قامت الدول الخليجيّة بضخّ مئات الملايين من الدولارات في المؤسسات الأكاديمية البارزة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة لسنوات طويلة، حسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز".
"الفضائح الأخيرة"، حسب الصحيفة، مثل مقتل الصحافي جمال خاشقجي واعتقال الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز في دبي، سلّطت الضوء على القضية وأثارت الجدل حولها، في وقت أكد التقرير أن الأزمة الخليجيّة الناجمة عن مقاطعة الإمارات والسعودية والبحرين لقطر منذ يونيو 2017، ربما دفعت الدول المذكورة إلى "التسابق لدفع مزيد من التبرعات والتمويلات للمؤسسات الأكاديمية الغربية" في مسعى منها "لتحسين صورتها وكسب التأييد العالمي لسياساتها".
مبالغ صادمة
قدّمت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان مبلغ 2.2 مليار دولار للجامعات الأمريكية فقط منذ بداية عام 2012 حتى يونيو من العام الجاري، وفق تحليل الصحيفة لتقرير الخارجية الأمريكية عن المنح والتمويلات المُقدّمة من الخارج في مجال التعليم.
وظهر أن الرقم يعادل ربع المنح والهدايا المقدمة من الخارج لجميع المؤسسات الأكاديمية والتعليمية في الولايات المتحدة عن الفترة ذاتها، في وقت حلّت قطر بالمرتبة الأولى كأكبر المانحين بمبلغ 1.3 مليار دولار، تلتها السعودية بمبلغ 580.5 مليون دولار ثم الإمارات بمبلغ 213 مليون دولار.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الإحصاءات تتضمن التمويلات المقدمة من شركات النفط الحكومية، مثل "أرامكو " السعودية و"قطر للبترول"، ومن جامعات الخليج والبعثات التعليمية، مشيرةً إلى أن الجزء الأكبر من هذه الأموال يُخصّص لـ"رسوم الطلاب"، إذ موّلت الرياض وحدها قرابة 110 ألف منحة دراسية في الولايات المتحدة لسعوديين بين عامي 2005 و 2015.
في الوقت نفسه، أشارت الصحيفة إلى صعوبة إجراء إحصاء مماثل على المؤسسات البريطانية لأنها "أقل شفافيّة حيال التمويل الأجنبي"، على حدّ تعبيرها، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها تخطت عشرات الملايين من الدولارات وخاصة لمراكز الجامعات البريطانية في الشرق الأوسط.
وفي ذلك، اعتمدت الصحيفة على نتائج تقرير سابق لجوناس بيرغان ومارتن ليسترا، نُشر عام 2015، وكشف عن تقديم دول الخليج ما لا يقل عن 70 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 88 مليون دولار أمريكي) للمؤسسات البريطانية بين عامي 1997 و 2007.
حلّت قطر بالمرتبة الأولى كأكبر المانحين للمؤسسات الأكاديمية الأجنبيّة بمبلغ 1.3 مليار دولار، تلتها السعودية بمبلغ 580.5 مليون دولار ثم الإمارات بمبلغ 213 مليون دولار
بجانب الشكوك التي أُثيرت لدى بعض الأكاديميين، حول استغلال الخليج لتمويله مؤسسات أكاديمية غربية بارزة لتحسين صورته عالمياً وتغطية "فضائحه"، تشير الصحيفة إلى "قضية أعمق وأكثر خطورة" تتعلق بـ "مدى تأثير التمويل الخليجي على الأبحاث التي تجري عن الشرق الأوسط"
"أكسفورد" كشفت أيضاً تلقيها 17.7 مليون جنيه إسترليني من الخليج، منذ عام 2000، وبيّنت أن هذا المبلغ لا يتضمن التبرعات المقدمة للكليات المستقلة، وأن السعودية وقطر أبرز الجهات المانحة من الخليج بأكثر من 6 ملايين جنيه إسترليني لكل منهما، وأضافت أن 1% من مجموع التبرعات تأتي من الشرق الأوسط.
واستثنت "أكسفورد" مركزها للدراسات الإسلامية من جملة التبرعات المذكورة، على اعتبار أنه مركز مستقل، كما أنه بُني بتبّرع قيمته 20 مليون جنيه إسترليني من الملك فهد، الملك السعودي الراحل.
كذلك تلقت "كامبريدج" 8 مليون جنيه إسترليني من الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال عام 2008 لإنشاء مركز للدراسات الإسلامية، وهدايا بقيمة إجمالية تصل إلى 7 مليون جنيه إسترليني من السلطان العماني قابوس بن سعيد من أجل بعثتين تعليميتين.
لماذا تُثار القضية الآن؟
بحسب "فاينانشال تايمز"، فإن القبض على طالب الدكتوراه ماثيو هيدجز أثناء مغادرته دبي، التي كان يزورها مدة أسبوعين "من أجل الدراسة وفي تقليد أكاديمي اعتادته الجامعات البريطانية"، أحد الأسباب القوية في إثارة قضية "تمويل الخليج للجامعات البارزة".
واعتبرت أنه رغم سعي بريطانيا لاستئناف علاقتها مع حليفتها الخليجية، الإمارات، وتجاوز أزمة اعتقال هيدجز والحكم عليه بتهمة التجسس، قبل صدور عفو عنه والسماح بعودته إلى بلده، يجد الأكاديميون البريطانيون صعوبة أكبر في استئناف "التعاون المعتاد".
وترى الصحيفة أن قضية هيدجز "أحيت" التدقيق الغربي في سياسات الخليج، كما أعادت بعض المؤسسات الأمريكية تقييم علاقاتها مع الكيانات الخليجية في أعقاب مقتل جمال خاشقجي، أكتوبر الماضي في قنصلية بلاده في تركيا.
وفيما لم يجد "تقرير أولي" أعدّه "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" في علاقته مع "الجهات المانحة والرعاة السعوديين" سبباً لإنهاء العلاقات، قرّرت "هارفارد" عدم تجديد برنامج زمالة لخمس سنوات مع مؤسسة "مسك" الخيرية، وهي جمعية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطالب العاملون في جامعة "برمنغهام" بمقاطعة حرم جامعي جديد افتتح في دبي هذا العام.
تبيض سمعة أم تحكم بالدراسات؟
بجانب الشكوك التي أُثيرت لدى بعض الأكاديميين حول استغلال الخليج لتمويلاته لمؤسسات أكاديمية غربية بارزة لتحسين صورته عالمياً وتغطية "فضائحه"، تشير الصحيفة إلى "قضية أعمق وأكثر خطورة" تتعلق بـ"مدى تأثير التمويل الخليجي على الأبحاث التي تجري عن الشرق الأوسط".
وأوضحت أن هيدجز، عندما قُبض عليه، كان يبحث في موضوع شائك حول التنمية العسكرية في الخليج بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، وعلّق كريستيان كوتس أولريتشسين بالقول إنه "ليس من السهل تتبع مثل هذه القضايا، وإذا رغبت الجامعات في حماية تدفقات التمويل القادمة من الخليج، فستجد نفسها مضطرة إما إلى تقييد أبحاثها في نطاق المسموح به، أو وضع خطوط حمراء لا ينبغي على الأكاديميين تخطيها".
وذكر أولريتشسين أنه هو نفسه كان "ضحية للتمويل الخليجي"، إذ كان يرأس برنامجاً لـ"كلية لندن للاقتصاد"، مدته 10 سنوات، بتمويل كويتي بقيمة 5.7 مليون جنيه إسترليني من مؤسسة كويتية عام 2007، تم تجديده بعدها لمدة خمس سنوات في عام 2017 بمنحة بقيمة 2.7 مليون جنيه إسترليني، وقتها اشتكى المانحون الكويتيون لانتقاده في مقال الأوضاع في البحرين والإمارات، وبعد عام مُنع من حضور مؤتمر في دبي.
غضب على "تويتر"
تسبّب التقرير بصدمة لعدد من المغرّدين العرب لضخامة المبالغ المذكورة. وفي حين تباهى بعض الخليجيين "بدورهم في رعاية العلم حول العالم"، تساءل كثر عن "تمويل الخليج للجامعات الفلسطينية"، واتهموا الخليج بـ "رشوة الغرب للصمت إزاء جرائمه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...