بعد تجربة زواج فاشلة استمرت ثلاث سنوات، قررت أماني الانفصال عن زوجها، وطلبت الطلاق، ثم غادرت إلى بيت ذويها في مدينة القاعدة بمحافظة آب، في محاولة منها للهروب من حياة تراها كالجحيم مع زوجها.
ولدى حصولها على وثيقة الطلاق، خصصت يوماً للفرحة والاحتفال بـ"يوم الطلاق"، دعت فيه عائلتها، وصديقتها، وجيرانها للمشاركة في الحفلة التي كانت أكبر من حفلة زفافها.
تقول أماني عبد الوهاب (27 عاماً): "احتفلت بيوم الطلاق لأني وجدت نفسي وعافيتي وحريتي بعد عامين من الغرق في بحر التعاسة مع كائن لا يعرف قيمة زوجته".
"الطلاق ليس نهاية الحياة"
في سياق متصل ظهرت في اليمن حفلات نسائية لبعض النساء، اللواتي يحتفلن بيوم الطلاق، البعض يراها ظاهرة اجتماعية، وآخرون يرون أنها لم تصل إلى مستوى "الظاهرة" بعد. وتشير إحصائية إلى أن حالات الطلاق التي سجلت رسمياً في المحاكم اليمنية 2019 تجاوزت 52 ألفاً، أي 20 % من الزيجات انتهت بالطلاق الطبيعي، و 70% انتهت بحسب رغبة الزوجة.
وخلال السنوات الماضية، أدت الحرب المستمرة في البلاد إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي بدورها انعكست سلباً على حياة المواطنين بمختلف المجالات، خصوصاً الاجتماعية، إذ تزامنت مع ارتفاع معدلات الطلاق بشكل ملحوظ.
خصصت يوماً للفرحة والاحتفال بـ"يوم الطلاق"، دعت فيه عائلتها، وصديقتها، وجيرانها للمشاركة في الحفلة التي كانت أكبر من حفلة زفافها
تماماً مثل أماني، احتفلت سارة أمين (اسم مستعار) بيوم الطلاق بعد حصولها على وثيقة الطلاق، وانتهاء زواج فاشل استمر نحو عامين، فأقامت حفلة على وقع أجواء احتفالية أشبه بحفلات الزفاف، شاركت فيها نساء الجيران، وصديقتها، وأهلها في منزل والدها في العاصمة اليمنية صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
تقول سارة أمين (25 عاماً): "فرحتي بالطلاق أكبر من فرحتي بالزواج، قررت أن أحتفل بيوم الطلاق لأني شعرت وكأني ولدت من جديد، فالطلاق ليس نهاية الحياة".
ويرى رجال في اليمن تلك الاحتفالات بعيون منتقدة، ويرون أنها مبالغة ولا داعي لها. عبد الرحمن ناجي (38 عاماً) متزوج منذ نحو 10 سنوات، يعيش حياة مستقرة مع زوجته وأطفاله في صنعاء، يقول لرصيف22: "احتفال المرأة المطلقة بيوم الطلاق من الأشياء التي لا لزوم لها في المجتمع".
ويلفت إلى أن للاحتفال بيوم الطلاق انعكاسات سلبية: "بعض المتزوجات حديثاً يطلبن الطلاق بمجرد أن يواجهن أول مشكلة مع أزواجهن".
ويشير ناجي إلى أن الطلاق "ربما يكون خلاصاً لها من جحيم عاشته، وإذا أرادت المرأة المطلقة الاحتفال تحتفل وحدها، ولا داعي للتشهير، والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن نظرة المجتمع ستنعكس سلباً عليها وعلى أهلها".
"حاولت الصمود"
بينما يركز ناجي على التأثير السلبي الاجتماعي، لا ترى أماني سوى إحساسها الداخلي بالتحرر من تجربة آلمتها كثيراً، تقول: "قبل الطلاق عشت في الجحيم، تفاجأت بعد الزواج بأن كل شيء تغير، حتى حماتي تغيرت وأصبحت من أشد الأعداء لي، بعد أن كانت في أيام الخطبة ملائكية الطبع والأسلوب".
وتضيف: "بعد زواجي تركت المدينة إلى الريف، وكنت أخرج مع حماتي لممارسة أعمال زراعية شاقة، حاولت الصمود إلا أن زوجي كان يرميني بالتهم التي يخجل الإنسان أن يتلفظ بها".
سارة أمين، هي الأخرى عاشت أسوأ أيامها بفعل المعاملة القاسية والحرمان من قبل زوجها، خلال فترة زواجهما الذي استمر نحو عامين.
عن حياتها الزوجية، تقول: "اعتاد التعدي علي بالسب والشتم، وأحياناً بالضرب، لم أجد منه سوى المعاملة القاسية، وتوجيه الإهانات، بالإضافة إلى أنه كان يقضي معظم وقته في السهر والنوم وتناول القات".
الإعلامية اليمنية فاطمة صلاح أيدت إقامة حفلات الطلاق لأنها "بالتأكيد نهاية لحياة تعيسة، وبداية حياة جديدة، فالمرأة التي تقوم بتنظيم حفلة طلاق يعني أنها كانت تعيش حياة زوجية سيئة، وهي تود التخلص من الطاقة السلبية التي كانت تعيش بها خلال مرحلة حياتها مع زوجها".
وأضافت صلاح في تصريح لرصيف22: "ما دامت هناك حفلات زواج، من المهم أيضاً أن تكون هناك حفلات طلاق، وأي فرحة يجب أن يتم إعلانها ومشاركة الأهل والأصدقاء بها".
وترى رئيسة مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة، قبول العبسي، أن "الاحتفال بالطلاق أمر شخصي"، مشيرة إلى أنها سمعت عن إقامة بعض النساء في اليمن حفلات طلاق بسبب الظروف المعيشية القاسية مع أزواجهن.
"ترى بعض النساء أن الطلاق بداية لحياة جديدة، ولا نستطيع منعهن أو حتى الاعتراض، فقط نشدد على الاحترم المتبادل بين الطرفين لمراعاة وضع الأطفال، وقد تكون هذه الظاهرة بدأت كثيراً في الانتشار نتيجة لتجربة قاسية مرت بها المرأة المطلقة"، تقول العبسي لرصيف22.
ظاهرة جديدة وإيجابية
تحلل أستاذة علم اجتماع العمل بجامعة تعز، الدكتورة ذكرى العريقي، احتفال المطلقات بطلاقهن بأنه "ظاهرة جديدة في المجتمع اليمني، لذلك فهو خطوة إيجابية، لأن المرأة المطلقة بدأت الآن ترغب في أن تقول للعالم إنها ليست عالة على المجتمع، وإنها ليست إنسانة سيئة، ولا يمكن أن تعاني بعد تلك التجربة، فهي تتطلع إلى حياة جديدة".
وتضيف العريقي لرصيف22: "ظاهرة الاحتفال جديدة في المجتمع اليمني، فهي تعبر عن وعي المرأة وثقتها بنفسها، وبأنها تريد أن تقدم للمجتمع نموذجاً مختلفاً، وبأن الحياة يمكن أن تبدأ من لحظة الطلاق".
ولكن هل ذلك يعني أن اليمنيات تخلصن من الوصمة الذكورية المرتبطة بالمطلقات، وأنهن بتن أكثر جرأة لاتخاذ تلك الخطوة دون مراعاة النظرة الاجتماعية؟
تجيب أماني عبد الوهاب: "صحيح أني عندما قررت الانفصال وطلبت الطلاق خفت من نظرة المجتمع السلبية، إلا أني فضلت سعادتي على كل شي، لأن من يتذوق مرارة الحياة ويتألم هو المرأة وليس المجتمع، لذلك فضلت الانفصال مهما كانت نظرة المجتمع سلبية، الطلاق ليس نهاية الحياة".
"المجتمع حتى اللحظة ما زال يعاني من مشكلة كبيرة، وهي التعامل مع المرأة المطلقة كما لو أنها ارتكبت جرماً كبيراً، على الرغم من أنها فضلت سعادتها وحياتها الطبيعية على حياة البؤس الزوجي"، تقول أماني لرصيف22.
"فرحتي بالطلاق أكبر من فرحتي بالزواج"
توافقها في الرأي سارة أمين، تقول: "المرأة المطلقة في اليمن تعاني من نظرة المجتمع السلبية، التي تنعكس على حياتها ومستقبلها، خاصة إذا كانت غير متعلمة".
وتلفت سارة إلى وجود العديد من المشاكل التي تواجهها المرأة المطلقة: "لا توجد في اليمن منظمات حقوقية تدافع عن المرأة المطلقة، كما لا توجد جمعيات ومراكز خاصة في تأهيل المرأة وتطويرها وإتاحة المجال لها في تأمين مستقبلها، خصوصاً المطلقات اللواتي وصلن إلى اقتناع تام بعدم الزواج مطلقاً".
وترى العريقي أن الاحتفال بيوم الطلاق "من شأنه أن يدفع المجتمع إلى تقبل المرأة المطلقة، والتعامل معها بشكل طبيعي".
وتضيف: "ظاهرة الاحتفال بالطلاق هي محاكاة لكثير من التجارب، هنالك بلدان يحتفل سكانها بالمرأة المطلقة، ويحتفون بها مثل موريتانيا، حيث تحتفل المرأة بيوم الطلاق، وتحظى باهتمام كبير من المجتمع، بالإضافة إلى أن المرأة المطلقة تحظى بالقبول بالزواج لأن لديها خبرة في الحياة الزوجية، وبالتالي يمكن أن تكون تجربتها الثانية ناجحة".
وتوافقها الرأي قبول العبسي التي ترى، بحسب حديثها لرصيف22، أن "المطلقة مثلها مثل أي امرأة أخرى، هي فقط لديها تجربة سابقة، قد لا تكون الوحيدة، لكن هذا لا يعيبها، ولا يقلل من دورها الفعال في المجتمع".
وتختم العبسي: "من حق النساء العيش حياة كريمة، وحرية دون التعرض للإهانة، وهنالك الكثير من النساء المطلقات استطعن أن يصنعن الكثير، ونجحن في حياتهن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...