شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قوانين الزنا والدعارة و

قوانين الزنا والدعارة و"الشرف"... كيف كرّسها المُشرّع المصري لصالح الرجل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 20 يناير 202101:49 م

لا تزال المرأة المصرية تدفع الثمن الأكبر داخل المجتمع المصري، فإذا ارتكبت خطأً من وجهة نظر المجتمع وارتكب مثله الرجل، يضع المجتمع أعذاراً عدة لما قام به الأخير بينما لا يتراجع أو يتهاون في جلد المرأة وملاحقتها بما فعلت.

الأمر مشابه كثيراً في القوانين المصرية التي وضعها المشرع، فقانون الزنا، والدعارة والجرائم التي عُرفت بـ"جرائم الشرف"، كلها تضم نصوصاً كرست التمييز في العقوبة بين الرجل والمرأة، حتى لو أقدم الاثنان على الفعل نفسه.

عقوبة الزنا... تمييزٌ لصالح الرجل

في الأول من كانون الثاني/ يناير الحالي، شهدت مصر حدثاً عُدَّ تاريخياً إذ أقدم المستشار أحمد وسام قنديل على إحالة المادتين 274 و276 من قانون العقوبات للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتهما، نظراً لتفريقهما في العقوبة بين الرجل والمرأة.

أتى ذلك على خلفية نظر استئناف سيدة على حكم حبسها في اتهام زوجها لها بالزنا. وجاء في حيثيات الحكم أن المُشرّع في المادتين المُحالتين لـ"الدستورية العليا" ميّز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا دون مبرر شرعي أو موضوعي لهذه التفرقة، في مخالفة للدستور الذي ضمن المساواة بين الرجل والمرأة.

وتنص المادة 274 من قانون العقوبات على أن "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت".

في المقابل، حددت المادة الأخرى المحالة للدستورية والتي تحمل رقم 276، أشكال إثبات الجريمة على الرجل، على أن الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا، هي القبض عليه متلبساً بالفعل داخل مسكن الزوجية.

في حيثيات وعقوبة "جريمة الزنا" ميّز القانون بين الرجل والمرأة، وفي "الدعارة" كذلك إذ اعتُبر الرجل شاهداً، وفي القتل بحجة "الشرف" نال عقوبات تخفيفية... جولة على نصوص القوانين المصرية التي ميّزت في العقوبة بين اثنين يُقدمان على الفعل نفسه  

يروي المحامي ياسر سعد تفاصيل الفرق بين الرجل والمرأة في الاتهام والعقوبة، وفقاً لمواد قانون العقوبات في جريمة الزنا، ويقول في حديثه لرصيف22:" وفقاً للمادة 274، فإن جريمة الزنا لا تتوافر أركانها بالنسبة للزوج إلا إذا ضُبط متلبساً في مسكن الزوجية، أي لو أن الزوج قابل عشيقته في أحد الفنادق لا تتحقق جريمة الزنا، حتى لو ضُبط متلبساً. أما جريمة زنا الزوجة فتتوافر أياً ما كان المكان الذي تم فيه الفعل، حتى لو خارج مسكن الزوجية".

ويُتابع كلامه موضحاً: "وفقاً لمواد قانون العقوبات في جريمة الزنا، فإن الزوج يملك التنازل عن دعوى الزنا ضد زوجته، حتى لو صدر ضدها حكم نهائي، فهو يملك بالتنازل أن يوقف تنفيذ العقوبة، أما الزوجة فلا تملك التنازل عن دعوى الزنا، فإذا صدر حكم نهائي ليس لها الحق في وقف تنفيذه".

ويضيف: "عقوبة زنا الزوج أخف من من عقوبة زنا الزوجة، فعقوبة الزوج الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر، أما عقوبة الزوجة الحبس مدة لا تزيد عن سنتين وفقاً للمادة 276 من قانون العقوبات المصري".

"التفرقة التي نص عليها القانون تؤدي إلى الحكم على الزوجة بالعقوبة وإفلات شريكها من العقاب"، هذا ما يستخلصه سعد، منهياً كلامه حول هذه المسألة بالقول إن "الحكم يطالب بالمساواة بين الزوج والزوجة في جريمة الزنا من حيث العقوبة وأدلة إثباتها، نظراً لوجود تمييز بينهما لصالح الرجل دون أسس موضوعية أو قانونية".

يُذكر أن نصوص القانون المصري الحالي في ما يخص "جريمة الزنا وعقوبتها" مأخوذة من قانون العقوبات الفرنسي القديم الصادر عام 1810. ورغم أن المشرع الفرنسي قام بإلغائها عام 1975، ظل المشرع المصري متمسكاً بها.

"رغم ما تضمنه القانون المصري، إلا أن الشريعة الإسلامية لم تفرق بين زنا الرجل والمرأة في العقوبة أو أركان إثبات الإتهام"، هذا ما تؤكده الدكتورة آمنة نصير، وهي أستاذة العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية في فرع جامعة الأزهر في الإسكندرية.

تشرح نصير، في حديثها لرصيف22، أن "الزنا، سواء في أركان اثبات وقوعه أو العقوبة، واحد سواء للرجل أو المرأة، فالدين لا يفرق في الفعل والعقوبة"، بينما تتابع لافتة إلى أن "التفرقة جاءت وفقاً للموروثات المجتمعية التي غلّظت من عقوبة المرأة عن عقوبة الرجل رغم ارتكاب نفس الخطأ".

وتضيف: "المجتمع المصري وفقاً لموروثاته المجتمعية وعاداته وتقاليده فهو يرى خطأ المرأة إثماً كبيراً، بينما لا يلتفت كثيراً لأخطاء الرجل، لذلك هو يرى في مضاعفة عقوبة المرأة أمراً طبيعياً رغم أن هذا ليس له أي أساس في الشريعة الإسلامية".

الدعارة... الرجل ليس إلا شاهداً

في قضايا الدعارة يُعد الرجل عنصراً أساسياً لا تكتمل بدونه أركان الجريمة، لكنه مع ذلك معافى من العقاب، فهو الوحيد الذى يرتكب جريمته وفي يده "صك غفرانه". لا لشيئ إلا لأنه وبمقتضى القانون يُعد "شاهداً" في القضية، والحالة الوحيدة التى يعاقب عليها هي إذا مارس الجنس مع فتاة قاصر وهو على علم بسنّها.

"وفقاً للقانون، فإن راغب المتعة الذي لم يعتد ممارسة الدعارة ولم يساعد المرأة الباغية على فعلها، لا يعاقبه القانون بل يعتبره شاهد عيان على الواقعة". 

يقول سعد في هذا الإطار: "وفقاً للقانون، فإن راغب المتعة الذي لم يعتد ممارسة الدعارة ولم يساعد المرأة الباغية على فعلها، لا يعاقبه القانون بل يعتبره شاهد عيان على الواقعة، ففي حال اعترافه على الفتيات بممارسة الدعارة مقابل بدل مادي يتم إخلاء سبيله".

ويتابع: "نجد المادة 9 (ج) من القانون رقم 10 لعام 1961 التي تنص على ′معاقبة أي شخص، بغض النظر عن الجنس، يمارس الدعارة أو الفسق′ لا تتضمن أية تفرقة، لكن كثيراً ما تتعرض النساء لمعاملة غير متساوية عند التطبيق".

من هنا، يُعلّق سعد بأنه "في العادة تعاقب المرأة الممارسة للدعارة بالسجن فترات تتراوح ما بين 3 أشهر و3 سنوات مع إلزامها بدفع غرامة، بينما يظل شريكها من دون عقاب حتى لو اعترف بارتكاب الجريمة، وذلك مقابل إدلائه بالشهادة ضدها في المحكمة".

ويرى سعد أن قوانين العقوبات ممتلئة بمواد تمييزية بين الرجل المرأة، ففي قضايا ممارسة الجنس على سبيل المثال، تحاسب المرأة على أنها أغوت الرجل، فهي خصصت مكاناً، وحددت مبلغاً نظير العلاقة الجنسية، وعادة لا يحاكم الرجل على أنه فاعل أصلي في الجريمة.

ويصف المحامي ذلك بأنه شكل من أشكال التمييز ضد النساء، حيث ينظر إلى المرأة باعتبارها مصدراً للإغواء، وهو ما يبرر معاقبتها مع رفع العقوبة عن الرجل إذا شهد ضدها على الرغم من أن راغب المتعة يُعد شريكاً أصيلاً فى الجريمة وبدونه لا تكتمل أركانها، إلا أنه بمقتضى القانون يُخلى سبيله من سرايا النيابة بعد الاستماع إلى أقواله باعتباره شاهد عيان على الواقعة، فيتحول راغب المتعة إلى شاهد على جريمة شارك في تفاصيلها.

من جانبها، تعتبر نصير أن "الدعارة هي شكل من أشكال الزنا، ولذلك إذا كانت هناك عقوبة تقع المرأة، فيستوجب أن تكون هناك عقوبة على الرجل، لأن الاثنين قاما بنفس الفعل وبالتالي لا بد أن ينالا نفس العقاب وفق للشريعة".

وظلت الدعارة في مصر عملاً غير مجرّم، وكانت هناك سيدات يمتهنها في بيوت مخصصة حتى عام 1949، حتى أصدر البرلمان المصري مشروع قانون للحد من الدعارة، وفي عام 1951 أصدر القانون النهائي للآداب العامة الذي يطبق حتى الآن، والذي يعتبر أي صورة من الدعارة شيء مجرم يستحق فاعلها السجن.

وبعد ثورة 1952 ورحيل الملك وبداية عصر الجمهورية، وفي عام 1958 تحديداً، أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بإلغاء الدعارة في سوريا ضمن حكومة الوحدة، لتنطوي بالكامل صفحة الدعارة المقننة في مصر وسوريا وتبدأ صفحة جديدة من الدعارة غير المقننة التي تتم مطاردتها أمنياً.

حماية الرجل تحت دعوى" الشرف"

تُعامل مجتمعاتنا العربية، والتي منها المجتمع المصري، المرأة على أنها "شرف الرجل"، فتلتمس للأخير الأعذار وتخفف عنه الأحكام إذا قام بممارسة العنف الذي قد يصل حد قتل المرأة بدعوى "الدفاع عن الشرف".

يستكمل سعد حديثه عن المواد القانونية لعقوبة جريمة الزنا، قائلاً: "لو رأى الزوج زوجته ومن يزني بها، وقام بقتلهما في الحال ففعله يعتبر جنحة ويعاقب بالحبس، أما الزوجة لو قتلت زوجها ومن يزني معها ففعلها يُعتبر جناية قتل عمد".

"لو رأى الزوج زوجته ومن يزني بها، وقام بقتلهما في الحال ففعله يعتبر جنحة ويعاقب بالحبس، أما الزوجة لو قتلت زوجها ومن يزني معها ففعلها يُعتبر جناية قتل عمد"... كيف كرّست قوانين مصرية التمييز ضد المرأة والحماية للرجل؟  

ويشرح سعد الفرق بين الجنحة والجناية في القانون المصري، بالقول: "الجنحة يُعرّفها القانون بأنها عمل إجرامي ′أصغر′ ويُعاقب على الجنح بعقوبات أخف من عقوبات الجنايات، وقد أقرّ المُشرّع عقوبة الجنح على أن تبدأ من 24 ساعة وحتى 3 سنوات حبس أو غرامة مالية، أما الجناية فهي أشد وأقسى أنواع الجرائم ولذلك تصل عقوبتها إلى الإعدام، وقد أقر المُشرّع المصري عقوبة الجناية على أن تبدأ من 3 سنوات إلى 15 سنة، وتوجد بعض الجنايات تعاقب بالإعدام، ويكون الطعن على الأحكام أمام محكمة النقض".

رغم غياب الإحصائيات الحديثة عن المشهد، لكن وفقاً لدراسة أعدها "المركز القومي للبحوث الاجتماعية" عن الجرائم التي تقع تحت دعوى " الشرف" عام 2016، فإن 70% من هذه الجرائم ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم، و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7% من هذه الجرائم ضد بناتهم، وجاءت نسبة الـ3% الباقية من "جرائم الشرف" ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم.

وفي دراسة قديمة صدرت عام 2006، عنوانها "منظور إحصائي لجرائم الشرف" لمركز "قضايا المرأة"، فإن نسبة 79% كانت بسبب الشك في السلوك، و9% بسبب اكتشاف الخيانة، و6% لمنع الاعتراف بعلاقة غير جنسية.

كما أشار المركز في دراسته إلى أن "نصوص بعض القوانين تحمل في طياتها عنفاً ضد المرأة حين تغلظ العقوبة ضدها وتخففها عن الرجل إذا ارتكب نفس الفعل"، متسائلاً حول "حق الشخص في أن يقتص بنفسه من الجاني أو المجني عليها بدافع الدفاع عن شرفه".

واختتم المركز مؤكداً على أن هناك نقطة جوهرية تتصل بموضوع جرائم الشرف تتعلق بالخطاب الديني وأثره في تشكيل ثقافة المجتمع وتأثيره.

وتعليقاً على ذلك، تقول رئيسة مؤسسة "القاهرة للتنمية والقانون" المحامية انتصار السعيد: "لا شرف في جرائم الشرف"، مشيرة في حديثها لرصيف22 إلى أن "العقوبة للجرائم التي تقع تحت دعوى الشرف في مصر فيها تمييز بشكل فج، سواء على المستوى القانوني أو المجتمعي، فالمجتمع يحتفي بالرجل الذي يقتل زوجته بسبب الخيانة أو ابنته، فيما ينبذ المرأة إذا قامت بنفس الفعل، حتى على مستوى تطبيق القانون فإن القانون كرّس هذا التمييز، إذ نصت المادة 60 من قانون العقوبات على ′إباحة التأديب بما لا يُخالف الشريعة الإسلامية′".

وتنص المادة رقم 60 من قانون العقوبات المصري على أنه "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة". كما تشير المادة 17 من القانون إلى أنه "يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة".

من جانبها، ترى الناشطة النسوية ووكيلة مؤسسي "حزب العيش والحرية" إلهام عيداروس أن المجتمع دائماً ما يعتبر المرأة الحلقة الأضعف، فـ"هناك الكثير من النساء اللواتي يُعتبرن رهائن للتسلط الأبوي باعتبارهن رمزاً لشرف الرجل، لذلك يتجه الرجال نجو ارتكاب جرائم الشرف وهم يعلمون أن المجتمع يعزز من موقفهم، ولا يوجد رادع قانوني حقيقي".

وكان "العيش والحرية" واحداً من الأحزاب والمبادرات والمؤسسات الحقوقية التي طالبت بضرورة إصدار قانون موحد لـ"مناهضة العنف ضد النساء"، كما طالب بتخصيص فصل كامل لتحديث وتوسيع تعريفات أشكال مختلفة من العنف ضد المرأة، بما فيها مفهوم الاغتصاب للجنسين من البالغين أو القصر، وجرائم التتبع والملاحقة على شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة لتحديد مفاهيم جديدة للجرائم الجنسية من شأنها توفير حماية أكبر للنساء والفتيات من الابتزاز والاستغلال الجنسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image