شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"يسبب انفصاماً في شخصية المرأة"… الحجاب القسري والطفولة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 29 سبتمبر 202106:33 م

"تمنيت لو لم تأت الدورة الشهرية لابنتي رغم كونها لحظات فرح لكل أم، لكن زوجي قتل هذه اللحظات عندما قال لها كبرت وغطي شعرك".

تقول علا عبد الهادي (44 عاماً)، تسكن في قطاع غزة، وتضيف لرصيف22: "ما تخيلت في يوم إنه بنتي الصغيرة أم 11 سنة اللي بتلبس شو ما بدها، وبتلعب مع أولاد الجيران كل يوم، إنه ييجي يوم وفجأة يقول لها أبوها غطي شعرك كبرتي".

كلام الناس

وتتساءل علا: "كيف يعني بنتي كبرت وهي لسة ما طولت، ولا تخنت، ولا صدرها كبر، ولا فيها أي شيء مغري، والمصيبة إنه زوجي نفسه مش مقتنع لكن حكى لي: شو بدك أهلي وأعمامها يحكو عني مش عارف أربي بنتي وأسترها؟".

تقول نور ابنة علا (بوجود والدتها): "أنا بالمرة مش حابة ألبسه، لكن بابا غصب علي لما طلعت من غيره، وحكى لي بدك تفضحينا، وخفت يضربني أو يتخانق مع ماما بسببي".

وتضيف: "حتى بالمدرسة المعلمات طول الوقت يحكولنا اللي اجتها الدورة تغطي شعرها، وفي مرة جارتنا اللي بصف تاسع المس ضربتها علشان ما بتغطي شعرها، وأبوها راح للمديرة وتخانق معهم، لكن أنا بابا هو اللي بدو إياني ألبسه غصب عني".

وعلى النقيض، لم يقتنع محمد الأسعد (38 عاماً) بحجاب ابنته، قال: "يعني بنتي لما صارت عمرها 12 اجتها الدورة، أنا شايفها صغيرة وجسمها صغير، وبقول خليها تعيش طفولتها، لكن أمها ما رضيت، ليه؟ لأنها دارسة لغة عربية وشريعة ومش لأنه الدين بقول تتحجب، لا ولكن لأنه خايفة صحباتها يقولوا عنها مش متدينة".

"في مرة جارتنا اللي بصف تاسع المس ضربتها علشان ما بتغطي شعرها، وأبوها راح للمديرة وتخانق معهم، لكن أنا بابا هو اللي بدو إياني ألبسه غصب عني"

ويضيف: "الله ما بيقول ألغي طفولتها، وعلشان هيك رفضت إنها تلبسه، لكن البنت نفسها بعد سنة صارت بدها تلبسه، لأنه أمها بطلت تدللها وبطلت تاخدها معاها زيارات وطلعات، فالبنت لقت نفسها وحيدة، خصوصاً إنه ما عندي بنات غيرها".

"خلعته بعد 24 عاماً"

تقول شاهندة أسعد، اسم مستعار (38 عاماً) : "تحجبت منذ بلغت سن العاشرة، عندما جاءتني الدورة حرموني من اللعب في الشارع، ومن لبس الجينز والقصير، ومن السباحة في البحر، وحتى من اللعب مع أولاد عمي".

وتضيف: "لم تعارض أمي وقتها، بالعكس اشترت لي ملابس كبيرة حتى تغطي جسمي الصغير، حتى أن حجابي كان كبيراً علي، ولم أفهم لماذا لبست الحجاب ولا لماذا ممنوع ألعب بالشارع وألبس شورت أمام إخوتي بالبيت".

ما مرت به شاهندة سبّب لها "عقدة نفسية"، على حد وصفها، فهي ارتدت الحجاب لأنها عادة المجتمع في قطاع غزة، ولم تعرف بوجوبه الديني إلا عندما أصبحت في الثانوية العامة، عدا أنها لم تقتنع لأن غصة فرض الحجاب ظلت تلازمها إلى أن أصبحت ابنة السادسة والعشرين، وتزوجت، وسافرت إلى دبي مع زوجها.

تقول شاهندة لرصيف22: "في دبي عشت ثماني سنوات، واختلفت مع زوجي بعدما أنجبت ابنتي دانا، وشعرت أنني لا أريد أن أكون ضحية الحياة الزوجية، فانفصلت عنه، وأول أمر قررت أن أعمله هو خلع الحجاب".

وتصف الخطوة بأنها "ليست صعبة"، خصوصاً أنها لم تقتنع يوماً به، لكنها لم تستطع مرة أن تبوح برغبتها في خلعه، خوفاً من أهلها الذين أجبروها هي وأخواتها على ارتدائه في حين لم يهتموا وقتها بالصلاة أو الصوم، المهم هو"شكلنا أمام الناس، حجابنا ولبسنا" حسب قولها.

مرت أربع سنوات على خلع شاهندة للحجاب، ولم يحدثها عنه أبوها أو أي من إخوتها، هي فقط تكلم والدتها وأخواتها سراً، لأنه "كمان والدي حلف يمين على أمي إذا بتكلمني، وأمي بطل فارق معها لأنها تعبت من حياة الأوامر والشروط".

"لن أكرر مأساتي مع ابنتي"

لا تختلف قصة فاطمة أحمد (43 عاماً) كثيراً عن قصة شاهندة، إلا أنها لم تمتلك جرأة خلع الحجاب، فهي عارضت رغبة طفلتها مريم البالغة من العمر 10 سنوات في ارتداء الحجاب، وتقول: "طفلتي لم تعِ ماذا تريد، فهي متأثرة بزميلاتها في المدرسة اللواتي أجبرن على ارتدائه وهن صغيرات وغير مدركات أن من تلبس الحجاب يجب أن تلبسه طول الحياة، فهو بالنسبة لهن ولابنتي نوع من أنواع لباس الموضة، بإمكان الفتاة أن تنزعه متى شاءت".

وتوضح فاطمة عن سبب معارضة ابنتها لبس الحجاب، قائلة: "عندما كنت في سن الثانية عشرة أجبرني أبي على ارتدائه، لأن جسمي كان ممتلئاً، لكن أذكر أن أمي كانت تقول بصوت عالٍ: يا ريت فاطمة تتأخر في الدورة الشهرية عشان أبوها ما يتحكم فيها أكتر من هيك، إذا هلا لم تبلغ بعد وأجبرها على ارتدائه بكرة بس تبلغ شو راح يعمل؟".

تلعب فاطمة في شعر صغيرتها، وتضيف: "هذا الكلام مرسوخ في داخل عقلي منذ الصغر، وسبب لي أزمة نفسية حتى تزوجت من شاب متحرر، عرض علي أن أخلع الحجاب بعد زواجي منه، كان عمري 22 عاماً، لكن شعرت أني إذا خلعته لن أعوض ما حرمت منه منذ الصغر، فقررت ألا أعيد الأزمة لطفلتي".

انفصام الشخصية

"من جانب نفسي وعلمي نقول دائماً كلما امتدت فترة الطفولة عند الشخص ساهم في استقراره وبناء شخصيته، ونضجه، فمن المهم جداً أن نترك فترة الطفولة تأخذ وقتها كي تتعدل شخصية الطفل، حتى عندما يبلغ تتشبع رغباته الطبيعية من هذه السن، ولا يصبح لديه انتكاسات أو اضطرابات نفسية"، تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية ألفت المعصوابي.

وتؤكد المعصوابي أن الفتاة إذا تحجبت مبكراً يسبب هذا انفصاماً في شخصيتها، فهي في قرارة نفسها تشعر أنها طفلة، تميل الى اللعب، وتريد ممارسة هواياتها المفضلة، فيما الحجاب سيمنعها من ذلك، وبالتالي هذا يعيق نموها السيكولوجي إذ نقحمها في عالم البالغين".

"يعني بنتي لما صارت عمرها 12 اجتها الدورة، أنا شايفها صغيرة وجسمها صغير، وبقول خليها تعيش طفولتها، لكن أمها ما رضيت، ليه؟ الله ما بيقول ألغي طفولتها"

وتقول: "الفتيات أنواع، من المراهقات فئة منهن تحب أن تظهر نفسها، وقد يخترن الحجاب ليشعرن الآخريات أنهن بالغات، وكبيرات، وهناك فئة أخرى يسبب موضوع الحجاب حرجاً لها، إذ دخلت سن البلوغ، ولا سيما مقابل الأطفال، وهناك فئة ثالثة، تؤيد أن ترتدي الفتاة الحجاب، وتلعب مع الأطفال، فينتقدها المجتمع، وينظر لها نظرة الكبيرة المتصبينة أو قليلة العقل".

وتشير المعصوابي إلى أن عدم وجود الوعي لدى الأهالي، الذين تقتصر نظرتهم للحجاب باعتباره عادة فقط، دون إقناع الابنة بالفكرة والقدوة الحسنة، فإننا بالتالي "نجبرها، ونكبت حريتها".

وتستذكر المعصوابي واقعة حدثت في إحدى جلسات التفريغ الانفعالي عند الفتيات من مختلف الأعمار: "أحياناً نسأل المتزوجة ما هي الأشياء التي كنت لا ترغبين فيها خلال فترة طفولتك؟ ومن الأجوبة كان موضوع فرض الحجاب دون سن البلوغ متكررة، هذا الأمر أثر على ذهنها، واستمر خلال السنوات الطويلة بداخلها، لأنها من الأساس أجبرت على ارتدائه بلا قناعة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image