شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الصحافة مهنة المرتزقة في مصر

الصحافة مهنة المرتزقة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 2 يونيو 201702:48 ص

"مهنة من لا مهنة له". هكذا يصف الكثير من الشباب الجامعيين المصريين مهنة الصحافة، ويرون فيها أقصر الطرق للحصول على "وظيفة" بدلاً من الجلوس في المقاهي، خصوصاً أنها لا تحتاج لجهد كبير. فيكفي أن تحمل آلة التصوير وتنزل إلى التظاهرات أو تجلس في مكتب وتُجري اتصالات بمسؤولين أو ناشطين.

بعد الثورة، شعر كثير من الشباب الذي شارك في التظاهرات أن لديه فكراً سياسياً ينبغي أن يعبّر عنه. جمعت مهنة الصحافة بين هذا التوق وبين حاجة الشباب إلى إيجاد وظيفة تمكنهم من العيش ومن متابعة نشاطهم السياسي. آمال التغيير التي وُلدت مع الثورة جعلتهم يعتقدون أن العالم سيتغيّر وأن وسائل الإعلام ستتحوّل إلى منابر لأصواتهم. لم يكونوا يعلمون أنهم، حين دخلوا إلى الصحف، خطوا أول خطوة على طريق فقدان حريتهم.

الحرية المفقودة

بعد الثورة، ظهر في مصر كم هائل من القنوات والصحف والمواقع الإخبارية، ربما يفوق ما يوجد في جميع البلدان العربية، وتحول الصراع من الشارع إلى صراع على السيطرة على قطاع الإعلام والتقدم في مؤشرات القراءة.

واستغلت الفلول الأموال الضخمة التي جمعوها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك للسيطرة على هذا القطاع وتلميع صورتهم من جديد ومحاربة القوى الإسلامية التي تصدرت المشهد السياسي. كذلك، استثمرت العديد من الأنظمة العربية، خاصة الخليجية، الكثير من الأموال لفتح منابر إعلامية تواجه الفكر الثوري الخطر على عروشهم.

الغريب في هذه المؤسسات هو أنها تضم مجموعة كبيرة من الصحافيين الشباب الذين لا يتفقون مع مبادئها وتوجهاتها لكنهم قبلوا العمل فيها لتحصيل "لقمة العيش". ونتج عن عملهم هذا مساهمتهم في إنجاح هذه المؤسسات وقتل المبادئ التي يؤمنون بها والتي دفع أصدقاؤهم في الميادين دماءهم لتحقيقها.

بدع صحافية

يروي أحمد سيد، الصحافي في موقع "صدى البلد"، لرصيف22 تجربة دخوله مجال الصحافة. يقول: "بعد الثورة عملت مترجماً للأخبار السياسية. بدأت ممارسة مهنة الصحافة في مؤسسة منسجمة مع قناعاتي، لكن مع مرور الوقت وتبدل الهيئة التحريرية وجدت نفسي أمام خيارين: إما أن أكون في الشارع بلا عمل أو أعمل مع صحف ضد قناعتي"، ويضيف: "ولأن راتبي هو قوام حياتي، قررت أن أستمر كمترجم وأوافق على توجهات الإدارة والتنازل عن رؤيتي في كتابة التقارير إلى حين".

ومن الشائع في الصحافة المصرية أن تنشر وسائل الإعلام ترجمات محرّفة أو موجّهة بشكل يخالف النص الأصلي تماماً، ومنها هذه الحالة التي يرويها لرصيف22 طارق طه، وهو صحافي شاب ترك "اليوم السابع" أخيراً. يقول: "في إحدى المرات ترجم أحد زملائي خبراً نقلاً عن صحيفة لوس أنجلوس بوست وفيه أن المخترع المصري الصغير باشر إجراءات تقديم اللجوء إلى أمريكا بعد بلوغه سن الـ18 عاماً. لكن الموقع نشر خبراً قال فيه أن المخترع الصغير سيتعرض للترحيل"، ويتابع طارق: "على الرغم من أن الخبر لا ينص على ذلك لكن ظروف سفر الولد والاتهامات التي كانت موجهة له في مصر، دفعت الصحيفة إلى اختيار هذا العنوان المسيء له. حينذاك، اعترض زميلي وحصلت مشكلة، لكن العنوان بقي على حاله لأن الإدارة أرادت ذلك".

موقف آخر مشابه تعرض له أحمد سيد ويرويه لرصيف22: "حين كنت أعمل في أحد المواقع، طلب مني رئيس التحرير ترجمة موضوعين من صحف أجنبية ووضعهما في تقرير واحد. كان أحد التقريرين ينتقد السيسي والنظام في مصر، والثاني يدافع عن المثليين. وطلب مني صياغة عنوان تقريري تحت عنوان واحد يشير إلى أن هذه الصحف  تدافع عن المثليين وتهاجم السيسي. قمت بما طلبه مني ولكنني فضلت ألا أضع اسمي عليه".

لهذا النوع من ضغط العمل تأثيرات نفسية شديدة على الصحافيين الشباب. يقول طارق طه: "الأمر غريب، فبعيداً عن رقابة الدولة تتولد رقابة ذاتية. يُقدّر صحافيون كثيرون أين يكون خط الدولة ويصيغون أخبارهم وتقاريرهم بطريقة تتماشى معه حتى لا يتعرضوا لمضايقات من المؤسسة. هذا عدا قيام فريق التحرير بحذف كل ما يخالف التوجهات الرسمية".

السكوت بأي ثمن

نجحت سلطة المؤسسات الصحافية التي تبتز العاملين لديها بمعيشتهم في توليد نوع من الخضوع التام لتعليماتها. "قبولي العمل في هذه الأماكن مقابل راتب معين يعني قبولي الخط السياسي الذي يتبعونه وليس لي حق الاعتراض"، يقول مصطفى حسن، صحافي ونقابي عمل في مواقع عدة منها فيتو وصدى البلد والبوابة نيوز.

عدم دفاع النقابة عن حقوق الصحافيين وشعورهم بأن القضاء لن يعطيهم حقهم إذا ما تشجعوا وتصدوا لمؤسسات لا تتوانى عن فصلهم إنْ لم ينفذوا أوامرها أفقدهم الشعور بالأمان. يقول حسن: "ازداد الأمر صعوبة بعد 30 يونيو. راحت المواقع والصحف تدافع عن النظام وتبرر أفعاله. لكننا مضطرون للقبول بذلك، فرواتب العمل في هذه الأماكن أعلى جداً من رواتب العمل في مواقع تتفق توجهاتها مع آرائنا أو في وظائف أخرى".

ويوضح محمد صابر، الصحافي في جريدة الوطن: "تقريباً، نعترض علناً على أغلبية ما ينشر على الصفحات الأولى. لكننا نطبق نظرية مبارك: انتقدوا ما شئتم، وسأفعل ما شئت".

الترحال الصحافي

هذه التناقضات الفكرية والنفسية خلّفت نتائج عكسية على قطاع الصحافة. "الفلول ودول الخليج دمروا الصحافة في مصر"، يقول مصطفى حسن، ويتابع: "الارتهان المادي قضى على المعايير المهنية في الصحافة المصرية وجعلها منابر لا تأبه لشؤون المواطنين وتعبّر عن مواقف مموليها".

ويقول أحمد سيد: "المشكلة الأخرى هي انعدام الاحتراف في طريقة الكتابة، وهذا ما أنتج جيلاً من الصحافيين يجعلونك تكره المهنة وما يصدر عنها، بعد أن أصبحت مصدراً لأكل العيش". ونتيجة لذلك تحول الصحافي إلى ما يشبه "الصنايعي" (العامل الحرفي)، يعمل ما يطلب منه دون أن يفكر. وتحوّلت الصحف والمواقع إلى ما يشبه متاجر، يديرها صاحب العمل، على ما يقول مصطفى حسن، ويضيف أن "مفهوم الصحافي الصنايعي أنتج صحافيين "كم بلا كيف"، لأنه كلما كتبت أكثر زاد راتبك وتقربك من الإدارة". غياب الشعور بالانتماء النفسي والفكري إلى المؤسسة حوّل الصحافيين إلى رُحّل.

لفت مصطفى حسن إلى أن "تخليهم عن مبادئهم لأول مرة أفقدهم الارتباط النفسي بالمؤسسة. ونتيجة لذلك فإنهم يرحلون عنها مع أول فرصة عمل تؤمن لهم مردوداً أعلى ويستمر هذا المسلسل كلما توفرت فرص جديدة". لهذه الأسباب، رسمت النخبة السياسية صورة سيئة عن الصحافيين. فهم في رأيها "انتهازيون يتنازلون عن مبادئهم مقابل بعض المصالح الشخصية"، يقول حسن.

ما الحلّ؟

يمكن رصد التناقض بين الصحافيين ومؤسساتهم بمجرد الدخول على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. فشتان ما بين الأخبار والتقارير التي تحمل أسماءهم في الصحف والمواقع الالكترونية وبين ما ينشرونه على فايسبوك أو تويتر. كما أن البعض يحاول اتخاذ طريق آخر عبر التدوين أو الكتابة في مواقع خارج مصر تعطيهم الحرية التي يفتقدونها حيث يعملون.

خلال الشهر الماضي وبعد حادثة كرم القواديس في سيناء التي راح ضحيتها أكثر من 30 جندياً مصرياً، اجتمع رؤساء تحرير الصحف وبعض المواقع في مصر وأعلنوا دعمهم الكامل للرئيس عبد الفتاح السيسي وقرروا الامتناع عن نشر أي محتوى يسيء للنظام.

غضب صحافيون شباب كثيرون من ذلك وتداولوا عريضة أعلنوا فيها رفضهم هذه القرارات. لكن أحداً منهم لم يفكّر في الاستقالة، وهذا ما يعكس مدى الفصام الذي يعيشونه. (ملاحظة: جرى تغيير أسماء الصحافيين الواردة في هذا التحقيق حتى لا يتعرضوا لأي أذى)

نشر هذا الموضوع على الموقع في تاريخ 30.01.2015

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard