي صدر عن جلسة مجلس نواب الشعب يوم 30 آذار/ مارس 2022، وتدعو القوى الوطنية للتصدّي لمشروعه الاستبدادي واتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ البلاد واستئناف المسار الدستوري الديمقراطي".
أقدم الرئيس قيس سعيّد على حل آخر هيئة دستورية أنجزها الانتقال الديمقراطي بعد أن عمد إلى حل المؤسسة التشريعية وغيرها من المؤسسات
أما حزب العمال فقد رأى أن رئيس الجمهورية قد وضع بهذه الخطوة يده على مجمل المؤسسات والهيئات بما فيها التعديلية والمستقلة، و"بذلك يكون قد عزّز أغلب شروط عملية تزييف إرادة الشعب في ما ينوي تنفيذه من استفتاء معلوم النتائج ومن انتخابات حدد من الآن قواعدها وإطارها الذي سيكون التصويت فيها على الأفراد في دورتين".
كما أدان في بيان له "هذا المرسوم الذي لا هدف منه سوى وضع اليد على أي عملية انتخابية وطنية أو محلية بما يكشف طبيعة توجهات سعيّد التي تريد إعادة إنتاج الدكتاتورية والحكم الفردي المطلق وتزوير الإرادة الشعبية وهو ما ثار ضده شعبنا وقدمت الأجيال في مواجهته التضحيات الجسام".
في المقابل، يرى حزب التحالف من أجل الجمهورية، "أنّ المرسوم الرئاسي المتعلّق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات إنجاز في مسار التصحيح كان التحالف من أول المطالبين من الرئيس باتخاذه لتصحيح قانون هذه الهيئة وتغيير تركيبتها التي لم تكن أبداً مستقلّةً ولا محايدةً، خصوصاً أن رئيسها نبيل بفون وأحد أعضائها عادل البرينصي، كانا قد أمضيا على عرائض ضدّ قرارات 25 تموز/ يوليو، ومساره، مع جماعة من أطلقوا على وفاقهم ‘مواطنون ضد الانقلاب’"، وفق نص البيان.
"لن نتحدث عن انتخابات حرة في المستقبل"
يرى المحلل السياسي، بولبابة سالم، أن هيئة الانتخابات لم تعد مستقلةً، بل تابعةً لرئاسة الجمهورية، وأنه لم يعد بالإمكان الحديث عن انتخابات حرة وذات مصداقية في المستقبل لأن غالبية أعضاء الهيئة معيّنون من قبل رئيس الجمهورية، قائلاً: "سيصبح هناك نوع من المبايعة وليس انتخابات حرة. الرئيس سيكون هو الخصم والحكم. كما أقدم على حل آخر هيئة دستورية أنجزها الانتقال الديمقراطي بعد أن عمد إلى حل المؤسسة التشريعية وغيرها من المؤسسات".
وعدّ المتحدث في تصريحه لرصيف22، أنه من المفارقات أن الهيئة التي أوصلت رئيس الجمهورية إلى أعلى هرم السلطة، أقدم الأخير على إقصائها من العمل، وحلّها، مشيراً إلى أن هيئة الانتخابات كانت من مفاخر الانتقال الديمقراطي، لأن وزارة الداخلية هي التي كانت تشرف على الانتخابات في السابق.
استبعد المحلل السياسي إمكانية وجود علاقة سببية بين إصدار المرسوم المتعلق بتنقيح الهيئة وتصريحات رئيسها نبيل بفون، مبيّناً أن قيس سعيّد لديه مشروع ماضٍ فيه إلى النهاية، وفي كل مرة يركز على مؤسسة معيّنة يعمد إلى حلّها، وتابع: "قيس سعيّد ماضٍ في اتجاه مشروع شخصي يتعلق بتركيز مشروع شخصي للحكم الفردي يجمع فيه الرئيس كل السلطات بين يديه، وحتى الأحزاب سيتم تحييدها بفضل القانون الانتخابي الجديد وتذويبها شيئاً فشيئاً في اتجاه حكم فردي مطلق يستحوذ فيه الرئيس على كل السلطات".
خطوة متوقَعة
توقع المتابعون للشأن السياسي في تونس، منذ فترة، توجه رئيس الجمهورية إلى حل تركيبة هيئة الانتخابات أو تنقيحها، وهي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي ما زالت قائمةً في البلاد، خاصةً أنه لطالما وجّه إليها انتقادات لاذعةً تشكك في استقلاليتها.
وقد قال رئيس الجمهورية، خلال لقائه برئيس محكمة المحاسبات: "لا بد أن أؤكد على أن الهيئة العليا أو التي توصف بأنها عليا، يجب أن تكون مستقلةً. بالفعل سمعت في الأيام الأخيرة موقفاً حول جملة من التدابير التي اتخذتها ولا دخل للهيئة المستقلة أو التي تدّعي أنها مستقلة في أن تتدخل في مثل هذه المسائل"، وأتى هذا التصريح كرد على معارضة رئيس الهيئة نبيل بفون، للإجراءات الاستثنائية التي عدّها غير متطابقة مع الدستور، عادّاً أنه ليس بالإمكان الذهاب إلى انتخابات مبكرة في ظل فراغ تشريعي.
في المقابل، أكد رئيس الجمهورية في لقائه بنائب رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، على "أهمية دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعلى ضرورة أن تكون على أتم الاستعداد لمختلف الاستحقاقات المقبلة عليها بلادنا في الفترة القادمة". من جانبه، أكد بوعسكر، أن اللقاء كان فرصةً "للحديث عن وضعية الهيئة من الناحية القانونية، ومدى استعداد هذه المؤسسة الدستورية للوفاء بالاستحقاقات الانتخابية القادمة"، مشيراً إلى "تأكيد رئيس الجمهورية على احترام الهيئة وعلى ضرورة استقلاليتها وحيادها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي