"الزواج بطيخة وإنت وحظك بقى"... كثيرون منا، بسذاجة عالية، يطلقون هذه العبارة، وفيها نلقي باللوم على الحظ في سوء اختياراتنا في الزواج، والحقيقة أننا بذلك نحجب الشمس بغربال، فطريقة الزواج التقليدية المتبعة في الدول العربية، ومنها فلسطين، لم تعد ضامنةً حياةً مستقرةً، والسبب أنك ببساطة بحاجة إلى معرفة الكثير عن شريك حياتك المستقبلي، لترى إمكانية الحياة معه فعلاً من عدمها.
في غزة آلاف القصص المأساوية التي نشهدها يومياً بازدياد، والتي قد تنتهي بالطلاق، والسبب يمكن اختصاره بعدم الاتفاق، أو عدم القدرة على بناء حياة مشتركة.
وبعد ازدياد معدلات الطلاق في غزة، والتي وصلت وفقاً للمجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة إلى أكثر من أربعة آلاف حالة طلاق خلال العام المنصرم، بارتفاع جاوز الـ20 في المئة عن العام الذي قبله، كان لا بد من دراسة حلول واقعية لهذا الازدياد مفادها أننا بحاجة ماسة إلى فحص أهلية الشخص المتقدم للزواج، ومن هنا نُشر مقترح سيتم تطبيقه تحت عنوان "رخصة الزواج الآمن".
"الزواج بطيخة وإنت وحظك بقى"... كثيرون منا، يطلقون هذه العبارة، وفيها نلقي باللوم على الحظ في سوء اختياراتنا في الزواج.
وجاءت هذه الفكرة نتيجة مطالبات جدية، سواء رسمية أو جماعية، تعتمد على أن يخضع كل من الخطيبين المقبلين على الزواج لفحوص واختبارات يمكن من خلالها الحكم على مدى أهليتهم للزواج، وألا يتم الأمر إلا بالحصول على رخصة أو إذن، تماماً كما تُعطى رخصة القيادة.
تأهيل الشباب وتهيئتهم
كشفت وزارة العدل في غزة نهاية شباط/ فبراير الفائت، تفاصيل مشروع "رخصة الزواج الآمن" الذي تنوي تطبيقه في القطاع خلال الفترة المقبلة.
وقال وكيل الوزارة المستشار أحمد الحتّة، إن "رخصة الزواج الآمن" تقوم عليها ست وزارات تعمل ضمن لجنة الإرشاد الأسري، مشيراً إلى أنه يستهدف المقبلين على الزواج من كلا الجنسين في قطاع غزة.
وفقاً للحتة، فإن "المشروع يهدف إلى تأهيل الشباب والفتيات وتهيئتهم لمرحلة ما قبل الزواج وبعده، ونشر التوعية الشاملة بحقوق كلا الطرفين وواجباتهما، بالإضافة إلى نشر مفاهيم الثقافة الأسرية الصحيحة في ضوء تعاليم الشريعة والقانون وأحكامهما، وتهيئة الجو الأسري السليم لتنشئة الأبناء نشأةً صالحةً، وزيادة الترابط الأسري".
وأكد الحتّة، أن المشروع سيكون من ضمن إجراءات عقد الزواج كبقية الإجراءات، من فحص طبي وإجراءات إدارية وقانونية.
ويحتوي البرنامج على خمسة محاور رئيسية، هي المحور النفسي والمحور الاجتماعي والمحور الصحي والمحور الاقتصادي والمحور الشرعي والمحور القانوني.
ويشار إلى أن فكرة المشروع كانت مطروحةً منذ أكثر من أربع سنوات، لكن كانت هناك العديد من المعوقات المالية والإدارية التي حالت دون تطبيقها حتى اليوم.
وفي التفاصيل حول هذا البرنامج، تقول رئيسة لجنة الإرشاد الأسري الحكومية، اعتدال قنيطة، لرصيف22: "بعد ازدياد معدلات الطلاق مقارنةً بالأعوام السابقة، كان لا بد من دراسة الموضوع خاصةً وأن النسبة الأعلى من حالات الطلاق تحدث في السنة الأولى للزواج وفق الدراسات والملاحظات".
وتضيف حول ما يتعلق بالمشروع ومراحله: "المرحلة الأولى تتضمن إعداد منهاج خاص بالدورات الخاصة بالزواج الآمن من قبل مختصين، وهو جاهز الآن وننتظر اعتماده من الأمانة العامة بشكل رسمي".
المشروع يهدف إلى تأهيل الشباب والفتيات وتهيئتهم لمرحلة ما قبل الزواج وبعده، ونشر التوعية الشاملة بحقوق كلا الطرفين وواجباتهما، بالإضافة إلى نشر مفاهيم الثقافة الأسرية الصحيحة، وتهيئة الجو الأسري السليم لتنشئة الأبناء نشأةً صالحةً
أما المرحلة الثانية وفقاً لحديثها، "فهي إعداد مدربين خاصين بالإرشاد الأسري أو مدربين لتأهيل الخاطبات والخاطبين، وذلك من خلال 30 ساعةً تدريبية مخصصة لهذا الإعداد".
وتضيف قنيطة: "أما المرحلة الثالثة فهي تنسيق حملات إعلانية لحشد الآراء وتشجيع الشباب على المشاركة في هذه الدورات، خاصةً أنها ستعتمد على المنهج العلمي وليس على التلقين، وستراعي الفروق التعليمية والعمرية والثقافية وهي مجانية".
يشار إلى أن البرنامج سيطبَّق لفترة تجريبية على مدار ستة أشهر خلال 2022، وستكون الدورة الواحدة عبارة عن 20 ساعةً تدريبيةً، لمدة خمسة أيام، بواقع أربع ساعات في اليوم لكل محور من محاور البرنامج الخمسة.
وتختم قنيطة: "ستركز المواد التدريبية على فترة الزواج الآمن، منذ بدايته وبشكل خاص خلال العامين الأولين، وبعد ذلك سيتم التوسّع في تقديم دورات حول كيفية استقبال أول مولود وإنشاء علاقات مع الأطفال، وغيرها من الدورات التي تُعنى بالجانب الأسري".
معرفة الحقوق
حول مضمون المنهج، تقول المحامية زينب الغنيمي، مديرة مركز "الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة"، لرصيف22: "المنهج عبارة عن محاضرات لها علاقة بمعرفة الحقوق الشرعية المكفولة وفق القانون، وبمفاهيم العنف والإدارة الاقتصادية داخل البيت، ومفهوم التكيف مع بيئات جديدة مختلفة بالإضافة إلى الصحة الجنسية".
وتضيف: "طالما أن المقبلين على الزواج ينتقلون من حياة فردية إلى حياة ثانية، فهم بحاجة إلى وقت ضمن إطار تشكيل وعي معيّن بما يتعلق بحقوق كل منهما على الآخر".
طالما أن المقبلين على الزواج ينتقلون من حياة فردية إلى حياة ثانية، فهم بحاجة إلى وقت لتشكيل الوعي بحقوق كل منهما على الآخر.
وتضيف: "نحن نعمل على تهيئة الخاطبين للزواج قبل مرحلة اختيار الشريك أو الشريكة، كي يحظوا بمعرفة أسرية كاملة عن الزواج، للحد من بعض التصرفات السلبية التي ترافق الحياة المشتركة الجديدة، وتالياً نقلل حجم المشكلات خاصةً المتعلقة منها بالجانب الجنسي والنفسي، كما نعمل على تعزيز مفاهيم الاحترام وعدم اعتداء شخص على الآخر، ونساعدهم في كيفية إدارة حياتهم العائلية من كافة الجوانب خاصةً الجنسية والنفسية منها، لأن الجهل حيال هذه المواضيع يؤدي إلى الفشل والطلاق".
يشار إلى أن المركز الذي تديره الغنيمي، سبق القضاء الشرعي إلى هذه الفكرة، وتقول هنا المتحدثة: "نحن في المركز نفّذنا بالفعل هذه الخطوة من قبل، فمنذ فترة ليست قصيرةً نعطي هذه الدورات وندرّب المقبلين على الزواج، بإعطائهم هذه المحاضرات الاجتماعية ذات الطابع الإرشادي الأسري، وذات الأهمية الكبيرة في بناء حياة زوجية صحية، وهناك ارتياح لدى المتدربين المقبلين على الزواج والنتائج إيجابية، كما يتم التدريب لدينا بالتنسيق مع المحاكم الشرعية ". والمبرر في نهاية المطاف كما تقول: "حياة سعيدة آمنة بعيدة عن المشكلات".
فكرة جدلية
وبين مؤيد للفكرة ومعارض لها، تباينت الآراء إزاء "رخصة الزواج الآمن"، فكثيرون يرونها فكرةً ممتازةً، وآخرون يرون فيها حرجاً اجتماعياً، لكن مختصين يرون أنها فكرة طالما نادوا وطالبوا بها، من أجل تخفيف أعداد المطلقين والمطلقات في غزة.
رامي راسم (23 عاماً)، هو شاب من غزة مقبل على الزواج، ويخضع بالفعل الآن لدورات تأهيل أسري قبل الارتباط، يقول لرصيف22، في هذا الصدد: "الفكرة جميلة جداً لأنها تضعنا على الطريق الصحيح في التعامل مع الزواج، ونحن فعلاً بحاجة إلى مثل هذا البرنامج كي نحظى بمزيد من الوعي وكي لا نصل إلى الطلاق لأسباب غير ذات أهمية".
ويضيف: "أذهب إلى التدريب أنا وخطيبتي، وبعد التدريب نتناقش أكثر في المحاور التي ندرسها، وأنا على المستوى الشخصي مرتاح جداً إلى الفكرة كي لا يصبح الزواج فعلاً ‘بطيخة’".
وتتفق خطيبته علا (22 عاماً)، معه في ما يقول وتضيف: "نحن كمقبلين على الزواج بحاجة إلى أن نفهم جيداً ماذا يعني الزواج، كما يجب علينا أن نفهم بعضنا البعض من كافة النواحي، وأرى أن أهم محور في التدريب هو المحور النفسي، لأنه يجعلنا أكثر فهماً لطبيعة الآخر من دون عنف".
وتكمل حديثها بالقول: "نحن نعاني من معدلات مرتفعة للطلاق، والسبب غياب الوعي والفهم".
نحن كمقبلين على الزواج بحاجة إلى أن نفهم جيداً ماذا يعني الزواج، كما يجب علينا أن نفهم بعضنا البعض من كافة النواحي، وأرى أن أهم محور في التدريب هو المحور النفسي، لأنه يجعلنا أكثر فهماً لطبيعة الآخر من دون عنف
أما سمير خليل (54 عاماً)، فيرفض الفكرة، ويبرر ذلك في حديثه إلى رصيف22: "كيف أسمح لابنتي أن تذهب لحضور تدريب مع رجل لم يُعقد قرانها عليه بعد؟ ثانياً، إن الظروف الاقتصادية هي الشبح الأول أمام المتزوجين، فطالما لم تُحل المشكلات الاقتصادية التي نعاني منها في غزة من فقر وبطالة، فلن يكون هناك زواج ناجح".
ويضيف: "نحتاج إلى حل للظروف الاقتصادية الخانقة التي نعيشها في غزة، لا إلى رخص لزواج آمن".
ويعاني قطاع غزة من معدلات مرتفعة في البطالة، إذ وصل عدد العاطلين عن العمل في أحدث إحصائية وفق بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني إلى 228 ألف شخص في الربع الأول من العام 2021؛ ما يعني أن نسبة البطالة في القطاع تبلغ 48%، وهي مرتفعة جداً مقارنةً بمناطق أخرى في فلسطين، إذ تبلغ هذه النسبة في الضفة الغربية 17 في المئة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...