تتنوّع رحلات بحث اليائسين/ ات، والمحبطين/ ات، والمخذولين/ ات، عن ومضاتٍ تعيد إنارة درب تفاؤلهم/ ن. منهم من يتّجهون نحو العبادات، أو الاستماع إلى نصائح الأحبّة، وغيرها من طرق البحث عن الأبواب المفتوحة على قاعدة "الغريق يتعلّق بقشة"، ومنهم من يتعلقون بكلمةٍ يقرأونها أول يومهم في صفحة "الأبراج"، علّها تنعش خاطرهم، على قاعدة "الغريق يتعلّق بنجمة!".
وفي مثل هذا الوقت من كل عام، يضبط أردنيون/ ات ساعاتهم/ ن، حسب مواعيد علماء الفلك والأبراج الذين يطلّون على الشاشات العربية في سهرة نهاية السنة، وتتسارع عقارب تلك الساعات تماشياً مع الفضول والتعطّش إلى معرفة من هي الأبراج الأكثر حظاً في العام الجديد، وتحاول تلك الدقّات أن تتجاهل الأبراج الأقلّ حظاً، لعل الفأل الجميل يعمّ الجميع.
وفي هذه المناسبة، نرى من ينظّم سهراتٍ في البيوت، يكون عنوانها الأبرز مشاهدة توقعات الأبراج التي تُبثّ على الشاشات، ومن يقضي السهرة في حفلات خارج المنزل، بعد أن ختموا قراءة توقعات أبراجهم، وحفظوها عن ظهر قلب، من خلال شراء كتب علماء الأبراج والفلكيين التي تصدر قبل نهاية العام، أو من خلال متابعتها عبر الإنترنت.
في مثل هذا الوقت من كل عام، يضبط أردنيون/ ات ساعاتهم/ ن، حسب مواعيد علماء الفلك والأبراج.
من هؤلاء راية الديك (32 عاماً)، التي تعمل في مجال البنوك. تتأثر "راية" بعلم الأبراج والحظ وحركات الكواكب، أكثر من علم الأرقام الذي تعمل في مجاله، "فالأرقام عالم ثابت مملّ بجموده وإصراره على عدم التغيير، أما عالم الأبراج فأكثر حيويةً، فيه تكمن أرواحنا وشخصياتنا"، كما تقول لرصيف22.
"أقيس عليها حالتي النفسية"
تصف "راية" التي تنتظر على أحرّ من الشوق، سهرة نهاية العام لمعرفة توقعات الأبراج، نفسها بـ"المدمنة" على عالم الأبراج، فهي تحرص كل يوم على قراءة ما تقوله توقعات برجها العقرب، "هذا غير أنني نهاية كل أسبوع، أتابع توقعات الأسبوع المقبل، وعليها أقيس كيف ستكون حال نفسيتي، فإذا كان كوكب زحل في برجي (لا سمح الله)، أعرف أن أسبوعي "على كفّ عفريت"، أما إذا كان القمر في الأبراج الصديقة لبرجي، فمن الوارد جداً أن أحدّد موعد زفافي حينها"، تضيف ضاحكةً.
هل هناك سبب معيّن يجعلكِ "مدمنةً على الأبراج"؟، سألنا "راية"، وكانت إجابتها سريعة: "النفسية، النفسية هي السبب. كلنا في الأردن مهلَكون نفسياً، خصوصاً الشبان والشابات من جيلي. تقريباً نصطدم بشكلٍ يوميٍّ بمواقف وحقائق تذكّرنا بأننا متعبون مادياً ونفسياً وعاطفياً، وتعلّقي بمتابعة الأبراج أملاً بأن ألقى حظّي من خلالها، لأن الحظّ غالباً ما يتغلّب على عراقيل الحياة".
وتذكر الفتاة موقفاً عالقاً ببالها في هذا الصدد: "أكثر من مرة رفضت الجلوس مع أشخاص طلبوا مقابلتي من أجل خطبتي، لأن أبراجهم لا تتوافق مع برجي فحسب. تخيّلي أن أرتبط بشخصٍ من برج الأسد أو الدلو؟".
كلنا في الأردن مهلَكون نفسياً، خصوصاً الشبان والشابات من جيلي. تقريباً نصطدم بشكلٍ يوميٍّ بمواقف وحقائق تذكّرنا بأننا متعبون مادياً ونفسياً وعاطفياً، وتعلّقي بمتابعة الأبراج أملاً بأن ألقى حظّي من خلالها، لأن الحظّ غالباً ما يتغلّب على عراقيل الحياة
"العام المقبل جيّد بالنسبة إليّ"
"بفضل حبيبتي تغيّرت، وأصبحت متعلّقاً بمتابعة الأبراج"، يقول يوسف نصار (29 عاماً)، مؤيداً فكرة أن أغلبية الشباب الأردنيين "يسخرون من الفتيات، لأنهنّ يتابعن أخبار الأبراج"، ويضيف: "كنت في السابق عندما أنوي التعرّف إلى فتاةٍ ما، أكون على ثقة بأن أوّل سؤال ستسألني إياه بعد معرفة اسمي: أنت شو برجك؟ الفكرة ليست التقليل من شأن الفتيات، إنما كنت أرى أن عالم الأبراج، مثل عالم الماكياج وصيحات الموضة، تهتمّ به الفتيات أكثر منّا، لكني مؤخراً، أصبحت مهتماً بعالم الأبراج، ليس لأن حبيبتي تهتم به فحسب، بل لأنني فعلاً لمست أن هناك كثيراً من الحقيقة فيه".
عندما تعمّق يوسف في الأبراج، أدرك كما يقول، لماذا لا يتفق، وهو من برج العذراء، مع برجَي الميزان والجوزاء، ولاحظ أن علاقته بحبيبته جيدة جداً، لأنها من برجه نفسه. "ما لفتني في عالم الأبراج، هو شخصيات الناس، أكثر من فكرة التوقّعات اليومية".
ويختم الشاب مبتسماً: "أخبرتني الأبراج بأن العام المقبل سيكون جميلاً لبرج العذراء، وأنا واثق من ذلك تماماً".
"سأتابع توقعات الأبراج للعام المقبل، حتى أتخلّص من لعنتها!"، يقول عمّار شلبية (34 عاماً)، الذي سرد تجربته مع علم الأبراج بين الأمس واليوم، بقوله: "في السابق كنت أقرأ توقّعات الأبراج في صفحة المنوّعات في الجريدة الرسمية، إلى جانب لعبة الكلمات المتقاطعة، وجدول برامج التلفزيون. بصراحة، لم أكن معنيّاً بها، وكنت على قناعةٍ تامّةٍ بأنها توقّعات لسنوات سابقة تعيد الجريدة نشرها".
وأضاف: "مؤخراً، أصبحت أهتمّ بقراءة الأبراج، وحركة الكواكب، ففي بداية العام الحالي حذّرت عالمة الأبراج اللبنانية، كارمن شمّاس، مواليد برج الدلو الذين أنا منهم، من وعكةٍ صحيةٍ ستطرحهم في الفراش، وكالعادة لم ألقِ بالاً، وقلت: كذب المنجّمون ولو صدقوا، والغريب أنهم بعد أقل من شهر صدقوا، إذ أُصبت بفيروس كورونا، ما أدّى إلى التهابٍ رئويّ حاد أدخلني العناية المركزة مدة شهر، وخرجت بعدها سالماً بحمد الله ورعايته، ووعد مني بأنني سأتابع توقعات هذا العام، لأتخلص من لعنتها!".
كلما ازدادت هموم الشخص، كلما ازداد تعلّقه بمتابعة برجه.
وسواس
تعترف تمارا (39 عاماً)، وهي تضع يدها على قلبها منتظرةً توقعات برجها "الثور" للعام الجديد، بأن عالم الأبراج يسيطر عليها، وتقول: "على الرغم من أنني أعدّ نفسي إنسانةً مثقفةً وواعية، إلا أنّي أجد نفسي حبيسة جدران الكواكب، وحركتها، وكل ما يقوله برجي يؤثّر عليّ، ويبقى يزنّ في عقلي".
"حاولت جاهدةً التخلص من هذا الوسواس"، قالت تمارا، شارحةً الأمر: "لأنه عندما يقول برجي إن يومي سيكون غير جيّد، أتوتّر جداً، ويؤثر ذلك على نفسيتي، وعلى من هم/ ن حولي، وها أنا أضع يدي على قلبي، وأنتظر توقّعات العام الجديد"، وتختم: "عينك على برج الثور يا حظ".
أما بيان دودين (36 عاماً)، فتستيقظ كل يوم، وتقرأ ما يقوله برجها "العذراء"، وما تقوله أبراج أحبّائها وأصدقائها، الذين تصبّح عليهم برابطٍ ترسله على تطبيق واتساب، حسب برج كلٍّ منهم. ترى "بيان" نفسها اليوم خبيرةً في علم الأبراج، بسبب تعمقها فيه بشكلٍ كبير، إلا أنه وحسب رأيها، "طاقة الإنسان أقوى، وقادرة على أن تنتصر على إحباطات الأبراج، إن وُجدت".
كيف ذلك؟ "عندما يكون برجي سيّئاً، أدخل معه منذ الصباح في تحدٍ: يا غالب يا مغلوب، وتجدينني في آخر الليل مبتسمةً وسعيدةً لأنني استطعت أن أنتصر على الفلك. كل ذلك يأتي من طاقتي، فالأبراج سلاح ذو حدَّين: إما أن تسيطر عليك بالكامل، وإما تجعلك أقوى ذهنياً، حتى تتمكّني من محاربة الفلك".
ووصفت "بيان" حركة الكواكب التي يتأثّر بها مدمنو الأبراج، بحركة السيارة التي تتجه كل يوم ضمن مسار معيّن، وفي اليوم الذي يتغيّر فيه مسارها، "يتكركب السائق"، لكنه في الوقت ذاته يستطيع أن يتدارك نفسه، وألا يتأثر بتلك "الكركبة"، ورأت في سياقٍ آخر، أن تحديد مواعيد مهمة، حسب ما يقول البرج، أمر صحي في أحيانٍ كثيرة. "مثلاً، أحدّد أغلب اجتماعات العمل المهمة، عندما يكون القمر في برجي، وهذا سلوك متعارف منذ عقود، ومعروف في علم الملاحة أيضاً، إذ كان البحارة يحددون رحلاتهم حسب موقع القمر".
عندما يكون برجي سيّئاً، أدخل معه منذ الصباح في تحدٍ: يا غالب يا مغلوب، وتجدينني في آخر الليل مبتسمةً لأنني استطعت أن أنتصر على الفلك. كل ذلك يأتي من طاقتي، فالأبراج سلاح ذو حدَّين: إما أن تسيطر عليك بالكامل، وإما تجعلك أقوى ذهنياً
الهموم تزيد التعلق بالأبراج
"كلما ازدادت هموم الشخص، كلما ازداد تعلّقه بمتابعة برجه"، هكذا قال عالم الأبراج الأردني عبود، في حديثه إلى رصيف22، مقسّماً من يتعلقون بمتابعة الأبراج، إلى قسمين: قسم يعاني من هموم نفسية، ويبحث عن قشّة يستند إليها حتى لا يغرق في بحر اليأس والاكتئاب، وخائف من استمرار وضعه الاجتماعي أو المادي أو العاطفي المتعب، لكنه في الوقت نفسه عندما تتحسن ظروفه يخفّ اهتمامه بمتابعة الأبراج.
أما القسم الثاني، كما يصف عبود، فهم/ ن: "أصحاب الرقم سبعة، أي مواليد 16 و7 و25 من الشهر، وأصحاب برجَي الحوت والحمل، وهم أناس مرتبطون بالروحانيات، يحبّون الكشف والبحث عن كلّ ما هو غامض ومستور، وقد يطرقون أبواب البصّارات وعالم التنجيم، لإشباع فضولهم/ ن".
وفي ما يتعلق باتّجاه فئة الشباب مؤخراً، نحو متابعة الأبراج، أضاف المتحدّث: "الأمر ليس جديداً، لكن الجديد أنهم باتوا يعبّرون علناً عن اهتمامهم، إذ كانت هناك في السابق ثقافة في المجتمع العربي، تربط علم الأبراج بالنساء فحسب، وكأنّ الرجل إذا ما اهتم به، يمسّ برجولته، وصدّقيني في كثيرٍ من الأحيان، تكون الاتصالات التي أتلقّاها على الهواء في برنامجي من قبل شبّان فحسب".
ويشير عبود في نهاية حديثه، إلى أن ربط المواعيد المهمة بالأبراج ليس أمراً خطأ، "لأن حركات مرور الحظّ في أيام الشهر تسير صعوداً ونزولاً، لكن من الضروري ربط الحظ بطاقة الإنسان، فأصحاب الطاقة القوية هم/ ن الذين يصنعون الحظ!".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...