عند منتصف ليل الثلاثاء، 30 تشرين الثاني/ نوفمبر المنقضي، نقلت وكالات الأنباء خبر إضافة اسم مصر إلى قائمة الدولة التي يحظر وصول الطائرات القادمة منها إلى الأجواء الكندية، وسط توقعات أن تحذو دول أخرى حذو كندا، خشية تفشي عدوى المتحور أوميكرون من فيروس كورونا المستجد.
وأضافت السلطات الكندية مصر ونيجيريا ومالاوي إلى قائمتها من الدول الأفريقية التي يحظر وصول الطيران منها، وكذلك يحظر دخول القادمين منها إلى كندا مهما كانت جنسيتهم، ما عدا المواطنين الكنديين وأصحاب تصاريح الإقامة الدائمة.
ولم تصدر الحكومة الكندية تفسيراً لضم الدول الثلاث إلى القائمة، لكن القرارات تأتي بعد أشهر من انتقادات دولية، معظمها مبطن ضد سياسات مصر في التعامل مع تفشي فيروس كورونا المستجد، واتهامات للسلطات المصرية بإعلان معلومات غير دقيقة عن وضع تفشي الفيروس وأعداد المصابين والمتوفين.
وألقت مصر - في وقت مبكر من انتشار الجائحة- القبض على عدد من الأطباء ووجهت إليهم تهماً تتصل بالإرهاب والتعاون مع الجماعات الإرهابية عندما لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتحذير والكتابة عن تفشٍ واسع للفيروس، في وقت شهدت الأرقام الرسمية التي تعلنها الدولة بالعكس، ما دعا للتشكيك محلياً وعالمياً في صحة الأرقام التي تصدرها زارة الصحة المصرية وصدق تعبيرها عن واقع انتشار الفيروس وآثاره في مصر.
لم تصدر الحكومة الكندية تفسيراً لضم الدول الثلاث إلى القائمة، لكن القرارات تأتي بعد أشهر من انتقادات واتهامات للسلطات المصرية بإعلان معلومات غير دقيقة عن وضع تفشي الفيروس وأعداد المصابين والمتوفين
وبرغم تأكيد وزارة الصحة أن المتحور الجديد "أوميكرون" "غير موجود في مصر"، وأنها لم ترصد أية إصابة به داخل البلاد بعدما سجلت حالتين قادمتين على طائرة من إثيوبيا، يبدو أن ليس ثمة ثقة كبيرة في ما تعلنه السلطات المصرية بشأن وضع الوباء.
في الأثناء، صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي مساء الإثنين، 29 تشرين الثاني/ نوفمبر على قانون جديد باسم "قانون إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية" بعد نحو شهر من إلغاء العمل بقانون الطوارئ.
ويحتوي القانون الجديد على مجموعة من التدابير والإجراءات الاستثنائية، ويمنح اختصاص إصدار قرار بسريانها لرئيس مجلس الوزراء في حال تفشي الأوبئة أو الجوائح.
القانون المنشور في الجريدة الرسمية حمل رقم 152 لسنة 2021، ويعطي رئيس مجلس الوزراء حق اتخاذ مجموعة من التدابير، أبرزها "وضع قيود على حرية الأشخاص في الانتقال أو المرور أو الوجود في أوقات معينة، سواء في مناطق محددة أو في كافة أنحاء البلاد، وتعطيل العمل جزئياً أو كلياً في الوزارات والمصالح والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، والشركات الأخرى المملوكة للدولة، والقطاع الخاص".
وشملت التدابير التي نص عليها القانون الجديد تعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات، وأي تجمعات للطلبة بهدف تلقي العلم، واتخاذ ما يلزم من تدابير في شأن امتحانات العام الدراسي وتعطيل العمل بدور الحضانة، مع تحديد مواعيد فتح المحال العامة وغلقها كلها أو بعضها. وأعطى البند الخامس من التدابير الحكومة الحق في تنظيم أو حظر الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات والاجتماعات الخاصة، وهو النص الذي يشبه البند رقم 13 في المادة 3 من قانون الطوارئ الذي أوقف العمل به.
لكن القانون الذي يُنتظر منه الحد من فرص انتشار الجوائح والأوبئة، يمنع التجمعات والتظاهرات الاحتجاجية؛ يسمح بها في حال تنظيم الحكومة إقامة المعارض والمهرجانات الثقافية وغيرها من الأنشطة الثقافية، واستقبال السينمات والمسارح ودور الثقافة لروادها، كما يعطيها الحق في تنظيم أو حظر استقبال الأندية الرياضية والشعبية ومراكز الشباب وصالات الألعاب الرياضية والنوادي الصحية لروادها، وتنظيم أو حظر استقبال الأشخاص بدور العبادة والأماكن الملحقة بها، وحظر أو تقييد استخدام وسائل النقل العام، ووسائل النقل الجماعي المملوكة للقطاع الخاص.
وألغى الرئيس المصري العمل بقانون الطوارئ، الإثنين 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد نحو أربع سنوات من فرضه بشكل مستمر. تضمن القانون الملغى بنوداً - تعادل بنود قانون مكافحة الأوبئة الصادر حديثاً- تضع قيوداً على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن محددة أو أوقات معينة، وتحظر الاجتماعات والمواكب العامة.
ألقت مصر - في وقت مبكر من انتشار الجائحة- القبض على عدد من الأطباء ووجهت إليهم تهماً تتصل بالإرهاب ونشر معلومات كاذبة عندما لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتحذير والكتابة عن تفشٍ واسع للفيروس
مكافحة "الشائعات"؟
المادة المثيرة للقلق في القانون هي فرض عقوبة ضد "كل من أذاع أو نشر أو روّج عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة"، وهي المادة التي اعترضت عليها نقابة الصحافيين أثناء مناقشة القانون في البرلمان، وانتهى النص النهائي للمادة إلى استثناء الصحافيين منها على أن تطبق على المواطنين ومنهم العاملين في الطواقم الطبية.
ويرجع اعتراض النقابة إلى كون هذه المادة مكررة في قوانين أخرى، من بينها قانون الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب، وتستخدمها السلطات عادة لسجن المعارضين أو من ينشرون أخباراً ومعلومات مخالفة للرواية الرسمية.
لكن تلك المادة ترتبط بالانتقادات التي وجهت إلى السلطات المصرية منذ بداية الجائحة، إذ لجأت السلطات إلى تطبيق تلك المادة الموجودة بصيغ مختلفة في قانوني الطوارئ ومكافحة الإرهاب كي تحتجز أطباء ومواطنين وصحافيين كتبوا عن تفش واسع لفيروس كورونا المستجد في وقت أبقت فيه السلطات الأعداد الخاصة بالمصابين والمتوفين عن مستويات متدنية.
كما تستخدم المادة في منطوقها مصطلحات يراها القانونيون والحقوقيون فضفاضة، مثل "المصلحة العامة" التي يترك تقديرها لسلطات التحقيق والقضاء، ما يهدد ناشري المعلومات حول الوباء بالوقوع تحت طائلة القانون أياً كان نوع وحجم المعلومات المنشورة او وسيلة نشرها.
وأصدرت مصر في العام 2016 قانوناً خاصاً لـ"مكافحة الجريمة الإلكترونية" مهد لمحاكمة معارضين بتهم منها الترويج للإرهاب والإساءة لمؤسسات الدولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي عند نشرهم معلومات تحصلوا عليها أو التعليق على بعض السياسات والقوانين والأحداث الجارية في مصر.
عقوبات واختصاصات أخرى
أناط قانون مكافحة الأوبئة باللجنة العليا التي يترأسها رئيس الوزراء وتضم مجموعة من الوزراء- بما فيهم وزراء الدفاع والداخلية والعدل- اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ التدابير الواردة بالقانون.
ومع كون قانون الطوارئ يسري ثلاثة أشهر مع إمكان تجديده، يمنح القانون الجديد مجلس الوزراء الحق في تحديد مدة سريانه نحو عام قابل للتجديد، على أن يُعرض القرار على مجلس النواب خلال سبعة أيام من تاريخ صدوره ليقرر ما يراه بشأنه.
ويعاقب القانون كل من خالف التدابير الواردة فيه بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وبالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
"إفشاء أسرار الدولة"
إذا ما تمكن الصحافيون والمواطنون من إثبات صحة البيانات والمعلومات التي ينشرونها حول الوباء أو غيره، تنتظرهم مادة أخرى لتعاقبهم على نشر تلك المعلومات، وهي المادة التي جرى تعديل قانون العقوبات لتغليظ العقوبة الخاصة بها.
في يوم 20 من الشهر المنتهي، أقر رئيس الدولة بعد موافقة البرلمان، تعديلات على المادة 80 من قانون العقوبات، شملت تغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة "لحماية الأمن القومي للبلاد".
وتضمن التعديل نص المادة (80 أ) من قانون العقوبات، لتصبح الغرامة بين خمسة آلاف و50 ألف جنيه، بدلاً من الغرامة السابقة التى تراوح بين 100 و500 جنيه، مع الإبقاء على نفس مدة الحبس التي "لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنوات".
وشملت المادة كذلك معاقبة كل من "جمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم، من دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع... فإذا وقعت الجريمة في زمن الحرب أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، أو كان الجاني من ضباط القوات المسلحة أو أحد أفرادها أو من العاملين المدنيين لديها، كانت العقوبة السجن".
وساوى القانون في العقوبة من يرتكب "الجريمة" بمن يشرع في ارتكابها، إذ نص على أنه "يُعاقب بالعقوبة نفسها عند الشروع في ارتكاب هذه الجرائم".
لمصلحة المواطنين
إلى جانب مواد تنظيم الحركة والتجمعات التي من شأنها فرض التباعد الاجتماعي بقوة الدولة، يحتوي قانون مكافجة الأوبئة على بعض على مجموعة من التدابير تفيد المواطنين في حالات تفشي الأوبئة وتراجع الدخل الناجم عنها، منها تأجيل أو تقسيط سداد الضرائب أو خدمات المرافق العامة (الكهرباء - المياه – الغاز).
وسبق أن علّقت الحكومة في أذار/ مارس 2020، مع بداية الجائحة، دفع أقساط الديون المستحقة للبنوك والشركات، لكن مواطنين فوجئوا بعد انتهاء المهلة التي حددتها الحكومة أن البنوك طبقت عليهم غرامات تأخير خلال مدة التأجيل.
الطوارئ لم تعد استثناء
وفي الوقت؛ أصدر الرئيس المصري، بعد موافقة مجلس النواب، تعديلات جديدة على قوانين العقوبات ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت العامة.
وأتاحت غالبية التعديلات لرئيس الجمهورية والقوات المسلحة اتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك عزل بعض المناطق أو إخلاؤها وفرض حظر التجوال، واستمرار إحالة جميع القضايا التي ترتكب حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية تلك المنشآت إلى القضاء العسكري بدلاً من القضاء العادي. وهو ما اعتبره حقوقيون تضميناً لنصوص قانون الطوارئ الاستثنائي داخل القوانين الطبيعية السارية طوال الوقت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...