شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
توقفت عن الصلاة وخلعت الحجاب واخترت أن أبحث عن الأصل في مكان آخر

توقفت عن الصلاة وخلعت الحجاب واخترت أن أبحث عن الأصل في مكان آخر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 28 يناير 202102:24 م

نقطة بيضاء مشعة، بقدر صغرها بقدر ما تحوي الكون في نواتها، ترسل ضياءها باتجاهات متعددة، فينبثق من تلك النقطة الصغيرة نور قادر على إضاءة الوجود. المحظوظ منا، تكون روحه مستعدة لاستقبال هذا الضوء داخل قلبه.

حتى يصل إلى عقلك هذا الضوء، يجب أن تضفي عليه لغة يفهمها العقل الذي بُرمج على المادية، وعندما تضطر لاستخدام اللغة البشرية لوصف كيان لا يمكن احتواؤه باللغة، سيفتح هذا الكيان ذراعيه برحابة صدر لكل البشر، ويمنحهم فرصة استخدام كل منهم لغته الفقيرة الأرضية، في محاولات طفولية لوصفه.

فنقول، الله، God، الوعي الجمعي، آمون، رع، النور، الروح القدس، الرحيم، نقطة النور التي تنادينا، هذا الكيان المشعّ الذي لا يحتمل قلبُك تجليه الكامل.

أتذكر في طفولتي جلساتي في شرفة منزلنا الأول الذي تربيت فيه، أنظر إلى السماء في محاولة لاختراق هذا الحاجز الذي يفصلني عن الأصل، أغلق عيني عندما أفشل بالتواصل بعيني المجردة، تعمل عيني الثالثة -حدسي- على الفور، وأبدأ في تخيله، كل الأفكار الطفولية التي جاءتكم زارت فكري، وفي النهاية فشلت في تحديد صورة واضحة له؛ وكان هذا الفشل هو النجاح الأكبر في خطواتي الأولى للتواصل مع الأصل.

أدركت أنني بحاجة للشعور به لا رؤيته، ساعدتني جلساتي الليلية الطويلة مع أبي وهو يحدثني بحب وعيون تلمع بالنشوة، عن علاقة الحب الذي تجمعه مع الله/الأصل، يمرّر لي من خلال كلماته وجيناته وروحه المُحلّقة، كل ما أدركه عن الله، سلمني شعلة البحث عن أفضل طرق التواصل، ووضعني عند النقطة التي وصل إليها قبل موته، واختصر عليّ سنوات من البحث.

فتاة مسلمة مراهقة، تعيش في مجتمع مغلق لم ينفتح على العالم بعد، جاءت طريقة تواصلي مع الأصل وفقاً لتلك المعطيات. ارتديت الحجاب والعباءات، امتنعت عن سماع الأغاني، وقفت ساعات طويلة على سجادة الصلاة في رحلات روحانية ممتعة مع قيام الليل. أمتع لحظات التواصل قضيتها في تلك الفترة، حتى شعرت بروحي ترتقي أكثر، ولكن ظل هناك جانب من روحي يؤرقني، جانبي المجنون الذي يريد الانطلاق أكثر، الذي يريد أن يتمرد على طرق التواصل الحالية، تملكني شعور بالغرور... أريد المزيد.

فتاة مسلمة مراهقة، تعيش في مجتمع مغلق لم ينفتح على العالم بعد، جاءت طريقة تواصلي مع الأصل وفقاً لتلك المعطيات. ارتديت الحجاب والعباءات، امتنعت عن سماع الأغاني، وقفت ساعات طويلة على سجادة الصلاة في رحلات روحانية ممتعة مع قيام الليل

لم أجد وقتها المزيد مما أريد. وجدت فقط المزيد من القيود، المحرّمات والتعليمات الصارمة. بدأت تلك الروح المُحلقة تصطدم بأبواب الطقوس المعقدة ومحرماتها، ثم جاء الزهد، وتلاه البعد الذي امتزج بإنكار هذا البعد، فجاءت الصلوات فاترة باهتة، منقورة، فتوقفت عن الصلاة، وخلعت الحجاب تدريجياً، واخترت أن أتوه باحثة عن الأصل في مكان آخر، ولكن كل مكان كنت أصل إليه باختلاف ملامحه، كنت أجد نفس نقطة النور البيضاء المُشعة في انتظاري، نفس البياض، نفس الراحة، نفس السلام النفسي، وفي كل مرة تفتح لي ذراعيها، غير مؤنبة، غير غاضبة، بل سعيدة.

تضمّني نقطة النور وتهنئني على اجتيازي كل تلك الطرق للوصول، تخبرني بما يشبه الوحي، أن من يصل إلى النور بأكثر من طريق هو الفائز، فكل طريق يضيء جزءاً مختلفاً من الروح، حتى لو كان الطريق مفروشاً بالسبع خطايا، لأن خُطاك تجاه الأصل وقتها تكون أسرع وأكثر لهفة، وتكون رحلة التواصل محملة بالرغبة في العفو، وتتوج بالوقوع في الحب أكثر، حينما تتلقى العفو في أبهى صوره.

 بينما الطريق الممهد بالطاعة، فهو الطريق الآمن الذي تحتاجه روحك في مرحلة من حياتك، والطريق المغلف بالشك يكون قاسياً كالسير على صفيح ساخن، ولكن الوصول فيه هو الأكثر متعة، وقتما ترى نقطة النور في النهاية، وتغسل روحك وترطبها بنعمة اليقين، فلا تتحمّل قدماك وزن هذا التجلي، فتجثو على ركبتيك، لا لإسقاط الفرض، بل لتنهل من محبة هذا الضوء.

يقول هذا: "أنتِ صوفية"، ويقول ذاك: "أنتِ مجنونة"، و"كافرة" لن يبخل البعض بها عليّ، وأنا أقول إن هذا البيت كل يوم يعلو دوراً نحو السماء، ويمتد متراً نحو الأصل، لتتحول حياتي -أو هكذا أحاول- إلى صلوات هائمة

بعد الركض في الكثير من الطرق، جاء التأمل ليمنحني منزلاً هادئاً على مفترق كل الطرق، منزلاً فوق نقطة موازية لنقطة النور المُشعّة. أستيقظ كل يوم، أحمل حقيبة الروح وأقف أمام باب منزلي، أتأمل الطرق التي حفظت كل ذرة فيها، وأختار الطريق الذي تهفو إليه نفسي الآن. كان أول من وضع معي الطوبة الأولى في هذا المنزل، تلك السيدة الهولندية التي قابلتها في الصعيد، والتي علمتني وسائل مُريحة للتأمل، عملت بعدها على تطويرها وتشكيلها وفقاً للغتي العقلية، مستغلة خيالي بكل جموحه، في رحلات ذهنية نحو الأصل.

في قيام الليل وجدت السلام، وسيظل هذا الإحساس بالخفة هو ما تمثله كلمة "إسلام" في ذهني وروحي، ومن بين كل الطرق التي استكشفتها، لم أجد الحاجة لترك هذا الدين ورائي، ولكن في نفس الوقت، رفضت أن تطرف عيني عن نقطة النور التي أوحت بهذا الدين، وأغلقت أذني عن المتحدثين باسمه، فتصالحت مع تلك الفتاة المراهقة التي وقفت بالساعات وهي لا تشعر بقدميها مناجية الأصل.

يقول هذا: "أنتِ صوفية"، ويقول ذاك: "أنتِ مجنونة"، و"كافرة" لن يبخل البعض بها عليّ، وأنا أقول إن هذا البيت كل يوم يعلو دوراً نحو السماء، ويمتد متراً نحو الأصل، لتتحول حياتي -أو هكذا أحاول- إلى صلوات هائمة. أمارس الصلاة في الأكل، في النوم، في السباحة، في الاستحمام، في كل شيء أبحث عن طريقة للتواصل مع الأصل، وإذا انغمست فترة في نشاط لا يوفر لي تلك الصلة، تنطفئ روحي، وأحمل حقيبتي وأخرج متسائلة: أي طريق سأسلكه اليوم للوصول إلى نقطة النور؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image