ليلة القدر، أو ليلة السابع والعشرين من رمضان، هي مناسبة مميزة يمنحها المسلمون قيمةً كبيرةً، وينتظرونها كل عام هجري، وارتبطت بالعديد من الطقوس التي تقام في عدد من البلدان العربية، منها الدينية ومنها الاجتماعية أيضاً.
نربط دائماً بين الأكل وبين المناسبات الدينية والاجتماعية، وفي ليلة القدر تقام الكثير من الولائم والأطعمة التي تتميز وتختلف من بلد إلى آخر، كما يتبارك البعض بها ولذلك ترتبط بعدد من الطقوس المتنوعة.
ليلة الختان
تمارَس الكثير من الطقوس في تونس في ليلة القدر، ويتحدث سامي الكلاعي، عنها لرصيف22، بالقول: "من أهم العادات التونسية في هذه الليلة هي أن النساء يطبخن الكسكسي، وهو مشهور كطبق رئيسي ومهم في الأفراح والمناسبات المختلفة لدينا، وبالرغم من أن البعض لم يعد يهتم بهذا الطقس كثيراً، ولكنه ما زال منتشراً على نطاق واسع، فزوجتي تطبخ الكسكسي وتوزع منه على الجيران، وهم يفعلون مثلها، وكانت أمي أيضاً باستمرار تقوم بذلك".
ليلة القدر مهمة جداً وتُعدّ عيداً مصغّراً، وبدءاً منها يبدأ التحضير للعيد.
ويضيف الرجل الأربعيني: "في ليلة القدر أيضاً تتكفل جمعيات خيرية بختان الذكور في العائلات الفقيرة، ويكون هذا اليوم بمثابة عرس واحتفال كبير لهؤلاء الأطفال، يرتدون فيه الزي المناسب وهو الجبة التونسية والبلغة. ومع إقامة مسابقات قرآنية طوال شهر رمضان، تُوزَّع في ليلة القدر الجوائز على المتفوقين في الحفظ، والحلويات على المصلين في المسجد، ومن أهم هذه الحلويات ‘المقروض’، وهو نوع معروف في تونس، وخصوصاً في محافظة القيروان مدينة عقبة بن نافع، وترتبط لدينا بهذا اليوم".
ومن أبرز الطقوس الأخرى التي تقام في تونس، تقول سمية المعطي، لرصيف22: "ليلة القدر يعدّها الخاطبون موسماً، ومن أهم العادات لدينا أن العريس يذهب إلى العروس ليقدّم لها هديةً قيّمةً حسب إمكاناته، ولكن الأهل يسألون حتماً عن الهدية وقيمتها، ولذلك يحضّر العريس لهذا اليوم قبل ذلك، ويتفق مع خطيبته، وقد اتفقت مع خطيبي أن يحضر لي طقم أوانٍ أحتاج إليه، وهذه عادة مستمرة لدينا".
صيام الأطفال
في المغرب تختلف الطقوس الخاصة بليلة القدر، كما تقول أستاذة التراث والثقافة الشعبية المغربية، الدكتورة فاطمة الزهراء، لرصيف22، موضحةً: "نحن نركّز على ليلة 27 رمضان، ليلة القدر في المغرب، وهي مهمة جداً وتُعدّ عيداً مصغّراً، وبدءاً منها يبدأ التحضير للعيد، وفيها نخصص الليل كله للصلاة حتى الفجر، ولا أحد ينام، والأكل يكون متوفراً بشكل كبير، وليست هناك أطباق مخصصة لهذه الليلة ولكن تكون مختارةً بامتياز".
أهم ما يميّز هذه الليلة في العراق الحلويات، إذ توزَّع الحلويات المصنوعة يدوياً من التمر أو البلح المخلوط بحبة البركة والسمسم، وكذلك الأطباق المحلية مثل المهلبية المصنوعة من الحليب والسكر والمطيبات وغيرها.
وتشير المتحدثة إلى أن الأطفال الصغار الذين لم يصل عمرهم إلى سن الصيام يصومون في هذا اليوم، وتقام لهم أفراح كثيرة ويلبسون الجديد ويكون لهم فطور خاص، ويتم الاحتفال بهم وكأنهم "عرسان"، فيلتقط لهم مصورون محترفون صوراً تذكاريةً، ويكون لباسهم مميزاً جداً.
وتضيف: "يستخدم المغاربة في هذا اليوم البخور والعود، في البيوت والمساجد، وهذا لأن البعض يعتقدون أن الأرواح الشريرة تكون محبوسةً في رمضان، ويُفرَج عنها في ليلة القدر. وتالياً تحصّن الأمهات بيوتهن بالبخور والروائح المختلفة، ويتم هذا الطقس بفرح وبهجة".
بدوره تحدث الشاعر المغربي سفيان لكربسي، عن احتفال المغاربة بهذه الليلة، وقال: "تصوير الأطفال يُعدّ من أهم الطقوس في هذا اليوم، فهم يبدؤون بالصوم ويكون ملبسهم مميزاً. كما أن هذا اليوم يتميز بثلاثة أصناف من الأطعمة، منها الطنجية وهي لحم بوضع في قدر طيني ويُترَك على الفحم طوال الليل ليُطبَخ على مهل، وهناك الفراخ بالزيتون وحلة السمك أيضاً".
"مثل يوم المولد"
يشبّه الكاتب والناقد الجزائري، الدكتور فيصل الأحمر، خلال حديثه إلى رصيف22، الاحتفال بهذه الليلة الحافلة بيوم المولد، "فيكون فيها العديد من الطقوس الخاصة وأبرزها الولائم والذبائح، ففي هذه الليلة يكون الاهتمام بالطعام كبيراً جداً، كما تقام مسابقات حفظ القرآن الكريم وخاصةً للأطفال الصغار".
يضيف الكاتب أن "النساء في هذه الليلة يحضّرن الحلويات والكعك الذي يحبه الجزائريون، كما أن للحنّاء مكانةً كبيرةً لدى الشعب الجزائري في هذا اليوم، وتكون للنساء والفتيات، وأرى أن هذه الليلة في الجزائر هي ليلة الختان بامتياز، إذ يتم فيها ختان للأطفال ويرتدون الملابس المخصصة لذلك".
أما الباحث في التراث العراقي عادل العرداوي، فأشار خلال لقاء مع رصيف22، إلى أن لليلة القدر مكانةً كبيرةً لدى أهل العراق، ولا ينام أهل بغداد خلالها، ويهتمون بختام القرآن والأدعية حتى الصباح، وتمتلئ المساجد بالولائم والأطعمة.
وأهم ما يميّز هذه الليلة، كما قال العرداوي، الحلويات، إذ توزَّع الحلويات المصنوعة يدوياً من التمر أو البلح المخلوط بحبة البركة والسمسم، وكذلك الأطباق المحلية مثل المهلبية المصنوعة من الحليب والسكر والمطيبات وغيرها.
في هذه المناسبة نخصص الليل كله للصلاة حتى الفجر، ولا أحد ينام.
ذبائح في صعيد مصر
تُعدّ ليلة 27 من رمضان في عدد من قرى مصر موسماً، ففيها تقدَّم الذبائح ويحرص الأهالي على أكل اللحوم والفراخ، كما تقام المسابقات الدينية في حفظ القرآن الكريم، ويتبادل الناس الزيارات.
محمد عبد الكريم (50 سنةً)، من ريف محافظة كفر الشيخ، قال لرصيف22: "الطقوس الدينية في هذه الليلة كثيرة، فطبعاً يكون عدد كبير من الشباب معتكفين في الجوامع، لذلك يكون الطعام كثيراً هناك، كما نختم القرآن، وتقام مسابقات لحفظ القرآن الكريم للأطفال مع تخصيص جوائز لهم لتشجيعهم".
ومن المحافظة نفسها تقول شيماء خضر (44 سنةً): "تُعدّ هذه الليلة موسماً، فنحن فيها نحضّر اللحم والكباب، أو نذبح الفراخ والبط للاحتفال، وفي هذه الليلة أيضاً أو في الأيام العشرة الأخيرة قبل العيد يذهب الخطيب إلى خطيبته بهدية".
الباحث في التراث الصعيدي محمد جمال الحويطي، تحدث عن ليلة القدر في الصعيد وقال: "خلال العشرة الأواخر وتحديداً في الصعيد، تنظّم العوائل الكبيرة أمسيات دينيةً وإفطارات جماعيةً، وذلك في دواوير العائلات (جمع دوار وهو بيت الضيافة)، ويحضر قارئ قرآن أو أكثر، وخطيب يخطب عن فضل رمضان وليلة القدر، وتقدَّم الذبائح على الإفطار وتتسابق العوائل على الذبح".
ويضيف الحويطي لرصيف22: "يتواجد الشباب والكبار في الدوار قبل المغرب لتجهيز الإفطار، ويكون هناك دعوات لختام القرآن، ويقرأ شيخ القرآن كما يحدث في الجنائز، ولا تكون هناك أطعمة محددة ولكن الغلبة للحوم طبعاً في هذه الأيام".
يستخدم المغاربة في هذا اليوم البخور والعود، في البيوت والمساجد، وهذا لأن البعض يعتقدون أن الأرواح الشريرة تكون محبوسةً في رمضان، ويُفرَج عنها في ليلة القدر. وتالياً تحصّن الأمهات بيوتهن بالبخور والروائح المختلفة
طرد الأرواح الشريرة
الباحث في التراث اليمني الدكتور فهمي المقبلي، تحدث عن ليلة القدر في اليمن، وقال لرصيف22: "نحيي ليلة القدر في اليمن بالذكر والتراويح والتهجد والقرآن والخشوع، والاعتكاف لمن أراد أن يعتكف في المساجد، أي مشاعر دينية بحتة. أما من حيث المشاعر الاجتماعية فيخصصها البعض لزيارة الأهل والأقارب".
ويشير المقبلي، إلى أنه لا توجد أكلات خاصة بليلة القدر في اليمن، فما يأكله الناس طوال الشهر الكريم يأكلونه في هذه الليلة المباركة، "إلا أننا نخصص مأكولات من الحلوى والعسل والأشربة الطازجة كالعصائر لمن يأتي ضيفاً".
وذكر المقبلي، أن الضيافة مهمة في شهر رمضان كله، ولذلك يتم الاهتمام بوضع الروائح العطرة والبخور في المنازل.
وفي موريتانيا يستخدم الناس في هذه الليلة أنواعاً خاصةً من البخور وهي الفاسوخ أو الآمناس، فتُحرَق دفعاً للمكاره، وطرداً للأرواح الشريرة، كما يتم تسخين الإبر ووخز أماكن محددة في أجساد الصغار بها، لتحاشي مس الشياطين التي تقول بعض الروايات الشعبية إنه يتم تحريرهم خلال هذه الليلة، بعد أن كانوا مصفَّدين خلال الشهر الكريم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 5 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي