أحالت الحكومة الأردنية، في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، حزمة من التعديلات الدستورية الجديدة إلى البرلمان، قد يكون من شأنها الحد مستقبلاً من صلاحيات مؤسسات الحكم، على رأسها الحكومة نفسها، مع توسيع صلاحيات القصر.
هذة التعديلات تأتي في نهاية سنة مضطربة، بدأت برسالة من الملك "يطالب" فيها بـ"تحجيم دولة المخابرات"، وتخللتها محاولة انقلاب فاشلة، اصطلح على تسميتها بـ"قضية الفتنة"، أظهرت انقساماً محدوداً داخل الأسرة المالكة، وهذا ما يجعل التعديلات تنضوي، في رأي متابعين، تحت عنوان "صون العرش".
تعديلات متلاحقة
لم تكن التعديلات التي أرسلتها الحكومة إلى البرلمان مفاجئة، كما أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها تعديل الدستور الأردني الصادر عام 1952 خلال عهد الملك طلال والد الملك الحسين. فقد مر الدستور منذ إقراره بتعديلات عديدة، أبرزها ما قدمه الملك عبدالله نفسه قبل سنوات لمنح الحكومة والبرلمان المزيد من الصلاحيات.
حدثت التعديلات الأولى في عهد الملك الحسين بن طلال، الذي شهد عهده تسعة تعديلات لـ24 مادة من الدستور، ركزت على انتزاع صلاحيات من السلطة التشريعية لصالح السلطة التنفيذية، ولا سيما توسيع صلاحيات الحكومة والملك في حلِّ البرلمان وإصدار القوانين المؤقتة في غيابه.
وعلى وقع الربيع العربي الذي شهد الأردن خلاله حراك 24 آذار/ مارس عام 2011، أجريت تعديلات دستورية موسعة ارتدت عن التعديلات السابقة التي أدخلها الملك الحسين. وبموجب "تعديلات الربيع العربي"، حاز البرلمان المنتخب سلطات أوسع، وجرى تحصينه من الحل، إلى جانب النص على إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، وإجراء الطعن في نيابة أعضاء مجلس النواب أمام القضاء العادي.
ثم جرت تعديلات محدودة عام 2014، انفرد الملك بموجبها بحق تعيين قائد الجيش ومدير دائرة المخابرات العامة وإقالتهما، بعد أن كان لرئيس الحكومة صلاحيات مشتركة، وجاء نص التعديل: "يمارس الملك صلاحيات منفردة بتعيين الجهات التي وردت في مشروع التعديل".
تأتي التعديلات المقترحة في نهاية سنة عاصفة، شهدت خلالها الأردن محاولة فاشلة للانقلاب سميت بقضية الفتنة، كشفت عن انقسام محدود داخل القصر، في وقت تتصاعد فيه الضغوط المطالبة بتوسعة مشاركة الشعب في الحكم
وعام 2016، أجري تعديل جديد هو الثالث خلال 10 سنوات، وفيه جرت توسعة صلاحيات الملك "منفرداً"، إذ بات الملك يعيّن ولي العهد ونائب الملك ورئيس مجلس الأعيان وأعضاءه، ورئيس المحكمة الدستورية وأعضاءها، وقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك، من دون توقيع رئيس الوزراء ومجلس الوزراء.
مجلس وطني يحكم
التعديلات الجديدة التي تقدمت بها الحكومة، يتوقع أن تنتهي إلى تغيير نحو 30 بنداً في الدستور، تعيد إلى الملك المزيد من الصلاحيات التي تحوزها الآن الحكومة. علماً أن الحكومة نفسها هي التي تقدمت بالتعديلات، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع الأردني.
بموجب مشروع التعديلات، يٰنتظر أن ينشأ "مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية" برئاسة الملك، ويتولى المجلس جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن المملكة والأمن الوطني والسياسة الخارجية. ويتألف المجلس من رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، وقائد الجيش ومدير المخابرات وعضوين يعيّنهما الملك.
كذلك ألغت التعديلات وجود توقيع رئيس الوزراء أو الوزير المختص على الإرادة الملكية الصادرة بتعيين مدير الأمن العام، وأصبح الملك بموجب التعديلات يقبل استقالات قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام، بالإضافة إلى امتلاكه صلاحية تعيينهم وإنهاء خدماتهم.
ويعيّن جلالة الملك وفقاً للتعديلات قاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي والمفتي العام، ويقبل استقالاتهم وينهي خدماتهم بإرادة ملكية سامية من دون توقيع رئيس الوزراء أو الوزير المعني. كذلك يعيّن رئيسَ الديوان الملكي ووزير البلاط ومستشاري الملك وعضوي مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية، ويقبل استقالاتهم وينهي خدماتهم.
ماذا تعني التعديلات؟
لن يتوقف أثر التعديلات عند توسعة صلاحيات الملك على حساب السلطة التنفيذية (الحكومة)، بل هي تحصر كل السلطة بيد الملك رغم أن الدستور أوضح دوره، إذ نص على أن: "الملك هو رأس السلطة التنفيذية، ويمارس صلاحياته بموجب الدستور من خلال رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، ولكن يبقى بعيداً عن المساءلة. والوزراء مسؤولون فردياً وجماعياً أمام مجلس النواب".
معنى تلك التعديلات المقترحة أن يهيمن المجلس الوطني على السلطتين (التنفيذية والتشريعية)، فلا تمكن محاسبة مجلس يترأسه الملك نفسه. يلغي هذا أي دور للحكومة في ملفات حيوية كالأمن والسياسة الخارجية، ويلغي أيضاً دور مجلس النواب في التشريع والرقابة على هذا المجلس نفسه. إذاً، أوجدت التعديلات المقترحة جسماً سياسياً موازياً للسلطتين التشريعية والتنفيذية يمتاز عليهما بالحصانة الملكية التي تحميه من الرقابة والمساءلة.
لاح التخوف من حصار مستقبلي لصلاحيات القصر خلال خطبة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب، حين قال "علينا أن نحرص على صون مؤسسات الدولة السيادية... من التجاذبات الحزبية، لتبقى درعاً للوطن والمواطنين"
يُذكر أن مجلس الأمن الوطني المقترح ينتقص من صلاحيات الحكومة التي وردت في المادة 45 من الدستور، وهي تنص على أن الحكومة تتولى إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية. لكن المادة الجديدة تقول: "يتولى المجلس الوطني الشؤون الداخلية والخارجية برئاسة الملك"، وهو ما يلغي ضمناً المادة 45.
ستغير هذه التعديلات بعد إقرارها الوضع الأردني من ترؤس الملك للسلطات الثلاث التي يحكم من خلالها البلاد إلى حاكم مباشر، وتضع السلطة التنفيذية الفعلية فوق المساءلة والرقابة.
تمهيد للقادم؟
صاحبَ المشروع المقدم من الحكومة لتعديل الدستور مشروعان آخران، هما مشروع قانون الانتخاب لمجلس النوَّاب، ومشروع قانون الأحزاب السِّياسيَّة. وهما تشريعان خرجا عن اللَّجنة الملكيّة لتحديث المنظومة السِّياسيَّة للوصول إلى برلمان حزبي ثم إلى حكومة برلمانية.
ويُستنتج من السياق السياسي للتعديلات المقترحة، أنها تريد إفراغ الحكومة من صلاحياتها قبيل الوصول لحكومة برلمانية، أي قبل وصول حكومة منتخبة تحكم السلطة التنفيذية، في تخوف واضح من الدولة على مصير الحكم في المملكة.
وكان هذا التخوف قد لاح في خطبة العرش التي ألقاها الملك عبدالله الثاني أثناء افتتاحه الدورة العادية لمجلس النواب، حين قال: "علينا أن نحرص على صون مؤسسات الدولة السيادية والدينية والتعليمية والرقابية من التجاذبات الحزبية، لتبقى درعاً للوطن والمواطنين، دون تسييس أو تحزيب، وفي حماية الدستور ونصوصه".
لكن الوصول للحكومة البرلمانية يحتاج إلى 20 عاماً وفق سمير الرفاعي، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. وقد أمهل الملك اللجنة 10 سنوات للوصول إلى نقطة البداية لتأسيس الحكومة المنشودة، بحسب الرفاعي.
السنوات الطويلة المقبلة ربما تكون هي السبب الرئيسي في تعديلات دستورية قد لا تمر. لكنها كشفت عن مخاوف الدوائر الرسمية في القصر والحكومة ومن خلفهما الأجهزة الأمنية في ظل ضغط الشارع في وجه السلطة عقب وصول الإدارة الأمريكية الديمقراطية إلى البيت الأبيض، وهذا ما أنعش روح الديمقراطية لدى الشعب الأردني على نحو بات يزعج من يقفون وراء التعديلات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع