شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"لا أريد زوجة تحدثني في السياسة"... ثقافة المرأة وتفوقها مقابل الحب وتكوين أسرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 10 مارس 202106:02 م

يجلس في ركن بعيد محاطاً بكتب عن السياسة والاقتصاد، وما إن تنظر إلى تفاصيل هندامه حتى تقول إنه يبدو راقياً، فربطة عنقه لافتة ورائحة عطره الرجولية النفاذة تحيطك بأجواء المنزلة الاجتماعية، التي ينتمي إليها. وحالما سألناه عن رأيه في المرأة المتعلمة، المثقفة، ونصيبها من اهتمامه عدَّل من جلسته، وخلع نظارته، وكأنّ شهاباً سيقع من السماء، وأجاب: "أحبها لكنني قطعاً لن أتزوجها".

لقد كان جواباً صادماً بالنسبة لي، لكن كوننا نعيش في مجتمع ذكوري له الفضل في تخفيف وقع هذه الإجابة، التي يؤمن بها أغلب الرجال في المجتمعات العربية.

على الضفة الأخرى، لنا أن نتساءل كنساء: هل تعليم المرأة، وتفوقها، وثقافتها تقلل من جاذبيتها، وحظوظها في علاقات الحب والزواج؟

ترتدي نظارة مستديرة سميكة، وتتفلسف طوال الوقت، وتعترض دوماً بنقاشات بيزنطية لا تنتهي.

ربما ساعدت هذه النظرة ما تروجه الدراما والسينما عن الصورة النمطية للمرأة المثقفة المتعلمة، التي ترتدي نظارة مستديرة سميكة، وتتفلسف طوال الوقت، وتعترض دوماً بنقاشات بيزنطية لا تنتهي، وتشكو أمها رفضها الدائم لـ "العرسان" أو غيابهم أصلاً.

ينظر الكثير من الرجال الذين تحدثنا معهم إلى المرأة المثقفة بعين محملة بالشك والإدانة، يقول رائد المصري (44 عاماً)، من غزة يعمل مدرباً رياضياً، ويحمل شهادة بكالوريوس: "يلتبس على بعض النساء فهم الثقافة بمعناها الحقيقي، فجمع المرأة بين العلم والثقافة يجعلها تتعالى نوعاً ما على محيطها بما فيه الزوج، فتراها تتصرف بعنجهية، وتتحدث بغطرسة، وبنفس نخبويّ مترفع".

ويوافقه أحمد نصار (30 عاماً)، من الأردن ويعمل بائعاً في بقالة، يقول: "أفضّل الزوجة غير المتعلّمة، فأنا لا أريدها أن تحدثني في السياسة أو الاقتصاد، بل أريدها ذات مضمون أنثوي لا علاقة له بفظاظة العالم الخارجي".

"يصعب على الكثير من الرجال في مجتمعاتنا التكيف مع المرأة الذكية والمثقفة والطموحة"

أما سهيل رشيد (56 عاماً)، فلسطيني من الضفة الغربية، يعمل في قوى الأمن الفلسطينية ولا يحمل شهادة علمية، فيقول: "الأمر يعتمد على ثقة الرجل بنفسه، فالرجل الذي لا ثقة لديه في نفسه يخشى الزواج أو الارتباط العاطفي بالمرأة المثقفة، لأنها ستعرّي نقصه، بينما أنا كرجل واثق بنفسي، متزوج من صحافية لديها درجة بكالوريوس، ومن شروطي أني لا أريدها زوجة تقليدية فقط، بل سعيت للارتباط بمن هي قادرة على محاورتي في كل المواضيع".

التكيف مع المرأة المثقفة

تحلل ربا سلام (أخصائية اجتماعية) في الثلاثين من عمرها، شخصية المرأة المثقفة في مجتمعاتنا العربية، تقول: "الأنثى الذكية تسأل كثيراً وتجيب قليلاً، تعشق نادراً، تسافر بعيداً، لا تكترث للماضي، تفكر في الغد، وتستمتع بالحاضر، وكثير من الذكور في مجتمعاتنا لسببٍ فطري لربما أو لتراكماتٍ تاريخية تجعله يخاف هذه المواصفات، ولا يستطيع استيعابها أو التكيف مع هذه الثقافة، ولربما لحب ِالسيطرة الذي بداخله يخاف أن تغلبه في مجال المعرفة".

تعليم المرأة وثقافتها يجعلان المرأة "انتقائية" أكثر في اختيار شريكها، وأعمق في إحساسها بالحب، بحسب ربا، التي تقول لرصيف22: "بارتفاع نسبة التميز والثقافة لدى هذه المرأة تتعمق نظرتها في فهم الحب، واعتباره فناً رفيعاً يتطلب سعياً لكمال ذاتي، وتشبعاً للقيم السامية، والتربية، كدور إنساني مُقدس، فيجدر بها إذاً أن تهيئ قلبها، وتُنمّي ذاتها، لرجل يبالي بإنسانيتها لا بجمالها الظاهري".

وتضيف: "بعض الرجال في مجتمعاتنا يعيشون انفصاماً، فهم لا يريدونها متعلمة، لكنهم يريدونها فذة في السرير، ومهما ارتفعت درجة ثقافتهم، لا يعترفون بحقها في التفكير والمعرفة، وفي ما يدور حولها. إذا تكلمت في السياسة اعتبروها مسترجلة لأن السياسة في نظرهم حكراً على الرجال، وإذا تكلمت في الحقوق والواجبات والمساواة كانت امرأة فوق العادة، تعدت خطوط الأنوثة، إذ لا تعرف كيف ومتى ستكون أنثى. المثقفة لها عينان ترى بهما الدنيا، وهو لا يريدها إلاّ أن ترى من خلال عينيه لأنه ما زال يعيش في ميراث المجتمع الذكوري والمرأة التقليدية".

وتختم: "وإذا برعت في فنون الطبخ، وتفانت في خدمة بيتها وأولادها فهي جاهلة، وغير اجتماعية، ولا تقارب مستوى البروتوكولات الاجتماعية، والسهرات، والندوات، وغيرها، ولا تلبي طموح الرجل الاجتماعية وقيمته في المجتمع".

حتى على مستوى المتخصصين النفسيين، يتشارك البعض نظرة الإدانة والشك تلك، يحمّل الأخصائي النفسي عبد الله عبد العال (60 عاماً) نساء مثقفات ومتعلمات مسؤولية نفور الرجال منهن، يقول لرصيف22: "صورة ضبابية تعكسها النسوة من هذا الصنف، وتجعل مسألة التواصل الزوجي معقدة يشوبها نوع من الجفاف والنفور، فيشمئز الرجل، ويبتعد لأنه غير قادر على خرق الحاجز النفسي الذي فرضته المرأة حولها".

"أحب ست البيت"

يعتبر عبد العال أن حراك بعض النساء المثقفات ينبع من "هوى النفس، وذاتية مطلقة، وفوقية بغيضة"، مشدداً على حق الرجل في توقه إلى "أنثى تنسيه تعب العمل ومشاق الحياة ومشاكله، أو حسب التعبير الدارج "تنسيه نفسه"، لهذا يهرب من المرأة المثقفة".

من هذا النوع من الرجال، الذي يتبناه عبد العال، عانت سامية الحلو، خريجة لغة إنجليزية، تقول: "أغرمت بشخص ست سنوات، وكان حباً من طرفين، وذات يوم قررت عرض فكرة الارتباط عليه، ولكنه رفض رفضاً قاطعاً دون أن يعطيني أسباباً مقنعة".

"رفض الزواج بي لأسباب واهية، وتافهة، وتنم عن انفصام فكري، إذ قال لي أنا مقتنع بك كصديقة، ولا أقبل بك كزوجة لأنك لستِ ستّ بيت"

وتوضح سامية لرصيف22: "كانت أسبابه واهية، وتافهة، وتنم عن انفصام فكري، إذ قال لي "أنا مقتنع بك كصديقة، ولا أقبل بك كزوجة لأنك لست النموذج الذي سأكون مرتاحاً في الزواج منه، فأنت دائماً منشغلة بذاتك، ومستقلة بشكل مؤذٍ، وأنا نشأت وفي داخلي حب لست البيت".

على عكس تحليل عبد العال، تدين سامية تلك الرغبات، والمشاعر الذكورية في الرجل، تقول: "الرجل الشرقي إلى حد ما أناني، يقيس الحب والعاطفة على مقياس المصلحة الخاصة به، ويعيش تناقضاً نفسياً لا حل له، فهو في الحب يريد شيئاً، بينما في الزواج يريد شيئاً آخر".

"يغار من نجاحي"

ليست فقط الثقافة ما ينفر منه رجال من نساء، ولكن التفوق المهني أيضاً، تحكي نهى أبو شر، موظفة من غزة لرصيف22: "حين تزوجنا كنت موظفة وهو أيضاً كان موظفاً، وبعد أشهر حصلت على ترقية، فأصبحت أعلى منه راتباً، وفي يوم جاءني اتصال من زميلي بخصوص العمل، وإذا بزوجي يفتعل مشكلة، ويقول لي: إنتي من يوم ما ترقيتي بطلت معبي عينك".

وتتذمر نهى من استمرار الخلافات، وتدخل البعض للصلح، حتى أخبرها أحد المصلحين بأن زوجها يغار من مكانتها الجديدة في المجتمع، ويشعر بالنقص، لذا يفتعل المشكلات كنوع من التعويض، حتى انتهت قصتها معه بالطلاق.

وقد وصفت الكاتبة المصرية هدى عبد الحميد الحالة النفسية تلك في مقال جاء فيه: "من غير المنصف أن تكون تلبية الطموح العملي لبنات جنسي هي سبب في عدم حصولهن على فرصة تكوين أسرة، والظفر بشريك حياة، وخصوصاً أن حصول الفتاة على تعليم عالٍ يؤدي إلى وظيفة أفضل، وراتب جيد".

على عكس شعور رجال بالتفوق والسيطرة عند زواجهم امرأة أقل تعليماً، ونجاحاً، وثقافة، لا تقبل عادة المرأة المتعلمة في مجتمعنا بمن هو أقل منها درجة علمية، حسب الأخصائية الاجتماعية الفلسطينية سلام، تقول: "المرأة تشعر بألم حقيقي عند ارتباطها برجل جاهل وغير مثقف وغير واعٍ لمتطلباتها، وهو شعور يثقل كاهلها كونها تشعر بأنها تملك الكثير من القدرات العقلية، والثراء العاطفي، وكل ذلك بين يدي رجل لا يقدّر شيئاً من هذا، وهو شعور يقود بها إلى الحسرة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image