شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تمسّكتُ بها مثل طفلٍ صغير"... هل يغفر الرجال خيانة زوجاتهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 15 ديسمبر 202104:30 م

"سامحيه". هذه الكلمة هي أول ما تسمعه المرأة عندما تكتشف خيانة زوجها، فيطلب منها الذين حولها التجاوز عن هذا الخطأ، لأسبابٍ مختلفةٍ، ولكن ماذا يحدث عندما يكتشف الرجل خيانة زوجته؟ وهل يوافق الذين حوله على مسامحته إيّاها؟

هناك رجال قادرون فعلاً على الغفران، وتجاوز الأمر، ومسامحة الخيانة التي تعرّضوا لها. وفي ظلّ مجتمعٍ عربيٍّ متمسكٍ بتقاليده التي تنصر الرجال دوماً، نتساءل ما الذي يدفع الرجل للمسامحة؟ وهل يسامح حقاً، أم أن هذا مقدّمة لانتقامٍ آخر يسعى إليه، بعد عودة المياه إلى مجاريها؟

"خيانة الرجال عادية أما النساء فلا"

"يقول إنه سامحني، ولكنه يعاملني بطريقةٍ سيئةٍ طوال الوقت، ولا أعرف لماذا صدّقته عندما وعدني بأنه سينسى ما فعلته، من أجل حبّنا وأولادنا"، تقول وفاء* (38 عاماً)، لرصيف22.

ماذا يحدث عندما يكتشف الرجل خيانة زوجته؟ وهل يوافق الذين حوله على مسامحته إيّاها؟

"كما أن الرجال يخطئون، كذلك النساء. لكن المجتمع لا يسامح المرأة، ويتعامل مع خيانة الرجل على أنها مجرّد نزوة. عاش زوجي في الخارج سنواتٍ، وكان غائباً عنّي باستمرار من أجل العمل، ولم أكن أعترض. ثم ذات مرّةٍ اكتشفت أنه يعرف فتاةً هناك، وقد تزوّج منها عرفياً، ويعيشان معاً في شقّةٍ، بينما أنا كنت أحترق هنا، ولا يسمح لي بالخروج من المنزل من دون إذنه".

وأضافت وفاء: "واجهته بما عرفت، واعتذر لي، وأخبرني أن هذا شيء معتاد يفعله عددٌ كبير من زملائه، فلا يستطيع الرجل أن يعيش فترةً طويلةً من دون امرأة. كلامه جرحني جداً، لكني لم أفكّر في الانفصال عنه بسبب أولادي وعائلتي، بينما انفصل هو عن تلك الفتاة".

بعد فترةٍ، تعرفت وفاء إلى شابٍ عبر الإنترنت، وتبادلت معه الصور ومقاطع الفيديو. "بات صديقاً مقرّباً أتحدث معه في كلّ شيءٍ، حتى عن زوجي". لكن هذه العلاقة لم تمرّ بسلامٍ، إذ شعرت بالخجل، من أولادها في المقام الأول، وهي ترغب في أن تكون قدوةً لهم، ثم اكتشف زوجها الأمر، في أثناء إحدى زياراته لمصر.

"واجهني وضربني وسبّني، وخاصمني فترةً طويلةً، ثم أخبرني بأنه مستعدّ لمسامحتي لو وعدته بألا أتحدّث مع هذا الشخص مرةً ثانية، ولم يخبر عائلتي أو عائلته. من جهتي، التزمت بوعدي، وحمدت الله على أنني نجوت مما فعلته، لكنه تغيّر نحو الأسوأ، وبات ينظر إليّ باحتقار، ويهدّدني من وقتٍ إلى آخر، ولا يقترب منّي في معظم الأوقات".

واجهته بما عرفت، واعتذر لي، وأخبرني أن هذا شيء معتاد يفعله عددٌ كبير من زملائه، فلا يستطيع الرجل أن يعيش فترةً طويلةً من دون امرأة. كلامه جرحني جداً، لكني لم أفكّر في الانفصال عنه بسبب أولادي وعائلتي، بينما انفصل هو عن تلك الفتاة

"أخبرت زوجي بنفسي"

"الخطأ خطئي منذ البداية، عندما تزوّجت رجلاً لا أحبّه، بينما أعرف بيني وبين نفسي بأن قلبي متعلّق بغيره"، تقول رشا*، وهي سيدة مصرية لها من العمر ثلاثة وأربعون عاماً.

تزوّجت رشا من ابن خالتها، الذي كان يحبّها منذ الصغر، في حين أنها كانت متعلّقةً بزميلها في الجامعة الذي أحبّته، ثم اضطرت إلى الزواج من غيره، تحت ضغط الأسرة. "لكنّي في أقرب فرصةٍ، التقيت بحبيبي السابق، ولم أقاوم"، تضيف في حديثها إلى رصيف22.

"اللقاء كان يتكرّر من وقتٍ إلى آخر، وأحياناً في شقّته. لم أخُن زوجي بشكلٍ كاملٍ، فلم أسلّم جسدي كلّياً إلى رجلٍ غيره، لكني كنت مع حبيبي بكلّ كياني. في لحظةٍ، لم أستطع التحمّل، وقررت إخبار زوجي، وتمنيت لو يقتلني لأرتاح من عذاب الضمير، ولكنه لم يفعل، واكتفى بالانفصال عنّي".

لم تلتقِ رشا بعد ذلك بحبيبها، إذ لم يسمح لها أهلها بالخروج من المنزل. ومع شعورها بالندم، تواصلت من جديدٍ مع زوجها، الذي سامحها ليعودا إلى بعضهما. "لم يعرف أهلي حقيقة ما حدث، ولا زال زوجي، على الرغم مما حدث، يعاملني بشكلٍ جيّد، وأنا عاهدت الله أن أكون مخلصةً له".

"الرجل لا يسامح"

خبيرة العلاقات الأسرية، الدكتورة زينب نجيب، قالت في تصريح لرصيف22: "الرجل بشكلٍ عام لا يسامح، فله وضع مختلف عن المرأة التي تتعرض لضغوطٍ كبيرة من المجتمع، وتتحمّل بسبب ذلك مسؤولية استمرار الأسرة، ونجاحها، في حين أن المجتمع ذاته يطلب من الرجل أن يكون ‘حارّ الدماء’، وصاحب نخوة، وعليه أن ينتفض عندما يقترب رجل آخر من زوجته".

وترى نجيب أن الرجل عندما يقول إنه سامح زوجته على خيانتها، على الأغلب يكون ذلك أمراً ظاهرياً فحسب، وربما من أجل الأبناء، لكنه قد يعايرها في أقرب فرصة، ويستغلّ أي طريقةٍ لإذلالها، والتعامل معها بصورةٍ غير إنسانية، لأنها أخطأت من وجهة نظره. "حالات المسامحة التي نراها، تكون على الأغلب في حال لم تحدث علاقة جسدية كاملة بين الزوجة والرجل الآخر، وإلا يدخل الرجل في حالةٍ من الشكّ المستمر تدفع بالعلاقة إلى الهاوية، مع مرور الوقت".

الخبيرة تشير إلى أن كلّ حالةٍ تختلف عن الأخرى، ولا بدّ أن يسأل الرجل نفسه عن السبب الذي يدفع زوجته إلى الخيانة، وعمّا إذا كان مقصّراً في حقها، أو أنه هو السبب في ذلك. "في كل الأحوال، نرى أن الانفصال هو ما يحدث على الأغلب، هذا إن لم نتحدث عن حصول حالات من العنف. وفي حال قدِر الرجل على التسامح، ننصح بألا يعرف المقرّبون منهما بحقيقة ما حدث، حتى لا يُساء إلى الزوج والزوجة، ويتمكنّا من الاستمرار في حياتهما، من دون ضغوطٍ مجتمعية".

للرجل وضع مختلف عن المرأة التي تتعرض لضغوطٍ كبيرة من المجتمع، وتتحمّل بسبب ذلك مسؤولية استمرار الأسرة، ونجاحها، في حين أن المجتمع ذاته يطلب من الرجل أن يكون ‘حارّ الدماء’، وصاحب نخوة، وعليه أن ينتفض عندما يقترب رجل آخر من زوجته

"الحب هو السبب"

"الإهمال هو ما دفع زوجتي لإقامة علاقةٍ مع زميلها، أو هذا ما أحاول أن أقنع نفسي به باستمرار، لضمان راحتي النفسية. كنت أعمل منذ الثامنة صباحاً، وحتى الواحدة صباحاً، وشكت زوجتي باستمرار من عدم اهتمامي بها، وقضاء يومي كلّه في العمل، ولكني لم أكترث لما تقوله. وبعد فترةٍ، وجدت أنها لم تعد تشكو، حتى أن الوقت القليل الذي كنّا نقضيه معاً، كانت تمضيه على هاتفها، ولا تتحدث معي"، قال مسعود*، وهو رجل أربعيني، في حديثٍ إلى رصيف22.

"ارتبت في الأمر، ومع الوقت بدأت أراقبها، حتى وجدتها تجلس مع زميلٍ لها في مطعم. وعندما عادت إلى المنزل، واجهتها فاعترفت بأنها تقابله، وبأنها وجدت معه ما لم تجده معي. لم أشعر بنفسي إلا وأنا أضربها، مسبّباً لها الأذى، وفكّرت وقتها في الطلاق، لكني تراجعت، وقررت أن أمنح زواجنا فرصةً".

القرار كان صعباً جداً بالنسبة إلى مسعود، ولم يخبر أحداً من عائلته، في حين كان رأي صديقه أنه مغفّل لأنه سامحها، وحذّره من أنها ستعيد الكرّة مجدداً. "أقول لنفسي إنني سامحتها لأجل خاطر أولادنا، ولكن الحقيقة أنني أحبّها، وأحمّل نفسي مسؤولية ما حدث. في أحيانٍ كثيرة أفكّر في طبيعة العلاقة بينها وبين زميلها. لم أسألها عن أيّ تفاصيل، والشكّ يقتلني من حينٍ إلى آخر، بأن تكون قد أقامت معه علاقةً حميميةً، على الرغم من أنها نفت الأمر".

"خانتني مرّتَين، وسامحتها، هل تصدّقين ذلك؟ الأمر غريب كثيراً، والحقيقة أنني أشعر بأنها كلّما ارتكبت هذه الأخطاء كلما ازداد حبّي لها، وتمسّكي بها". يتحدث ع. س (41 سنةً)، عن حكايته.

"زوجتي لم تحبّني أبداً، وأخبرتني بذلك بعد أن خانتني للمرة الأولى، وأكدت أن الانفصال هو الحلّ، ولكنّي تمسّكت بها مثل طفلٍ صغير. مستحيل أن أخبر أحداً بهذه الأسرار. أحياناً أتمنّى لو قتلتها بسبب خيانتها، ولكني في المرّتَين وجدتني أتبعها، وأتمسّك بها، وأقنعها بأننا يمكن أن نكون ثنائياً ناجحاً".

المجتمعات العربية صاحبة الثقافة الذكورية، لا تسمح للرجل بأن يسامح، ولذلك فهي تحرّض على العنف.

يرى ع. أن زوجته تعرف بأنه ضعيف أمامها، وأنه لن يفكّر في تركها، وهو ما يدفعها برأيه إلى أن تكرّر خيانتها، ثم تطلب منه مسامحتها. "أنا مقتنع بأن هذه العلاقة ستكون نهايتها كارثيةً، وأدعو الله أن يخلّصني من هذا التعلّق المرضي بها".

المجتمع يحرّض على العنف

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، قال في تصريحٍ لرصيف22: "الرجل قد يسامح المرأة لو شعر بأنه السبب في خيانتها له، فالرجل الذي يهمل زوجته، ويتعامل معها على أنها مجرّد ديكور، أو يسافر ويذهب في كلّ مكان من دونها، طبيعي أن يحدث معه شيء مماثل، فتبحث المرأة عن الاهتمام، وأينما وجدته تجد راحتها. والمسامحة قد تكون من أجل الحبّ، أو الأولاد، أو أيّ سببٍ آخر، والمشكلة الأكبر تحدث بسبب المجتمع المحيط بالعائلة".

الخبير الاجتماعي أضاف: "المجتمعات العربية صاحبة الثقافة الذكورية، لا تسمح للرجل بأن يسامح، ولذلك فهي تحرّض على العنف، وتشجّع على قتل الرجل لزوجته في بعض الحالات المتطرّفة، أو على الأقلّ التراجع عن مسامحته، ولذلك يجب أن يحتفظ الأزواج بأسرارهم لأنفسهم".

ويختم صادق حديثه بالقول: "الرجل قد يسامح لو كان يحبّ، أو يريد إكمال حياته مع زوجته، ولكن المجتمع يفرض عليه أن يكون عنيفاً، وإلا لا يكون رجلاً من وجهة نظر من حوله".

* تم تغيير أسماء المتحدثين والمتحدثات بناء على طلبهم/ ن، وحفاظاً على خصوصيتهم/ ن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image