شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"شتمني وشتم أمي وراح"... من تقاليد الزواج والكذب والقهر في سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 29 مايو 202104:49 م

"بالحلال أحلى، جملة قصيرة كتبتُها على فيسبوك، وكانت النهاية"، تختزل مرح قصة انفصالها عن خطيبها السابق.

وتضيف: "قصدت من هذه الجملة أن الخطوبة أجمل من العلاقات السريّة، لكنه لم يصدقني".

تعود مرح (35 عاماً) بذاكرتها إلى يوم انفصالها، تقول: "بدأ يصرخ بأعلى صوته، ويلطم كل ما يجده أمامه، كأن عاصفة هبّت فكسرت كل أغراض المنزل، ما زلت أذكر الكلمات المُسيئة التي نعتني بها، وصفني بالعاهرة، وقال: "كم مرّة جربت الجنس كي تعرفي أنه بالحلال أحلى؟".

"لو أقسمتُ ألف مرّة أنني لم أمارس الجنس سابقاً لن يصدقني أحد".

تشعر مرح اليوم بالندم لأنها كتبت هذه الجملة، تقول: "ظلمتُ نفسي، ولو أقسمتُ ألف مرّة أنني لم أمارس الجنس سابقاً لن يصدقني أحد، لكنني في الوقت ذاته أشعر أنني تحررتُ من إنسان مزدوج الشخصية، يدّعي أن الحوار هو القاعدة الأساسية لبناء عائلة، وفي الوقت ذاته منعني حتى من الدفاع عن نفسي".

تعلمت مرح، تسكن في مدينة حماة، من تجربتها تلك أن المجتمع غير عادل مع النساء، يبيح للرجل الكثير، مما يساعده في أن يكون صادقاً، شجاعاً في تعبيره عن نفسه، وجريئاً، ويدفعها وغيرها من النساء إلى أن يكن، كاذبات، ومخادعات من الطراز الأول.

لتضمن المرأة زواجها المستقبلي عليها أن تبرع في التمثيل من اللقاء الأول، وتقول: "بدايةً من تقمّص شخصية الفتاة الساذجة التي لا تعرف شيئاً عن عالم الرجال، مروراً بالقبلة، فعندما يقبّلها زوجها للمرة الأولى، عليها أن تمثّل أنها لا تعرف الطريقة، وتُبقي على شفتيها مذمومتين كي لا يظن أنها جربتها سابقاً، انتهاءً بالحياة الجنسية ومتطلباتها".

"أشعر أني كاذبة ومخادعة"

حلّ المساء، أصبح بإمكان جودي وحبيبها الانطلاق إلى جسر المدينة الرياضية في اللاذقية، حيث يجتمع العُشاق لتبادل القُبل داخل السيارة دون أن يزعجهم أحد، تقول: "كانت تجربة جميلة، لكن دفعت ثمن هذه القبلات غالياً عندما التقيت بشريك حياتي".

تحكي جودي (28 عاماً) لرصيف22: "جمعتني الصدفة منذ نحو عامين بشاب يعمل طبيب جرّاح في مدينة اللاذقية، كان فعلاً الرجل الذي أريده زوجاً، أعجبتني طريقة كلامه، وروحه المتمردة، ودفاعه الدائم عن حقوق المرأة، في الوقت ذاته أبهرني كرمه، كان يختلق المناسبات ليقدم الأزهار والهدايا والمفاجآت الجميلة".

تعلمت مرح أن المجتمع السوري يساعد الرجل في تقاليد الزواج أن يكون صادقاً، شجاعاً وجريئاً، ويدفعها وغيرها من السوريات إلى أن يكنّ، كاذبات، ومخادعات من الطراز الأول

عاشت جودي صراعاً قاسياً بعد خطوبتها، هل تخبر خطيبها بعلاقتها السابقة وتفاصيلها؟ راودها الكثير من الأسئلة، استشارت صديقتها المقرّبة فأجابتها: "هل أنتِ مجنونة؟ ستقولين له إنك كنت تذهبين الى طريق المدينة الرياضية مع حبيبك السابق في الليل. لتضمني زواجك اعملي بالمثل الشعبي المعروف: "ما باس تمك غير أمك".

وأثناء عشاء رومانسي لجودي مع خطيبها في أحد مطاعم اللاذقية، دخل حبيبها السابق إلى المطعم، أحست جودي بالارتباك، تقول: "في تلك اللحظة قررت إخباره، لن أعيش حياتي كلها ألوم نفسي، وأشعر أنني كاذبة ومُخادعة، إن كان يحبني فسيتفهم حياتي السابقة كما تفهمت ماضيه بالكامل".

انفصلت جودي عن خطيبها، لكنها تعلّمت شيئاً جديداً، تقول: "رفضَ خطيبي الماضي الذي عشته، أعلن انفصالنا في اليوم التالي، لكن بعد أن أخبرته شعرت بالحرية والبراءة، وسمعت نفسي تخبرني: شكراً لأنك حررتني من البقاء في زاوية الكذب الضيقة لسنوات طويلة".

تجهّز جودي اليوم لفرحها من شاب تعرّفت عليه بعد عام واحد على انفصالها، وأخبرته بتجاربها السابقة منذ البداية، كان جوابه: "الحياة كلها تجارب، الأهم التعلّم منها، الماضي احتفظِي به لنفسك لن أسألك عنه أبداً".

تقول: "سعيدةٌ بتحرري من الكذب، أتمنى أن يبقى على العهد، وألا يعايرني بالماضي بعد زواجنا".

"لست مقورناً"

يجلس رامي في أحد مقاهي مدينة حلب مع أصدقائه، يشعر أنهم يتغامزون حوله، يسألهم: ما بكم؟ ما الأمر؟ يضحك أحدهم، ويقول: "شو أخبار حماتك؟"، يشعر رامي أن الدم بدأ يصعد في عروقه، يصرخ: "ماذا تقصد؟"، يضع صديقه الهاتف المحمول في وجهه، ويقول: "اقرأ حماتك تُرسل كلمات الغزل عبر واتس آب".

يلاحظ رامي أن والدة خطيبته تبالغ في وضع مساحيق التجميل على وجهها، وترتدي ملابس لا تناسب عمرها من وجهة نظره، وعندما واجهه صديقه في تلك الليلة، خرج من المقهى متجهاً إلى منزل خطيبته، يقول: "بدأت بالصراخ في وجهها، هذه أمك، ماذا تفعل؟ تعاشر الرجال، سمعتها مثل الزفت في المدينة، بينما بدأت شيرين بالبكاء".

يحكي رامي (23 عاماً) قصته لرصيف22: "منذ أربعة أشهر خطبت فتاة، طالبة لغة إنكليزية في جامعة حلب، أحببت جمالها وعفويتها وطيبتها وبراءتها، سمعت بعض التعليقات عن سُمعة والدتها المطلّقة، وأنها تقيم علاقات عاطفية مع شبان أصغر منها في العمر، لكنني لم أصدق في البداية".

والدة رامي نصحته بالانفصال، يقول عندما سألت أميّ هزت رأسها، وقالت: "طب الجرّة على تمها بتطلع البنت لأمها".

ذهب رامي إلى خطيبته، شتمها هي ووالدتها، وتركها، يقول مدافعاً عن موقفه:  "عندما يتعلق الموضوع بالجنس لن يفيد تعليم الرجل أو مذهبه أو مستوى وعيه، إنه شيء مُحرّم على المرأة بعيداً عن الزواج" 

فكر رامي في كلمات والدته، وبدأ الشك يراوده حول شيرين، لم يستطع الاستمرار، يقول عن دافع الانفصال: "أرفض أن ينعتوني بكلمة مقورن"، (مصطلح يقال للرجل الذي يرى الخيانة بعينه ويصمت).

أجرى رامي بحثاً مطوّلاً عن خطيبته قبل ارتباطه، يقول: "سألتُ عنها الجيران والزملاء في الجامعة والأصدقاء، كلهم أجمعوا أنها فتاة "محترمة"، كنت أريد التأكد أن أحداً لم يمسها قبلي، خاصة في مدينة مثل حلب، حيث يرفض المجتمع الحلبي الفتاة المتعددة العلاقات".

هل سألتها؟ لم أسألها، أعرف جوابها، أي فتاة ستقول: "أنت أول شخص في حياتي، كانت أمي تعلّم أخواتي دائماً أن يحفظن هذه الجملة".

ترفض الماضي بالكامل؟ يجيب: "يتوقف ذلك على عدد العلاقات وطول فترتها الزمنية، وعلى الشخص الذي أقامت معه علاقة سابقة، إن كان محترماً ممكن أن أقبل، أما إن كان شخصاً معروفاً بعلاقاته المتعددة، وحبه للنساء لن أقبل بالطبع، لستُ مجبراً على الزواج من فتاة جربت الجنس مع أكثر من رجل في هذه المدينة".

هل يجوز لك ولا يجوز لها؟ يدافع رامي عن منطقه المعوج، متحججاً بالمجتمع: "يختلف بين الجنسين، المرأة التي تُقيم علاقات متعددة، تصبح سُمعتها على كل لسان، أما الشاب عندما يقرر الزواج بعد علاقات متعددة، فيُقال: الله هداه، إنه مجتمعنا في النهاية، يعطي للرجل مساحة أوسع من المرأة، هذا واقع لا يمكننا إنكاره".

"شتمني وشتم أمي"

تشعر شيرين (21 عاماً) أنها ظُلمت من قبل والدتها، وخطيبها معاً، تقول لرصيف22: "حاولت التغطية على تصرفات والدتي، دافعتُ عنها أمام خطيبي، لم تعاشر الرجال كما قال، تحب تمضية الوقت، وتعبئة فراغها بالتسلية على الإنترنت فقط، لم يعجبه ذلك، شتمني وشتم أمي، وغادر منزلنا".

ترى شيرين أنه يجب الاحتفاظ بالماضي داخل صندوق مغلق في الذاكرة، تقول: "لماذا يجب أن يعرف أحداث وقعت في الماضي؟ عند إلحاح الشريك يمكن للمرأة إخباره الخطوط العامة فقط، وألا تخوض في التفاصيل، لأن هذه التفاصيل ملكها وحدها".

رغم أن رامي شاب مُتعلّم، بدأ بدراسة الماجستير في التاريخ، إلا أنه يدافع عن موقفه، قائلاً: "عندما يتعلق الموضوع بالجنس لن يفيد تعليم الرجل أو مذهبه أو مستوى وعيه، إنه شيء مُحرّم على المرأة بعيداَ عن الزواج".

"سنوات الدراسة الطويلة لن تمحو العقلية الذكورية التي تعلمها".

تصف شيرين الفتاة التي تبوح بتفاصيل ماضيها لزوجها أو خطيبها، بالحمقاء، تقول: "إما ستخسره أو سيبقى الشك رفيقاً لحياتهما الزوجية، ولن تسلم من لسانه في المستقبل، سنوات الدراسة الطويلة لن تمحو العقلية الذكورية التي تعلمها منذ صغره في المنزل والمدرسة والجامع ومن الدراما والأغاني والمسلسلات".

المعضلة بالنسبة لمرح وجودي وشيرين، هي أن المرأة بين خيارين، إما أن تكون كاذبة، ممثلة، كتومة، ليمشي حالها، لا تستطيع حتى أن تعبر عن أحاسيسها على حسابها بالسوشيال ميديا، ناهيك بالصور، أو تصبح صادقة، نزيهة ولكن خاضعة لمعايير اجتماعية، فُصِّلت على مقاس الرجل، جسده وأنانيته.

كلما فكرتُ في تلك الصورة، تساءلتُ: ألا يتملكنا الرعب، آباء وأمهات خضعوا/ن لعلاقات سلطوية، قاهرة من ناحية الرجال، وخاضعة أو كاذبة ومدعية من ناحية النساء، وهم/ن بدورهم/نّ يعلمون/ن أبناءهم/ن وبناتهم/ن، تقاليد الكذب والقهر، وكأنها دائرة شيطانية لا فكاك منها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image