شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ثقافة الجمال بعد الإنجاب… أحبّ

ثقافة الجمال بعد الإنجاب… أحبّ "خراب" جسمي وبطون النساء المشققة وأفخاذهن الموشومة بالسيلوليت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 4 مايو 202003:14 م

كانت النظرة الأولى للمرآة بعد غرفة العمليات صادمة، لم أجد بطني ممسوحةً كما تخيلتها قبل أن ألد، ولم يكن شكل الخطوط البيضاء القليلة قد اختفى، سبب المشهد ذعراً بالنسبة لي، غطيت بطني بسرعة وخرجت من الحمام.

انتظرت حياة ما بعد الولادة السهلة والخفيفة بفارغ الصبر، متناسية أن رحلة استمرت تسعة أشهر لا يمكن أن تختفي آثارها فجأة، إذا اختفت أصلاً، كنت أشاهد شكل بطني وهو يتكور وينتفخ وأتابع نصائح الأطباء والأمهات السابقات حول موضوع تشققات البطن وطرق تجنبها، أسرفت في استعمال الكريمات والخلطات والأدوية في فترة الحمل، مقتنعة أن ما أفعله سيجنبني علامات الحمل على بطني، وسيعيدني كما كنت كأن شيئاً لم يكن.

زادت الخطوط وعلامات التمدد والتقلص بعد الولادة، مضت أربعة أشهر على إنجابي وخسرت الجزء الأكبر من الوزن الذي اكتسبته، وما زلت أشاهد التجاعيد والتشققات في بطني، ما يعني أنني أمر الآن بمرحلة جديدة مع جسم جديد لم أختبره من قبل ولا أعرف فيما إذا كنت أتقبله أم لا، وماذا سيكون انعكاسه على نفسيتي وشكلي الخارجي في الملابس العادية وملابس السباحة مثلاً، ثم ماذا عن زوجي!

أسئلة كثيرة تدور في رأسي عن ماهية الحياة، الجسم وفلسفته أولاً للذكر والأنثى، مقابل سؤال كيف كنا، كنساء، معرضات على مرّ العصور والثقافات لاضطهادات علنية بسبب أجسادنا، بدءاً من الوصاية الذكورية أو الأبوية على أجسادنا: ما يحق لنا فعله بها وما لا يحق، مروراً بامتهان كرامة هذا الجسم وقدسيته واستغلاله، من خلال التعامل معه بما يفيد مصالح الذكور الجنسية ورغباتهم، من دون التفكير برغباتها ككائن مساوٍ لهم، وهكذا.. حتى صُنع قالب جمالي على المرأة أن تُسكب فيه، وإن لم تناسب القالب أو يناسبها، فهي بالضرورة خارج معايير الجمال.

زادت الخطوط وعلامات التمدد والتقلص بعد الولادة، مضت أربعة أشهر على إنجابي وخسرت الجزء الأكبر من الوزن الذي اكتسبته، وما زلت أشاهد التجاعيد والتشققات في بطني، ما يعني أنني أمر الآن بمرحلة جديدة مع جسم جديد لم أختبره من قبل ولا أعرف فيما إذا كنت أتقبله أم لا، وماذا سيكون انعكاسه على نفسيتي وشكلي الخارجي؟

لم تكن عقلية المرأة تجاه جسم الرجل متسلطة، ولم يجد الرجل نفسه عرضة للاضطهاد بناء على عدم مجاراته لمعايير الجمال، حتى مع انتشار صور عديدة للاعبي الرياضة وعارضي الأزياء في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن نسبة كبيرة من النساء ما زلن يعتقدن أن أي تغيير يرغبن بإحداثه في أجسادهن، من المفضل أن يصبّ في مصلحة علاقتهن بالرجل ورضاه عنهن.

الحاجة هي الدافع للبحث، وقد تكون الحاجة الأهم الآن هي الفهم، ثمة صورة في أذهاننا عن الحياة تكمن في مشاهدتنا للعمران، كالصورة الأجمل والأقرب للحياة، بينما يمكن أن يكون الخراب هو الحياة بعينها، يبدو هذا جلياً على أجسادنا كنساء بعد الإنجاب، ويثبت هذا الخراب النسبي بين امرأة وأخرى أن لا شيء يعود كما كان، وأن الولادة التي حدثت ليس من الممكن ألا تترك أثرها، ولنا القرار في تقبله أو إعادته لوضعه السابق.

في يوم الأم هذا العام، قامت المملكة المتحدة بإطلاق حملة للاحتفال بأمهات بعد الولادة من مختلف الأعراق والأجناس، حيث قام الفنان الإيطالي، صوفي مايان، بتصوير الأمهات، جميع الصور احتوت ابتسامات واثقة وأجساد لنساء مكتنزات ونحيلات، ببطون مشققة وأفخاذ موشومة بالسيلوليت، وقدمت كل منهن شهادتها عن جسمها بعد إتمام مهمة الحمل والولادة. هدفت الحملة لإظهار الجانب المخفي من الإنجاب، والذي تعيشه النساء بانفراد، كأنهن يخبرن العالم بما خلف الستارة وبماهية الأفكار التي تلي الاحتفال بولادة طفل للحياة.

مؤخراً، قمت بنشر واحدة من صور الحملة البريطانية في صفحتي في حساب إنستاجرام، أرفقت الصورة بجملة: ما رأيكم؟ جميع الردود التي جاءت كانت من الإناث، وكانت مجتمعة في معظمها أن هذه هي الحياة وهكذا تكون الطبيعة، وبعضهن قمن بالحديث عن تجربتهن الخاصة ولم يجب أي رجل عن السؤال.

تضحكني التخيلات العربية عن جسم المرأة الأجنبية، ومن الغريب أنها في وقتنا المنفتح هذا لا تزال بعيدة جداً عن واقعهن كنساء، مثلاً المقارنات المستمرة بين جسم المرأة الأجنبية وجسم المرأة العربية، فالأولى لا تظهر عليها علامات الحمل والولادة ويظل جسمها رشيقاً طوال الوقت، مقارنة بالأخيرة التي تختبر كل التغيرات، وحتى اللحظة، يأخذ جسمها حصته من النكات والتسميات التي تطلق عليه.

بالنسبة لي كامرأة حرة، أفكر دوماً في الجسم الصحي بنيوياً والممتع بالنسبة لي، أمام نفسي ومن خلال انعكاس المرآة، ثم إنني أرفض القيود التي صنعت لهذا الجسم تبعاً لتعاليم المجتمع المحافظ والدين ومفاهيم الذكورة، حالي حال الكثير من النسويات، لكنني قررت أن أتحدث عن هذه الأفكار من فوق الطاولة، لأن ما يمكن تقبله أو تصحيحه عليه أن يكون ظاهراً ليتنفس

المجتمعان، الشرقي والغربي الرأسمالي، يشتركان بنظرتهما المتعالية تجاه المرأة ويعاملانها بشكل دائم على أنها أداة للممارسة الجنسية: حورب جسمها وشكك في طهارته وشرفه بناء على معايير ابتكرت من أجل سلطة ذكورية أكثر استمراراً على هذا الجسم، فإما أن تكوني كما ترسمك مخيلاتهم الجنسية، مرة بأرداف كبيرة ومؤخرة متكورة، ومرة بأفخاذ نحيلة وصدر بارز، ومرة بعيون رمادية وأخرى بشعر أحمر، وإما أن تخرجي من حسابات الأنوثة كلها، بالإضافة لكون جسمك المطابق أو غير المطابق للشروط ليس ملكك بالطبع، وأي تغيير لم يُقترح من قبلهم لا يمكن القبول به، وأحد منهم لم يطلب تشققات في البطن.

باعتقادي، يمكننا كنساء الخروج من هذه الإشكالية تجاه أنفسنا أولاً وتجاه الآخر، سواء كان شريكاً أو زوجاً أو غيره، من خلال الحديث الواضح والصريح عن هذه القضية، والإيمان التام والمطلق بحريتنا تجاه أجسادنا وما تبدو عليه في مختلف فترات حيواتنا.

بالنسبة لي كامرأة حرة، أفكر دوماً في الجسم الصحي بنيوياً والممتع بالنسبة لي، أمام نفسي ومن خلال انعكاس المرآة، ثم إنني أرفض القيود التي صنعت لهذا الجسم تبعاً لتعاليم المجتمع المحافظ والدين ومفاهيم الذكورة، حالي حال الكثير من النسويات، لكنني قررت أن أتحدث عن هذه الأفكار من فوق الطاولة، لأن ما يمكن تقبله أو تصحيحه عليه أن يكون ظاهراً ليتنفس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image