شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
حزب الله و

حزب الله و"أمل" يعودان عن مقاطعتهما... فن التعطيل بغطاء الديمقراطية التوافقية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 20 يناير 202210:28 ص

تعطّل عمل الحكومة اللبنانية. استؤنف انعقاد مجلس الوزراء. بهاتين العبارتين يمكن تلخيص المشهد السياسي اللبناني الذي أصبح متماهياً مع تعطيل المؤسسات الدستورية، الذي بدوره صار ممنهجاً في السنوات الخمس عشرة الأخيرة.

يوم السبت الماضي، في 15 كانون الثاني/ يناير، أعلن ثنائي "حركة أمل" و"حزب الله"، العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء، بعد توقف التئام الحكومة اللبنانية منذ 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إثر إصرار الوزراء المحسوبين على ما اصطُلح على تسميته "الثنائي الشيعي"، على أن يبحث المجلس ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تمهيداً لتنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، بسبب "تسييس الملف"، كما يزعمان.

في بيان مشترك لهما، قالا إن "الأحداث وتطورات الأزمة الداخلية سياسياً واقتصادياً، قد تسارعت إلى مستوى غير مسبوق، لذا، فإننا واستجابةً لحاجات المواطنين، ومنعاً لاتّهامنا الباطل بالتّعطيل، نعلن الموافقة على العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء، من أجل إقرار الموازنة العامة للدولة، ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي".

برر الثنائي حزب الله وحركة أمل عودتهما عن المقاطعة كاستجابة لحاجة المواطنين في ظل الأحداث وتطورات الأزمة الداخلية سياسياً واقتصادياً

العودة إلى الحكومة لم تغيّر في أدبيات الهجوم على دور القاضي البيطار، إذ جدد الطرفان اتهامهما للمحقق العدلي بـ"الاستنسابية والتّسييس"، وطالبا "السلطة التنفيذية بالتحرك لإزالة الموانع التي تعيق تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وإبعاد هذا الملف عن السياسة والمصالح السياسية".

وتأتي هذه المقاطعة في ظل أسوأ أزمة اقتصادية يمرّ بها لبنان في تاريخه، مع تراجع غير مسبوق في مستوى العملة الوطنية التي خسرت قيمتها، ووصل سعر الصرف قبل أسبوعين إلى 33 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، فيما يبقى سعر الصرف الرسمي 1،500 ليرة للدولار الواحد، في وقت تراجعت فيه الخدمات بشكل موصوف، إذ وصل التقنين الكهربائي إلى أعلى مستوياته مع ارتفاع حاد في أسعار الوقود، إذ يوازي سعر صفيحة البنزين الواحدة نصف الحد الأدنى للأجور.

برأي أستاذة العلوم السياسية، د. فاديا كيوان، فإن "التعطيل الأخير يُضاف إلى جملة محطات حصلت في العقود الأخيرة، تشي بأن ما عُرف اصطلاحاً بالديمقراطية التوافقية، والتي هي في الواقع ديمقراطية طائفية تعطل النظام السياسي، وتعيق تطوره في محاولة لتكريس زبائنية الجماعات الطائفية على حساب الانتماء المواطني، وعلى حساب أن الخلافات يجب أن تكون اختلافات في السياسة، وليس بين الجماعات السياسية".

كيوان التي ترى أن "فن المقاطعة" في لبنان، لم يطفُ على سطح العمل السياسي فحسب، في ما يُعرف بحقبة الجمهورية الثانية، أي بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية عام 1990، وكرّس دستور لبنان الجديد بُعَيد ما عرف بوثيقة الوفاق الوطني، تكشف عن عدد من المحطات التاريخية التي أرست التعطيل عرفاً في العمل السياسي اللبناني.

التعطيل المتكرر يشي بأن ما عُرف بالديمقراطية التوافقية تعيق تطور النظام السياسي في محاولة لتكريس زبائنية الجماعات الطائفية

وتشير إلى "أن مفهوم المقاطعة، أو بداية التعطيل، تجلّى عام 1969، عندما أعلن رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي، استقالة حكومته، ثم قبل تكليفه ترؤس الحكومة مجدّداً، ملازماً اعتكافاً طويلاً دام قرابة الثمانية أشهر، تراجع عنه بعد اتفاق القاهرة الذي وُقّع في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، من أجل تسهيل وجود الفدائيين في لبنان".

التجربة الثانية للتعطيل، حسب كيوان، تعود إلى عام 1973، عندما كلّف رئيس الجمهورية سليمان فرنجية، الأستاذ الجامعي الآتي من خارج نادي رؤساء الحكومة التقليديين، الدكتور أمين الحافظ، لرئاسة الحكومة. فعلى الرغم من أن الحافظ لقي قبولاً من الشارع السنّي في الأسبوع الأول من تكليفه، بيد أن هذا الشارع سرعان ما انقلب عليه، بدعمٍ من زعمائه التقليديين، مثل رشيد كرامي وصائب سلام حينها، ما دفعه في النهاية إلى إعلان استقالته، على الرغم من أن أكثرية الأصوات لنيله الثقة في البرلمان كانت مؤمّنةً له من قبل رئيس الجمهورية سليمان فرنجية، وحلفائه. فالحافظ في حينها رضخ لضغط الشارع السني، الذي أثبت أن الصوت المذهبي يعلو على أصوات النواب".

الحروب تكرّس الطائفية

غلبة الصوت الطائفي على نظيره السياسي، لم تكن محصورةً في فترة السلم، بل تكرست في حقبة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وامتدت إلى يومنا هذا. وفق كيوان، انقلب قرار عزل حزب الكتائب، ومقاطعته في الحرب، التفافاً طائفياً عليه، وجعلا الشارع المسيحي يزداد تعصباً له. والأمر ذاته حصل مع الحزب التقدمي الاشتراكي، إثر ما عُرف بحرب الجبل عام 1983، فتوحدت البندقية الدرزية في حينها، تحت الراية الجنبلاطية.

وحرب الجبل هي معارك حصلت، إبان الحرب الأهلية، في مناطق الشوف وعاليه والمتن، بين الكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، مع مجموعات يسارية وإسلامية.

أصبح هناك نوع من التماهي بين "الثنائي" والمزاج الطائفي، فأصبحت مقاطعته لأي عملية سياسية تخلق نوعاً من الفيتو، نتيجة ضعف الحالة الاعتراضية في بيئته 

تقول كيوان لرصيف22: "على الرغم من تكريس حرب الجبل للزعامة الجنبلاطية، بيد أن هذا الأمر لم يجعل من مقاطعة جنبلاط اليوم لأي تشكيلة حكومية نقضاً يسبّب توقيفها، بسبب وجود فريق درزي آخر مؤلف من النائب طلال إرسلان ومؤيديه داخل الطائفة، فالمعارضة الجنبلاطية توجع النظام، لكنها لا تشلّه. الأمر نفسه ينطبق على الموارنة اليوم، لوجود تعددية مسيحية فاعلة، خاصةً التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وكذلك على الطائفة السنية، إذ توجد فيها زعامات تقليدية تمثل في طائفتها، غير زعامة آل الحريري".

في حالة الثنائي الشيعي، حسب كيوان، "أصبح هناك نوع من التماهي بينه وبين المزاج الطائفي، وتالياً أصبحت مقاطعة الثنائي لأي عملية سياسية تخلق نوعاً من الفيتو، نتيجة ضعف الحالة الاعتراضية في الطائفة الشيعية".

التعطيل كوجهة سياسية

شواهد كثيرة على تعطيل الحكومة، تسيطر على التاريخ اللبناني الحديث، ففي 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، أعلن وزير البيئة، يعقوب صراف، القريب من رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، إميل لحود، تقديم استقالته من حكومة فؤاد السنيورة، ليحذو بذلك حذو خمسة وزراء شيعة قاموا بهذه الخطوة قبله بيومين، كتعبيرٍ عن رفضهم إقرار مشروع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. الأمر ذاته حصل عام 2006، عندما سقطت حكومة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، باستقالة الوزير الحادي عشر المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بُعيد إعلان عشرة وزراء من حزب الله وحلفائه، استقالتهم من الحكومة رفضاً للمحكمة الدولية.

بعد مقاطعة الثنائي للحكومة، يُطرح السؤال حول لماذا لم يُعطّل أحد مرفأ بيروت قبل وقوع انفجار 4 آب/ أغسطس، علماً أن الجميع كانوا يعلمون بخطورة المواد المتفجرة، فيما اليوم يعطلون التحقيقات؟

يقول المحامي والباحث، نزار صاغية، لرصيف22: "ربما الاستقالة في المثلين أعلاه كانت مبررةً لاعتبارات سياسية، إلا أن تعطيل الحكومة الذي حصل مؤخراً، اعتراضاً على المحقق العدلي في جريمة المرفأ، غير مبرر إطلاقاً". مشدداً على أنه "انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات، لا يحق للحكومة بتاتاً، وليس من صلاحياتها كسلطة تنفيذية، التدخل في عمل القضاء، وتعطيل الحكومة تعسّفٌ في استعمال السلطة".

ويتساءل صاغية: "هل من الممكن ابتزاز الدولة بأكملها، لتحقيق غايات سياسية مرتبطة بحماية حصانات وزراء منتمين إلى فريق سياسي معيّن؟"، ويقول: "في ما يتعلق بالقاضي بيطار، وبعد أن فشلوا في كف يده مرةً، وتهديده مرةً أخرى، هم يلجؤون اليوم إلى تعطيل الحكومة من أجل تحقيق مصلحة خاصة".

يستغرب صاغية، انطلاقاً من هذا المنطق، لماذا "ما عطّل أحد مرفأ بيروت قبل وقوع انفجار 4 آب/ أغسطس، علماً أن الجميع كانوا يعلمون بخطورة المواد المتفجرة، بل إن التعطيل وقع عندما مس القضاء بالحصانات".

مناقضة الدستور

ليس بعيداً عن مرحلة انفجار مرفأ بيروت، برز فن التعطيل أيضاً عندما اعتذر مصطفى أديب، رئيس الوزراء اللبناني المكلف عن مهمته في تشكيل حكومة جديدة، في 26 أيلول/ سبتمبر 2020، بعدما عرقلت حركة أمل وحزب الله اللذان يمثلان الطائفة الشيعية في لبنان، جهوده لتشكيل الحكومة بإصرارهما على الاحتفاظ بوزارة المالية.

برز فن التعطيل أيضاً عندما اعتذر مصطفى أديب، رئيس الوزراء اللبناني المكلف عن مهمته في تشكيل حكومة، عام 2020، بعدما عرقلت حركة أمل وحزب جهوده 

ويرى صاغية أن "التعطيل من أجل المطالبة بحقيبة وزارية لطائفة، يناقض المادة 95 من الدستور التي تنص في الفقرة "ب"، على إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي، واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة، وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى، وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

استناداً إلى المادة المذكورة، حسب صاغية، "لا يُمكن تخصيص أي مقعد وزاري لطائفة محددة، وتالياً مطلب وزارة المال في حينها، غير دستوري، وما حصل هو استخدام وسائل سياسية من أجل ترسيخ تقاسم السلطة".

الخلاص

الانتماء الطائفي الشارد، حسب كيوان، "هو الذي يجعل من كل طائفة تملك حق النقض السياسي، وتجعل من التعطيل سمة النظام اللبناني، فالجماعات الطائفية تستغل الفقرة "ي" من مقدمة الدستور، التي تنص صراحةً على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، لتنصّب نفسها معطِلاً في كل ظرف تجد فيه مصالحها متناقضةً مع مصالح الجماعات الأخرى، الأمر الذي يكرّس الزبائنية، لأن كل فريق يستخدم نفوذه لتوقيف انتظام المؤسسات الدستورية، ولا يوقف الشلل إلا بعد تحقيق مكاسب تُصوَّر على أنها خاصة بالجماعة المعطلة".

ما الحل؟ تقول كيوان: "لا يُمكن تغيير هذه العقلية إلا من خلال إنتاج قانون انتخابي يفتّت التكتلات الطائفية، ويجعل الاختلاف على المشاريع السياسية، وليس على مكتسبات كل طائفة". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard