بينما تدوي صافرات الإنذار في تل أبيب وعسقلان وأشدود وياد مردخاي ومناطق إسرائيلية أخرى، وتنجح بعض الصواريخ المنطلقة من غزة في اختراق القبة الحديدية الإسرائيلية، كانت مدن محتلة تابعة رسمياً لدولة الاحتلال الإسرائيلي تشهد هبة غير مسبوقة، سيطر فيها الفلسطينيون الباقون على جزء من أراضيهم، وأدى الوضع المستجد في مدينة اللد إلى إجلاء السكان من غير الفلسطينيين عنها بحسب وكالة "صفا" الفلسطينية المستقلة.
بينما تدوي صافرات الإنذار في تل أبيب وعسقلان وأشدود وياد مردخاي ومناطق إسرائيلية أخرى، وتنجح بعض الصواريخ المنطلقة من غزة في اختراق القبة الحديدية الإسرائيلية، كانت مدن محتلة تابعة رسمياً لدولة الاحتلال الإسرائيلي تشهد هبة غير مسبوقة، سيطر فيها الفلسطينيون على جزء من أراضيهم.
وتعد هبة فلسطينيي الداخل المعروفين أيضاً بمسمى "عرب 48"، وهم أبناء واحفاد الفلسطينيين الذين لم تتمكن العصابات الصهوينة، ثم جيش دولة الاحتلال، من إجبارهم على ترك منازلهم وقراهم، هي الأولى منذ الانتفاضات الفلسطينية التي كان آخرها في مطلع العقد الماضي. وهذا ما يضيف طرفاً فلسطينياً فاعلاً في معادلة الصراع.
ونقل مستخدمون فلسطينيون لشبكات التواصل الاجتماعي مشاهد سيطرة الفلسطينيين على الشوارع في اللد وخروجهم في تظاهرات واسعة في عكا وحيفا وأم الفحم والناصرة. إلا أن مدينة اللد كانت نجمة الهبة الفلسطينية الممتدة منذ ليل الثلاثاء 11 آيار/ مايو خاصةً مع انتشار فيديو على تويتر لمسيرة من الإٍسرائيليين تغادر المدينة خوفاً، لتذكر الفلسطينيين بمسيرة العطش التي أجبرت العصابات الصهيونية أجدادهم على خوضها بعد مذبحة ارتكبت بالمدينة إبان النكبة.
هروب المستوطنين من اللد ✌?
— Fadi Ayyad (@FadiAyyad6) May 11, 2021
اللهم نصرك الذي وعدتك عبادك المستضعفين pic.twitter.com/tUBZv8VV0P
اللد: دائرة التاريخ
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء 11 آيار/ مايو حالة الطوارئ في مدينة اللد، وأمر باستدعاء حرس الحدود لمواجهة "أعمال الشغب" في المدينة.
أعمال الشغب المقصودة تراوحت بين التظاهر بترديد الهتافات بعروبة الأراضي الفلسطينية والخلاص من الاحتلال وصولاً إلى إشعال النيران في بعض سيارات الشرطة الخالية التي تركها قائدوها والعاملون عليها في شوارع المدينة المحتلة، بعد مواجهتهم لأعداد غير مسبوقة من السكان العرب للمدينة والذين يبلغ تعدادهم نحو 24.4% بحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية الرسمية.
وتخضع اللد للسيادة الإسرائيلية كمدينة من ضمن الحدود الرسمية المعلنة للدولة في 14 أيار/مايو 1948. إلا أن الوافدين المحتلين سعوا دوماً إلى إفراغ المدينة من أصحابها العرب، وفي سبيل ذلك ارتكبوا عدة جرائم، أبرزها مجرزة اللد في 11 تموز/يوليو 1948 الموافق في يوم الخامس من رمضان 1367 هجرية، أي بعد شهرين من الإعلان الرسمي عن قيام دولتهم.
تخضع اللد للسيادة الإسرائيلية كمدينة من ضمن الحدود الرسمية المعلنة للدولة في 14 أيار/مايو 1948. إلا أن الوافدين المحتلين سعوا دوماً إلى إفراغ المدينة من أصحابها العرب، وفي سبيل ذلك ارتكبوا عدة جرائم، أبرزها مجرزة اللد في 11 تموز/يوليو 1948
قاد المجزرة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان ومعه "رجل السلام" رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين. شهدت المجزرة أول نشاط لسلاح الجو الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، إذ بدأت قوات الاحتلال في قصف المدينة بالطيران، ثم اقتحمت وحدة كوماندوز من الجيش الإسرائيلي المتكون حديثاً من العصابات الصهيونية التي ارتكبت مجازر عديدة خلال ما يسمى بـ"حرب التحرير" الإسرائيلية، ووصلت إلى منتصف المدينة وأمطرت سكانها غير المسلحين بالرصاص. وجرت المذبحة في مدينتي اللد والرملة ضمن خطة قوات الاحتلال لفتح الطريق نحو القدس.
بحسب بوابة اللاجئين الفلسطينية، تخلى المتطوعون والفيلق العربي (من الجيش الأردني) عن سكان المدينة، واضطر قليل من سكانها المسلحين للاحتماء بمسجد دهمش إلى أن نفدت ذخيرتهم.
مضت القوات الإسرائيلية في قتل السكان غير المسلحين، حتى بلغ عدد الضحايا نحو 426 فلسطينياً بينهم نساء وأطفال. ومن نجا من القتل من سكان المدينة، أجبرتهم قوات الاحتلال على ترك بيوتهم والمسير على أقدامهم إلى خارج المدينة في يوم حار من دون مياه أو طعام، ما أضاف المزيد من الضحايا الذين تساقطوا على جانبي الطريق بعد موتهم عطشاً. ممن أجبروا على الرحيل كان الفنان التشكيلي الفلسطيني إٍسماعيل شموط، الذي خلّد المسيرة في لوحته الأشهر "العطش على الطريق".
(لوحة العطش على الطريق، المعروفة باسم "العطش" للفنان الفلسطيني إسماعيل شموط، المصدر: مركز الدراسات الفلسطينية)
في مساء الثلاثاء 11 آيار/مايو 2021، هب الفسلطينيون أحفاد من تبقى بعد القتل والتهجير من أصحاب اللد في مظاهرات واسعة، استجابة لنداءات للتظاهر ضد ممارسات الاحتلال في القدس ومحاولاته إخلاء بيوت سكان حي الشيخ جراح قسراً لتسليم البيوت إلى مستوطنين تم استقدامهم من دول أخرى. ومقابل هبة سكان اللد العرب، خرجت من اللد مسيرة جديدة، قوامها محتلون جاء آباؤهم وأجدادهم عام 1948 لارتكاب مجازر في الأراضي الفلسطينية وإخلاء بيوتها من سكانها للاستيلاء عليها. إلا أن المسيرة الإسرائيلية التي خرجت من المدينة، بشكل مؤقت، ومن دون خسائر في الأرواح، لن تعاني العطش.
مضت القوات الإسرائيلية في قتل السكان غير المسلحين، حتى بلغ عدد الضحايا نحو 426 فلسطينياً بينهم نساء وأطفال. ومن نجوا من القتل، أجبرتهم قوات الاحتلال على ترك بيوتهم والمسير على أقدامهم إلى خارج المدينة في يوم حار من دون مياه أو طعام، ما أضاف المزيد من الضحايا
حيفا: 12 مجزرة ومظاهرة واحدة
قامت الشرطة الإسرائيلية مساء الثلاثاء 11 آيار/مايو بحملة اعتقالات واسعة ضد الفلسطينيين حاملي الجنسية الإسرائيلية بمدينتي حيفا ويافا، إلا أن حملة الاعتقالات الاستباقية الواسعة لم تمنع خروج مظاهرات مساء الثلاثاء نفسه للتضامن مع أهالي "الشيخ جراح" ورفضاً لاعتداءات قوات الاحتلال المتكررة على المسجد الأقصى، الذي اضطرت إلى الانسحاب منه بعد مواجهات عنيفة مع المقدسيين.
ونقل رواد تويتر وفيسبوك الفلسطينيون عبر صفحاتهم فيديوهات تبين المظاهرات التي جابت شوارع حيفا، والتشجيع الذي لاقاه المتظاهرون من فلسطينيين آخرين راقبوا المسيرة من الشرفات والنوافذ.
كان لحيفا – كباقي المدن الفلسطينية المحتلة- نصيب من المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية خلال "حرب التحرير". وبدأت المذابح في حيفا منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
12 مذبحة في حيفا وحدها، نفذتها العصابات الصهيونية بين عامي 1938 و1948، منها مذبحة لم يكشف عنها إلا عام 1981 وهي مذبحة قرية يازور.
بحسب أرشيف وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، كانت اولى تلك المذابح في السادس من آذار/مارس 1938، عندما ألقى أعضاء من عصابتي إتسل وإيحي الصهيونيتين قنبلة على رواد سوق حيفا، ما ادى إلى مقتل 18 فلسطينياً وإصابة 38 آخرين.
الاعتداء على السوق نفسه تكرر في السادس ثم الخامس والعشرين من يوليو/تموز من العام نفسه باستخدام سيارات مفخخة. وأدى الاعتداءان إلى مقتل 56 فلسطينياً وجرح 122 آخرين. وفي اليوم التالي ألقى منتمون إلى العصابات الصهيونية نفسها (إتسل وإيحي) قنبلة يدوية على رواد السوق متسببين في مقتل 47 فلسطينياً.
(سوق حيفا عشية اعتداءات العصابات الصهيونية 1946- أرشيف النكبة)
وبينما استمرت بعض العصابات في مهاجمة أسواق حيفا، قامت عصابات أخرى بمهاجمة القرى التابعة لقضاء حيفا، مرتكبةً مجازر واسعة، منها مجزرة الشيخ بريك في 30 كانون الأول/ ديسمبر 1947، حين هاجمت عصابات صهيونية قرية الشيخ بريك وقتلت 47 فلسطينياً من سكان القرية وأجبرت من تبقى من سكانها على الرحيل، في مشهد مماثل لما حدث في اللد وتكرر في مدن وقرى فلسطينية أخرى.
وفي اليوم التالي مباشرة، قامت عصابة بالماخ الصهيونية بمهاجمة قرية بلد الشيخ بقوة قوامها 170 مسلحاً، أكبر قرى قضاء حيفا وانشطها اقتصادياً والتي يعمل سكانها بالزراعة وتربية الحيوانات. قتلت العصابة 60 من السكان، بينهم الكثير من النساء والأطفال، ولم تتمكن من تهجير الباقين. وتولت هجمة أخرى قامت بها عصابة الهاجاناه بمعاونة الجيش البريطانية من إخلاء القرية وتهجير سكانها في نيسان/ أبريل 1948.
كذلك قامت العصابات الصهيونية بمجازر أخرى، منها مجزرة عمارة المغربي وشارع عباس بحيفا وقرية أم الشوف وتلغيم قطار القاهرة- حيفا ومذبحة يازور التي ارتكبت خلال هجمات متعددة من العصابات الصهيونية على القرية.
في مساء الثلاثاء 11 أيار/ مايو 2021، هب أحفاد من ارتكبت بحقهم المجازر في يافا متظاهرين ضد الاحتلال. لم يقتلوا أياً من أحفاد قاتليهم، واكتفوا بالهتاف المطالب بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى ومحاولات الاستيلاء على بيوت أهالي الشيخ جراح، إلا أنهم تعرضوا مقابل ذلك للاعتقال واعتداءات الشرطة الإسرائيلية.
الشيخ جراح: حيث بدأ كل شيء
تمسك 550 شخصاً بمنازلهم في حي الشيخ جراح، وعارضوا قراراً قضائياً إسرائيلياً يقضي بإجلائهم من بيوتهم في أحد أهم أحياء القدس الشرقية الملاصقة لحرم المسجد الأقصى، وهذا ما أعاد إشعال المواجهات في القدس لتمتد إلى كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة والمحاصرة منذ مساء الثلاثاء.
استمرت المعركة القضائية حول الشيخ جراح بين المدعين الإسرائيليين وأصحاب الأرض الفلسطينيين، حتى بدأت التحرشات الأخيرة التي قادت إلى هبة فلسطينية أجبرت المحاكم الإسرائيلية على تعليق الفصل في القضية إلى أجل غير مسمى، ليبقى الوضع كما هو عليه في الوقت الحالي.
قبل أيام من بدء محاولات الإجلاء الأخيرة، كان المقدسيون على موعد مع مواجهة مبكرة في أيام رمضان الأولى، إذ سعت قوات الاحتلال إلى السيطرة على باب العامود، وهو أحد المداخل الفلسطينية الباقية إلى القدس القديمة، في إطار محاولات الاحتلال المستمرة لتغيير هوية المدينة وإنهاء الوجود العربي فيها. إلا أن هبة المقدسيين ومواجهنهم قوات الاحتلال أدتا إلى تعليق المحاولة. وتزامن هذا مع صدور تقرير دولي من منظمة هيومان رايتس ووتش يواجه إسرائيل علانية بارتكاب جرائم الفصل العنصري بحق الفلسطينيين.
بعد انتهاء مناوشات بيت العاموت باعتقالات واسعة وانسحاب إسرائيلي، بدأت قوات الاحتلال والمستوطنون في التحرش بالسكان الفلسطينيين في حي الشيخ جراح المملوك للأردن، ومحاولة نزع مساكنهم لصالح مستوطنين استناداً إلى قانون إسرائيلي صدر عام 1970، عقب الاحتلال العسكري الإسرائيلي للقدس الشرقية، حين تقدمت جمعيات الطوائف الإسرائيلية بدعوى قضائية في 1972 تدعي فيها ملكية الأرض وتطالب أصحابها الفلسطينيين بإخلائها. وأوكل الفلسطينيون محامياً إسرائيلياً مختصاً بالعقارات، اتفق على تسوية دون علم موكليه الفلسطينيين، يتم اعتبارهم بموجبها مستأجرين من الطوائف الإسرائيلية، أي تسوية تقر بملكية الطوائف الإسرائيلية للأرض. واعتمدت المحاكم الإسرائيلية هذه التسوية، بالرغم من إعلان الفلسطينيين الذين تمت باسمهم التسوية أنهم يرفضونها، وأنها تمت من دون علمهم أو موافقتهم.
استمرت المعركة القضائية بين المدعين الإسرائيليين وأصحاب الأرض الفلسطينيين، حتى بدأت التحرشات الأخيرة التي قادت إلى هبة فلسطينية أجبرت المحاكم الإسرائيلية على تعليق الفصل في القضية إلى أجل غير مسمى، ليبقى الوضع كما هو عليه في الوقت الحالي.
إلا أن عودة التحرشات ومحاولة الإخلاء، بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المقدسيين والمسجد الأقصى طوال أيام شهر رمضان، قادت إلى الهبة التي شهدتها جميع المدن الفلسطينية والمحاصرة مساء أمس الثلاثاء 11 آيار/مايو.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون