شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية

رواية "أرض المؤامرات السعيدة": حريّة الصحافة مقابل شيوخ القبائل ورجال الدين وأصحاب النفوذ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 8 فبراير 201904:13 م
فتاة قاصر ترعى الأغنام في قريتها، تتعرض للاغتصاب من قبل شيخ متنفّذ، وله علاقات مع السلطة، فيقوم أحد الناشطين المعارضين بتحويل قضية هذه الفتاة إلى قضية رأي عام. وهذا ما يدفع بالجريدة التي يكتب فيها "مطهّر" إلى إرساله إلى المحافظة الساحلية التي جرت فيها الحادثة ليكتب عن الأمر ويتابعه عن كثب. هذه هي النقطة الأولى في رواية "أرض المؤامرات السعيدة" للكاتب اليمني وجدي الأهدل، ومنها تبدأ الأحداث بالتصاعد، ويبدأ عدد الأيام بالتناقص، إذ يختار الكاتب أن يكتب روايته بسرد كرنولوجي، يمتد على مدى أكثر من شهرين، يسجل فيهما الصحفي "مطهر" ما يحدث معه في أثناء متابعته للقضية، ومن يوم الثلاثاء الرابع والستين إلى اليوم الصفر، ستنشطر حياة البطل والراوي إلى نصفين. "كم أتذكر بوضوح تلك اللحظات المجنونة التي مرت على غفلة مني، فشطرت حياتي إلى نصفين، وبدأ منها عالمي المعهود المستقر يمر بتحولات جارفة، تفوق قدرة أي كائن بشري على التحمّل! ففي ظهيرة يوم ثلاثاء صيفي حار، تنحني فيه الرؤوس تجنباً للغبار، استدعاني رئيس التحرير رياض الكيّاد إلى مكتبه، وكلّفني بالذهاب إلى محافظة الحُديدة الساحلية، للتأكد من صحة حادثة يقال إنها وقعت أمس في أحد أودية تهامة النائية". القصة التي ينطلق منها الكاتب في روايته على بساطتها إلا أنها النقطة التي ستمكنه من النبش في المسكوت عنه في بلاد اليمن السعيدة، وبخاصة تواطؤ السلطة مع الأعراف القبلية، وكيفية تزويرها للحقائق في وضح النهار، إذ بعد أن صارت القضية قضية رأي عام، ووصلت إلى الصحف العالمية، تجد السلطة نفسها مضطرة للتعامل مع القضية بطريقة مختلفة لإنقاذ الشيخ "حسن البكري" أحد رجالاتها، والمتهم الحقيقي في الاغتصاب، وإبعاد التهمة عنه. وفي سبيل ذلك يبعدون القاضي النزيه الذي ينظر في القضية ليضعوا مكانه قاضياً آخر، ويتم ترحيل الطبيبة الروسية التي أكدت في تقريرها وقوع حادثة الاغتصاب، بعد تشويه سمعتها، كما تتم محاكمة الناشطة الحقوقية "سلام" التي كانت تعمل على كشف الحقيقة بتهمة مفبركة. كل ذلك يتم بتغطية ماهرة من الصحفي الذي خاض في وحول المبالغ المالية الضخمة التي تدفقت عليه، وفي الامتيازات التي يحصل عليها لقاء تنفيذه ما يُطلب منه من قبل رئيس التحرير المرتبط بدوره بمن هم أعلى منه، في إشارة واضحة لطبيعة العلاقة التي تجمع المثقف بالسلطة في الدول التي فيها فساد.
رواية "أرض المؤامرات السعيدة" للكاتب اليمني وجدي الأهدل، تفضح تواطؤ السلطة مع الأعراف القبلية
تتناول رواية "أرض المؤامرات السعيدة" الاغتصاب وزواج القاصرات، وما يفعله شيوخ القبائل ورجال الدين وأصحاب النفوذ الذين يعتبرون جزءاً من متعتهم ممارسة الجنس مع فتيات صغيرات في السن
نقرأ في الرواية الكثير من التفاصيل والحكايات عن الشخصيات الفرعية، إلا أن "وجدي الأهدل" يولي اهتماماً خاصاً بالشخصية المحورية، فهو يشتغل عليها اشتغالاً خاصاً، مصوّراً تذبذبات بطله وتقلباته، وكيف انعكس الماضي الذي عانى منه في طفولته على حاضره، فهو ابن معارض يساري، كرّس كل وقته وجهده للدفاع عن القضايا التي يؤمن بها، ولكنه بسبب هذا أهمل عائلته وأطفاله، وجعلهم يعيشون في فقر وحرمان، فما كان من الابن حين كبر إلا أن تمرد أولاً على صورة "الأب اليساري"، وانتهج طريقاً مختلفاً فانحاز للسلطة واقترب من مستنقعها، حتى لم يعد يملك خياراً سوى الغوص فيه حد الغرق، قبل أن تنتهي الرواية نهاية مفاجئة، وغير متوقعة.

"ذهبت إلى تاتيانا وأنا مثقل بالهمّ. كانت حياتها في خطر، وأنا غير قادر على تحذيرها. لو حدث شيء لتاتيانا فلن أسامح نفسي أبداً. كنت أتمنى لو أمتلك الشجاعة لأصارحها بما يدور خلفها، وبالمخاطر المحدقة بها، وبالنذالات التي ارتكبتها في حقها، ولكنني إنسان جبان، يخشى القتل، ويخشى الفقر الذي هو أسوأ من القتل، ويخشى خسارة وضعه الاجتماعي الذي هو فاسد ومجلبة للعار. يقول الإنسان في البداية إنما هي خطوة صغيرة وينتهي الأمر، ولكن الخطوة الخاطئة تتبعها خطوات، إلى أن نضيّع الطريق ونمضي في التيه".

إلى جانب هذه الفكرة، فإن النقطة التي انطلقت منها حبكة الرواية وهي قضية الاغتصاب لا تتوقف عند حدود تغطية الصحفي لها، بل تتفرع لنصبح أمام ظاهرة منتشرة بطريقة مرعبة في اليمن، وهي زواج القاصرات، وما يفعله شيوخ القبائل ورجال الدين وأصحاب النفوذ الذين يعتبرون جزءاً من متعتهم ممارسة الجنس مع فتيات صغيرات في السن، وما يتبع ذلك من جرائم كالاستعباد والإكراه على الزواج والعنف والاغتصاب وتجارة الزواج من القاصرات، وغيرها من الأمور التي تعاني منها الفتيات هناك، في بلدٍ تغضّ السلطة فيه بصرها عما يفعله مناصروها مقابل بقائهم في صفها، وصولاً إلى تكريس هيمنتها.  تشتبك هذه الفكرة اشتباكاً كبيراً مع التغيّرات التي تطرأ على "مطهر"، إذ يمكننا أن نقرأ حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها الفتاة بموازاة قراءتنا لاغتصاب حرية الصحافي، وتحويله إلى أداة طيعة في يد السلطة تغتصب بها الحقيقة وتزيّفها. وجدي الأهدل كاتب يمني من مواليد 1973. مدير تحرير مجلة الثقافة. صدرت له عدة مجموعات قصصية، وخمس روايات: "قوارب جبلية"، "حمار بين الأغاني"، "فيلسوف الكرنتينة" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2008، "بلاد بلا سماء"، و"أرض المؤامرات السعيدة". ترجمت بعض رواياته إلى الفرنسية والإنكليزية والإيطالية. ناشر الرواية: دار نوفل – هاشيت أنطوان/ بيروت، عدد الصفحات: 310، الطبعة الأولى: 2018، يمكن شراؤها من موقع النيل والفرات (رابط).

 
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image