شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قليل الحظ في الحب والعمل؟ ماذا يخبئ لك برجك اليوم…

قليل الحظ في الحب والعمل؟ ماذا يخبئ لك برجك اليوم…

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 29 يونيو 201708:56 م
امتنعت هلا عن الخروج من المنزل وممارسة نشاطها الطبيعي مدة أسبوع، بعدما قرأت صفحة من كتاب التوقعات الفلكية جاء فيها: "انتبهي هذه الفترة لأنك ربما ستتعرضين لسوء ما أو حادث ما أو خسارة ما في العمل". هلا (32 عاماً) تعمل في مجال التجارة، وترفض أن تبدأ يومها قبل أن تتصفح كتاب الفلك، لتعرف كيف ستجري أحداث النهار. هذا ليس كل شيء. فهي تركز كل حساباتها وصفقاتها تبعاً لحسابات الفلك المفصلة بدقة في ذلك الكتاب، الذي يخبرها متى ستربح ومتى ستخسر. فإن توافق نجمان في شهر معيّن كان حظها أوفر في النجاح! تعتقد هلا أن للمنجمين قدرة إلهية في استكشاف الغيب وأنها من دونهم تصبح تائهة تخاف المجهول، ولا تعرف في أي اتجاه تذهب. هل أنت مثل هلا؟ هل يحصل لك أن تبدأ يومك بسماع التوقعات وهل تظن أن توقع التنجيم يتحقق فعلاً؟ وإن كان علماً، فلماذا ينجح أحياناً ويفشل في أحيان أخرى؟

ما رأي العلم؟

"دراسة تلو أخرى أثبتت خطأ الاعتقاد بأن التنجيم يمكن أن يتنبأ بالمستقبل، أو أن يتبصر في الشخصيات"، قالها العالم الفيزيائي الشهير والباحث في مختبرات بركيلي في ولاية كاليفورنيا شاون كارلسن، بعد إجرائه واحدة من أشهر الدراسات في مسألة تأثير النجوم على طبع الإنسان. وطلب كارلسن من أشهر 26 منجماً في العالم مطابقة الملفات الشخصية لـ265 شخصاً مع أبراجهم الفلكية وتوقعات النجوم لهم. وجاءت صحة نتائج التطابق من المحاولة الثالثة بينما فشلوا في المطابقة من المرة الأولى والثانية، ما يجعل تلك الإجابات وليدة الحظ أو الصدفة. 6 دراسات أجريت من خلال اختبارات نفسية في جامعات مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، جمعها تقرير نشر في مجلة Truth Magazine  كشف أن لا علاقة للأبراج بمدى تطابق الشريكين، أو نجاح زواجهما، ولا أساس من الصحة عما يقال عن أن حاملي البرج الفلكي نفسه يتمتعون بالطباع نفسها. ما يقدمه المنجمون حقاً، وما يجعلهم مصدر ثقة للمستمع، هو التطمينات والمعلومات التي يحتاج الإنسان سماعها، انطلاقاً من خوفه من الغد، ومن رغبته في العيش حياة مديدة وسعيدة يكون فيها رابحاً، وقادراً على التحكم بمصيره وقراراته. فهو يصدق الخرافات والمصادفات والقدر والنجوم، لأنه يعتقد أن قوة عظمى تتحكم به، وبأنه مسيّر دوماً في حين يأتي التنجيم ليمنحه قوة وهمية، يستطيع من خلالها كشف المستور والتحكم بحياته. والسؤال هنا: هل يتحقق التنجيم فعلاً أو أننا نحن، انطلاقاً من حاجتنا لخط مرسوم لنا سلفاً نصدقه، نجند كل طاقتنا النفسية لتسلك اتجاه ذلك التوقع؟

تنبؤ أم مسكّن للخوف؟

ينطلق المنجم في توقعاته منذ 3000 سنة قبل الميلاد، من مبدأ أن حركة الكواكب والنجوم تؤثر مباشرة على حياتنا وطباعنا وعلاقاتنا مع الآخر. فمع شعوب بلاد ما بين النهرين، انطلقت فكرة تأمل السماء واستناداً إلى حاجته إلى مرجعية، احتاج الإنسان دوماً للسؤال عن حياته ومستقبله. حينها لم يكن الدين موجوداً ولم يكن العلم قد تطوّر. فكان للمنجمين الدور الأكبر في تقديم الإجابات المنزلة، والتي لا نقاش فيها، وأتت تلك الإجابات لطمأنة الناس وجعلهم يؤمنون بعظمة الكون، ويخافون الشر والحسد ويهابون الآتي. وما زال تأثيرهم كبيراً حتى اليوم عند بعض الثقافات. ففي الهند لا يحبذ أن يتم أي زواج قبل دراسة التطابق الفلكي بين الشريكين، للتأكد أن زواجهما سينجح.
هل تبدأ يومك بسماع التوقعات وهل تظن أن توقع التنجيم يتحقق فعلاً؟ هذا الموضوع لك
هل صحيح أن هناك أشخاصاً يخترقهم التنجيم وأشخاصاً لا يمكن اختراقهم؟ وما الذي تقوله الدراسات عن حقيقة التنجيم؟
جاءت الأديان لاحقاً لتحظر التنجيم، فاعتبره الدين الإسلامي محرماً لأنه نوع من السحر والكهانة، ولا علاقة له بما يحدث على الأرض، ولا في السماء. والدين المسيحي أيضاً دان من يلجأ إلى تلك الشعوذات، لاعتبارها مقيّدة لمفهوم الحرية التي كرّستها المسيحية. علماً أن الدين جاء ليطمئن الناس أن الخير سيكافأ، والشر سيعاقب، ولا داعي للخوف في ظل وجود حياة أخرى في الجنة أو حياة أبدية. ومع ذلك، لم يزل خوف الإنسان. فهل فشل الدين في إزالة الخوف من نفسه وتطمينه؟ أو أنه على العكس ساهم في تكريسه من خلال الممارسات الدينية على مرّ العصور؟ اللافت هنا أن هؤلاء الأشخاص الذين يصدقون التنجيم، يتفاوتون في مستواهم العلمي ونسبة الذكاء لديهم. نشرت مجلة نيويورك تايمز تقريراً، تثبت فيه أن الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية رونالد ريغن، كان زبوناً وفياً لأحد المنجمين، وبنى بعض قراراته السياسية، مثل إعادة ترشيح نفسه للرئاسة، من خلال الحسابات الفلكية التي كان يسمعها. وهنالك تقرير آخر استند إلى دراسة أثبتت أن كلما كان الشخص أقل ذكاءً، زاد إيمانه بالتنجيم، وكلما ازداد ذكاؤه اعتبر أن التنجيم غير علمي، ولا يمكن تصديقه. ولكن رغم الدراسات العلمية العديدة، التي أثبتت افتقاد التوقعات الفلكية إلى المنطق وعدم جواز تصديقها، ما زال بعض الأشخاص يؤمنون بها، والسبب الأساسي هو شخصيتهم، التي يهزّها الخوف والتعلّق بالأوهام. فيرتاح الشخص مرحلياً كمن تناول قرصاً مخدّراً، ويصبح يوماً بعد يوم بحاجة إلى جرعة مسكن إضافية تماماً كفعل المخدر، الذي ينقص مفعوله فتكثر مع الوقت حاجتنا إليه.

أي شخصية يخترقها التنجيم؟

ما علاقة سمات الشخصية عند الشخص وكيف تؤثر على نظرته للأمور والمعتقدات؟ هل صحيح أن هناك أشخاصاً يخترقهم التنجيم وأشخاصاً لا يمكن اختراقهم؟ بحثت دراسة مبنية على الأنماط الثلاثة الأشهر في الشخصيات: الشخصية العصبية والشخصية المنفتحة والشخصية المريضة، في علاقة تلك الشخصيات بالتنجيم وأيها الأكثر تصديقاً له. وجاءت النتائج أن الأشخاص الأكثر عصبية هم الأكثر هشاشة والأسهل اختراقاً، لأنهم غالباً يرفضون الأفكار المغايرة للتي تربوا عليها، مقابل الأشخاص المنفتحين والمتقبلين لأي جديد، الذين يصعب اختراقهم، وهم لا يصدقون أمور التنجيم أو تأثير الأبراج الفلكية. إذاً الأشخاص الانطوائيون والأكثر عصبية هم الذين يصدقون الأوهام والمعتقدات غير المبنية على منطق، لأنهم بحاجة إلى طمأنة دائمة، سواء أتت من الدين أو السياسة أو التنجيم. المهم لديهم هو أن يشعروا أنهم قادرون على السيطرة على محيطهم، ومعرفة ما تخبئه لهم الحياة، لأنهم يفتقدون إلى قدرة التكيف مع المتغيرات، نتيجة الخوف الذي يسكنهم. تأتي المعتقدات الاجتماعية والدينية لتزيد من خوفهم، فيلجأون إلى من يخبرهم أن حياتهم ستكون أفضل، وأن مخاوفهم ستزول. في الحالات المرضية القصوى، يصبح هؤلاء الأشخاص مدمنين على التنجيم فتزداد زياراتهم لممارسيه ليعرفوا أكثر. ومنهم من يلجأ إلى السحر والشعوذة، بعد أن يقنعه المنجم بأن جاره "عمل له عملاً"، وأنه ليستمر يجب أن يزيله. فيصبح ضحية تلك الدوامة، التي لا تنتهي، وتكون النتيجة أن تزيد ثروة هؤلاء المنجمين إذ تصل أحياناً كلفة الساعة الواحدة نحو 500$، ليسكتوا مخاوفهم ويستمروا في العيش في وهم السيطرة على الواقع.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image