شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
منهم نائبة حُرمت من علاج السرطان... أكثر من مئة نائب تونسي بلا دخل

منهم نائبة حُرمت من علاج السرطان... أكثر من مئة نائب تونسي بلا دخل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 21 أكتوبر 202101:32 م

بعد معاناة وصمت طويلَين، قرّرت النائبة التونسية، هاجر بوهلال، الخروج عن صمتها، لتعلن أنها لم تعد تستطيع الحصول على علاج مرض السرطان، بعد أن جُمِّد مقعدها النيابي، مثل النواب التونسيين جميعهم.

بعد شيوع الخبر، الذي تداوله أياماً ناشطون وسياسيون، من دون أن يذكروا اسمها، تدخّلت الرئاسة التونسية لتمكينها من العلاج، حسب بيان لوزارة الشؤون الاجتماعية.

لكن بوهلال ليست وحدها من يعاني الأمرّين، من قرارات قيس سعيّد.

قد أدخل السجن

"يمكن أن أُحال على المحكمة، هذا الشهر، بسبب 'صكوك بلا رصيد'، من أجل مقتنيات للمنزل اشتريتها بقرض بنكي يُدفع على أقساط من راتبي الشهريّ، وبعد تجميد البرلمان، لم يعد لديّ راتب". بهذه الكلمات عبّر النائب في البرلمان التونسي المجمّد، حاتم القروي، عن تداعيات إيقاف راتبه بعد قرارات الرئيس التونسي الأخيرة.

وأضاف النائب: "لدينا عائلات والتزامات مالية تحكمنا، وجميعنا نعاني من وضع نفسي ومادي صعب، ولأذكر مثالاً بسيطاً عن آثار قطع الرواتب عن النواب، فعائلة زميلنا المتوفى النائب نزار مخلوف في وضع مادي صعب، بعد إيقاف جرايته (معاشه)، خاصةً وأن أرملته عاطلة عن العمل، وتعيل ثلاثة أطفال".

"يمكن أن أُحال على المحكمة هذا الشهر، بسبب قرض بنكي". أكثر من مئة نائب برلماني تونسي يواجهون الفقر والأمراض، بسبب تجميد البرلمان

ويرى القروي أن الآثار المعنوية قاسية هي الأخرى، بقدر الجانب المادي في هذا الوضع، قائلا لرصيف22: "تقلقني تعليقات من بعض المواطنين، أو المسؤولين، وكأن نواب الشعب أناس نكرات، فأنا مثلاً مواطن تونسي، وموظف في الدولة، وابن المدرسة العلمية، ولدي شهادات عليا، بالإضافة إلى 25 عاماً من الخبرة، كمربٍّ، ثم مُتَفقّد (مفتّش تربوي)، يعني لي تاريخ في المسار المهني، ومن المعيب أن يعلّق صحافي في إذاعة مرموقة، ويقول باستهزاء: 'ليذهبوا لجمع الزيتون'. فالنواب الموظفون بالذات اقتصروا على مهنتهم كنواب شعب، بعد عملية التحاقهم بوظائفهم الأساسية في سلك الوظيفة العمومية، وقد قاموا بعملهم على أكمل وجه، من دون مخالفة القانون، ولا يجب اتهام الأشخاص من دون أدلة".

ما يعيشه هؤلاء النوّاب، هو من نتائج قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي أصدر أمراً رئاسياً، يوم 22 أيلول/سبتمبر 2021، يقضي بوضع حد للمنح والامتيازات كافة المسنَدة إلى رئيس مجلس نواب الشعب، وأعضائه، مع مواصلة تعليق اختصاصات البرلمان جميعها، ومواصلة رفع الحصانة عن النواب جميعهم (217 نائباً).

نحن موظفون تونسيون

يرى النواب المجمّدة عضويتهم، أن إيقافهم عن مهامّهم مسألة غير قانونية، وغير إنسانية، ومن حقّهم المشروع كمواطنين تونسيين، وكنوّاب، أن يحصلوا على مداخيلهم، خاصةً أن الكثيرين منهم لا يملكون موارد مالية أخرى، غير رواتبهم التي كانوا يتقاضونها عن مهامهم كنواب برلمانيين.

يقول النائب المجمّدة عضويته، فؤاد ثامر، لرصيف22: "المسألة ليست مسألة استعطاف، ولا تسوّل، فنحن موظفون لدى الدولة التونسية، والرواتب من حقّنا، فأنا مثلاً كنت موظفاً في وزارة الاتصال، وآمنت بالديمقراطية، فتقدمت بترشيحي في الانتخابات، وفزت. يعني اختارني الشعب التونسي، ولم آتِ إلى البرلمان على ظهر دبّابة، وتالياً تجميد البرلمان، ووضع حد لأجور نواب الشعب، ليس قانونياً ولا إنسانياً، فهنا نتحدث عن قُوت أكثر من 125 تونسياً (وعائلاتهم)، فُرضت عليهم البطالة بمنعهم من الرجوع إلى عملهم الأصلي، ومنعهم من مباشرة مهامهم داخل البرلمان. زد على ذلك أننا ممنوعون من العمل بصفة موازية في أي مهنة أخرى، حسب قانون الوظيفة العمومية".

وقال ثامر إن أغلبية زملائه يعيشون في منازل بالإيجار، وعليهم ديون وقروض بنكية، ولديهم أطفال يدرسون، والتزامات عائلية كبرى، وإنهم مكرهون على البطالة، ومقيّدون بالقانون، إذ لا يستطيعون مباشرة أعمال أخرى.

وفي حديثه لرصيف22، قال النائب عن ائتلاف الكرامة، عبد اللطيف العلوي: "أنا أعمل أستاذاً في المدارس الخاصة، كوني سجيناً سابقاً، وممنوعاً من العمل في الوظيفة العمومية. بعد الثورة، اخترت أن أكمل عملي في القطاع الخاص، بعد تجربة 20 سنة، وما راعني اليوم أنني أصبحت فجأة عاطلاً عن العمل، ولا دخل لي، وزوجتي لا تعمل، وظروفي المادية صعبة جداً، خاصةً أنني انقطعت عن عملي لخدمة الشعب، ثم خسرت وظيفتي وراتبي كنائب".

آمنت بالديمقراطية، فتقدمت إلى الانتخابات، وفزت، أي اختارني الشعب التونسي، ولم آتِ إلى البرلمان على ظهر دبّابة. تجميد البرلمان حرمني من دخلي المالي

وأضاف العلوي: "أغلب النواب اليوم عاطلون عن العمل، وهم في وضع قانوني معقّد، إذ لا يُسمح لهم لا بالعمل، ولا بالاستقالة، وإمكانية الاستقالة غير واردة مطلقاً، بما أنها تتطلب إحالة على مجلس الشعب، والأخير معطّل، ثم إن القرارات التي اتخذها سعيّد غير قانونية، وغير أخلاقية، فنحن مواطنون تونسيون نعيل عائلات، ورواتبنا هي أبسط حقوقنا".

أما النائب عن التيار الديمقراطي، رضا الزغمي، فيعدّ المسألة قانونيةً، وأخلاقيةً، قبل أن تكون ماديةً، وقال في حديث لرصيف22: "أنا إطار سامٍ في وزارة التربية، وأستاذ مؤطر في دار المعلمين العليا في الجامعة التونسية، ومع ذلك أجد نفسي معلّقاً، ولا يمكنني العودة إلى عملي الأصلي، وهو حق دستوري وقانوني، حتى إن قرر الرئيس حل البرلمان".

بلا قانون... أين المفر؟

وصف الكاتب العام لمرصد الحقوق والحريات، مالك بن عمر، وضعية النواب المجمّدة عضويتهم، بالحرجة جداً، وقال في تصريح لرصيف22: "هناك قراران؛ الأول تعليق البرلمان في 26 تموز/ يوليو، ثم الأمر 117 الذي صدر في 22 أيلول/ سبتمبر، وهو إيقاف صرف أجور النواب، والقراران مخالفان للدستور، وليسا من صلاحيات رئيس الجمهورية. وعليه، القرارات التي ستصدر بعدهما ستكون غير قانونية، ثم إن القرار غير إنساني، وإثارة للشعبوية، وشيطنة لنواب الشعب غير أخلاقية. أما الإشكال القانوني الأهم، فهو أن المحكمة الإدارية تعدّ الأمر الرئاسي سيادياً، وغير قابل للطعن".

وحسب بن عمر، فإن الرئيس صنّف النواب كونهم جزءاً من "الخطر الداهم" الذي برّر به قراراته، والحال أن النواب الذين يُحدِثون الشغب، لا يتعدّون العشرة، أي أقل بكثير من الأغلبية، ونحن نتعاطف كحقوقيين مع كل نائب شعب منتخب سُلِبت منه منحته، خاصةً أن الكثيرين منهم يعيشون ظروفاً معيشية صعبة.

قطع الرواتب هو لغاية سياسية بحتة، ولدفع النواب لتقديم استقالاتهم، وتالياً حلّ البرلمان التونسي

وتُرْجع الحقوقية الناطقة باسم مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، إسلام حمزة، الموضوع إلى إشكاليّته القانونية، قائلةً إن الشرط القانوني الذي يسمح للنائب بالعودة إلى وظيفته العمومية، سيتحقّق إذا ما حُلَّ البرلمان، أو انتهت ولايته، فحسب. اليوم، البرلمان مجمّد بطريقة غير قانونية، وأكثر من 140 نائباً بلا دخل، أي لا يمكنهم العودة إلى وظائفهم الأصلية عن طريق الاستقالة من العمل البرلماني".

وتروي المحامية لرصيف22، قصص نائبات مطلّقات، وليس لديهن دخل، ولا سند، ومنهن من هي مريضة، وعاجزة عن شراء الدواء، بعد إيقاف راتبها، وهي في حالة اجتماعية صعبة، حسب تعبيرها.

وحسب حمزة، فإن تجميد البرلمان، عملية غير موجودة في القانون التونسي، وإيقاف منح البرلمانيين هي عملية تجويع ممنهجة، والمفترَض أن الرئيس "يعرف جيداً القانون، ومع ذلك اتخذ قراراً فوقياً، من دون أي صلاحيات، وموضوع قطع الرواتب هو لغاية سياسية بحتة، ولدفع النواب لتقديم استقالاتهم، وتالياً حلّ البرلمان".

وحذّر رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية، عبد الرحمان الهديلي، من بقاء النواب بلا أجور، وقال إنه يجب الإسراع في تسوية وضعية النواب المهنية، خاصةً أصحاب الوظائف الذين ليس لديهم "جراية" من عملهم الأصلي، فوضعيتهم المادية أصبحت صعبة بغياب إطار قانوني للموضوع، وتالياً يجب على رئيس الجمهورية الإسراع في النظر في وضعيتهم، وإصدار أمر رئاسي يخصّهم، ففيهم أناس ليسوا متورطين في أي قضايا، وهم شرفاء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image