أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلغاء تمديد حالة الطوارئ التي ظلت وضعاً شبه دائم في مصر منذ حركة الجيش عام 1952، حتى مساء الإثنين 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وقال الرئيس المصري في بيان نشرته صفحته الرسمية على فيسبوك: "يسعدني أن نتشارك معًا تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء واحة للأمن والاستقرار في المنطقة؛ ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد".
اعتبر البعض القرار خطوة إيجابية تجاه دعم الحريات، وسبيلاً للبحث عن متنفس للقوى السياسية والمجتمع المدني، وفيما يبدو القرار في ظاهره سياسياً وأمنياً في ظل ضغوط دولية متواصلة على النظام لإصلاح سجله في ملف حقوق الإنسان، إلا أن إشارات وتقارير من مؤسسات مالية عالمية تشير إلى أنه يحمل في جوهره دوافع اقتصادية كذلك، لا سيما أنه يأتي تحت وطأة أزمة اقتصادية دولية آخذة في التشكل، ستكون لها توابعها على لقمة عيش المصريين.
قرار وقف تمديد العمل بقانون الطوارئ يأتي تحت وطأة أزمة اقتصادية دولية آخذة في التشكل، ستكون لها توابعها على لقمة عيش المصريين
نداء إلى المستثمرين
في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، وقع صندوق النقد الدولي ومصر اتفاقية للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار أمريكي "بهدف معالجة الاقتصاد الكلي وتعزيز النمو الشامل وخلق فرص العمل".
ومنذ توقيع الاتفاق لم تتوقف نصائح الصندوق، منها رفع القيود وإنهاء الأوضاع الاستثنائية ضمن حزمة من الخطوات لتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية مع تصاعد حاجة مصر إلى تدفق العملات الأجنبية ورفع معدلات التشغيل وخفض البطالة. إلا أن الحكومة لم تستجب إلى تلك المطالب، معلنة أنها لا تزال في مواجهة مع الإرهاب.
وتشير حالة الطوارئ الدائمة التي تعيشها مصر إلى غياب الاستقرار ووجود تهديدات قائمة ضد مصالح المستثمرين لا سيما الأجانب الذين قد يشعرون بتهديد من "الإرهاب" إذ تشير حالة الطوارئ إلى أن الدولة في مواجهة دائمة معه.
مصرفيون مصريون: المستثمرين الأجانب "لا يفهمون حالة الطوارئ في مصر"
وقال مصرفيون مصريون في تصريحات إعلامية إن المستثمرين الأجانب "لا يفهمون حالة الطوارئ في مصر". متوقعين أن ينعكس قرار امتناع الرئيس عن تمديد الطوارئ على أوضاع السياحة التي تعتمد مصر عليها في توفير جانب من تدفقات النقد الأجنبي والتشغيل وتعد واحداً من محركات خمسة رئيسية للاقتصاد المصري (السياحة والنفط وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج وقطاع الإنشاء والتعمير).
وكانت حالة الطوارئ الدائمة واحدة من نقاط الضعف الرئيسية والمؤسسية في الاقتصاد المصري، وهي تتمثل كذلك في القيود والتعقيدات في مناخ الأعمال التي يشكو منها القطاع الخاص، وأبرزها تناقضات السياسات، وتعارض نصوص القوانين المنظمة للاستثمار، وانتشار الفساد والترتيبات غير الرسمية وضعف سيادة القانون. وترصد دراسات أكاديمية وقانونية عدة "ضعف" منظومة التشجيع على الاستثمار في مصر.
ويشعر المستثمرون بالقلق من أن النظام القانوني المصري لن يكون محايدًا في النزاعات مع السلطات المحلية. ومرر مجلس النواب تعديلاً قانونياً يخول المحكمة الدستورية العليا الفصل في المنازعات الدولية التي قد يخوضها مستثمرون أجانب ضد مصر. وهذا يعني أن المحاكم التي يعيّن الرئيس المصري رؤساءها سيكون لها الحق في رفض وإسقاط الأحكام التي قد تصدر ضد مصر في منازعات دولية تتعلق بالاستثمارات والاتفاقات الاقتصادية.
بالإضافة إلى الافتقار إلى الضوابط والتوازنات في مصر بعد قرار أبريل 2017 بمنح الرئيس سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية، مما أدى إلى زيادة تآكل ثقة المستثمرين في القضاء. ونتيجة لذلك، فإن عددًا من المستثمرين الأجانب الذين دخلوا اتفاقيات شراء الطاقة يغادرون مصر. وبحسب وزير البترول المصري طارق الملا، انخفضت الاستثمارات المباشرة في قطاع البترول الذي هو أعلى القطاعات جذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 26.02% خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو/ حزيران 2021.
باحث اقتصادي: رغم كل التشريعات والحوافز التي قدمتها مصر للاستثمار الأجنبي، فالنتائج المحققة تؤكد عدم نجاحها. وحالة الطوارئ التي تشي بعدم الاستقرار السياسي والأمني أحد العوامل الرئيسية في هذا الوضع
تحرك اللحظة الأخيرة
وفي محاولة لفهم العلاقة بين الإصلاح السياسي والاقتصاد، يقول إلهامي الميرغني الباحث الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي لرصيف22، إن مصر تستهدف في سياستها الاقتصادية على مدي السنوات الأخيرة المزيد من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يتركز بشكل رئيسي في قطاع البترول والغاز، لكن رغم كل التشريعات والحوافز التي قدمتها للاستثمار الأجنبي المباشر، فإن النتائج المحققة تؤكد عكس ذلك.
واستطرد الباحث الاقتصادي قائلًا: "اهتمام إدارة بايدن بملف الديمقراطية وحقوق الانسان في مصر، والتهديد بتخفيض أو وقف المعونة الأمريكية، إلى جانب الازمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تداعياتها في الظهور عبر سلاسل التوريدات، كل ذلك دفع مصر لاتخاذ خطوات ظاهرة في مجال تعزيز حقوق الإنسان وتحسين المناخ السياسي، مثل تصفية موقف العديد من منظمات المجتمع المدني التي جمدت أنشطتها وحساباتها المصرفية منذ سنوات، ثم الإفراج عن عدد من سجناء الرأي وطرح إستراتيجية حقوق الإنسان، وأخيراً رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ سنوات. جميع هذه الإجراءات ترمي إلى تحسين مناخ الاستثمار بغية تصدير صورة جديدة للاستقرار السياسي، الذي يعطي ضمانات أمان للاستثمارات الدولية التي يمكن أن تأتي إلى مصر".
حقل ظهر - من بين استثمارات إيني اللإيطالية في مصر المصدر: وزارة البترول والطاقة
وأشار الباحث الاقتصادي إلى تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، الذي احتفت به الصحف المصرية بعناوين غير دقيقة، إذ أوضح التقرير أن مجموع الاستثمارات الأجنبية التي جذبتها مصر خلال عام 2020 يقدر بنحو5.9 مليار دولار، ويعد هذا تراجعاً بنسبة 35.1% مقارنة بعام 2019، الذي حققت مصر فيه جذب استثمارات مباشرة تقدر بـ9 مليارات دولار معظنها في قطاع النفط. وبذلك وصل الاستثمار المباشر التراكمي إلى 132.5 مليار دولار، بحصة 14.6% من إجمالي الاستثمار الأجنبي في الدول العربية بعد الإمارات والسعودية.
ويرى الميرغني أن أزمة الديون المتفاقمة التي تعاني منها مصر تقف كذلك خلف قرار الرئيس السيسي، فبحسب الباحث الاقتصادي، تتجه مصر إلى تحويل جزء من ديونها المحلية القصيرة الأجل إلى ديون دولية طويلة الأجل في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إذ تطرح سندات الديون السيادية في بعض البورصات العالمية، وذلك بهدف خفض عبء الفوائد الذي بات يثقل الموازنة العامة، وتجاوزت نسبة 35% من موازنة العام المالي الحالي 2021/2022.
ويتابع: "لكل هذه الأسباب كانت هناك ضرورة لقرار إلغاء حالة الطوارئ، وننتظر إصلاحات سياسية أخرى تعمل على رفع معدلات الاستقرار السياسي وتشكل حافز جذب للاستثمار الأجنبي وتحسين موقف مصر في مؤشرات التنافسية الدولية".
لهذه الأسباب كانت هناك ضرورة لإلغاء حالة الطوارئ، وننتظر إصلاحات سياسية أخرى تعمل على رفع معدلات الاستقرار السياسي وتشكل حافز جذب للاستثمار الأجنبي وتحسين موقف مصر في مؤشرات التنافسية الدولية
تهيئة بيئة الاستثمار
في الإطار نفسه، أكد البنك المركزي المصري أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر تراجع إلى نحو 4.8 مليار دولار خلال النصف الأول من السنة المالية الجارية، مقابل نحو 5.9 مليار دولار حققتها مصر خلال النصف الأول من السنة المالية السابقة. بنسبة انخفاض تبلغ 19.3%.
كما أن مصر كانت من بين البلدان التي تحسنت أوضاعها في مؤشر البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال فيها، لكنها لا تزال في مكانة متأخرة على المؤشر نفسه، حيث تحتل المرتبة 93 من بين 140 دولة في مؤشر التنافسية العالمي.
يذكر أن العامين الماضيين شهدا هجرة واسعة لرؤوس أموال مصرية وعالمية بدأت مشروعاتها في مصر نحو دول أخرى تتمتع بمناخ استثمار أكثر مرونة، وأشهر تلك الوقائع خروج شركة "سويفل" للنقل التشاركي التي تأسست في مصر، ونقل مقرها الرئيسي من مصر إلى دبي، بشكل أثار العديد من علامات الاستفهام.
محطة تحلية المياه بالمحمسة - سيناء - المصدر: الهيئة العامة للاستعلامات
الحرية طريق النعيم
ووفقاً لمؤسسة "heritage foundation"، بلغت درجة الحرية الاقتصادية في مصر 55.7، مما يجعل اقتصادها يحتل المرتبة 130 على قائمة حرية الاقتصاد لعام 2021.
وزادت نقاطها الإجمالية بمقدار 1.7 نقطة مع تحسينات في 9 من فئات 12 للحرية الاقتصادية. وتحتل مصر المرتبة 11 من بين 14 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المؤشر نفسه، ودرجاتها الإجمالية أقل من المتوسطات الإقليمية والعالمية.
وتقول الدكتورة هدى الملاح، مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسة الجدوي: "السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، إذ لا يمكن فصل أي إصلاح سياسي عن تأثيراته الاقتصادية، وأهمها قرار رفع حالة الطوارئ التي استمرت لعقود في مصر".
أستاذان في الاقتصاد ومشروعات الجدوى: السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ولا مفر من الإصلاح السياسي الحقيقي ومناخ الحرية لدفع عجلة الاقتصاد
وترى الملاح في حديثها لرصيف22 أن القرار جاء للتأكيد على أن مصر "نجحت في إحكام قبضتها الأمنية، وأصبحت محصنة ضد العمليات الإرهابية وغيرها من الأحداث التي من شأنها أن تشيع الفوضى، لا سيما أن الاستثمار سواء الداخلي أو الأجنبي قاعدتهما الأساسية للعمل هو الاستقرار السياسي".
وتواصل الملاح: "رأينا خلال الفترة الماضية الكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، منها سياسة الشباك الواحد، والعمل على الحد من الفساد والإفراج عن عدد من المسجونين، ورفع مد حالة الطوارئ".
أما عن إيجابيات القرار في ضوء الوضع الاقتصادي المصري والعالمي، فتقول الملاح: "علينا ألا نغفل دور جائحة كورونا في الاقتصاد العالمي وتأثيراتها السلبية، لذا نحتاج إلى مزيد من الاستثمار، وهذا ما يتطلب توفير مناخ سياسي صحي".
ويرى الدكتور أحمد ياسين، الخبير في الاقتصاد السياسي أن السبب واضح في لجوء مصر إلى هذا التحرك الآن، "لا سيما بعد ذكر سجل مصر في مجال حقوق الإنسان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية"، لافتاً إلى أن تلك الضغوط الدولية دفعت مصر إلى تسريع عملية إجراء حزمة إجراءات إصلاحية.
علاوة على ذلك، فهو يمثل إشارة إلى حركة النمو التي حققها الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية، ويختم أحمد ياسين: "واقعياً ليس هناك حاجة إلى استمرار حالة الطوارئ، وأعتقد أن السلطات المصرية تسعى لتلبية رغبات الدول الغربية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع