شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ندرس التمثيل في دمشق وعيوننا على فرص العمل خارج سوريا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 9 فبراير 202202:09 م

تسير اليوم في أروقة المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وتسمع أحاديث هنا وهناك بين الطلاب والطالبات من مختلف السنوات الدراسية، حول حلم السفر والعمل خارج سوريا، الأمر الذي لم يكن شائعاً على هذا النطاق في السنوات السابقة للحرب.

منذ تأسيسه عام 1977، كان المعهد العالي يُعد بوابةً آمنةً يستطيع عبرها الخريجون طرق أبواب شتى أنواع الفرص ضمن الدراما السورية، لكنه لم يعد كذلك اليوم. فمع الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا، وتراجع مستوى المعهد فنياً وخدماتياً، وتقلص فرص العمل في مجال الدراما السورية، بالإضافة إلى منع الطلاب من مزاولة المهنة في أثناء الدراسة، كشرط من شروط الانتساب للمعهد، كل هذا حتّم على الخريجين/ ات الانعزال عن العالم الخارجي أو الوسط الفني، ليواجهوا بعد تخرجهم/ ن السؤال الأهم: من يعرفني؟ وكيف أسوّق نفسي؟

يخرّج المعهد العالي سنوياً من 10 إلى 15 طالباً/ ةً، وينظر معظمهم اليوم إلى الدراما السورية على أنها محجِّمة لانتشارهم/ ن، على النقيض من الدراما العربية المشتركة ذات التسويق الجيد والانتشار الأوسع. بذلك، يحظى واحد أو اثنان من الخريجين كل عام بفرصة العمل على المستوى العربي، والتوسع بشكل أكبر، خصوصاً في ظل محدودية الدراما المحلية، وعدم قدرتها على مواكبة التطور.

تسير اليوم في أروقة المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وتسمع أحاديث بين الطلاب والطالبات حول حلم السفر والعمل خارج سوريا.

تفوّق ثم تراجع

انطلقت الدراما السورية عام 1960، مع تأسيس التلفزيون السوري في العام نفسه. كانت تمثيلية "الغريب" أول عمل درامي يقدَّم على الهواء مباشرةً، من بطولة ياسر أبو الجبين، ثراء دبسي، وبسام لطفي. استمر التلفزيون السوري بعدها في إنتاج تمثيليات تلفزيونية، ثم تأسست نقابة الفنانين عام 1968، وتتالت في العقود التالية الإنتاجات الدرامية التي أسهمت في طرح ثقافي يليق بالهوية السورية.

وفي مطلع الألفية الثالثة، بدأت الدراما السورية تشق طريقها نحو مكانة متقدمة في العالم العربي، وتفوقت في كثير من الأحيان على الدراما المصرية التي كانت تتصدر المشهد، حتى أن أصواتاً خرجت من الداخل المصري، مثل الفنان محمد صبحي، صرّحت بأن الدراما المصرية تراجعت أمام السورية، وذلك في العقد السابق للحرب في سوريا.

ما الذي جعل المشهد السوري يتفوق عربياً في تلك المرحلة؟

وفق رأي الصحافي أنس فرج، وهو رئيس تحرير منصة ET Syria الفنية، فإن "تفوق الدراما السورية يعود إلى كسر النمطية، التي كان أثرها واضحاً في التلفزيون العربي، سواءً أكان ذلك في الانتقال من كاميرات عدة إلى كاميرا واحدة كما في السينما، أو في إحداث تغيير على صعيد اللقطات الدرامية، وحتى في حالة البطولة الجماعية التي لم تقم على بناء قصة لصالح النجم الواحد".

على الرغم من كمّ الأعمال المحلية بعد الأزمة وإلى يومنا هذا، إلا أنها لم تكن مُشجعةً، بسبب تدني الأجور، وعدم القدرة على التسويق، وتالياً هناك استنزاف للوقت والجهد، وتحجيم للممثل ضمن أعمال محلية، فالعمل عربياً يعني أجراً أعلى، وطلباً أكثر لدى شركات الإنتاج

بذلك، نجحت الدراما السورية وفق حديث فرج إلى رصيف22، في الوصول إلى الجماهيرية، لأنها قامت على تجانس الأبطال وبيئة العمل والكاتب، مع المخرج، وهذا مكّنها من الانتشار على الرغم من عدم وجود إعلام وتسويق قادرَين على صناعة النجومية للأفراد، بل كانت الشراكة في المسلسلات هي التي تصنع النجوم، وهذا الأمر لم تكن الدراما المصرية قادرةً على خلقه في ذلك الزمن، "لكن الدراما السورية تراجعت تدريجياً بعد عام 2011، إلى أن انهارت بفعل الحرب"، يعقّب.

في سوريا ما يزيد عن 240 عملاً درامياً أُنتجت بعد عام 2011، أكثر من مئتي عمل منها أنتجته الشركات المحلية. إذاً، ومع هذا العدد الجيد، والاهتمام المحلي بالدراما، ما الأسباب التي جعلت أنظار خريجي المعهد المسرحي في دمشق تتجه إلى السفر؟

يكمل فرج حديثه: "على الرغم من كمّ الأعمال المحلية بعد الأزمة وإلى يومنا هذا، إلا أنها لم تكن مُشجعةً، بسبب تدني الأجور، وعدم القدرة على التسويق، وتالياً هناك استنزاف للوقت والجهد، وتحجيم للممثل ضمن أعمال محلية، فالعمل عربياً يعني أجراً أعلى، وطلباً أكثر لدى شركات الإنتاج، والكم الذي شهدناه في الإنتاج بعد عام 2011، لا يعني النوع، فمن أصل مئتي عمل تقريباً أنتجتها الشركات المحلية، عدد قليل هو الذي بقي في ذاكرة الجمهور".

الدراما المشتركة

برهن الخريجون الشباب الجدد من المعهد العالي في دمشق، من خلال حضورهم عربياً، على أن الفن لا يقف عند حدود أو جنسية، وكثيرة هي الأسماء السورية التي برزت مؤخراً في الدراما المشتركة، منها نور علي، التي لعبت دور "شوق" في مسلسل "صقار"، ودور "دينا" في "عروس بيروت"، وعلياء سعيد التي قدّمت "ريما الحجار" في مسلسل "على صفيح ساخن"، وهي تقدّم دور البطولة في "عازفة الكمان" الجاري تصويره الآن في دولة الإمارات.

في حديثنا مع علياء عن اختلاف المعايير بين السوق المحلي والعربي، تقول: "الدراما المشتركة نوع جديد على الشاشة، ولها قبول واسع، وهذا ما يشجعني على أن أشارك فيها، خصوصاً مع تسارع تطورها بشكل ملحوظ، ومن المهم التوجه إلى جمهور جديد في النهاية، وأيضاً خوض تحديات جديدة مثل الأداء بلهجات مختلفة، وهذا في صلب عملي كممثلة".

لا نستطيع أن ننكر الفرق المادي للممثل بين سوريا وخارجها، وهو يصل إلى عشرة أضعاف.

أما عن اختلاف المعايير مادياً وفنياً، تتابع الممثلة في حديثها إلى رصيف22: "لا نستطيع أن ننكر الفرق المادي للممثل بين سوريا وخارجها، وهو يصل إلى عشرة أضعاف، وفي بعض الأعمال ممكن أن يصل إلى عشرين ضعفاً".

هذا الفارق يشكل عاملاً مهماً وفق حديث علياء، خاصةً بالنسبة إلى الخريجين الجدد، فهم في مرحلة التأسيس لحياتهم، والجانب المادي مهم كي يتمكنوا من خلق التوازن بين العمل وحياتهم الشخصية.

هل للفن وطن؟

تتحدث أستاذة المسرح الحديث والمعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ورئيسة قسم التمثيل سابقاً، الدكتورة ميسون علي، عن ماهية الأسباب التي جعلت خريجي المعهد يبحثون عن فرص خارج حدود بلادهم مؤخراً، لا سيما في لبنان والإمارات.

تقول في حديثها إلى رصيف22: "من المعروف أن الدراما السورية شهدت نجاحاً كبيراً منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وفرضت نفسها بقوة على الساحة الدرامية العربية، وساعد على ذلك دخول شركات الإنتاج الخاصة التي وفرت إمكاناتٍ فنيةً كبيرةً، لكن بعد عام 2005 بدأ يظهر التراجع، ثم بدأ صنّاع الدراما يعانون خلال فترة الحرب بسبب الحصار على سوريا، ومشكلات التسويق لشركات الإنتاج السورية والمنافسة وسياسة المحطات الفضائية، تضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها سوريا، وتراجع الإنتاج، وهذا كله دفع بعدد كبير من الفنانين للهجرة الدائمة أو المؤقتة بحثاً عن فرص العمل".

الأسباب الرئيسية التي تدفع خريج المعهد للبحث عن أحلامه خارجاً، هي الرغبة في التوسع والتسويق الجيد لاسمه، والسوريون عموماً استطاعوا أن يحققوا نجاحاً واضحاً خارج سوريا في الأعمال المشتركة عربياً، ما يجعل أسماءهم مطلوبةً بشكل دائم للجمهور

وهذا ما يؤكده جبريل الحسام أيضاً، وهو متخرج حديثاً من قسم التمثيل في المعهد العالي، إذ يرى أن حدود الانتشار والتعبير تدفعه للتفكير بأهمية الوقوف أمام ومع جنسيات مختلفة من البشر، "فالظهور في عمل عربي مشترك سيحقق انتشاراً أكبر من الدراما المحلية في الوقت الحالي"، وفق تعبيره.

وعلى الرغم من أن كادر الإنتاج السوري لا يزال حتى هذه اللحظة قادراً على تصدر المشهد العربي في أعمال عدة كما يقول الحسام، إلا أن الأسباب الرئيسية التي تدفع خريج المعهد للبحث عن أحلامه خارجاً، هي الرغبة في التوسع والتسويق الجيد لاسمه، والسوريون عموماً استطاعوا أن يحققوا نجاحاً واضحاً خارج سوريا في الأعمال المشتركة عربياً، وتحديداً في آخر عشر سنوات، ما يجعل أسماءهم مطلوبةً بشكل دائم للجمهور.

قدّمت لنا الدراما السورية عبر عقود متتالية مواد فنيةً غنيةً، ضمن قوالب مختلفة، فكانت جزءاً من ثقافتنا وانعكاساً واضحاً لنا للرأي العام، لكن وبفعل الحرب وعوامل عديدة أخرى، بات نورها شحيحاً، لا يضيء الطريق لأحد، وأصبح من الواجب الاعتراف بأننا نحتاج إلى مستوى جديد يليق بالمشهد السوري والعربي اليوم، ويكون قادراً على إعادة استقطاب الكوادر والخبرات الشبابية التي تفكّر بشكل يومي بالهجرة وبدء مسيرة حياته العملية خارج سوريا، بحثاً عن مستقبل أفضل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard