شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"دقيت المسامير وأنا في قمة سعادتي"... إعلاميّات غزيات يبحثن عن "الأمان" في البيزنس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 12 سبتمبر 202106:41 م

المهنة التي يبحث أصحابها عن المتاعب كما يقولون، يبدو أنها الأكثر جذباً للقلق والخوف من المستقبل، على الأقل من وجهة نظر صحافيات في قطاع غزة، انتشر بينهن الميل لافتتاح مشاريعهن التجارية الخاصة في مجالات بعيدة كل البعد عن العمل الصحافي.

"ما في شيء مضمون"

تجلس وسام في مطعمها على كرسي أزرق وطاولة باللون نفسه، تحاسب الزبائن، وتشرب قهوتها وهي تستمتع بمنظر غروب الشمس على شاطئ بحر غزة، تبتسم تارة للزبائن، وتارة أخرى تلعب الشدة "الكوتشينة" مع أبنائها وزوجها، يرافقونها أحياناً في عملها الجديد الذي يأخذ حيزاً من يومهم.

تقول الصحافية وسام ياسين (٤٥ عاماً): "من 2003 وأنا أعمل في الصحافة، ولكن رغبت أن أخوض تجربة أخرى، فعملي الصحافي جميل، ولكن يبقى التخوف داخلي قائماً من فقدانه في أي لحظة، لذلك لجأت لفكرة العمل في مشاريع تجارية خاصة".

وحسب وصف وسام، التي تعمل حالياً مراسلة لقناة "الحرة": "ما في شي مضمون"، في إشارة الى أن العمل الصحافي على مهب الريح، خصوصاً من واقع تجربتها في العمل كمذيعة في تلفزيون فلسطين، إذ خسرته على إثر الانقسام الفلسطيني عام 2007.

وتضيف: "فتحت محل كوافير نسائي، وكانت تجربة أولى استغرقت عامين، ولم تنجح كثيراً، خصوصاً بعد أزمة كورونا، لذا غيرت النشاط إلى مقهى ومطعم لأن عليهما إقبال أكثر من الصالونات".

حتى المشاعر والملكات التي كانت تميزها، وتدخرها للعمل الإعلامي، باتت تتوهج كثيراً في مجال البيزنس، تقول: "أفكر في أي فكرة، حتى لو مجنونة، أنا لدي شغف، وحب، ومغامرة، وإبداع، وإذا فشلت في مشروع أجرب آخر من دون تردد"

لمسات وسام بدت ظاهرة في المكان، والألوان، والديكور المختلف عن بقية استراحات الشاطئ، تقول: "أنا أهتم بالتفاصيل، وكنت أشعر أن الناس تبحث عن شيء مختلف، وكانت لدي أفكار أكثر، ولكن قدراتي المالية لم تسمح، لذلك الأعمال الفنية هي أعمال بسيطة، ومتواضعة جداً من عمل يدي، اشتريت الجرار والألوان، ودهنت ولونت ودققت المسامير وكنت في قمة سعادتي".

وتكمل: "أنا أحب مكاني، صحيح أن عملي الصحافي مردوده أفضل كوني أعمل في محطة أجنبية، ولكن هذا المشروع يظل صمام أمان لي ولعائلتي".

يبدو أن حتى المشاعر والملكات التي كانت ولا زالت تميزها، وتدخرها للعمل الإعلامي، باتت تتوهج كثيراً في مجال التجارة الحرة، توضح وسام: "أفكر في عمل مشروع آخر، مثل استثمار في العقارات وامتلاك أكثر من شقة أو سيارات للإيجار أو أي فكرة، حتى لو مجنونة ممكن أجرب، فأنا لدي شغف وحب مغامرة وإبداع، حتى لو فشلت في مشروع أجرب آخر دون تردد".

أمان وظيفي

وفي محل صغير متواضع التكلفة، لكنه جميل ومرتب، اعتمد على ذوق صاحبته في ترتيب مواد التجميل والعطور والكريمات بطريقة ملفتة لمن يدخل المحل، حتى وإن كان جل الزبائن من النساء اللواتي يأتين وهن يعرفن ماذا يردن، بعد جولة يقمن بها في الصفحة الخاصة بالمحل "روح".

سواءً على فيسبوك أو انستغرام، تتفنن الصحافية نور الحرازين (32 عاماً) في عرض كل جديد لديها بطرق تجذب الزبائن. تقول: "أعمل مراسلة تلفزيونية منذ 2010 لعدة قنوات أجنبية وأحببت خوض تجربة العمل التجاري، لأنه خلال تنقلي من قناة لقناة شعرت بعدم وجود أمان وظيفي، ليس في غزة فقط بسبب تذبذب الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى بلدان القنوات التي كنت أعمل معها، كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية غير ثابتة إذ في أي لحظة يمكن أن أخسر عملي".

وتضيف: "شعرت أنه يجب أن أفتح عملاً خاصاً بي، يوفر لي دخلاً غير دخل عملي كمراسلة من باب الأمان، وأيضاً بسبب سوء الوضع الاقتصادي في غزة وغلاء المعيشة واستمرار الحصار".


"أول ما بدأت كانت فكرتي بسيطة، لم أرغب في فتح محل مباشرة، حتى أبني زبوناً، فكانت التكلفة منخفضة، فتحت صفحة على فيسبوك بخمسين دولاراً فقط، قمت بشراء بعض الأكسسوارات من المواقع العالمية لبيع المنتجات، فكنت أشتري وأبيع أون لاين إلى أن كبر رأس المال، وفتحت محلاً خاصاً".

وتؤكد نور أن الأمر ليس سهلاً، وليس مستحيلاً فيما يخص التوفيق بين عملها الصحافي ومشروعها، وبيتها وعائلتها، كونها أمّاً لطفلتين توأمين، حتى بات يومها مقسماً بين المهمات الثلاثة، ولا تلتقط نفسها إلا قليلاً، على حد وصفها، خلال سفرها لشراء المنتجات.

تتذكر نور إحدى تجارب عملها الغريبة، التي أضافت لمسات بها إثارة لعملها الصحافي أيضاً، فتقول: "قبل شهر قمت بكتابة وإسقاط صوت على تقرير صحافي خلال سفري، جاءتني موافقة على التقرير وأنا في مطار القاهرة، فكتبت التقرير وأنا في البحرين، ومن ثم قمت بإسقاط الصوت في منزلي في دبي، عملت استديو صغيراً بوضع مخدات صغيرة، حتى يكون الصوت مناسباً في التقرير".

وليس بعيداً عن تجربة وسام ونور، كانت مميزة تجربة الصحافية روان الكتري (34 عاماً)، خصوصاً أنها افتتحت أكبر مركز تجميلي نسائي بأحدث الأجهزة، فبمجرد الدخول للمركز تنعزل المرأة في عالمها الخاص، فهو مركز متكامل يهتم بالثقافة من خلال المكتبة الملحقة به، وقسم الرياضة، والحمام المغربي إضافة للمطعم، وحضانة للأطفال "حتى تقضي الزبونة وقتها دون أن تحمل هم أولادها"، على حد وصفها.

تقول روان: "رغم أنني أعمل في الصحافة منذ عام 2004 وهي المهنة الأحب الى قلبي وحلمي منذ صغري، لكن عندما كبرت وانخرطت في العمل وجدت أن الأحلام شيء والواقع شيء آخر، الصحافة جميلة لكنها غير مضمونة، والعمل بها على كف عفريت، ويوم في شغل وعشرة لا، لذلك وجدت الحل في أن يكون عندي مشروعي التجاري الخاص بي".

"بدك تتغنوجي"

بينما كانت ربا عطا لله (24 عاماً) تدرس الحقوق، رغبت في خوض تجربة العمل الصحافي، فعملت مذيعة تلفزيونية، وحسب خبرتها فإن بيئة العمل الصحافي تتطلب بشكل أساسي الانتماء للمؤسسة، وتقول: "غالبية المؤسسات حزبية فإن كنت بنت الحزب أو تنتمين له فتحت المؤسسة لك بابها، والعكس صحيح، وهذا ينعكس على شكلي، فلو كنت غير محجبة لن يتم قبولي في مؤسسة يمولها حزب إسلامي، ولو كنت منقبة لن يتم تشغيلي في مؤسسة فكرها يساري أو علماني".

وتضيف: "داخل المؤسسة تبدأ مرحلة أخرى من الصراع، على أسس ليست مهنية، في كثير من الأحيان مقدار الرضا عن الصحافية يحدد موقعها ودورها والمهام المكلفة بها، وفي الغالب يسود اعتقاد أن الصحافية غير المحجبة سلسة ومريحة على اعتبار أنها تقبل تصرفات أو أسلوب تعامل معيناً مختلفاً عن الصحافية المحجبة".

"العمل الصحفي يتطلب الانتماء إلى المؤسسة... ولو كنت غير محجبة لن يتم قبولي في مؤسسة يمولها حزب إسلامي، ولو كنت منتقبة لن يتم تشغيلي في مؤسسة فكرها يساري أو علماني"

وتشدد عطالله التي اتجهت مؤخراً للعمل في التسويق على أن طبيعة العمل الصحافي يتطلب جرأة من الفتاة في كسر حواجز المجتمع، والتعامل مع الزملاء بطريقة مرنة، وقد تتعرض في كثير من الأحيان للتحرش كما حدث مع بعض الزميلات، وتقول: "للأسف الفكرة السائدة أنه كلما تنازلت كلما وصلت، وفكرة "بدك تتغنوجي عشان تضلي بالمكان اللي بيعطيكي مصاري" حقيقية في أحيان كثيرة، وهذا يدفع الكثير من الصحافيات للبحث عن فرص عمل تجارية خاصة بهن، خصوصاً أنهن يتعرضن أيضاً بسبب هذه البيئة إلى ضغط عائلي لترك المهنة والبحث عن بدائل".

"على كف عفريت"

كان دافع سالي الترك (27 عاماً) للعمل بالصحافة في غزة يتجسد في تحقيق هدفين: إثبات الذات أولاً، وراتب للمصروف فقط، أما أن تؤمن الصحافية نفسها مستقبلاً فأمر "شبه مستحيل"، وهو ما دفعها لعمل مشروعها الخاص.

تقول سالي: "ظروف عمل الصحافيات صعبة للغاية، على الصعيد الشخصي موقف حدث معي، موجزه كنا نعمل في قناة ونبذل جهداً كبيراً، وبدون أي مؤشر أو سابق إنذار تغلق القناة، تركوني في الهواء، بدون أي تعويض، ولذلك لا يوجد أمان وظيفي، بين يوم وليلة قد تخسرين شغلك".

وتضيف: "لهذا فكرت أن أستفيد من المتابعين عندي على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت بعرض منتجات نسائية مثل الشنط والإكسسوارات. بدأت تلقى إعجاب الزبائن، وسارت الأمور بشكل جيد، وشعرت أنه بتلك الطريقة صار عندي دخل خاص، يعتمد على مجهودي وليس مرتبطاً بقرار من أي جهة".

وتؤكد سالي أن السمة العامة في غزة هي تدني الأجور، والوضع الاقتصادي الصعب خصوصاً أن وسائل الإعلام المحلية تدفع رواتب متدنية، لذلك حتى لو توفرت الوظيفة فإنها لإثبات الذات وتوفير المصروف الشهري، لكن لتأمين المستقبل هذا شبه مستحيل، "لأن البلد كلها على كف عفريت".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image