الصحافة في المغرب تميزت باختلافها عن الصحافة في المشرق والخليج، فهي منذ أيامها الأولى كانت منهمكة بأمورها الداخلية أكثر من أي أمر آخر. فالمغرب لم يكن يعاني توترات جيوسياسية على قدر معاناة المناطق العربية من جهة، إذ أضفت الملكية شيئاً من الاستقرار، وهذا ما استولد هوية قومية قوية أخلت مجالاً للمغربيين بغية التركيز على أمورهم الداخلية من جهة أخرى.
كانت الصحافة الحزبية تسيطر على الشارع حتى أيام الملك حسن الثاني الأخيرة ثم دخلت الصحافة المستقلة بقوّة قُبيل تربّع الملك محمد السادس على العرش عام 1999، وبدأت هذه الصحافة المساءلة الاقتصادية والسياسية لأول مرّة، ففتحت عيون المغربيين على مواضيع تهمّهم مثل الثروة الوطنية أو المال العام، الإسلام ودوره في الحياة، مسألة الصحراء الغربية والملكية كمؤسسة. وبدأت محاكمات الصحافيين لإخضاع هذه الصحافة التي ازدهرت سنين معدودة، لكنها أسست لبناء صحافة مهتمة بالشأن العام، لا سيما بحقوق الصحافيين وحرية التعبير.
يواجه الصحافيون في المغرب حملات تشويه تراوح بين التطفّل على حياتهم الخاصة وتعييرهم وصولاَ إلى تلفيق تهم تبدأ بالعمالة وتنتهي وتنتهي "بالشذوذ الجنسي (حسب ما تُعرّف بالقانون)" والاغتصاب مروراَ بالسُّكر. مع تضييق النظام الخناق على الصحافة، وتمرير مواد في القانون الجنائي تعاقب بالسجن على كل ما يعتبر "خطوطاً حمراء"، بعدما حُذفت من قانون النشر والصحافة الذي صدر عام 2016، وذلك بهدف ضبط الساحة.
في ملفنا هذا، نسلط الضوء على الخطوط الحمراء الممنوعة على الصحافيين في المغرب، بما فيها تلك التي يعاقب عليها القانون الجنائي، كما أن هنالك خطوطاً حمراء لم ينص عليها القانون، ولكنها تؤدي إلى متابعة الصحافيين بتهم أخرى قد تبدو بعيدة كل البعد عن نشاطهم الصحافي.
كما نتناول التشهير الممنهج كآلية لإخراس الأصوات المنتقدة والمعارضة في المغرب، فضلاً عن التهم الجنسية التي حوكم ويُحاكم صحافيون بناءً عليها، إذ توبع خلال السنوات الخمس الأخيرة خمسة صحافيين ووجِّهت إليهم تهم من قبيل "الاغتصاب، هتك العرض، الإجهاض، الزنا..." وهو ما أثار شكوك المنظمات الحقوقية المغربية والدولية في جدّيتها. فهل الهدف إنهاء الصحافة المستقلّة في المغرب؟