شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"البلد الذي زرعتِ فيَّ حبَّه، لم يكن يبادلني الحب"... سبع سنوات على إعدام ريحانة جباري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 26 أكتوبر 202104:28 م

يتخم تاريخ البشرية بالقصص الحزينة والقاسية، وحين نتتبّع القصص التي تتعلق بالمرأة على مدار التاريخ، وخصوصاً في مجتمعات العالم الثالث، فإننا قد نكتب مجلداتٍ كثيرة الصفحات، شديدة البؤس، لما عايشته المرأة على مر العصور المختلفة باختلاف البقع الجغرافية، ومن بين أبرز القصص الحزينة قصة ريحانة جباري، مصممة الديكور الإيرانية التي أصبحت قاتلةً بين ليلة وضحاها.

ما نعرفه عن ريحانة جباري

في 25 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014، وتحت أعين المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، تم تنفيذ حكم الإعدام في حق ريحانة جباري، المرأة الإيرانية السُنّية التي عاشت في عالمنا 26 سنةً فقط، قضت سبع سنوات منها بين السجون. في دولة إيران تمت محاكمة امرأة دافعت عن نفسها من الاغتصاب، بالإعدام!

بدلاً من اعتبار القضية دفاعاً عن النفس -أو عن العرض كما يتم تصنيفها- تم تصنيف الأمر قتلاً عمداً، لأن الرجل الذي تهجم على ريحانة، والذي يُدعى مرتضى عبد العلي سربندي، موظف سابق، وصاحب نفوذ في وزارة الاستخبارات الإيرانية فحسب.

في 25 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014، وتحت أعين المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، تم تنفيذ حكم الإعدام في حق ريحانة جباري، المرأة الإيرانية السُنّية التي عاشت في عالمنا 26 سنةً فقط، قضت سبع سنوات منها بين السجون

وعلى الرغم من دعوات الناشطين الإيرانيين، والمجتمع الدولي كله، وعلى رأسهم منظمة العفو الدولية، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للإفراج عن ريحانة، إلا أنه وبعد سبع سنوات، انتقلت خلالها ريحانة جباري إلى أكثر من سجن، تم تنفيذ حكم الإعدام فجر السبت 25 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2014، ليكون يوماً مظلماً في تاريخ الإنسانية، وفصلاً جديداً للانتهاكات التي تمارسها الدول الديكتاتورية تجاه حقوق الإنسان. الغريب في الأمر، أنه وعلى الرغم من الدعوات كلها لإعادة التحقيقات المشكوك في صحتها من الأساس، وعلى الرغم من تقرير الطبيب الشرعي الذي أثبت وجود زجاجة شراب تحتوي على مادة مسكّنة تم حقن جباري بها، وبالإضافة إلى توقيع أكثر من مئتي ألف شخص عريضةً تُطالب بالعفو عن ريحانة، إلا أن هذه الأشياء كلها لم تشفع للفتاة المسكينة التي تم استدراجها، في ليلة الحظ العاثر، إلى موقع الجريمة.

في دولة إيران تمت محاكمة امرأة دافعت عن نفسها من الاغتصاب، بالإعدام!

كانت ريحانة تعمل مصممة ديكور، وهي تبلغ 19 سنة، وطلب منها مرتضى عبد العلي سربندي الحضور لمعاينة مكان يريد تجهيزه، وحين ذهبت، قدّم لها مشروباً فيه مادة مخدّرة. وبمجرد أن بدأ أثره في الوضوح على ملامحها، تهجّم عليها، مما دفعها لطعنه.

ما روته ريحانة جباري

في 1 نيسان/ أبريل 2014، حين كان من المُقدّر إعدام ريحانة خلال هذا الشهر، قبل أن يتم تأجيل الحكم بضغوط كبيرة من المجتمع الدولي، سجّلت ريحانة بصوتها وصيّتها لأمها، وفي 27 تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، وبعد الإعدام بيومين، تداولت وسائل الإعلام كلها نص الرسالة التي ستُعرف بالرسالة الأخيرة من ريحانة إلى والدتها "شُعلة".

"في تلك الليلة المشؤومة، كان يجب أن أكون أنا القتيلة. كان جسدي ليُلقى في إحدى زوايا المدينة، وبعد أيام كانت الشرطة ستأخذكِ إلى مكتب الطبيب الشرعي، لتتعرَّفي على الجثة؛ وكنتِ ستعرفين حينها أنّي قد اغتُصبت. لم يكُن أحدٌ ليتوصَّل إلى هوية القاتل؛ لأننا لا نملك أموالهم، ولا نفوذهم. عندئذٍ، كنتِ ستُكملين بقية حياتكِ في معاناةٍ وعار؛ وكنت ستموتين كمداً بعد بضع سنين، وكانت القصة ستنتهي".

تصف ريحانة في رسالتها الطويلة، معاناتها في السجن، وتجربتها الخاصة المريرة، وعتبها على القدر، وتُشير إلى العار الذي قد يلحق بمن يقعن ضحية للاغتصاب، على الرغم من أنه جريمة يجب التعاطف مع ضحيتها، وتُشير إلى نفوذ سربندي، الرجل الذي ساهم بخطيئته في إيصال ريحانة إلى حبل المشنقة، وحرمان أسرةٍ من فلذة كبدها.

"البلد الذي زرعتِ فيَّ حبه، لم يكن يبادلني الحب"

تصف ريحانة خيبة أملها الشديدة بالعدالة، وبالوطن، وبالقانون، حين ظنّت أنه سيتم تقدير موقفها كضحية. ولكنها فجأة، وتحت ظلال الحكم الديكتاتوري العنيد، تحولت إلى قاتلةٍ في نظر بلدها، وانتُهكت حريتها، وجسدها، وسُلبت روحها في سجون تشبه القبور.

"أشعر بالخزي لأنكِ حزينة. لماذا لم تعطيني الفرصة لأُقبِّل يدكِ، ويد أبي؟".

تسخر ريحانة من القدر، وتحزن على حزنها لأنها لن تودّع أحبابها، وتمنح العطف في أشد أوقات احتياجها إلى من يمنحها قبلةً وعناقاً، وتواسي أمها في رسالتها، على الرغم من أنها تخطو نحو الموت بلا دموع، وبلا توسّلات. تفقد ريحانة الثقة في عدالة المحكمة والقاضي، وفي عدالة الوطن، ولكنها لا تفقد الثقة في الله، وتخبر أمها بألا تحزن، لأننا في الآخرة سنكون نحن من يوجّه الاتهام.

ما لم تروِه ريحانة

في العام 2016، بدأت الرغبة بالكتابة عن ريحانة جباري تراود الكاتب المصري أدهم العبودي، الذي يعمل كمحامٍ بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، وعلى مدار أربع سنوات مكثّفة من البحث والكتابة، أصدر عام 2020 رواية "ما لم تروِه ريحانة"، عن دار "إبييدي". في الرواية، يمنح الكاتب ريحانة جباري فرصةً لسرد ما لم نعرفه بالتفصيل، ويعطيها حضوراً بديل لحضورها الذي تمت سرقته زوراً، وظلماً.

في 203 صفحات، تتحدث "ريحانة" كبطلة رواية العبودي المُتخيّلة، داخل إطار ريحانة جباري، بقصتها الحقيقية. عالم موازٍ خلقه العبودي من خلال تتبع رحلة ريحانة في سجون إيران العديدة، من سجن "كوهردِشت"، إلى سجن "إيفين"، وغيرها من السجون. في 26 فصلاً، عدد سنوات ريحانة، مزج العبودي بلغته الجنوبية التي يبرع في تطويعها بين كابوسية أدب السجون، وعبثية الحياة من خلال شخصيات ثانوية تُبرز مأساوية الأحداث التي راحت ضحيتها ريحانة. في السجن، تُخبر ريحانة إحدى زميلاتها عن سبب دخولها، فترد السجينة بأسى:

-مسكينة! سيعدمونكِ.

فترد ريحانة:

-من أين جئتِ بهذه الثقة؟!

فتجيبها السجينة بلا مبالاة:

-وحمقاء أيضاً! ألا تعرفينهم؟!

استخدم الكاتب التحليل النفسي، لمعرفة الشخصية الحقيقية لريحانة، من خلال رسالتها الأخيرة إلى والدتها. ومن خلال كلمات مثل "حب الوطن"، "لم يحبّنا العالم"، "وثقت في القانون"، عبّر عن المشاعر المتضاربة العديدة التي ضربت روح ريحانة وجسدها، خلال سجن امتد سبع سنوات، كادت خلالها أن تموت أكثر من مرة، من خلال تنفيذ حكم الإعدام، أو بسبب الانتهاكات الوحشية البشعة التي مارسها ضباط السجن خلالها. ومن الخيال، نسج الروائي صوراً حيةً لشُعلة، والدة ريحانة، ولوالدها، ولحبيبٍ مُتخيّل تتبادل معه ريحانة الرسائل، وتحكي له في خيالها عن انتهاكات جسدها، وزميلاتٍ في السجن تم الزج بهن في قضايا تافهة، في عالم لا يرى المرأة إلا سلعةً، أو ضحيةً مفضّلة لديه.

تصف ريحانة في رسالتها الطويلة إلى والدتها، معاناتها في السجن، وتجربتها الخاصة المريرة، وعتبها على القدر، وتُشير إلى العار الذي قد يلحق بمن يقعن ضحية للاغتصاب، على الرغم من أنه جريمة يجب التعاطف مع ضحيتها

ريحانة وثريا وجهان لعملة واحدة

في عام 1986، وبعد تغيير نظام الحكم في إيران، من ملكي إلى جمهوري إسلامي، وقعت حادثة تبادرت إلى الأذهان الدولية، في وقت حادثة ريحانة، وهي حادثة "ثريا"، المرأة التي يتم تلفيق تهمة الزنا لها، والحكم عليها بالرجم، نتيجة اتهامٍ باطل. يتناول فيلم "رجم ثريا -The Stoning of Soraya M"،


المأخوذ عن رواية تحمل العنوان نفسه، للكاتب الصحافي الفرنسي الإيراني "فريدون صاحب جم"، وتروي الحادثة كما وقعت بالضبط، وكما جاءت في أحداث الفيلم.

يدور الفيلم والرواية حول حياة امرأة يتم رجمها حتى الموت، بعد اتهامها بالزنا كذباً، من قِبل زوجها، ورجل دين آخر، بسبب رغبة زوجها في الزواج من امرأة أخرى، من دون دفع نفقة ثريا! يريد الرجل الزواج من طفلة عمرها 14 سنة، ويسعى إلى الفوز بمالها.

تصف ريحانة خيبة أملها الشديدة بالعدالة، وبالوطن، وبالقانون، حين ظنّت أنه سيتم تقدير موقفها كضحية.

يُدبر "علي"، زوجها الذي يعمل سجّاناً، التهمة لزوجته، لكي يتم إعفاؤه من مصاريف الطلاق والنفقة، ويدّعي أنه شاهدها وهي تخونه مع رجل غريب، ويأتي بشهادة هذا الرجل بعد أن يهدده بتلفيق التهمة له أيضاً. يعاون السجّان رجال الدين كي يتوصلوا إلى الحكم النهائي، وهو رجم ثريا حتى الموت.

تتشابه الحادثتان بشكل كبير مع بعضهما البعض، ربما لأن الجناة كانوا رجال سُلطة مثل "علي" السجان زوج "ثريا"، أو "سربندي" موظف الاستخبارات السابق.

تتشابه الوقائع والحوادث في المجتمعات الشرق أوسطية، حتى لو اختلفت الأقطار، أو الحقب الزمنية، وحتى مع تبدّل السلطات، أو تغيّر الأزمنة. لا يمكن أن يختلف أحد على سوء الواقع الذي تعيشه المرأة في مجتمعات العالم الثالث، من النواحي كلها، على الرغم من كابوسية التناول في الأعمال الفنية، ولكن المفارقة تكمن في تجسيدها لواقع معيش.

بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على حادثة ثريا، وسبعة أعوام كاملة على رحيل ريحانة جباري، ما زلنا في حاجة إلى طرح المزيد من النقاشات حول وضع المرأة في المجتمعات الديكتاتورية التي تستند في سلطتها إلى نصوص دينية، أو سلطة ذكورية يستغلّها الرجال في سحق المرأة، وما زلنا في حاجة إلى مئات من الكتب، والروايات، والأفلام، التي تنقل لنا قصصاً حقيقية للمعذّبات كلهن، بسبب الشهادات الباطلة، أو الأدلة الواهية المُلفّقة، لأننا في صراعنا مع الموروث الذكوري الجماعي، نتقدّم خطوةً، ونتراجع عشرات، بفعل من يملكون السلطة، ويحظون بالامتيازات. وفي ظل ما تسعى إليه البشرية، للتطلع إلى تحقيق المساواة بين الجميع، ما زال بيننا من يرغبون في عودتنا إلى العصور الوسطى.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image