شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"سمّ الأفاعي ولحم فاسد وزواحف"... الأمل الكاذب للمصابين بالسرطان في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 19 يناير 202202:06 م

تقدّمت العلوم الطبية، وتطورت صناعة الأدوية، إلا أن أمراضاً خبيثةً، مثل مرض السرطان، لم يتوفر علاجه إلى يومنا هذا، وبات المرض الأكثر رعباً بين الناس، خاصةً وأن رحلة علاجه في حد ذاتها مؤلمة جداً، نفسياً وجسدياً، ومكلفة مادياً، وكاد الناس يفقدون الأمل بوجود علاج نهائي له.

يلجأ كثيرون في العالم العربي إلى البحث عن أدوية بديلة للأمراض المستعصية، ويتناقلون الروايات بين بعضهم البعض بأن فلان ابن فلان شُفي من المرض الفلاني، بسبب عشبة، أو إحدى الزواحف، أو حليب الأتان، وغيرها من الحلول الغريبة، وغير المؤكدة علمياً. لكن كما يقول المثل: "الغريق يتشبث بقشة".

تروي ثريا (28 عاماً)، من تونس العاصمة، لرصيف22، رحلة جدها مع مرض السرطان، وتقول: "أصيب جدي بالمرض اللعين، وعانى كثيراً من حصص العلاج الكيميائي، إلى أن أخبرنا الطبيب بأن حالته ميؤوس منها، وأنه لن يعيش أكثر من شهر على الأكثر. انهار جميع أفراد العائلة، وحاولنا بكل الطرق تحدي كلام الطبيب، والبحث عن أدوية بديلة، على الرغم من أن غالبيتها غريبة ومقززة إلى درجة كبيرة، لكن ليس لدينا خيار".

يلجأ كثيرون  إلى البحث عن أدوية بديلة للأمراض المستعصية، ويتناقلون الروايات بين بعضهم البعض بأن فلان شُفي  بسبب عشبة، أو إحدى الزواحف، أو حليب الأتان، وغيرها من الحلول الغريبة. كما يقول المثل: "الغريق يتشبث بقشة"

تضيف وقد اغرورقت عيناها بالدموع: "كان صديق والدي في الحج، وأخبره أن أحدهم وجد قطعة لحم تحت وسادته، ورأى رؤيا تقول إنها علاج للسرطان، ووعد والدي بأن يأتي لجدي بقطعة منها حال عودته، وفعلاً عاد بعد أسبوع وجاء بها. كانت مقززةً ورائحتها كريهةً، ولكن أبي أصرّ على أن يأكل منها جدي، عله يُشفى، وفعلاً أكلها، لكن هيهات... مات جدي بعد ثلاثة أيام فقط، لكن الناس في القرية قالوا إن موته كان بسبب استخدامنا الخطأ لقطعة اللحم، وما زال الجميع يعتقدون فعلاً أنها دواء لكل داء".

علاجات غريبة

عند فقدان الأمل من العلاجات العلمية، يلجأ أهالي المصابين بأمراض خبيثة إلى البحث عن طرق أخرى للعلاج، يعتقدون أنها ملاذهم الأخير لشفاء ذويهم. يقول غسان (33 عاماً) لرصيف22: "أصيبت والدتي بسرطان الدم، وأخبرني طبيبها بأنها في مراحل المرض الأخيرة. أحسست أن الحياة توقفت لوهلة، ثم قررت عدم الاستسلام، والبحث عن علاج بديل، عله ينقذها، وكنت كثيراً ما أسمع عن فوائد الحرباء الجافة للعديد من الأمراض، وفوراً أخذت حقيبتي وسافرت نحو الجنوب الغربي التونسي علّني أجدها هناك، وفعلا بعد رحلة بحث شاقة، دلّني أحدهم على امرأة مسنّة في قرية نائية تصطاد الحرباء، وتجفف لحمها. وفور إخبارها بقصتي، قدّمت لي ثلاثاً منها مجاناً، وقالت إنها متأكدة من فعاليتها في العلاج".

"عدت مسرعاً كي أقدّم لأمي ذاك العلاج الغريب، لكنها رفضت قطعاً أن تتناول لحم حرباء، قائلةً إن أكلها محرّم، وأضافت: "الموت قريب جداً ولن أواجه الله في أخر أيامي بأكل المحرّمات. ماتت أمي رحمها الله بعد أسبوعين، وأنا أيقنت أنه قضاء وقدر، وأن العلاج يجب أن يكون علمياً لا بالخرافات".

يتناقل الناس في ما بينهم خرافة التداوي بأكل بعض الزواحف، على غرار الأفاعي والثعابين والضب والقنفذ وغيرها، ويتحدثون عن أناس شُفيوا من أمراض مستعصية بعد علاجهم بلحومها. يقول طارق (40 عاماً)، ويعمل في مجال البناء: "كان صديقي يعاني من حساسية جلدية مفرطة وقد نسي طعم النوم بسببها. وذات يوم، بينما نحن نعمل في حضيرة للبناء، جلسنا نعد الشاي في أثناء الاستراحة، وفجأةً رأينا أفعى تتسلل من أحد الثقوب، فأسرعت نحوها، وأمسكت بها، ووضعتها على النار، وراهنت صديقي على تذوق لحمها المشوي. وقبِل الرهان، وبعد يومين فقط، أخبرني بأنه شُفي من الحساسية اللعينة، ولا يدري كيف. فوراً أدركت أن لحم الأفعى هو سبب علاجه، ومنذ ذلك الحين أصبحت آكلها بسبب، أو من دون سبب. ولم يحصل لي أي مكروه والحمد لله".

صياد الأفاعي

اشتهر بشير بجاوي (44 عاماً)، من تونس، بصيده للزواحف، وهو الصياد الوحيد المرخص له من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري التونسية، وقد تعامل لسنوات مع معهد باستور الذي يُعدّ ثالث أقدم معهد من نوعه في العالم، وهو عبارة عن مستشفى ومركز دراسات وأبحاث طبية، يضم مختبراتٍ مرجعيةً وطنيةً وإقليميةً للعديد من الأمراض، ويحتوي على وحدة متطورة لإنتاج اللقاحات والأمصال في تونس.

تلقّى البجاوي العديد من العروض من مختبرات أجنبية، واقتنت منه مختبرات فرنسية كميةً من الأفاعي والثعابين، وقد أسس اليوم شركته الخاصة تحت مسمى "شركة المتوسط لتربية الأفاعي والحيوانات السامة"، العاملة في مجال تربية هذه الحيوانات، وتصديرها إلى الخارج.

يتناقل الناس في ما بينهم خرافة التداوي بأكل بعض الزواحف، على غرار الأفاعي والثعابين والضب والقنفذ وغيرها، ويتحدثون عن أناس شُفيوا من أمراض مستعصية بعد علاجهم بلحومها. خرافات يلجأ إليها التونسيون بعد أن يعجز الطب عن علاجهم

يروي بجاوي لرصيف22، عن مدى إقبال الناس على طلب الأفاعي، خاصةً أولئك الذين لديهم أقارب مصابون بأمراض مستعصية، ويرون في التداوي بالزواحف الأمل الأخير. يقول: "أتلقى يومياً اتصالاتٍ من أناس يطلبون الأفاعي للتداوي بها، ويتصل بي أحياناً البعض منهم بعد شفاء ذويهم من المرض".

وأضاف أنه لا يعرف مدى صحة أن الزواحف تعالج الأمراض الخبيثة، لكنه يثمّن أهمية تلك المخلوقات في صناعة الأدوية، وإلا لما كثر عليها الطلب من كافة أنحاء العالم.

ولا ينفي كلامه الطبيب فرحات ذوادي، الذي يعمل في مستشفى الرابطة في تونس العاصمة، في ما يخص صناعة بعض الأدوية من السم، لكنه حذّر من التداوي العشوائي بتلك الزواحف، وأكلها من دون استشارة طبية، وأكد أنه لا توجد أبحاث علمية تثبت مدى نجاعة أكل الزواحف، أو التداوي بها في علاج الأمراض الخبيثة، كمرض السرطان وغيره.

وقال الذوادي لرصيف22: "لا ننكر استخدام السم في صناعة الأدوية على مر العصور، لكنه يُستخدَم بجرعات مقننة، ومتطابقة مع الأبحاث العلمية، ولا يمكن مطلقاً الجزم بأنه علاج فعال لهذا المرض، بل على العكس يمكن أن يؤدي أكل تلك الزواحف بطريقة عشوائية إلى مشكلات صحية جمّة، تنتج عن بعضها الوفاة، ونحن نحذّر من تناول بعض الأدوية من دون استشارة المختصين، فما بالك إذا تعلق الأمر بأكل حيوانات سامة".

يبرر الناس الذين يلجؤون إلى العلاج بالزواحف، وغيرها من الأشياء الغريبة، تصرّفهم، بالإيمان العميق بما يعدّونه "علاجاً شعبياً". أما آخرون، فيرون فيه تعلُّق الغريق بقشة، في محاولة منهم لتبرير إصرارهم على إنفاد قرار ينافي المنطق والعقل، مستندين إلى خرافات عشوائية ولا أساس لها من الصحة.

لكن التحلّي بالأمل المستند إلى الخرافات والأساطير، وإلى "القشة"، لم ينقذ يوماً غريقاً، لكن بسببه تمتلئ أسرّة المستشفيات والمقابر أحياناً.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image