"أقنعوني بأن أسباب نجاح الزواج وطول العشرة بين الأزواج، النية وحسن الظن بين الزوجين". بهذه العبارات، تحكي عائشة، سيدة في منتصف عقدها الخامس، عما أسمته "الخذلان والغدر" الذي عاشته مع أقرب الناس لها، وهو شريك عمرها.
ترى عائشة، وهي من الدار البيضاء المغربية، أنّ تجربتها برهنت عكس ما أقنعوها به وتربت عليه، من أخلاق ومثل تحرم مضايقة الزوج، لأن ذلك يغضب الملائكة، تقول: "فهمت متأخرة بأن دفاعي عن حقوقي لن يخرجني عن ملة الإسلام، وأن الملائكة لن تلعنني عندما أحرص على صون ممتلكاتي من زوجي قانونياً".
"يتأفّف مني"
لم تتخيل السيدة بأنها لن تجد مصاريف علاج مرضها المزمن الذي أصابها، المتمثل في القصور الكلوي. تعلق على هذا الموضوع: "أعاني من مرض مزمن، نتيجة العمل والشقاء والكد في أحد معامل النسيج في مدينة الدار البيضاء. لم أوفر المال لمثل هذا اليوم، كنت أعول على زوجي الذي من المفروض أن يكون السند".
تورد عائشة، بنبرة حزينة لا تخلو من السخرية بين الحين والآخر: "طيلة شبابي كنت أتقاسم مع زوجي كل درهم أجنيه، وأحياناً كثيرة كنت أمنح راتبي كاملاً له، وما كان يحزنني أن كل ما كنت أفعله كان برضاي، لا أحد كان يغصبني على ذلك"، تستطرد بسرعة: "كنت أفعل ذلك ظناً مني أن هذا هو الصواب".
"عشت معه أزيد من ثلاثين سنة. كنت شابة مجتهدة في عملي المتواضع، لم أخلق وفي فمي ملعقة من ذهب، أما هو فكان تاجراً صغيراً، عمله لم يكن مستقراً، كما أنه كان دائم الشكوى من عمله".
تتذكر عائشة أن نفقات الأطفال الثلاثة الذين أنجبتهم من زوجها الذي عاشت معه، لأزيد من عشرين سنة هي من كانت تتكفل بها، وهو كان يرفض أن يسدد مصاريف أبنائه.
كان يقنعها أن هذا لمصلحة الأسرة، فهو يدخر المال لاقتناء شقة لهم. تقول عائشة: "فكرة اقتناء شقة، أو قبر الحياة كما يُقال، كانت هاجسنا الوحيد".
تربت عائشة على أن من يُغضب الزوج تغضب منه الملائكة، تحملت بعض نفقاته، وتكفلت وحدها بمصاريف الأولاد، ولكنها اكتشفت في منتصف الخمسينيات أن الملائكة لن تلعنها
حرمت عائشة نفسها من كل ما كانت ترغب به، من لباس أنيق وطعام لذيذ تشتهيه، وهذا كله بهدف مساعدة زوجها في توفير مال للشقة. وحين حان الوقت لاقتنائها، أصر على وضعها باسمه، لم تعط عائشة لهذا الأمر أهمية، كانت تهمس لنفسها: "وماذا بعد، هو زوجي وأبو أبنائي، هو أيضاً له حصة في هذه الشقة، لن نختلف على هذا الموضوع فهو لن يتخلى عني".
ما حدث بعد ذلك لم يكن في حسبان عائشة، أصيبت فجأة بقصور كلوي، ويبدو أنها لم تجد ثمن حصص تصفية الدم الباهظة، التي يفرضها هذا المرض، كما أنها لم تدخر درهماً واحداً لهذا اليوم المشؤوم.
أحست السيدة أن الدنيا باتساعها ضاقت بها، وزوجها الذي عولت عليه تملص كعادته من تحمل مسؤولية مرضها مادياً، كما أنه أصبح صعب المراس، يتأفف في كل مرة تطلب منه ثمن العلاج. أخبرها ذات مرة أن حياته معها أمست لا تطاق، وأنه يفكر في إنهاء كل شيء.
هذه الكلمات كانت كافية لتفهم عائشة أنها كانت على خطأ، وفقاً لتعبيرها، تقول: "كان الأجدى بي حماية حقوقي الاقتصادية من زوجي ومن غدر الزمن".
"طردني"
مليكة، سيدة مغربية أخرى، طُردت من منزل زوجها، بعد أزيد من ثلاثين سنة من العشرة، وهي في عقدها السادس. تقول لرصيف22: "أحس بالغبن، وكم كنت غبية وساذجة. طردني من المنزل وأنا في بداية ستينيات عمري. أنجبت له خمسة أبناء، وعشت معه على السراء والضراء، وكنت له زوجة وفية وأماً حنونة وسنداً قوياً، لكن ماذا بعد؟ تغير كل شيء بعد أن طلب مني الموافقة على زواجه للمرة الثانية من سيدة أصغر مني سناً".
تضيف مليكة (64 عاماً) من الدار البيضاء: "تزوجته وأنا صغيرة جداً، كنت لا أتجاوز 15 سنة، هو الآخر كان لا يزال شاباً في بدايته، كان في منتصف العشرينيات، تزوجته وهو لا يملك المال، كان موظفاً بسيطاً يتقاضى راتباً متواضعاً".
وسنة بعد سنة، تسترسل مليكة، "تحسن راتبه وتدرج في عمله، إلى أن أصبح مسؤولاً في شركة معروفة، وماذا عني أنا؟ كنت سعيدة بإنجازاته، في النهاية، هذا النجاح سيرخي بظلاله علي وعلى أبنائي بشكل إيجابي، كنت أفرح لفرحه وكنت فخورة به".
لكن مع مرور السنوات، تغيرت ملامح مليكة، وهذا طبيعي. بدا عليها السن، لكن الفرق بينهما هو أنه يملك سلطة المال وهي لا.
لم تتمالك مليكة نفسها وهي تحكي لنا قصتها، بدأت تذرف دموعاً. تقول: "لم أتخيل نهائياً أن يدور الزمن علي بهذه الطريقة القاسية، ولا أن يكون مصيري سيدة مطلقة في سن الستين". تضيف: "طلقني بسهولة وطردني من منزله، لأتوجه مكسورة الرأس لبيت شقيقي".
تزوج طليقها مرة ثانية وثالثة أيضاً، تحكي أنه خسرها وخسر أبناءه الذين وقفوا إلى جانبها، والآن ابنتها الكبرى أصبحت سيدة مرموقة. تقول: "هي لا تشبهني. قوية. هي من تتحمل مصاريفي. أقطن في شقتها". تشدد على أن "حقوق النساء موجودة فقط على شاشات التلفاز"، تضيف في انفعال: "عن أية حقوق يتحدثون لا أفهم".
"لستُ غبية"
تحكي حفيظة (55 عاماً) بائعة خضر وفواكه في أحد الأسواق الشعبية في الدار البيضاء، أنها طلبت من زوجها راتباً يخصها، لأنها عملت برفقته في بيع الخضر والفواكه طيلة خمس سنوات، إلا أنه رفض ذلك بشدة.
تختلف حفيظة عن عائشة ومليكة؛ فرفضه إعطاءها راتباً كان بمثابة بداية جديدة لها، إذ قررت بعد ذلك تأسيس عمل مستقل لها.
تقول بنبرة ساخرة، لا تخلو من الحدة: "المجنون أراد مني أن أعمل برفقته بالمجان"، مبررة: "كان يكسب المال، لاحظت ذلك، وكنت أسأل نفسي: كيف لهذا الرجل أن يأخذ المال دون حتى أن يعوضني؟".
تضيف: "ما فعلته ليس حراماً، أسست عملاً بعيداً عنه، على الرغم من أنه لا يزال زوجي، وها أنا الآن، كل درهم أجنيه بعرق كتفي، سواء كان المبلغ كبيراً أم صغيراً، هو لي، لا أحد يتقاسمه معي".
"المجنون أراد مني أن أعمل برفقته بالمجان، كان يكسب المال، لاحظت ذلك، وكنت أسأل نفسي: كيف لهذا الرجل أن يأخذ المال دون حتى أن يعوضني؟"
عبرت حفيظة عن ندمها، على عملها رفقة زوجها طيلة خمس سنوات، كانت تحاول إقناع نفسها أنه سيفهم يوماً ما، وسيعطيها تعويضاً مادياً نتيجة تعبها معه، لكن هذا لم يحدث.
تقول حفيظة: "حين تنتهي ساعات العمل، ويبدأ عملي الآخر، كربة بيت في المنزل، أجدني أضرب أخماساً في أسداس، وأقول لنفسي: يا حفيظة ماذا تفعلين بنفسك، تعملين مثل الربو، من دون أن تتأففي؟ لكن أين المال، لا يوجد أي مال، أكد واتعب بالمجان وهذا لا يرضي الله أبداً".
استهان زوج حفيظة بها، مشدداً على أنها ستفشل لا محال في عملها بعيداً عنه، لكن الواقع كان غير ذلك تماماً. أصبح لحفيظة زبائن وسلعة ورأس مال متواضع لكنه لها.
مدونة الأسرة
تقول حياة منشان، حقوقية في جمعية "صوت المرأة الأمازيغية"، لرصيف22: "الاعتراف بالمجهود المبذول من طرف الزوجة أو المرأة بصفة عامة يجب أن يؤخذ على محمل الجد"، مشيرة إلى أنه "إذا أردنا التقليل من نسبة التفاوتات بين الجنسين؛ فعلينا مراجعة جميع القوانين التي تكرس هذه التفاوتات، بما فيها القوانين التي في ظاهرها تدعم المساواة، ولكن في إجراءاتها وتطبيقها تجد صعوبات بسبب التأويلات"، وفقاً لتعبيرها.
وأضافت حياة منشان، أنه "من ضمن القوانين السالفة الذكر، المادة 49 من مدونة الأسرة، والتي تترك مجالاً واسعاً للتأويل وعدم الحرص على إلزامية وضع عقد يخصّ الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج".
وأفادت المتحدثة أن "المادة 49، لم يتم تحديد عدة مفاهيم بداخلها، كمفهوم الأموال المكتسبة ووسائل إثباتها، وظلت مبهمة ولم يتم اعتمادها في عدد كبير من الزيجات، حتى أن المرأة، وعندما تنتهي علاقتها الزوجية سواء بطلاق أو وفاة، تجد نفسها أمام مساطر قانونية غير مبسطة وغير منصفة، وتجد أن سنوات من خدمتها لأسرتها سواء في أشغال الرعاية أو بمجهودها خارج المنزل غير مقدرة وغير موثقة وأيضاً غير مؤدى عنها".
وشددت حياة، على أن "تعديل المدونة بما يتماشى مع مبدأ "تمازالت" الأمازيغي، الذي يفرض أن النساء كما الرجال، يجب أن يستفدن من كل ما تمت تنميته أثناء فترة الزوجية، أصبح ضرورة ملحة لإحقاق بعض من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء النساء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون