سلمى ليست وحيدة، فلا دوافع دينية لدى بطلات قصتنا الثلاث لارتداء الحجاب، ولا بحث أو قناعة حول "وجوبه الشرعي" من عدمه، رغم سنوات طويلة من حمله على رؤوسهن، فقط ندوب بالروح والقلب ارتبطت لديهن بارتدائه، رغم اختيار اثنتين منهن ارتدائه طواعية، ورغم اختلاف تجاربهن ودوافعهن.
"يعايروني لشعري الأكرت"
تحكي ندى (27 عاما)، أنها ارتدت الحجاب بينما كانت طالبة في الصف الأول الإعدادي، لم تكن تعرف حينها إن كان واجباً دينياً حقاً أم لا، ولم تكترث للأمر أصلاً، ولكنها قررت أن تهرب به من تعليقات والدتها وعائلتها وصديقاتها على شعرها "الأكرت"، الذي لا يشبه شعر أمها وشقيقتها الأصغر.
رغم مضي سنوات على وقائع التنمر التي تعرضت لها، فإن ندى لم تغفر وخصوصاً لوالدتها التي كانت تسخر دوماً من شعرها أمام أقربائها وصديقاتها، وكأنما تتبرأ من إثم ما، تتذكر الشابة عبارة أمها المتكررة: "مش عارفة طالعة كارتة لمين".
"أغلق باب غرفتي، ومنعني من الذهاب للمدرسة، والدروس، حتى أرتدي الحجاب، وصاح في قائلا: عايزة تدخليني النار يا بنت ال..."
وفقا لموقع مايو كلينيك الطبي، يسبب التنمّر بالأطفال، مجموعة من التأثيرات السلبية، ومنها الإصابة البدنية، الاكتئاب، القلق، الوحدة أو العزلة، الشعور بالعجز وتراجع الثقة بالنفس، اضطرابات الشهية، التفكير في الانتحار، تناول الكحوليات أو المخدرات، خفقان القلب، السلوك العدواني، ضعف الأداء المدرسي، صعوبات النوم والكوابيس والهروب من المنزل.
بارتداء الحجاب، تخلصت ندى من التعليقات السلبية من زميلاتها، وظلت تعليقات الأم تلاحقها، لذا حافظت على شعرها مشدوداً ومربوطاً بقوة دائماً، حتى بادرتها علامات الصلع بمقدمة الرأس قبل أن تتم عامها العشرين، نتيجة الشد المستمر والذي ابتدعته والدتها في طفولتها، لتحافظ على شعرها ملموماً ومنمقاً قدر الإمكان.
تقول ندى، المقيمة في محافظة الإسكندرية، لرصيف22: "أنا غضبانة من اضطراري ودوافعي للبس الحجاب، ومش قادرة أخلعه بسبب الشكل الاجتماعي، وإني لبساه من زمان، ما أعرفش إن كان واجب دينياً ومدورتش في الموضوع، ولكنه مرتبط بإذلالي بشعري الأكرت وخضوعي لتنمرهم، وده اللي بافتكره كل ما ألبسه، عشان كدة بأكرهه أو بأكرههم مش عارفة".
يحذر الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية، في تصريحات لرصيف22 من السخرية والتعليقات السلبية على صفات الطفل الجسدية، لأنها تؤدي لشعوره بالدونية، ضعف الثقة بالنفس وتراجع الشعور بتقدير الذات، ويزداد التأثير السلبي لذلك السلوك عند صدوره من الوالدين، لأنهما مصدر الحماية والدعم المفترض للطفل.
"ارتديته ليحميني لكن منفعش"
سلمى (34 عاماً)، لاحظت تلاحق نظرات مدرسيها لثدييها، بينما كانت طفلة في المرحلة الإعدادية في إحدى مدارس العاصمة، كان قوامها ممشوقاً، ولها جسد جذاب، شوهه فقط تتابع النظرات التي تطورت لاحقاً لمحاولات تلامس مقصود، تبعها تحرش واعتداء جنسي.
استدعاها مدرس اللغة الإنجليزية لغرفة المدرسين، بدعوى مساعدته في رصد درجات الامتحان الشهري، دخلت وطلب منها غلق الباب وبدأ بتفحص صدرها الناهد تحت القميص الرمادي، علق على سلسلتها الذهبية، ومد يده ليمسك بالسلسلة قبل أن يتركها ويمسك صدر الصغيرة، التي نهضت من المفاجأة، فألصق ظهرها بالحائط وتابع فرك ثدييها، بينما يحاول تقبيلها عنوة.
لا تزال سلمى، تتذكر التفاصيل، ويحمر وجهها، وتختنق بالبكاء بينما تروي لرصيف22: "كنت مذهولة، وباصرخ لكن مفيش صوت طالع، ومش قادرة أزقه، أنقذني بالنهاية خبط طالبة على الباب، جاءت لتأخذ شيئا لمدرستها فهربت من الغرفة".
بكت سلمى كثيراً وحكت لإحدى صديقاتها، والتي لامتها لأن جسدها جميل ومغري، وأنها من أثارته بعدم ارتدائها الحجاب.
في اليوم التالي، ارتدت سلمى الحجاب عله يحميها من النظرات التي تخترق جسدها والأيدي أيضاً، وظلت تشعر بالذنب لسنوات لأنها من تسببت في تلك الواقعة، بحسب صديقتها، وبالطبع لم تخبر أحداً عما اعتبرته "خطيئتها".
تشير دراسة عن حوادث التحرش بالأطفال في مصر، إلى أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، وقالت دراسة أخرى إن 82% من الاعتداءات جنسية، حدثت في أماكن يفترض أن تكون آمنة للطفل، وأن 77% من المعتدين أشخاص يفترض أن يكونوا في موضع الثقة من الطفل.
كبرت سلمى وعملت كباحثة، وأدركت أن شيئاً لن يحميها، فمديرها في العمل يلاحق جسدها بنظراته حتى تشعر أنه يعريها، وكذلك يفعل مع زميلاتها، جربت أن تشتري ملابس أكبر من مقاسها الفعلي، ثم وضعت كوفية أو شالاً فوقها، ثم زادت الحجاب طولاً، ولم يجد كل ذلك، بكت طويلاً ثم تقدمت باستقالتها.
وقائع التحرش بالطالبات لم تتوقف، رغم مضي سنوات على واقعة التحرش بسلمى، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا في فبراير الماضي، بفصل مدرس بإحدى مدارس الإسكندرية تحرش جنسياً جماعياً بـ120 طالبة، هن تلميذات فصلين كاملين بالصف السادس الابتدائي، بوضع يده على أماكن حساسة من أجسادهن.
"ضربني وحبسني حتى ارتديته"
كانت ريهام، المقيمة بمدينة المنصورة، في المرحلة الثانوية حينما طلب منها والدها المتأثر بمجموعة انضم إليها حديثاً، يذهب معهم للصلاة، وحضور دروس دينية في المسجد، ارتداء الحجاب.
حاولت ريهام تأجيل الأمر الذي أثير فجأة، ولكن والدها احتد عليها وضربها بعنف صائحاً: "عايزة تدخليني النار يا بنت ال***".
تقول ريهام لرصيف22: "أغلق باب غرفتي، ومنعني من الذهاب للمدرسة، الدروس والخروج من الغرفة إلا لممارسة أعمال المنزل، وقال إنه مش هيتراجع عن قراره، وإني هافضل محبوسة في البيت لحد ما أتجوز أو أموت".
"كنت مذهولة، وباصرخ لكن مفيش صوت طالع، ومش قادرة أزقه، أنقذني بالنهاية خبط طالبة على الباب، جاءت لتأخذ شيئا، فهربت من المدرس بعيدا عن الغرفة، وبعدها أخبرتني صديقتي أن علي ارتداء الحجاب"
رغم اعتبار دار الإفتاء المصرية، الحجاب "فرضاً شرعياً"، وأخذها بـ"الولاية الشرعية للأب على ابنته"، فإنها ترفض استخدام العنف والقهر والحرمان من الإنفاق لإجبار الفتاة على الحجاب، وردت في إحدى فتاواها: "للأب على بنته الولاية الشرعية، وله شرعاً أن يأمرها بالحجاب من غير قهر أو عنف، بل باستخدام أساليب التربية الإسلامية، ولا علاقة بين لبس الحجاب وبين وجوب النفقة، فالنفقة واجبة على الأب، سواء أكانت بنته محجبة أم غير محجبة".
خضعت ريهام لرغبة والدها بالنهاية لتخرج من حبسها المنزلي، والتحقت لاحقاً بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، بعيداً عن سطوة والدها، وكان ما يشغل تفكيرها منذ اليوم الأول لخروجها من غرفتها، هو استقلالها عن أسرتها.
تخرجت ريهام بعد سنوات، حصلت على عمل بالقاهرة واستأجرت مع صديقتين شقة صغيرة، وهو مالم يمرره والدها بهدوء، ولكنها كانت مصرة على سلوك الطريق لآخره، نزعت الحجاب أيضاً وكان والدها أقل مقاومة تلك المرة.
تحكي ريهام: "كان مختلفاً، كلمني بهدوء عن خوفه علي وعن اعتقاده أن الحجاب سيحميني، وأنه غير راض عن خلعي الحجاب ولكنه لن يجبرني على ارتدائه مجدداً، يمكن لو كان كلمني بالهدوء ده أول مرة كنت لبسته راضية، لكن كان خلاص ارتبط عندي بالإهانة والضرب والحبس، كان لازم أتحرر من الإحساس ده".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين