بعدما انتظرت علا (39 عاماً) زوجها سبع سنوات وهو يقبع وراء قضبان السجن، خرج حاملاً الكثير من الجفاء العاطفي والجسدي لها، وكأن السجن قد أنساه أنه زوج وأنها أم لأربعة أطفال، لم يكن أمامها سوى أن تسدل ستارة ثقيلة على مشاعرها واحتياجاتها النفسية والجسدية، وتقول لنفسها "سأعتبره مسجوناً على الدوام".
تقول علا، وهي من الأردن، لرصيف22: "ما إن خرج من السجن حتى تحولت حياته إلى عمل، وخروج مع الأصدقاء فقط لا غير، وتحولت أنا إلى متعة آخر الليل، وكأني جارية تنتظر إرضاء غرائز سيدها مقابل ما تأكله لديه".
"أطفأت رغبتي بأمومتي"
وتضيف: "استمر الحال ثلاث سنوات، دفنت فيها كل شعور جميل، وكلّما تململت أنوثتي، وثارت رغبتي، أطفأتها بأمومتي، وكنت دوماً أتساءل إلى متى هذا الجحيم؟ وذات يوم اضطر زوجي للسفر مدة شهر، فلم أتأثر بهذا الغياب، فأنا أعيش غياباً أشد وطأة، ولكنه ما إن سافر حتى أصبحت رهينة جفاء من نوع آخر، فقد تملكتني الوحدة، وتمردت مشاعري على الغياب لأنه لم يغب شهراً بل عاماً كاملاً".
في أحد الأيام جاء أحد أقارب زوجها للاطمئنان عليها، وعلى أولادها، وبعدها بدأ يتردد على البيت مرة كل أسبوعين، تقول علا: "في كل مرة يمطرني بأجمل العبارات، فأصبحت أنتظر قدومه، وبدأت أشعر بشيء جميل حين يحضر، وأشتاق له حين يغيب".
كتب لها ذات مرة رسالة على الواتس أب: "أنا بالعافية مسكت نفسي عنك"، وكان ردها بلا وعي "ليش تمسك نفسك؟ أنا متلك معجبة"، وبدأت علاقتهما تتطور، تقول علا: "غصب عني مش بإيدي".
تعلق ميساء رشيد، وهي طبيبة أردنية تعالج علا وسيدات أخريات، أن العديد من الحالات الشبيهة بحالة علا تتعرض لها في عملها اليومي، قائلة: "كثير من النساء في وضع علا يعانين من تأنيب الضمير، ولكنهن لا يعلمن ماذا يفعلن، وكيف يخرجن من هذه الدوامة، التي تتأرجح بين المشاعر ونظرة المجتمع لهذا النوع من المشاعر".
"المرأة عندما تنتقل إلى الفعل الجنسي فهي تمنح جسدها، وهذا لا يمكنه أن يتم من دون وجود رابط عاطفي قوي بالعشيق، عكس الزوج الذي يمكنه القيام بعلاقات جنسية خارج إطار الزواج من دون أن تربطه أي عاطفة"
وتضيف: "في بعض الحالات التي تتضمن علاقة جنسية لامرأة متزوجة، وزوجها غائب في السجن أو السفر، يستدعي العلاج إنهاء هذه العلاقة (رغم وجود مبرراتها القوية) للتخلص من عقد الإحساس بالذنب، وهذا الإحساس يعود لما زرعه فينا المجتمع الشرقي للأسف، فما يهم المجتمع خطوطاً حمراء لا يجوز للمرأة تجاوزها، بغض النظر عن الأسباب التي تدفعها لتخطّي هذه الخطوط".
مريضة وخائنة وكاذبة
بعد معاناة على مدار سنوات من الاضطهاد الزوجي توجهت غادة ثابت (42 عاماً) إلى احدى العيادات النفسية للعلاج، فكان قدرها أن يعالجها طبيب، الأمر الذي أضفى على ملامحها نوعاً من الراحة والطمأنينة، معتقدة أنها لاذت بالفرار من التعري نفسياً أمام واحدة من بنات جنسها، التي قد تلومها بعد الاطلاع على تفاصيل معاناتها.
في البداية قام الطبيب بتشخيص حالة غادة (ربة منزل وأم لأربعة أطفال)، بأنها نوع من الاكتئاب. وصف لها بعض الحبوب المهدئة، وطلب منها أن تزوره أسبوعياً للاضطلاع على تحسن الحالة. وبعد شهرين من تناول العلاج عادت غادة إلى طبيبها وقد قررت أن تصارحه هذه المرة، وأن تخبره بأنها على علاقة حميمة بأخي زوجها (سلفها) لتبدأ هنا مجريات جديدة من الأحداث إذ ما إن استمع الطبيب إلى تفاصيل هذه العلاقة حتى بدأ بتوبيخ غادة، خاصةً أنها أخفت عليه الحقيقة، ونسجت قصة أخرى لمعاناتها، وقال لها بالحرف الواحد "أنت لست مريضة فقط بل خائنة وكاذبة".
غيرت غادة، التي تصف نفسها بأنها على درجة عالية من التدين وحافظة للقرآن، رأيها، وقررت أن تستشير طبيبة، تقول: "رفض الطبيب تفهم ظروفي وحالتي، وكان ذكورياً متسلطاً إذ انحاز إلى زوجي. لذلك قررت متابعة حالتي لدى طبيبة نفسية، فهي امرأة مثلي، وتتفهم ما تمر به المرأة على عكس الرجل".
وتضيف غادة لرصيف22: "وجدت الراحة مع الطبيبة ولذلك أخبرتها بكل ما في صدري من معاناة جراء هذه العلاقة، وفعلاً تفهمت ظروفي وأسبابي، ولكنها طلبت مني إنهاء هذه العلاقة كونها نوعاً من الخيانة تعكر صفو الحياة الزوجية".
الزوجة أم للأولاد
تعلق أمل شبات، عراقية متخصّصة في العلاج النفسي والجنسي: "الفراغ العاطفي يجعل المرأة حسّاسة أكثر، وتنجذب إلى أول رجل تصادفه، ولا يمكن للمرأة أن تصل إلى الفعل الجنسي مع أي رجل كان، دون وجود عاطفة تربطها به".
وحول الأسباب التي تدفع الزوجة إلى إقامة علاقة خارج إطار الزواج، تضيف: "يجب الإقرار بأن خيانة الزوجات ما زالت من التابوهات الكبرى داخل المجتمع، لأن المرأة في الاعتقام العام للمجتمع حاملة للحياة، تضع الأولاد، وتمنحهم الحياة، وهذا ما يجعلنا قادرين على قبول خيانة الرجل وليس خيانة المرأة".
وتتابع: "إحصائياً عدد الزوجات الخائنات قليل، إذ خلال 14 سنة من العمل، وفدت إلي 20 حالة فقط، لزوجات يتحدثن عن خيانتهن، لأن المرأة عموماً غير قادرة على اعترافها بممارستها للخيانة بسهولة، ولا تلجأ إلى الاختصاصي النفسي إلا بعد أن يتبين لها أن حياتها الزوجية في خطر".
"كان الطبيب ذكورياً متسلطاً إذ انحاز إلى زوجي. لذلك قررت متابعة حالتي لدى طبيبة نفسية، فهي امرأة مثلي، وتتفهم ما تمر به المرأة على عكس الرجل"
وتتفق معها نبراس عودة، اختصاصية نفسية من غزة، تقول لرصيف22: "السبب "في إقامة الزوجة علاقات خارج إطار الزواج" عدم تمكّن الزوج من إشباع الحاجات الجنسية لزوجته، فبالنسبة إلى المرأة عندما تنتقل إلى الفعل الجنسي فهي تمنح جسدها، وهذا لا يمكنه أن يتم من دون وجود رابط عاطفي قوي يربطها بالعشيق، عكس الزوج الذي يمكنه القيام بعلاقات جنسية خارج إطار الزواج من دون أن تربطه أي علاقة بمن مارس معهن الجنس".
وتضيف عودة: "هناك دافع الانتقام من خيانة الزوج، إلا أن هذا الصنف من النساء لا يلجأ في الغالب إلى استشارة الاختصاصي النفسي، لأنه يعتقد أن ما قام به ليس في نطاق "العيب" بل هو ردة فعل على فعل مماثل".
أما منى حليش، اختصاصية اجتماعية من الضفة الغربية، فتقول لرصيف22: "إن الزوجة "الخائنة" تقبع بين نارين، من جهة الحرمان العاطفي الذي تعانيه، وكيانها كامرأة وإنسانة في حاجة إلى إشباع عاطفي وجنسي من رجل ليس زوجها، ومن جهة أخرى إحساسها بتأنيب الضمير".
وتضيف حليش: "الرجل أحياناً يتفاخر بخيانته الزوجية، بينما لا تستطيع المرأة الحديث عن خيانتها، إلا نادراً، ويصعب عليها الاعتراف كما أنها تأخذ جميع احتياطاتها لئلا تصل خيانتها إلى مسامع زوجها، فهي تخونه في أغلب الحالات مع رجال متزوجين حفاظاً على سرية العلاقة".
الوحدة أو التديّن
بعض الزوجات اخترن طريق التعايش مع الإحساس بالفراغ العاطفي، فضلت ريم عبد الرحمن (39 عاماً) مترجمة من فلسطين، أن تكمل حياتها وحيدة، تحكي لرصيف22 عن تجربتها: "عشت 13 عاماً من المعاناة والذل في حياتي الزوجية، وفيها ذقت ألوان الحرمان، وكانت كل الخيارات مفتوحة أمامي كوني أعمل مع رجال زملاء، وكانت تتأزم الأمور حينما يعرف أحد زملائي أنني وزوجي نعاني حياة زوجية فاشلة".
اختارت ريم الطلاق لرفضها العيش في "جو من التوتر والإحساس بالذنب، وأرفض تعويض النقص الذي أشعر به في تجربة أخرى، غير مأمونة العواقب، لأننا في مجتمع شرقي ومحافظ".
أما هبة المدهون (40 عاماً)، ربة بيت تسكن في الضفة الغربية، فقد لجأت إلى الدين لإشباع فراغها النفسي والعاطفي، تقول لرصيف22: "تزوج زوجي بأخرى، وهجرني جسدياً وعاطفياً، أعيش فراغاً مميتاً، فقد تحولت من زوجة إلى أم فقط، فهو لا يسأل عني، ولا يزورني".
وتنهي هبة حديثها لرصيف22، قائلة: "هذه التجربة جعلتني أكثر قرباً من الله؛ فأصبحت مداومة على الصلاة وقراءة القرآن، ووجدت فيهما الراحة النفسية والسعادة، التي تعوّضني إهمال الزوج".
في النهاية، تشعر المرأة مثل الرجل بالفراغ العاطفي والنفسي، وأحياناً تمل العلاقة، ففي حين يتيح المجتمع الذكوري للرجل الزواج من أخرى، أو يتغاضى عن خيانته مقارنة بالزوجة، لا يكون أمام الكثير من الزوجات طريقاً شرعياً سوى الوحدة أو الاستغراق في الطقوس الدينية، وواجبات الأمومة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...