شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
يوم خلعت الحجاب وتفقدت وجهي… وعن الظلام الذي عاش بداخلي قبل ذلك

يوم خلعت الحجاب وتفقدت وجهي… وعن الظلام الذي عاش بداخلي قبل ذلك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 6 ديسمبر 201906:58 م

يوم لا يشبه باقي الأيام في حياتي، تفقدت وجهي مئة مرة قبل أن أخرج من صالون الحلاقة والتفت يميناً ويساراً، لم يكن يعرفني في ذلك المكان أحد، ولكنني كنت أعرف أيضاً بأنه لم ينتبه إلى دخولي أحد ولن أجد من يهتم لخروجي.

لكنني كنت دائماً هنا، شاهدة على كل المراحل، شاهدة على نهوضي صباحاً وتباطئي في الخروج من البيت، لعلِّي أنعم أكثر بوجود شعري فوق رأسي أكبر وقت ممكن، بما أنني كنت أفتقده يومياً أكثر من عشر ساعات أقضيها بين الدراسة والعمل. كنت شاهدة على نفسي، على رغبتي بأن أكون المرأة الأخرى وليست تلك التي يراها الناس، المرأة التي أحتجزها في داخلي وأخشى أن تفلت مني، إذ لا يمكنك أن ترتدي حجاباً وتفعلي أشياء تخالف ما ينتظر منك، على الأقل بالنسبة لي، كان الأمر شاقاً أن أتركها تفلت حريتها المكبوتة، لو فلتت كانت أحرجت الحجاب وما تحته.

كنت أعد السنوات وأخطئ: متى ارتديت ذلك الخمار أول مرة؟ بدت سنيناً طويلة وبعيدة في الماضي، ما كان يجب أن أتساءل عن الزمن، كنت أمر بذهني أمام أصدقائي وأقربائي: كيف سيرون تلك المرأة الأخرى التي طويتها طويلاً كما ورق مقوى ينتظر يوماً "أن يُستعمل"؟ كنت أشعر بظلام كبير داخلي، أشعر أنني أكذب عدد ألوان القماش الذي أضعه فوق رأسي، كنت أشعر أن الشعر تحت الخمار هو أجمل ما وجد بالكون، فلماذا وجب عليّ أن أخبأه؟

 كنت أشعر بظلام كبير داخلي، أشعر أنني أكذب عدد ألوان القماش الذي أضعه فوق رأسي، كنت أشعر أن الشعر تحت الخمار هو أجمل ما وجد بالكون، فلماذا وجب عليّ أن أخبأه؟

وألتفت حولي أحياناً فأجد آلاف النساء بخمرهن مثلي يتراوح الطول والقصر واللّون من فئة إلى أخرى، لكنه ينتهي إلى معنى واحد: أنتِ محجبة مختمرة إلى أن يتخمر دماغك داخل رأسك. لا شيء كان يشفق عليّ مثل نظرة أمي إلى شعر بناتها الأخريات ونسيانها أن لي شعراً أيضاً، كلما قلت إنني أرغب بتسريح شعري، تجيب بهدوء لا يبعث على الراحة بقدر ما ينبه إلى وضعي الحقيقي: "أنتِ محجبة لماذا تسرحينه وتضعين عليه غطاء؟".

لم يكن هدفها أن أخلع الخمار طبعاً، بل كان هدفها أن لا داعي للاهتمام مادام مغطى، كل شيء مغطى مقبول، أمر يتوافق تماماً مع مجتمع لا يعيش إلّا على الكذب: افعل ما شئت مادام لا يراك ولا يعرف عنك أحد.

لا أتذكر أنني اهتممت يوماً لشكل وجهي أو وضع حواجبي داخله، أو ثيابي أو ألوانها، فبالنسبة لي لم يكن الأمر ذا بال: أسود مع أخضر مع بني لا يهم، لأنني على كل حال لست من أرغب بي…

عشت 15 سنة أحمل هوة عميقة بيني وبين نفسي، كانت تتمدد هي كل مساء تنظر جيداً إلى المرآة المقابلة وأحياناً إلى عيني أمي وتسأل: ألا يستحق هذا الجسد معاملة أفضل؟

كانت تكبر وتشيخ بداخلي وكنت أواصل التمثيل بإتقان ولا أهتم… ما يفعله أمثالي هو أن يركّزن على الدراسة وأن يخدّرن أوجاعهن العديدة فيها. كنت جيدة في ذلك، وكأنه كان يجب أن أكون امرأة في سلة المهملات لأكون طالبة جيدة... وقد كنت بامتياز، أنثى في سلة المهملات.

في أوّل موعد حب، لبست خماراً أبيض اللون. كان يوما مليئاً بالتناقضات، كنت أفكر طيلة الوقت هل يتعارض ذلك مع كوني أرتدي حجاباً؟ وأجابني الرجل وكأنه سمع ما أفكر به: "أنت تشبهين القديسات، لا يتخيّل أي رجل أن يمد يده إليك".

لم أسمع كلاماً قاسياً أكثر من هذا… انتهى الحب وأخذ معه أنثى السلة تلك. عدت إلى خماري ثانية أفكر من جديد وأترقب المرأتين بداخلي، أقارن ذلك مع باقي أخواتي، ليس من المفرح أن تقابل عند أي رغبة عبارة: أنتِ محجبة فلماذا ترغبين بذلك؟ أنتِ محجبة فلماذا تفعلين ذلك؟ أنتِ محجبة فلا يجب أن يغازلك أحدهم مراعاة للفضيلة التي تحملها تلك القطعة من القماش على رأسك!

مع الحجاب، كنت أواصل التمثيل بإتقان ولا أهتم… ما يفعلنه أمثالي هو أن يركّزن على الدراسة وأن يخدّرن أوجاعهن العديدة فيها. كنت جيدة في ذلك، وكأنه كان يجب أن أكون امرأة في سلة المهملات لأكون طالبة جيدة... وقد كنت بامتياز، أنثى في سلة المهملات

في أوّل موعد حب، كان يوما مليئاً بالتناقضات، كنت أفكر طيلة الوقت هل يتعارض ذلك مع كوني أرتدي حجاباً؟ وأجابني الرجل وكأنه سمع ما أفكر به: "أنت تشبهين القديسات، لا يتخيّل أي رجل أن يمد يده إليك"... وأنا، لم أسمع كلاماً أقسى من هذا

كم هي النظرة إلى الفضيلة قاصرة في مجتمعاتنا، ترتبط دائماً بالقطع والأجزاء، إما بقطعة جلد أو قطعة قماش… غير مسموح أن يقول لك أحدهم إنك جميلة… الرجال والنساء يتفقون بشكل ما على أن الخمار ليس زيّاً، فلو كان زياً رسمياً لأي شيء، لسهل التعامل معه، فُينزع ويُرتدَى حسب الوظيفة التي يتطلبها كزي رسمي (مثل زي الشرطة أو الجيش)، إنه رمز لوضع ومكانة اجتماعية ودينية وأخلاقية… زيٌّ يملؤك بالظلام ويحجر على عقلك وجسدك، يحاصرك من زاوية إلى أخرى ويسهر كحارس ليلي على ألا تتجاوزي حدوداً معينة لكن لا أحد يخبرك لماذا، ولا أحد يسألك لماذا... لا أحد يلتفت لشعورك أو تناقضاتك أو يحاول كشف ظلامك…

 بدون حجاب، أنا صادقة أكثر، مرحة أكثر، حرة طبعاً ومنسجمة مع نفسي أكثر.

بل الكل يهنئ البنت عندما ترتدي الحجاب، وكأنها فعلت أمراً مدهشاً يستوجب التهنئة، لا أفهم منها إلا أنها مباركة على الالتحاق بالقطيع.

الآن، وبعد ذلك الخريف وتلك التسريحة في صالون الحلاقة، تلك اللحظة التي تلقيت فيها الكثير من أشعة الشمس على شعري وأحسست أنها غمرت روحي، أشعر أنني أصبحت شفافة ولست مضطرة للكذب…لست مضطرة للتظاهر…لست مضطرة لأن أراعي حجاب أو شعر أي فئة اجتماعية أو سلوك لا أرضاه وأقوم به فقط لأنني محجبة.

وأنا بدون حجاب، صادقة أكثر، مرحة أكثر، حرة طبعاً ومنسجمة مع نفسي أكثر… أنا شفافة واستطعت أن أنقذ نفسي من ظلام المجتمع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image