"لقد صدمت تماماً عندما علمت أن كامبريدج تأمل في الحصول على أموال من النظام الذي سجنني سبعة أشهر واتهمني بالتجسس لإجرائي بحثاً لنيل درجة الدكتوراه".
بهذه الكلمات علّق الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز على الأنباء حول محادثات التعاون المحتمل بين الجامعة البريطانية العريقة والحكومة الإماراتية.
وأضاف هيدجز قاصداً المسؤولين الإماراتيين: "إنهم بالتأكيد لا يفهمون ما يعنيه كونك أكاديمياً…". وقبل نحو ثلاث سنوات، أوقف هيدجز في الإمارات وحُكم بالسجن المؤبد بتهمة "التجسس" قبل أن يحصل على عفو رئاسي إثر أزمة كادت تسبب أزمة في العلاقات بين البلدين الحليفين.
"صفقة فاوستية"
ومساء 7 تموز/ يوليو، قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن "كامبريدج" متهمة بـ"عقد صفقة فاوستية"، وهي رمزية ثقافية يُقصد منها "التحالف مع الشيطان"، إثر محادثات للتعاون مع البلد الخليجي ذي السمعة السيئة في مجال حقوق الإنسان.
أكبر صفقة في تاريخ الجامعة… "كامبريدج" متهمة بالمخاطرة بسمعتها الأكاديمية بسبب خطة تعاون مزمعة لـ10 سنوات مع الإمارات تكلفتها 550 مليون دولار أمريكي
وأوضحت الصحيفة أن هناك خطط تعاون بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني (نحو 550 مليون دولار أمريكي) مع الإمارات في صفقة قد تكون الأكبر في تاريخ الجامعة.
وبيّنت الصحيفة أن المحادثات تجري حول استمرار التعاون المزمع لمدة 10 سنوات، من أجل "مكافحة التحديات التي تواجهها الجامعة جراء فيروس كوفيد-19 وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبيئة التمويل المحدودة".
وأضافت أن وثائق داخلية -اطّلعت عليها- تُشير إلى أن الإمارات تعهدت تقديم 312 مليون جنيه إسترليني (نحو 430 مليون دولار) - وهو أكبر تبرع فردي تلقته الجامعة في تاريخها - علاوة على تقديم 90 مليون جنيه إسترليني (نحو 125 مليون دولار) عينياً كرواتب لموظفي الجامعة.
ولفتت الغارديان إلى أن الصفقة لم تمر بعد بانتظار موافقة المجلس العام للجامعة، مضيفةً أنه "في حالة الموافقة، سيبدأ معهد كامبريدج-الإمارات للابتكار ككيان افتراضي حتى يتطور إلى ‘بصمة فعلية‘ في دولة الإمارات بموظفيه وعلامة تجارية مشتركة بين الإمارات وجامعة كامبريدج".
وتتنوع مجالات التعاون المزمعة بين التعليم والفن والثقافة الإسلامية والهندسة والابتكار، ولا سيما البحث في بدائل الوقود الأحفوري.
"هذه حالة واضحة لدولة استبدادية غنية تستخدم ثروتها في محاولة لغسل سمعتها. سيكون من المخزي أن تكون جامعة كامبريدج على استعداد لاستخدامها بهذه الطريقة… هي من أغنى المؤسسات في المملكة المتحدة ولا تحتاج هذه الأموال"
ماذا عن "السمعة الأكاديمية"؟
واتهمت الجامعة العريقة بالمخاطرة بـ"السمعة الأكاديمية" التي تتمتع بها بينما تسعى إلى التعاون مع بلد طالما اتهم بانتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك البريطاني هيدجز الذي بدأ قبل شهرين مقاضاة عدد من كبار المسؤولين الإماراتيين بتهم عدة، بينها الاعتداء عليه وتعذيبه، وسجنه دون وجه حق، وإلحاق ضرر نفسي كبير به، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة والأرق.
وتمتلك العديد من الجامعات البريطانية فروعاً في الإمارات، لكن حجم التعاون مع كامبريدج، إحدى أكثر الجامعات نجاحاً وشهرة في العالم، سيكون الأكبر. ويُخشى من أن يكون "انقلاب ضخم للدولة الخليجية، التي تحرص على استخدام القوة الناعمة لتحسين صورتها على الساحة العالمية"، وفق الغارديان.
قال نيكولاس ماكجيهان، الباحث في مجال حقوق الإنسان لا سيّما في دول الخليج: "هذه ‘صفقة فاوست‘ يجب أن تكون مصدر قلق عميق لأعضاء هيئة التدريس والطلاب والخريجين في كامبريدج والأكاديميين في المملكة المتحدة على نطاق أوسع. دولة الإمارات دولة غير ليبرالية بشدة ولا تتسامح مطلقاً مع حرية التعبير والفكر النقدي، وهي تتعامل مع منتقديها بأكثر الطرق وحشية التي يمكن تخيلها من خلال التعذيب والاختفاء القسري".
"في حالة الموافقة، سيبدأ معهد كامبريدج-الإمارات للابتكار ككيان افتراضي حتى يتطور إلى ‘بصمة فعلية‘ في دولة الإمارات بموظفين وعلامة تجارية مشتركة بين الإمارات وجامعة كامبريدج"
وأضاف للغارديان أن كامبريدج ستفقد جزءاً من سمعتها التي اكتسبتها بعد جهد كبير مقابل تحسين سمعة الإمارات، مردفاً "فقط الأكاديميون الذين يرون التعليم العالي كمؤسسة تجارية هم الذين يعتقدون أنه (التعاون) يستحق التكلفة".
أما جو غرادي، الأمين العام لاتحاد الجامعات والكليات في بريطانيا (UCU)، فعقّب: "هذه حالة واضحة لدولة استبدادية غنية تستخدم ثروتها في محاولة لغسل سمعتها. سيكون من المخزي أن تكون جامعة كامبريدج على استعداد لاستخدامها بهذه الطريقة". ورأى أن كامبريدج "من أغنى المؤسسات في المملكة المتحدة ولا تحتاج هذه الأموال".
وتقول الغارديان إن وثائق الجامعة تقر بخطر الإضرار بالسمعة الذي يشكله التعاون مع الإمارات. كما تثير مخاوف بشأن "فجوة القيم" و"الحرية الأكاديمية والاستقلال المؤسسي" و"العبء المحتمل الذي يمكن أن تضعه مثل هذه الشراكة الكبيرة على أجزاء من الجامعة والمهمة المصاحبة لها".
نصت الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة على: "نحن على دراية كاملة بمعاملة الإمارات مؤخراً للباحثين من المملكة المتحدة والزائرين الآخرين. هذه المعاملة تعكس سياقاً ثقافياً وقانونياً مختلفاً بشكل كبير عن ذلك الذي قد يكون مألوفاً لموظفينا وطلابنا. سنقدم الدعم الكافي لضمان أن موظفينا جاهزون قبل بدء عملهم في الإمارات".
ونوهت الغارديان بأن الشراكة المزمعة تحظى بالدعم الكامل من نائب رئيس الجامعة، البروفيسور ستيفن توب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...