شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الحجاب لم يشفني لأن إيماني ضعيف

الحجاب لم يشفني لأن إيماني ضعيف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 18 سبتمبر 202112:10 م

في التاسعة عشرة من عمري، أصبتُ بحالة نفسية جعلتني أبقى شارد الذهن طوال الوقت، ولا أخرج من غرفتي ولا أتحدث مع أحد إلا ما ندر، وأرى كوابيس خلال نومي. علم والدي بالأمر وأخذني إلى أحد أهم المشايخ في كتابة الحجابات، وحين شرح له حالتي هزّ الشيخ رأسه وأمسك ورقة وقلماً، ثم سألني: شو اسمك؟ فأخبرته، فكتب أحرف اسمي منفصلة على الورقة ثم كتب تحت كل حرف رقماً، ثم سألني عن اسم أمي، فأخبرته، فراح يكتب أحرف اسمها منفصلة مع رقم تحت كل حرف، بعدها قام بعملية حسابية استطاع من خلالها معرفة بُرْجي.

من بين الطرق المستخدمة لمعرفة البُرْج، هناك طريقة تعتمد على ما يُسمّى بعلم الحروف والأرقام، حيث كل حرف أبجدي له رقم خاص به، وتُكتب أحرف اسم الشخص منفصلة وتحتها أو بجانبها الرقم الخاص بالحرف، ثم تُجمع الأرقام، فإنْ كان الناتج على سبيل المثال 17 يُطرح الرقم 12 منه وهو عدد الأبراج الـ12 فيبقى5 ، وفي حال كان الناتج لا يقبل أن يُطرح منه الرقم 12، يبقى كما هو. بعدها تُجمع أرقام حروف اسم والدة الشخص بالطريقة ذاتها، فإذا كان الناتج 13 يطرح منه الرقم 12 فيبقي 1. وبعدها يُجمع الرقم 5 مع الرقم 1 فيكون برج الشخص هو السادس.

في حال كان مجموع أحرف اسم الشخص ووالدته على سبيل المثال 19 يطرح منه الرقم 12 فيكون البرج بذلك هو السابع وهكذا...

في علم الحروف والأرقام، هناك طريقتان لمعرفة البُرج هما "الجُمُّل الكبير والجُمُّل الصغير"، وفي كليهما يتم الحصول على النتيجة ذاتها، مع فارق هو أن الجُمُّل الصغير يتم فيه طرح الرقم 12 من مجموع الأرقام، بينما الآخر تتم فيه القسمة على الرقم 12.

بعد أن علم الشيخ ما هو برجي، أحضر كتاباً ضخماً وقديماً، مكتوباً بخط اليد، وقد جُمعت أوراقه بعضها إلى بعض عن طريق خياطتها بإبرة كبيرة أو ربما مِسلّة. على الصفحة الأولى منه مكتوب "الحكمة السليمانية"، نسبة إلى النبي سليمان. بالطبع لا يمكن لأحد أن يُثبت إنْ كانت هذه الحكمة هي فعلاً للنبي سليمان أم لا.

هذا الكتاب استطعتُ في ما بعد الاطّلاع عليه، وهو مقسم من الداخل إلى 12 قسماً بحسب عدد الأبراج، وفي كل قسم هناك ستة أبواب: ثلاثة منها للرجل وثلاثة للأنثى، وفي كل باب يوجد عدد من الصفات الجسدية الواضحة كالطول والقصر والسمنة والنحول ولون البشرة وما شابه، وفي حال اجتمع في الشخص، ذكراً أو أنثى، أكبر عدد من تلك الصفات الموجودة في الباب فهذا يعني أن كل ما هو مكتوب في هذا الباب ينطبق عليه من حيث الرزق والذرّية والأمراض والحسد وإنْ كان ممسوساً من قبل الجان أو مسحوراً. وبالطبع، هناك علاج لكل ذلك وهو الحجاب الذي تُكتَب فيه آيات قرآنية وبعض الطلاسم والرموز والأحرف والأرقام.

"ابتسم الشيخ ونظر إلى والدي قائلاً: ‘استغربت ليش ما شفي’. ثم كتب لي حجاباً آخر وبالطبع لم أُشفَ، إلا بعد أن قمت بزيارة أحد الأطباء وتبين أنني كنت أعاني من حالة اكتئاب شديدة"

نتيجة البحث والسؤال والاطلاع، علمتُ أن الحكمة السليمانية نسبة إلى النبي سليمان، والدانيالية نسبة إلى النبي دانيال، والمغربية، وما شابهها يوجد منها العديد من النسخ في معظم الطوائف، ومستخدموها يستندون إلى علم الحروف والأرقام باستخراج بُرج الشخص، والحجابات التي يكتبونها كلها تقريباً متشابهة: آيات قرآنية مع بعض الحروف والأرقام والطلاسم والرموز وأحياناً رسومات هندسية.

وهذه الحجابات البعض منها مخصص ليُحمل بشكل دائم أو لتعليقه عند مدخل البيت أو لتذويبه بالماء وشربه أو لحرقه والتبخر به أو لوضعه في مكان مهجور وما إلى ذلك... إضافة إلى أن هناك حجابات تُكتَب بالدم، كدم دجاجة سوداء أو خفاش أو غراب وغير ذلك.

بالنسبة إلى الطلاسم والرسومات الهندسية والرموز والأرقام والحروف المستخدمة في الحجاب، لم يستطع أحد من المشايخ في طائفتي ولا في الطوائف الأخرى شرح معانيها ودلالاتها، والشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه هو أن لها قوة وتأثيراً خارقين على الجن والإنس.

الشيخ أخبر والدي أن حالتي سببها الحسد، إضافة إلى وجود عمل سحري قامت به امرأة شمطاء قصيرة قبيحة تكرهني وتريد أذيتي، ولكنه أكد أن الحجاب الذي سيكتبه لي سيحل المشكلة بشكل نهائي.

"معظم الناس يشعرون بالخوف والقلق حين يتم هزّ قناعاتهم ومعتقداتهم وخاصة الدينية لأنهم لا يملكون بدائل عنها تجعلهم مطمئنين، فالبدائل المنطقية والعقلية المريحة لا يمكن الحصول عليها بسهولة"

حين عدنا إلى المنزل، انتظر أبي أن تتجاوز الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل ثم قام بوضع الحجاب في وعاء فيه ماء فوق رأسي حيث أنام، وقبل أن تشرق الشمس أنزل الكأس الذي ذاب حبر الكلمات فيه وجعلني أشرب منه ثلاث مرات كل يوم لمدة ثلاثة أيام بحسب تعليمات الشيخ.

القوة الخارقة الشافية للحجاب لم تؤثر بي، وبقِيَتْ حالتي النفسية كما هي، فأخذني والدي مرة أخرى إلى الشيخ الذي حدّق بي بطريقة أرعبتني، وقال: "يبدو إنو إيمانك وثقتك بالله ضعيفة لهيك ما شفيت". كنتُ على وشك أن أقول له: حين تكتب حجاباً لطفل بعمر عامين لا يعلم شيئاً عن الله والإيمان ويُشفى، هل يحدث ذلك بسبب إيمانه القوي؟ وإنْ لم يُشفَ هل يكون إيمانه بالله ضعيفاً؟ وإنْ كان الإيمان القوي بالله هو العامل الأساسي للشفاء فما الحاجة إلى الحجاب؟ لكنني قلت له: إيماني وثقتي بالله قوية بس أبوي لما حط الحجاب فوق راسي ع السطح كنت أنا نايم بالعكس.

ابتسم الشيخ ونظر إلى والدي قائلاً: "استغربت ليش ما شفي". ثم كتب لي حجاباً آخر وبالطبع لم أُشفَ، إلا بعد أن قمت بزيارة أحد الأطباء وتبين أنني كنت أعاني من حالة اكتئاب شديدة.

بعد قصتي مع الشيخ وحجاباته، بدأتُ أقرأ وأطّلع بشكل مكثف على الديانات والمعتقدات لدى العديد من الطوائف، وأقرأ كتب الفلسفة والنقد والأدب، وأشاهد السينما وأسمع الموسيقى وأسهر وأسكر مع الأصدقاء وأفكر وأحلل... ومع الوقت تغيرتُ جذرياً وصار لديّ رؤيتي الخاصة للدين بشكل خاص وللحياة بشكل عام.

في عمر الثالثة والعشرين، أعلنتُ أمام الجميع أني لا أقتنع بالحجابات وبالكثير من المسائل الدينية الأخرى، وخضتُ نقاشات طويلة مع العائلة والمجتمع والمشايخ الذين كانوا يأتون لزيارة والدي بحكم أنه أحد أبرز مشايخ المنطقة.

كان الجميع يستغرب من أفكاري وقناعاتي البعيدة كل البعد عن والدي، وحين كان يحتدم الجدال بيني وبين الآخرين أمامه كانوا ينظرون إليه قائلين: ما رأيك يا سيدّنا بما يقوله ابنك؟ أبي الرائع كان يبتسم ويقول: لقد ربيته تربية دينية وكلي أمل أن يكون وريثاً لي ولكنه تغيّر واتخذ مساراً آخر، هذه حياته وهو حر بها ولا يمكنني إجباره على شيء، بل لا يجوز أن أجبرهُ، فلا إكراه في الدين. بعد عدة سنوات مللتُ من هذه النقاشات إلى درجة أنه كلما دار حديث حولها ألتزم الصمت وأحياناً أغادر المكان.

معظم الناس يشعرون بالخوف والقلق حين يتم هزّ قناعاتهم ومعتقداتهم وخاصة الدينية لأنهم لا يملكون بدائل عنها تجعلهم مطمئنين، فالبدائل المنطقية والعقلية المريحة لا يمكن الحصول عليها بسهولة، حين تخليتُ عن هذه الأمور شعرتُ بالقلق والخوف وعدم الأمان واستغرق الأمر بالنسبة إليّ عدة سنوات من البحث والاطّلاع والقراءة في كافة المجالات قبل أن أصل إلى قناعات وأفكار بديلة أنسجم معها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image