"فكرة الاحتضان لا غبار عليها، بالنسبة إلى مبادئ الدين المسيحي"، و"لا توجد أي نصوص دينية في المسيحية، تمنع، أو تحرّم كفالة الأطفال، بل الأبعد من ذلك، أن المسيحية لا تمنع التبنّي"، وعلى الرغم من ذلك، "لا توجد أسرة مسيحية حاضنة إلى الآن، نظراً إلى تعنّت دور الرعاية"، وفي النهاية "بندوّر على مصلحة الطفل"، ولكن "دور الرعاية المسيحية ترفض خروج الأطفال إلى الكفالة".
هكذا تجد الأسر المسيحية في مصر، والتي تحاول احتضان الأطفال، نفسها، بين ما يمليه عليها ضميرها وديانتها، وبين ما تقوم به دور الرعاية من رفض خروج الأطفال المقيمين بها إلى الكفالة المنزلية، ونظام الأسر البديلة.
الإجراءات نفسها، فلمَ الاختلاف؟
في حديث مع رصيف22، توضح مؤسسة مبادرة "كفالة طفل مسيحي"، مارلين ناجح، أن إجراءات كفالة الأطفال المسيحيين، لا تختلف عما ذُكر في موقع وزارة التضامن الاجتماعي، إذ تقدّم الأسرة طلباً، وتجهز الأوراق المطلوبة، ثم تنتظر الزيارة المنزلية لمسؤولي الوزارة، وبعدها تدخل إلى اللجنة المختصة بقبول الطلبات، التي يتحدد من خلالها الموافقة على الكفالة، أو عدمها.وتشير المتحدثة إلى أنه بناء على لوائح وزارة التضامن وقوانينها، لا يوجد ما يمنع أي أسرة مسيحية من كفالة الأطفال المنزلية "الاحتضان"، شرط أن يكونوا من الديانة نفسها، مؤكدةً أن عدد الأسر المسيحية المقدّمة على الكفالة، عن طريق المبادرة، وصل إلى عشرين أسرة، منهم أسرتان حصلتا على الموافقة، ولكنهما لم تحصلا حتى الآن على الأطفال، لتعنّت دور الرعاية، وتضيف أن الكفالة المنزلية، ونظام الأسر البديلة، متاحان للأطفال معلومي النسب، ومجهوليه، وفق شروط معينة وضعتها اللائحة التنفيذية لقانون الطفل.
تجد الأسر المسيحية في مصر نفسها بين ما يمليه عليها ضميرها، وبين ما تقوم به دور الرعاية من رفض خروج الأطفال المقيمين بها إلى الكفالة المنزلية.
وتعمل المبادرة، التي تضم اليوم عشرات الأسر المسيحية الراغبة في الكفالة، والداعمة لفكرة الاحتضان، على دعم حصول الأطفال المسيحيين فاقدي الرعاية الأسرية، خاصةً من لا يمكن إعادة دمجهم في أسرهم الأصلية، على أسر بديلة.
وتابعت مارلين: "كل طفل في أي دار رعاية معلوم النسب، يكون لديه ملف، مذكورة فيه دراسة حالة للطفل ولأسرته، ومدى إمكانية خروجه إلى الكفالة المنزلية، وهو أمر يتعلق باحتمال رجوعه إلى أسرته الأصلية".
وللتحقق من هذه النقطة، راجع رصيف22، قانون الطفل، واللائحة التنفيذية الخاصة به، وجاء في المادة 86 من اللائحة، أنه "ينتفع بنظام الأسر البديلة، اللقطاء، والأطفال الذين يتخلى عنهم ذووهم، والأطفال الضالون الذين لا يمكنهم الإرشاد عن ذويهم، وتعجز السلطات المختصة عن الاستدلال على محل إقامتهم، والأطفال الذين تثبت من البحث الاجتماعي استحالة رعايتهم في أسرهم الأصلية، مثل أولاد المسجونين، وأولاد نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية، والأطفال الذين لا يوجد من يرعاهم من ذوي قرباهم، أو المتشردين نتيجة انفصال الأبوين".
وتتمثل المعوقات التي تواجه الأسر المسيحية في فكرة الاحتضان، حسب حديث مارلين، في عدم وجود خلفية عند دور الرعاية المسيحية بنظام الأسر البديلة، مما يوقعهم في الخلط بين الاحتضان، وبين التبنّي المخالف للقوانين المصرية، ومعظم المسؤولين عن دور الرعاية، ليسوا على معرفة بوجود حل قانوني يسمح بكفالة الأطفال في المنازل، ويعتقدون أن الكفالة تقتصر على الأطفال مجهولي النسب فحسب. وتضيف أنه من ضمن العقبات التي تواجهها المبادرة؛ بحث الأسر عن أطفال أعمارهم تتراوح بين عام ونصف، وعامين.
"على الرغم من وجود دور رعاية على مستوى عالٍ من الخدمات، إلا أن الطفل يحتاج إلى اهتمام بشخصه، وبحاجاته الخاصة"، تقول مارلين، مطالبةً أيضاً بضرورة تواصل وزارة التضامن الاجتماعي مع دور الرعاية المسيحية، وإلزامهم بتطبيق قوانين الكفالة المنزلية، كما طالبت بضرورة تدخل الكنيسة لإقناع القائمين على دور الرعاية بالأمر، عن طريق توضيح الجانب الديني.
وقد حاول رصيف22، التواصل مع عدد من دور الرعاية المسيحية، من دون الحصول على إجابة وافية، وأوضحت إدارة دار "the littlest lamb" أنه غير متاح كفالة الأطفال من الدار، من دون توضيح الأسباب. كما حاول رصيف22، التواصل مع وزارة التضامن الاجتماعي، من دون الحصول على رد حتى تاريخ نشر التقرير، إلا أنه من الجدير بالذكر، أن الوزارة نشرت على موقعها نهاية أيلول/ سبتمبر الفائت، بياناً قالت فيه إنها "تتخذ الإجراءات القانونية كافة التي تصل إلى الإغلاق، ضد أي دار أيتام تمتنع عن الكفالة".
في الانتظار
"على الرغم من زواجي منذ أربع سنوات، وإنجابي ابني صاحب السنتين، إلا أنني وزوجي نفكر في الكفالة منذ فترة، لشعورنا بالمسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال، فمن غير المنصف أن يعيشوا في دور الرعاية، ويُحرموا من الحنان والاهتمام الأسري، والعيش بين أب، وأم، وإخوة، حتى يستطيعوا الإبداع والنجاح في حياتهم"، تقول هايدي جابر، إحدى الأمهات المقدّمات على الكفالة، لرصيف22.تتمثل المعوقات التي تواجه الأسر المسيحية في فكرة الاحتضان في عدم وجود خلفية عند دور الرعاية المسيحية بنظام الأسر البديلة، مما يوقعهم في الخلط بين الاحتضان والتبنّي المخالف للقوانين، ومعظم المسؤولين عن دور الرعاية، ليسوا على معرفة بوجود حل قانوني يسمح بالكفالة
وأوضحت هايدي، وهي تعمل في مجال الأعمال الحرة، أن إجراءات الكفالة كانت متاحة، وسهلة التنفيذ، وتشمل تقديم طلب أونلاين، وبعدها ترسل وزارة التضامن رسالة للأسرة، لتأكيد استكمال الطلب، وبقية البيانات، ثم تنتظر الأسرة البحث المنزلي من قبل الشؤون الاجتماعية في المحافظة التابعة لها، من أجل تقييم المنزل، ومدى تطابقه مع المواصفات، مشيرةً إلى أنه لا يجب أن تكون هناك غرفة مستقلة للطفل المحتضَن كما يعتقد البعض.
وتابعت: "سألنا المسؤولون في أثناء الزيارة، عن سبب رغبتنا في الكفالة، على الرغم من وجود ابن لدينا، كما يسألون عن الأوضاع الاقتصادية، ودخل الأسرة؛ لتقييم مدى قدرتها على الكفالة".
وقالت: "ننتظر الآن موعد لجنة الأسرة البديلة، وفيها يقابل الزوجان مسؤولين من أكثر من هيئة؛ الشرطة، والأزهر، لتحديد مدى الاتّزان النفسي لدينا، ومدى أهليتنا لكفالة طفل. وبعد موافقة اللجنة، سنأخذ جواب المشاهدة، للبدء برحلة البحث عن ابنتنا".
وتؤيد هايدي حديث مارلين ناجح، متخوفةً من أن هذه الرحلة لن تكون سهلة، فعدم معرفة القائمين على دور الرعاية بوجود حل قانوني لكفالة الأطفال، يدفعهم إلى الاستغراب، ورفض خروج الأطفال المقيمين لديهم إلى مشروع الأسر البديلة.
لا مانع دينياً
تتعدد الطوائف المسيحية في مصر، وتتباين وجهات النظر الدينية بينها، في فكرة الاحتضان، إذ ترى الطائفة الأرثوذكسية أن الاحتضان مباح في المسيحية، من دون المساس بقانون الدولة المصرية، وتذهب الطائفة الكاثوليكية إلى إباحة الاحتضان، وكذلك إباحة التبني بمعناه المعروف.يقول القمص موسى إبراهيم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إنه لا يوجد ما يمنع في المسيحية مبدأ الاحتضان؛ ففي النهاية هو عمل محبة ورحمة، فإذا وُجد شخص لديه القدرة المادية والنفسية على إسعاد شخص آخر، والاعتناء بأموره واحتياجاته المختلفة، وقام بذلك، فقد أرضى الله.
"لا بد من تواصل وزارة التضامن الاجتماعي مع دور الرعاية المسيحية، وإلزامهم بتطبيق قوانين الكفالة المنزلية"
وأكد القمص في حديثه لرصيف22، أن فكرة الاحتضان لا غبار عليها بالنسبة إلى مبادئ الدين المسيحي، فلا يوجد ما يمنع إقامة الطفل في المنزل مع الأسرة الكافلة، طالما تم ذلك وفق آليات الدولة المصرية، وقوانينها.
كما تواصل رصيف22، مع الأب الكاثوليكي جون جبرائيل، وهو متخصص في اللاهوت العقيديّ، وطالب دكتوراه في بلجيكا، وأشار إلى أنه لا توجد نصوص دينية محددة في موضوع كفالة الأطفال، ولكن هناك نصوص في الكتاب المقدس تدعو المسيحيين إلى ضرورة الاهتمام بالأيتام والأرامل؛ فدائماً ما تربط نصوص الكتاب المقدس بينهما.
وأضاف جبرائيل: "لا توجد أي نصوص دينية في المسيحية تمنع، أو تحرّم كفالة الأطفال، بل الأبعد من ذلك، إن المسيحية لا تمنع التبنّي، بمفهومه المعروف، ونسب الطفل إلى أبوين جديدين. والأهمّ، هو دور الدولة، ويتمثّل في تقييم دخل المتبنّي، ومدى أهلية السكن للطفل، كما يحدث في بعض الدول أن تُعرَض الأسرة المتبنّية على طبيب نفسي، للتأكد من الحالة النفسية الخاصة بها. بالتأكيد، لكلّ دولة قوانينها التي تحمي هذا الشأن، ويجب احترامها، أو السعي من خلال القنوات الشرعيّة، لجعل القوانين دائماً أفضل للإنسان".
وأكد الأب أن الكنيسة في العالم، تشجّع على كفالة الأطفال، حتى ينشؤوا في كنف أسرة، ويجدوا الحب، والرعاية الأسرية، تطبيقاً لما جاء في الكتاب المقدس عن الاهتمام بالأيتام، والحث على رعايتهم، ومساعدتهم.
تتعدد الطوائف المسيحية في مصر، وتتباين وجهات النظر الدينية بينها، في فكرة الاحتضان، إذ ترى الطائفة الأرثوذكسية أن الاحتضان مباح في المسيحية، من دون المساس بقانون الدولة المصرية، وتذهب الطائفة الكاثوليكية إلى إباحة الاحتضان، وكذلك إباحة التبني بمعناه المعروف
وأشار إلى عدد من النصوص الدينية في الكتاب المقدس التي تدعو إلى الاهتمام بالأيتام، ففي نصّ مزمور 68:5: "أبو اليتامى ومنصف الأرامل، الله في مقر قدسه"، كما جاء في تثنية الاشتراع 10:18: "منصف اليتيم والأرملة ومحب النزيل، يعطيه طعاماً وكسوة"، وفي نصّ في تثنية الاشتراع 14:29: "فيأتي اللاوي، إذ ليس له نصيب وميراث معك، والنزيل واليتيم والأرملة، الذين في مدنك، فيأكلون ويشبعون، لكي يباركك الرب إلهك في جميع ما تعمل من أعمال يديك".
وأشار إلى أن التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، في البند 2379، نصّ على أن: "يُظهر الإنجيل أن العقم الجسدي ليس شراً مطلقاً. فيجب على الأزواج الذين ما زالوا يعانون من العقم، بعد استنفاد الإجراءات الطبية المشروعة، أن يتّحدوا مع صليب الرب، مصدر كل خصوبة روحية. وهم يمكنهم التعبير عن كرمهم من خلال تبنّي الأطفال المهجورين".
وأضاف أن البابا يوحنّا بولس الثاني، في لقاء مع مجموعة من الأسر المتبنّية أطفالاً، في 5 أيلول/ سبتمبر عام 2000، قال: "إن تبني طفل هو عمل حب عظيم. عندما يتم ذلك، يتم إعطاء الكثير، ولكن يتم أيضاً تلقّي الكثير. إنه تبادل حقيقي للعطايا. تبنّي الأطفال، ومعاملتهم معاملة الأبناء، يعني الاعتراف بأن العلاقة بين الوالدين والأطفال لا تقاس فقط بالمعايير الجينية. الحب الإنجابي هو أولاً وقبل كل شيء هبة الذات. هناك شكل من أشكال الإنجاب يحدث من خلال القبول، والاهتمام، والتفاني. عندما يكون هذا أيضاً محمياً قانونياً، كما هو الحال في التبنّي، فإنه يؤكد للطفل الجوّ السلمي، والحب الأبوي والأمومي، الذي يحتاجه لنموه البشري الكامل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون