نظّم معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، جلسةً حواريةً بعنوان "أهمية دور الصحافة الاستقصائية ووسائل الإعلام المستقلة في السياق اللبناني الحالي"، خاصة بعد تفجير الرابع من آب الذي دمّر جزءاً كبيراً من العاصمة اللبنانية. وكانت هذه الجلسة بمناسبة اختتام الدورة التدريبية التي نظّمها معهد عصام فارس، بالشراكة مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا OECD، وبالتعاون مع درج ميديا.
الصحافة الاستقصائية شبه غائبة عن المشهد الإعلاميّ اللبنانيّ، وتكاد تُحصر في بعض "المغامرات الفرديّة المعدودة" التي يقوم بها بعض الصحافيّين
واللافت أنّ الصحافة الاستقصائية شبه غائبة عن المشهد الإعلاميّ اللبنانيّ، وتكاد تُحصر في بعض "المغامرات الفرديّة المعدودة" التي يقوم بها بعض الصحافيّين، ويعود ذلك لغياب ثقافة المحاسبة ولكون المواطن اللبناني اعتاد او ربما تأقلم مع الفساد المستشري في لبنان.
ومن هنا كان تركيز المتحاورين على أهميّة دور الصحافة الإستقصائيّة في الجلسة الحواريّة التي أدارتها الصحفيّة ديانا مقلّد، الشريكة المؤسسة وسكرتيرة تحرير "درج"، والتي شارك فيها كلّ من: نزار صاغية، المدير التنفيذي للـ "مفكرة القانونية"، ورولا مخايل مؤسِّسة "مهارات" ومنير الخطيب من شبكة "أريج" للصحافة الاستقصائية.
وقد ركّز الدكتور جوزف باحوط، مدير معهد عصام فارس، على أنّ الحق في الوصول إلى المعلومات وكشف الحقائق هي من الأركان الأساسية التي يقوم عليها أي مشروع متعلق بالسياسات العامة والحوكمة الصحيحة، وهو أساس عمل المعهد الذي يديره.
"الديموقراطية تموت في الظلام"
ولفت من جهته إلى تصاعد مخيف ومريب للأخبار الكاذبة والإشاعات المفبركة عالمياً، التي باتت تطغى على الجو الدولي والرأي العام العالمي اليوم، ورأى ضرورة ملحّة لدحض الفبركات المسمِّمة للديموقراطية.
واعتبر أن الصحافة الاستقصائية هي التي ستسمح بإعادة تصويب الحقيقة، وشدّد على دورها الكبير في التوعية المواطنية على الصعيدين المحلي والدولي. وختم الدكتور باحوط كلامه بمثل إنكليزي يقول "الديموقراطية تموت في الظلام"، مؤكداً أن أساس عمل الصحافة الاستقصائية هو إلقاء الضوء على الحقيقة، وأن كل الاختلافات ممكنة، لا بل مشروعة، بعد الوصول إلى الحقيقة، ولكن الاختلاف على الحقيقة نفسها بات اليوم أمراً غير مسموح.
ومن جهتها اختارت الصحفية ديانا مقلّد التركيز على حدثين أساسيين يشغلان الرأي العام اللبناني اليوم، وهما: التظاهرات الاحتجاجية في طرابلس، ملف حاكم مصرف لبنان والتحقيقات السويسرية فيه. وأشارت مقلّد إلى أننا "إذا التفتنا إلى كيفية مقاربة الإعلام اللبناني لهذين الموضوعين، نفهم إشكالية الصحافة ودورها".
نحا الإعلام المرتهن للطبقة السياسية في موضوع احتجاجات طرابلس، إلى تحميل المسؤولية للمتظاهرين، بدل أن يغوص في أسباب هذه الاحتجاجات وخلفياتها
فقد نحا الإعلام المرتهن للطبقة السياسية في موضوع احتجاجات طرابلس، للأسف، إلى تحميل المسؤولية للمتظاهرين، بدل أن يغوص في أسباب هذه الاحتجاجات وخلفياتها، "ولاحظنا أن النقاش بموضوع الاحتجاجات ذهب إلى تحميل الناس مسؤولية خروجهم إلى الاحتجاج"، أضافت مقلّد.
وبالنسبة لملف حاكم مصرف لبنان، رأت مقلّد أن هذا الملف كان يجب أن يُفتح في لبنان، ولكن ذلك لم يحصل لكون الحاكم شريكاً أساسياً في منظومة الفساد الحالية. وبالنسبة لكيفية مقاربة الإعلام اللبناني لقضية حاكم مصرف لبنان، لفتت مقلّد إلى "أن منابر إعلامية كُرِّست للدفاع عن الحاكم، بدل أن تطرح أسئلة جدية لها علاقة بالحوكمة والمحاسبة وحقوق الناس التي أُهدرت".
هذان المثلان، بحسب مقلّد، يختصران معضلة الإعلام في لبنان، التصاقه بالطبقة السياسية وتقييده بالتمويل السياسي، لتبقى المشكلة الأساسية مع الطبقة السياسية في لبنان، بحسب مقلّد، اعتمادها، في الثلاثين سنة الماضية، مبدأ الإفلات من العقاب.
وختمت مقلّد مداخلتها بالتأكيد على أن هذا البلد لن ينهض من دون محاسبة، لأن فساد هذه الطبقة السياسية أوشك على قتلنا جميعاً في الرابع من آب.
ومن جهته، اعتبر المدير التنفيذي للـ "مفكرة القانونية" نزار صاغية، أن مشكلتنا الأساسية في لبنان هي أننا نتعامل مع نظام مهيمن، ليس فقط على القرارات العامة، بل أيضاً على الخطاب العام، والهيمنة التي يمارسها هذا النظام، بحسبه، قائمة على التعتيم على كل شيء: من التعتيم على مآسي الحرب، إلى تكريس السرية المصرفية للتغطية على الفساد، إلى توتاليتارية المحاصصة التي يمتاز بها هذا النظام.
على مدى العقود الماضية، كان الصراع الرئيسي في لبنان بين القوى والزعامات السياسية المختلفة، لكن ثورة 17 تشرين حوّلت هذا الصراع إلى صراع بين المجتمع والنظام المهيمن
وأكّد صاغية على أن الإنجاز الكبير الذي حققته ثورة 17 تشرين أنها كسرت الهيمنة وأخلّت بنظام القوى. فعلى مدى العقود الماضية، كان الصراع الرئيسي في لبنان بين القوى والزعامات السياسية المختلفة، لكن ثورة 17 تشرين حوّلت هذا الصراع إلى صراع بين المجتمع والنظام المهيمن.
وشكّلت الصحافة الاستقصائية، بحسب صاغية، ضربة أساسية لأساس هذا النظام القائم على تعتيم الحقائق وطمس الحقيقة، واعتبر أن "من أهمّ إنجازات الصحافة الاستقصائية، استعادة الخطاب العام، والأهمّ من ذلك، استعادة أشكال من الديموقراطية المباشرة، لأن الديموقراطية التمثيلية أظهرت عجزاً فظيعاً في التعامل مع شتى القضايا والأمور، والديموقراطية المباشرة التي نتحدّث عنها، تتم من خلال الإعلام والقضاء".
وبدورها أضاءت رولا مخايل على الدور المهم الذي تؤديه مؤسسة "مهارات" التي أسستها مع مجموعة من الصحفيين المستقلين، والتي كان من أولى أهدافها بناء خبرات الصحفيين الشباب، وإعطاؤهم مساحة يستطيعون من خلالها جمع معلوماتهم ونشرها.
الديموقراطية التمثيلية في لبنان أظهرت عجزاً فظيعاً في التعامل مع شتى القضايا والأمور
كما تعمل المؤسسة على بناء خلفية قانونية للصحفيين، تسمح لهم بالاستفادة مما تتيحه القوانين ليصلوا إلى معلوماتهم، وتعمل أيضاً على توفير الحماية القانونية لهم عند اقتضاء الحاجة.
وقد قدّمت مؤسسة "مهارات" في السنوات الماضية مشروع قانون جديد للإعلام الإلكتروني، هدفه تأمين المزيد من الحماية للصحفيين. وأكّدت مخايل أن "الهدف اليوم هو الوصول إلى قانون إعلام عصري، يرفع سقف الحريات ويؤمن المزيد من الحماية للصحفيين"، واعتبرت أن إقرار هكذا قانون أساسي لتغيير المشهد الإعلامي.
وبدوره ركّز منير الخطيب على الدور الكبير الذي تلعبه شبكة "أريج" لدعم وتعزيز مناخ صحافة الاستقصاء في العالم العربي. وهي شبكة تُعنى بإنتاج التحقيق الإستقصائي من الألف إلى الياء، وما على الصحفي إلا أن يقدّم فرضية معقولة ينطلق منها لبدء تحقيقيه، لتبادر بعدها الشبكة إلى دعم التحقيق، إنتاجاً ومواكبةً وتدريباً.
وبالإضافة إلى الدعم الكامل التي توفره شبكة "أريج" للتحقيقيات الاستقصائية، فهي، بحسب ما أكّد الخطيب، توفر أيضاً دعماً قانونياً ومعلوماتياً ونفسياً للصحفيين الاستقصائيين، قد يصل إلى تأمين الحماية الشخصية لهم.
وكون أحد أهداف الشبكة الأساسية الوصول إلى صحافة أكثر تخصّصاً، يجري الآن في "أريج" تحضير ورش عمل أكثر تخصّصاً، تمكّن الصحفيين من تتبع المال، ملاحقة العاملين بالشأن العام وقراءة البيانات المالية بشكل أدق، وتعرّفهم على المسارات القانونية التي يمكن أن يستفيدوا منها في تحقيقاتهم.
وقد استفاد أكثر من 450 صحفياً في العام الماضي، بحسب ما أكّد الخطيب، من ورش التدريب والجلسات الحورية التي قدّمتها شبكة "أريج" لدعم الصحفيين وتنمية مهاراتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ يوممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ يومينلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ 3 أيامهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ 3 أيامجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...